الثلاثاء، 31 مايو 2011

ملاحظات وتساؤلات منطقية


تمهيد

1- ملاحظات وتساؤلات منطقية
إن الملاحظة الدقيقة[1]، ثم طرح التساؤلات، وإعطاء العقل فرصة للتأمل فيما تمت ملاحظته، ومحاولة الإجابة عن التساؤلات المطروحة، يضع الإنسان في طريق الفهم والمعرفة. فما أصعب أن يتميز الإنسان بالعقل، والذي هو أعظم هبات الله للإنسان، ثم يكون هذا الإنسان منقادًا، مُساقًا، مُسلِّمًا زمام أمره في يد غيره .. يقوده الآخرون إلى حيث لا يدري، وهو مُعصب العينين مُغلق الذهن.
إن الإنسان الذي يجبن، أو يتكاسل عن استخدام عقله إلا بتوجيه من غيره، إنما يرتكب جريمة شنعاء في حق نفسه، ولن يتبرر أمام الله الديان العادل.
"أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ" (رومية 2 : 1).
معوقات التفكير:
من معوقات التفكير هو توهم الإنسان أنه يمتلك المطلق....

لذلك قبل الدخول في لب موضوع هذا البحث، لابد من طرح بعض الملاحظات والتساؤلات المنطقية، والتي يمكن أن تخطر ببال أي إنسان ينعم بعقل سليم.
وهناك ملاحظتان على سبيل المثال لا الحصر:
الملاحظة الأولى: هل مَنْ يقوم بالصلاة (بابا، بطريرك، مطران، أسقف، كاهن، قسيس، خادم للإنجيل) يكون رأسه مغطى أم مكشوف؟
لكن ما أهمية هذه الملاحظة؟
لاشك أن هذه الملاحظة تفقد أهميتها إذا لم يكن هناك نص كتابي يشير إلى ذلك.
ارجع إلى 1كورنثوس 11: 4، 7 ماذا يقول الكتاب: "كُلُّ رَجُل يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ.. فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ".
هل لاحظت قول الكتاب: الرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ.
ضع عدة خطوط تحت كلمة لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ.
ماذا لو غطى الرجل رأسه أثناء الصلاة أو التنبؤ (الوعظ)؟ هل غطاء رأس الرجل أو عدم غطاء رأسه أثناء الصلاة أو التنبؤ أمر جوهري؟
لا شك أنه أمر جوهري، لأن له مدلول روحي، وتعليم كتابي (لِكَوْنِهِ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ)، وأي تهاون في طاعته، يعتبر تمرد وعصيان على أقوال الله، المدونة بالروح القدس في كتاب الله المقدس.

 الملاحظة الثانية: هل لاحظت الكاهن وهو يبخر أمام الصور والأيقونات، وإذا وجد من هو أكبر منه رتبة (بابا، بطريرك، مطران، أسقف) لابد أن يعطيه يد بخور، هل هذا الطقس يتمشى مع أقوال الله؟ وهل في كتاب الله ما يوصى بالتبخير أمام الصور والأيقونات؟
وهل في كتاب الله ما يوصي بتقديم البخور للبشر مهما كانت مراكزهم الدينية؟
ارجع إلى خروج 20: 4، 5 لترى ماذا يقول الكتاب: "لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ".
هل لاحظت قول الكتاب: لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً .. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ
وهكذا عندما يدخل المسيحي أي كنيسة أو طائفة لابد وأن يلاحظ ما يجري من طقوس وممارسات، ويتساءل هل هذه الطقوس والممارسات توافق تعاليم ربنا يسوع المسيح؟
ثم بعد أن يستمع إلى التعاليم المقدمة، يتساءل، هل هي من أقوال الله، أم تعاليم بشرية؟
انظر ما يقوله الرسول بولس في رومية 8: 1 "فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ". ما معنى عبادة عقلية؟
هي العبادة المقدمة لله بالروح وبالذهن، وعلى أساس الحق الإلهي كما قال الرب للمرأة السامرية "تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق" (يوحنا 4: 23).
وكما قال الرسول بولس في 1كورنثوس 14: 15 " فَمَا هُوَ إِذًا؟ أُصَلِّي بِالرُّوحِ، وَأُصَلِّي بِالذِّهْنِ أَيْضًا"
قد يحتج البعض قائلاً: أنا أتعبد في كنيسة تقليدية، كل ما يجري فيها هو من تسليم المسيح لرسله ثم سلمها الرسل لمن جاءوا من بعدهم.
لكن السؤال هنا ماهو موقفك إن كانت هذه التقاليد، أو بعضها يتعارض مع تعاليم المسيح وتعاليم رسله الكرام؟ وماذا تفعل لو اكتشفت أن الكثير من الثوابت العقائدية لديك ليس لها أساس في كلمة الله ولا في التقليد؟
وهكذا، على الإنسان أن يتفكر، ويلاحظ، ويتساءل عن كل ما يجري داخل الكنيسة أيًا كانت مسمياتها، وعقائدها، وتقاليدها.
ولا شك أن أي ملاحظات أوتساؤلات تطفو على سطح الذهن، لابد وأن تكون لها إجابة في كلمة الله.
أيضًا، سأطرح بعض التساؤلات على سبيل المثال لا الحصر، وهي:

* هل أسس المسيح النظام البابوي؟ 
هذا سؤال منطقي، بصفة أن المسيح هو:
1-   باني الكنيسة: "أَبْني كَنِيسَتِي" (متى 16: 18).
2-   أساسها: "فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ" (1كورنثوس 3: 11).
3- رأس الكنيسة المبارك، والتي هي جسده: "وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ" (أفسس 1: 22، 23).
4-   حجر الزاوية: "وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ" (أفسس 2: 20).
5-   الذي يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون: "وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ" (أعمال 2: 47).
فإذا كان ارتباط المسيح بالكنيسة بهذا القدر من الأهمية، وإذا كانت الكنيسة تمثل جسد المسيح، فلابد أن يكون النظام البابوي بهذا القدر من الأهمية في تنظيم الكنيسة وإدارتها، ولابد أن يكون في كلمة الله إعلان صريح من الرب أنه أقام رسله بابوات، ومنحهم سلطان إقامة بابوات في الأماكن التي سيكرزون فيها بالإنجيل.
وإذا كان المسيح هو مؤسس هذا النظام، فما هي المناسبة التي أسس فيه هذا النظام، وما هو النص الكتابي الذي يشير إلى ذلك، وفي أي موضع من الكتاب المقدس ورد؟ ومن هو أول بابا رسمه المسيح؟ وعلى أي مدينة رسمه؟

* وإذا لم يكن المسيح هو الذي أسس النظام البابوي، فهل رسله هم الذين أسسوا هذا النظام؟
وبالافتراض جدلاً أنهم قاموا بهذا العمل،  فعلى أي أساس قاموا بتأسيس هذا النظام؟ هل أخذوا تفويضًا من المسيح للقيام بذلك؟ أم أرتأوا ذلك من أنفسهم؟ وهل كان رسل المسيح بابوات؟ أم أن الرسول بطرس وحده هو البابا الأول؟ وهل أقام نفسه بابا، أم أن المسيح رسمه بابا؟ أم الرسل اجتمعوا ورسموه بابا؟ وما هو النص الكتابي الذي يشير إلى ذلك، وفي أي موضع من الكتاب المقدس ورد؟
وإذا لم يكن المسيح هو مؤسس هذا النظام، ولا رسله الكرام، فمن يكون إذًا مؤسس هذا النظام؟ هل هم الآباء الرسوليون (تلاميذ الرسل) هم مؤسسوا هذا النظام؟
وإذا كان الآباء الرسوليون (تلاميذ الرسل) هم الذين أسسوا هذا النظام، في القرن الثاني الميلادي، فمن هو الشخص الذي قام بذلك، وما هو النص الكتابي الذي استند عليه، وكان أساسًا لهذا النظام؟ وإذا كان هناك بالفعل شخص قام بذلك، لابد وأن يكون ورد ذكره في مجموعة كتابات آباء ما قبل نيقية     Ante-Nicene Fathers.

* هل نشأ النظام البابوي فجأة في التاريخ، أم أن له بذار سلوكية تمت الإشارة إليها في كلمة الله، أنشأت تعليمًا فيما بعد؟ أليس بالرجوع إلى سفر الرؤيا إصحاح 2 وبمقابلة عدد 6 بعدد 15، نجد أن أعمال النيقولاويين تحولت إلى تعليم.

* هل كان الرسول بطرس، هو أول من كرز بالمسيحية في روما، وهو أول بابا لروما؟

* هل كان البشير مرقس ضمن رسل المسيح؟
* وإن لم يُذكر البشير مرقس ضمن الاثني عشر رسولاً الوارد ذكرهم في متى 10: 2-4، فهل تمت الإشارة إليه ضمن السبعين رسولاً (لوقا 10: 1)؟
* متى تمت الإشارة أول مرة للبشير مرقس في العهد الجديد؟
* هل كان البشير مرقس هو أول من نشر المسيحية في مصر؟
* هل كان البشير مرقس هو البابا الأول ومؤسس كرسي الأسكندرية؟
تساؤلات منطقية مطروحة، ربما ليست هذه هي كل التساؤلات، ولكن على الأقل هذه أهمها (من وجهة نظر الباحث)، وربما تنطوي في الإجابة عنها، إجابات على تساؤلات أخرى لم يتم طرحها هنا.
     إن الإيمان الصحيح، لا يخشى التساؤلات المطروحة عليه، وليس في المسيحية ما يمنع أو يُحرِّم ذلك، بل من واجب كل مؤمن أن يكون مستعدًا للمجاوبة، فمكتوب: "... مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ" (1بطرس 3 : 15).
   2- تحذيرات كتابية

   أُبتليت المسيحية منذ عصرها الباكر، بتضافر جحافل الظلمة للنيل من نقاء تعاليمها الإلهية، وتشويهها، بل وإبعادها عن مسارها الإلهي، الذي رسمه الرب لها، ورسله الكرام من بعده.
وهذا ليس بغريب، أو عجيب، لأن المسيحية في نقاء تعاليمها تمثل خطورة على مملكة الظلمة، وكذلك تمثل تهديدًا لقوى الشر. لذلك اتبع عدو الخير.. إبليس استراتيجية جهنمية من وجهتين في صراعه ضد المسيحية، الوجهة الأولى اضطهاد من الخارج لإبادة المسيحيين وهو ما عرف في التاريخ بعصور الاستشهاد، والوجهة الثانية دس رسل كذبة، وأنبياء كذبة، ومعلمين كذبة، وإخوة كذبة، داخل دائرة المسيحية لتخريبها وتقويض أركانها من الداخل.
فهل نجح الشيطان في مسعاه؟
لا شك، أن الشيطان قد فشل في إبادة المسيحيين، وهناك قول مشهور للعلامة ترتليانوس (160-220م): "إن دماء المسيحيين (الشهداء) هي بذار الكنيسة"[2]، ولكنه نجح إلى حد بعيد في تشويه صورة المسيحية الحقيقية.. الإيمان المُسلَّم مرة للقديسين.
ولقد جاءتنا التحذيرات من الرب نفسه إذ قال: "انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ" (متى 24: 4).
إن كلمة "انظروا"  βλεπετε (بليبيتي) تعني أيضًا: احذروا، احترسوا    beware  take heed,
(Strong's Hebrew and Greek Dictionaries)
"لاَ يُضِلَّكُمْ"   πλανηση (بلانيسي) وتعني أيضًا: الانحراف عن الطريق be out of the way
(Strong's Hebrew and Greek Dictionaries)
  أَحَدٌ". كان  الرب يعلم بأن هناك مَنْ سيأتي ليضل المؤمنين، لذلك منذ البداية سبق وحذر من المُضلّين، حتى لا يعتذر إنسان بالجهل، وعدم المعرفة.
    وإذا كان تحذير الرب لتلاميذه: "انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ"، فكم يكون هذا التحذير لازمًا وضروريًا لكل المؤمنين في كل زمان ومكان أن يحترسوا على الدوام من خدع الشيطان وتقليده ومحكاته لأمور الله، وذلك بفحص كل شيء بالرجوع إلى أقوال الله، ولسان الحال هو: ماذا يقول الكتاب؟
وإذا كان لنا تحذير من الرب، فلنا تحذير آخر من الرسول بطرس:
"فَأَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ قَدْ سَبَقْتُمْ فَعَرَفْتُمُ، احْتَرِسُوا مِنْ أَنْ تَنْقَادُوا بِضَلاَلِ الأَرْدِيَاءِ، فَتَسْقُطُوا مِنْ ثَبَاتِكُمْ" (2بطرس 3 : 17).
وتحذير ثالث من الرسول بولس:
"اُنْظُرُوا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِل، حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ، حَسَبَ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ" (كولوسي 2 : 8).
وهناك تحذيرات كثيرة أخرى، لا مجال لحصرها.

لقد فشل إبليس في إبادة المؤمنين، كما سبقت الإشارة، ولكنه نجح في استخدم أواني بشرية من داخل دائرة المسيحية، شغلت وظائف هامة داخل الكنيسة، أمكنها أن تغرس بذور الضلال وسط المؤمنين منذ فجر المسيحية، تلك البذور التي انتجت على مر الأزمان مسيحية مشوهة، ممسوخة، هي أبعد ما تكون عن المسيحية الحقيقية، لكن الرب كان يحفظ له بقية أمينة، على مر العصور، حفظت في قلبها وبدماءها الإيمان المُسلَّم مرة للقديسين.. حفظت الوديعة الصالحة في نقائها، وبهائها ولمعانها الإلهي.
ولقد أوضح الكتاب بعض هذه الفئات التي لها ألقاب دينية رنانة مثل رسل، أنبياء، معلمون، أساقفة...إلخ. ممن كانوا، ولا يزالوا أدوات في يد الشيطان لتخريب المسيحية من الداخل. وهم كالتالي:

1- رسل كذبة في شكل خدام للبر:
"لأَنَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ هُمْ رُسُلٌ كَذَبَةٌ، فَعَلَةٌ مَاكِرُونَ، مُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ إِلَى شِبْهِ رُسُلِ الْمَسِيحِ.
وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ!
فَلَيْسَ عَظِيمًا إِنْ كَانَ خُدَّامُهُ أَيْضًا يُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ كَخُدَّامٍ لِلْبِرِّ. الَّذِينَ نِهَايَتُهُمْ تَكُونُ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ" (2كورنثوس 11: 13-15).
مَنْ هؤلاء المدعوين رسل كذبة؟ إنهم عاملون في كرم الرب، وسط قطيع المسيح، ولكن ليس لحساب الرب بل لحساب الشيطان، ملتحفين بالتقوى، والبر، ولابسين قناع القداسة، ولكنهم فعلة ماكرون، يتشبهون برسل المسيح، وغايتهم هي التسلط على قطيع الرب، وهذا يتضح من قول الرسول بولس للمؤمنين: "لأَنَّكُمْ تَحْتَمِلُونَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْتَعْبِدُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْكُلُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْخُذُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَرْتَفِعُ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَضْرِبُكُمْ عَلَى وُجُوهِكُمْ!" (2كورنثوس 11: 20). هذا ما كان يفعله الرسل الكذبة بالمؤمنين، وهذا أيضًا ما نراه يحدث في المسيحية الإسمية.

2- أنبياء كذبة:
" أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ" (1يوحنا 4: 1). أين كانوا قبل خروجهم؟ لقد كانوا وسط المؤمنين، وهؤلاء يقول عنهم الرسول يوحنا: "مِنَّا خَرَجُوا، لكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا. لكِنْ لِيُظْهَرُوا أَنَّهُمْ لَيْسُوا جَمِيعُهُمْ مِنَّا" (1يوحنا 2: 19).
    لكن في وقت كثر فيه الضلال وسط المسيحية الإسمية، كان على المؤمنين الحقيقيين أن يخرجوا إلى المسيح بعيدًا عن الضلال، طاعة لقول الكتاب: "فَلْنَخْرُجْ إِذًا إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ" (عبرانيين 13: 13). فبدلاً أن تكون الكنيسة هي عمود الحق وقاعدته (1تيموثاوس 3: 15)، باتت بيتًا كبيرًا اختلطت فيه أواني الهوان بأواني الكرامة (2تيموثاوس 2: 20)، لذلك كانت نصيحة الرسول بولس هي: "فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هذِهِ، يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ" (2تيموثاوس 2: 21).

3- معلمون كذبة في شعب الله:
"وَلكِنْ، كَانَ أَيْضًا فِي الشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ. وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ، يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلاَكًا سَرِيعًا" (2بطرس 2: 1). ألم يكن آريوس )حوالي 250- 336 م.) معلمًا كاذبًا. وكذلك غيره من الهراطقة، ممن يذكرهم التاريخ، إلى يومنا هذا. ألا يوجد وسط المسيحية الإسمية، معلمون أساءوا إلى كمال وكفاية ذبيحة المسيح على الصليب لغفران الخطايا، ونوال الحياة الأبدية بالإيمان، كما قال الرب نفسه: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ" (يوحنا 6: 47). وقال أيضًا وهو الصادق الأمين: "وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا 3: 14-16). ألم يوبخ الرب أمثال هؤلاء، قائلاً: "لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ... رَفَضْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ لِتَحْفَظُوا تَقْلِيدَكُمْ!... مُبْطِلِينَ كَلاَمَ اللهِ بِتَقْلِيدِكُمُ الَّذِي سَلَّمْتُمُوهُ" (مرقس 7: 8- 13).

4- إخوة كذبة:
" ... بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ" (2كورنثوس 11: 26).
"وَلكِنْ بِسَبَبِ الإِخْوَةِ الْكَذَبَةِ الْمُدْخَلِينَ خُفْيَةً، الَّذِينَ دَخَلُوا اخْتِلاَسًا لِيَتَجَسَّسُوا حُرِّيَّتَنَا الَّتِي لَنَا فِي الْمَسِيحِ كَيْ يَسْتَعْبِدُونَا" (غلاطية 2: 4). لاحظ كلمة "يستعبدونا"، أي أنهم أقاموا من أنفسهم أسيادًا على قطيع المسيح، ليستعبدوه، رغم إدعائهم بأنهم إخوة، ولكنهم إخوة كذبة.

5- أساقفة يتكلمون بأمور ملتوية ومن بينهم ذئاب خاطفة:
"اِحْتَرِزُوا اِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ. لأَنِّي أَعْلَمُ هذَا: أَنَّهُ بَعْدَ ذِهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لاَ تُشْفِقُ عَلَى الرَّعِيَّةِ. وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلاَمِيذَ وَرَاءَهُمْ" (أعمال 20: 28-30).

6- أناس فجار:
"لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهذِهِ الدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ، يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ، وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ: اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ" (يهوذا 4).
هذه بعض الفئات التي اندست داخل دائرة المسيحية منذ عصر الرسل، وقام الرسل بالتحذير منها، ولم يخف الرسول بولس خوفه على المؤمنين من الخداع الذي قد يتعرضون له من مثل هؤلاء المدخلين خلسة ليفسدوا التعاليم النقية للمسيحية الحقيقية، إذ يقول لهم:
"وَلكِنَّنِي أَخَافُ أَنَّهُ كَمَا خَدَعَتِ الْحَيَّةُ حَوَّاءَ بِمَكْرِهَا، هكَذَا تُفْسَدُ أَذْهَانُكُمْ عَنِ الْبَسَاطَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ" (2كورنثوس 11: 3). فالعدو لم يتوقف عن أساليب الخداع منذ أن أوقع الإنسان الأول في العصيان، وإلى اليوم، حتى يُقضى عليه في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت.

3- تحريضات رسولية
   إن التحذير والاحتراس من تلك الفئات الضالة والمضلِّلة أمر واجب على كل مؤمن بحسب ما ورد في كلمة الله، لكن هناك قاعدة كتابية ينبغي النهج بها لتجنب الانحراف بعيدًا عن كلمة الله، وهي تلك النصيحة الغالية التي نصح بها الرسول بولس المؤمنين في تسالونيكي إذ قال لهم:

أ-  "امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ"
(تسالونيكي الأولى 5: 21).

"امتحنوا كل شيء" مبدأ كتابي يصح على مجالات الحياة كافة، فليس هناك شيء مستثنى من الامتحان، وإن كان الأمر كذلك، فبالأحرى كل ما يختص بالتعاليم، والتقاليد الموروثة.. إلخ.
ولقد طبق هذا المبدأ أهل بيرية، إذ شهد الكتاب عن أمانتهم للمكتوب إذ قال:
"وَكَانَ هؤُلاَءِ (أهل بيرية) أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا؟" (أعمال 17 : 11).
نتعلّم من أهل بيرية أننا لا نسلّم بصحة ما نسمعه من تعاليم لكون المتحدث بها شخص يشغل منصبًا دينيًا كبيرًا، فعلى الرغم من أن المتحدث إليهم كان الرسول بولس، إلا أنهم رجعوا إلى جهة الاختصاص التي بيدها إصدار القرار بصحة أو عدم صحة التعليم المقدم لهم، وليس من جهة مختصة سوى الكتاب المقدس، عملاً بقول الكتاب: "إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ!" (إشعياء 8 : 20).
إن الكثيرين ممن وقعوا في البدع والهرطقات كانوا يشغلون مراكز دينية عالية، فضلاً عن تميّزهم بالقداسة، فآريوس ونسطور وأوطاخي وغيرهم كانوا قادة كبار في كنائسهم، فعندما أخطأوا في التعليم أضلوا الكثيرين من أتباعهم، والمطيعين لتعاليمهم طاعة عمياء.

ب- الاجتهاد من أَجْلِ الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ
"أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ الْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنِ الْخَلاَصِ الْمُشْتَرَكِ، اضْطُرِرْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ وَاعِظًا أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ" (يهوذا 3).
"لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهذِهِ الدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ، يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ، وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ: اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ" (يهوذا 4).
حيث أن كلمة "تجتهدوا" في اليونانية هي επαγωνιζεσθαι (إيباجونيزيسثاي) وتعني:
    يكافح من أجل، يجتهد، يناضل من أجل   Struggle for, earnestly, contend for, 
(Strong's Hebrew and Greek Dictionaries)
كان يهوذا يريد جاهدًا أن يكتب لهم عن الخلاص المشترك، لكنه رأى بالروح القدس المخاطر المعاصرة له، والمستقبلية، التي تتعرض لها حقائق الإيمان المسيحي، فوجد أنه من الأهمية بمكان أن يحرض المؤمنين المعاصرين له، والمؤمنين في كل عصر، على الكفاح والنضال من أجل الحفاظ والتمسك بالإيمان المُسلَّم مرة للقديسين، دون إضافة تعاليم أو مبادئ جديدة، الأمر الذي حذّر منه الرسول بولس المؤمنين في غلاطية إذ قال لهم: "وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا» ( أي ملعونًا أو غير مرحوم)!" (غلاطية 1: 8). وكذلك التحذير الذي ورد في سفر الرؤيا: "لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ" (رؤيا 22: 18، 19).
 لذلك قال الرسول يوحنا: "أَمَّا أَنْتُمْ فَمَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ فَلْيَثْبُتْ إِذًا فِيكُمْ. إِنْ ثَبَتَ فِيكُمْ مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ، فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَثْبُتُونَ فِي الابْنِ وَفِي الآبِ" (يوحنا 1: 24).

ج-  حْفَظِ الْوَدِيعَةَ، والتَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ

"يَا تِيمُوثَاوُسُ، احْفَظِ الْوَدِيعَةَ، مُعْرِضًا عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ، وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاسْمِ" (1تيموثاوس 6: 20).
"تَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي، فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا" (2تيموثاوس 1: 13، 14).
كانت مشغولية قلب الرسول بولس أن يحرض تيموثاوس على حفظ الوديعة أي أقوال الله الصادقة التي سمعها منه، وهو تحريض يصدق على كل المؤمنين في كل زمان ومكان.
فهل حفظ المؤمنون، عبر الأجيال، أقوال الله الصادقة.. الإيمان المُسلَّم مرة للقديسين، دون إضافة أو حذف؟


اعتراضان من الواجب مناقشتهما
الاعتراض الأول ومناقشته:
يقول البعض: إن ليس كل ما علَّم به المسيح مدون في الأناجيل، استنادًا على قول الرسول يوحنا : "وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ. آمِينَ" (يوحنا 21 : 25).
لنلاحظ القول: " وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ"، لم يقل "علَّم بها"، ولكنه قال: " صَنَعَهَا"، وحقيقة الأمر، أن ما صنعه الرب يسوع بصفته الكلمة الأزلي، الذي "كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ" (يوحنا 1: 3)، والمكتوب عنه أيضًا: " فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ" (كولوسي 1: 16). فلو تم تسجيل كل ما صنعه الرب يسوع، لكان قول الرسول يوحنا: " فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ" هو قول حق وصدق، ولا مبالغة فيه. ويكفي ما تخبرنا به التلسكوبات الفضائية من مليارات المجرات الموجودة في الكون، وكل مجرة بها مليارات النجوم والكواكب..إلخ.
أيضًا يستندون على قول الرسول يوحنا: "وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ" (يوحنا 20: 30). الحديث هنا عن آيات صنعها الرب يسوع لم يدونها الرسول يوحنا لأنها تفوق الحصر، فمكتوب عن الرب: "الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ" (أعمال 10: 38). فكل يوم من أيام خدمة الرب على الأرض، كان يجول يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، فمن يستطيع أو يقدر أن يحصي ويسجل كل أعمال الخير التي صنعها الرب أيام خدمته، وكذلك أيضًا أقواله وتعاليمه؟
لذلك كتب الرسول يوحنا على الفور: "وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ" (يوحنا 20: 31).
أي أن ما دونه الرسول يوحنا في بشارته كان كافيًا لإيماننا بأن يسوع هو المسيح ابن الله، وأن هذا الإيمان كاف لمنحنا حياة باسمه.   
  
الاعتراض الثاني ومناقشته:
يقول البعض أن الرب كان يظهر لتلاميذه مدة أربعين يومًا وسلمهم تعاليم وتقاليد لم تدون استنادًا على ما جاء في سفر الأعمال 1: 3 "اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ".
فما هي الأمور المختصة بملكوت الله التي تحدث بها الرب لرسله الكرام؟
مما لا شك فيه، بل ومن المؤكد، أن كل الأمور المختصة بملكوت الله، والتي سمعها الرسل من الرب، قد وردت في تعاليمهم، ورسائلهم، وكتاباتهم المدونة بوحي من الله، بعد أن حلَّ عليهم الروح القدس في يوم الخمسين.
وهذا التأكيد مبني على قول الرسول يوحنا: "الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ ..." (1يوحنا 1: 3).
فالذي رآه الرسول يوحنا من أعمال الرب، والذي سمعه من تعاليم الرب بما فيها من تعاليم عن الأمور التي تختص بملكوت الله، قد أخبرنا بها، إذ دونها بالروح القدس في بشارته، وفي رسائله، وفي سفر الرؤيا.

وكذلك استنادًا على قول الرسول بطرس: "وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ" (2بطرس 1: 19).

والذين يتخذون من أعمال 1: 3 تكأة لإضافة كل ما يعنَّ لهم من تعاليم خرافية إلى كلمة الله أو الحذف منها، لهم دينونة عظيمة، لأنهم داسو على تحذير الرسول بولس في 1كورنثوس 3: 11: "فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ". وأيضًا: "مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ" (أفسس 2: 20).
ولم يتحذروا لقول كاتب الرؤيا: "لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ" (رؤيا 22: 18، 19).
فمن المؤكد أن ما تحدث به الرب لتلاميذه مدة الأربعين يومًا بعد قيامته، قام التلاميذ بتسجيله في كتاباتهم تحت قيادة الروح القدس: "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (2بطرس 1: 21).
إن القول بأن هناك تعاليم لم تدون في الكتاب المقدس بحجة ما جاء في أعمال 1: 3، فضلاً عن أنه ينسب النقص إلى أقوال الله وكتاب الله، وكما هو معلوم أن النقص على الله محال، فهو أيضًا يُكذب قول الرسول بولس أن: "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ" (2 تيموثاوس 3: 16).
وكذلك يفتح المجال أمام مَنْ يدسون بدع الهلاك، بحجة أن هناك أمورًا شفهية لم تدون في الكتاب المقدس. هؤلاء الذين ينادون بإنجيل آخر، ويقصدون التقليد. لذلك وضع رئيس ديني عنوانًا لمجلة يصدرها: "لا تقل لي أريد نصًا كتابيًا لأنه يوجد إنجيل آخر"، ذلك بعد أن حوصر بآيات من الكتاب المقدس، تثبت بطلان معتقده، وكذلك فشله الذريع في برهنة عقيدته بآيات من الكتاب المقدس.
ومثال ذلك:
يقول الكتاب عن الأسقف: "فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، صَاحِيًا، عَاقِلاً، مُحْتَشِمًا، مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ، غَيْرَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ، بَلْ حَلِيمًا، غَيْرَ مُخَاصِمٍ، وَلاَ مُحِبٍّ لِلْمَالِ، يُدَبِّرُ بَيْتَهُ حَسَنًا، لَهُ أَوْلاَدٌ فِي الْخُضُوعِ بِكُلِّ وَقَارٍ. وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْرِفُ أَنْ يُدَبِّرَ بَيْتَهُ، فَكَيْفَ يَعْتَنِي بِكَنِيسَةِ اللهِ؟ غَيْرَ حَدِيثِ الإِيمَانِ لِئَلاَّ يَتَصَلَّفَ فَيَسْقُطَ فِي دَيْنُونَةِ إِبْلِيسَ. وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ حَسَنَةٌ مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، لِئَلاَّ يَسْقُطَ فِي تَعْيِيرٍ وَفَخِّ إِبْلِيسَ" (1تيموثاوس 3: 2-7).
يقول الكتاب أنه يجب على الأسقف أن يكون بعل امرأة واحدة،
 أما التقليد فيقول: يجب أن يكون الأسقف من الرهبان. وبذلك داس التقليد على قول الكتاب: فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ .. يُدَبِّرُ بَيْتَهُ حَسَنًا.. تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ حَسَنَةٌ مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ.
فهل هذا ينطبق على الراهب، الذي اختار حياة البتولية؟
وكيف لراهب لم يتزوج ولم ينجب أولادًا، أن يدبر بيته حسنًا، وهو يقيم في قلاية معزولاً عن العالم، ليس له زوجة وأولاد؟
كيف لمن لم يتزوج أن يدبر أمور المتزوجين؟ أليس فاقد الشيء لا يعطيه.
كيف يتدخل الراهب، مهمًا كانت وظيفته التقليدية.. بطرك .. أسقف..إلخ. أن يجلس مع امرأة على انفراد، ليستمع منها على مشاكلها الجنسية مع زوجها؟ أو يجلس مع رجل ليستمع منه على مشاكله الجنسية مع زوجته؟ وكيف لراهب سواء أكان أسقفًا، أو غير ذلك، أن يتحدث للمتزوجين حديثًا، عن كيفية إقامة علاقة جنسية صحيحة، حتى لو كان قبل الرهبنة متخصصًا في هذه المسائل؟ أليس وضعه كراهب يحتم عليه الابتعاد عن تناول مثل هذه المسائل؟
وكيف لراهب أن تكون له شهادة حسنة من الذين هم من خارج، وليس خارج قلايته سوى الصحراء بما فيها من هوام ودواب؟ هل الهوام والدواب من شأنها أن تقدم شهادة حسنة عن هذا الراهب المرشح للأسقفية؟
بحجة أنه يوجد تقليد شفهي ترك التقليديون وصية الله: " لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ" (مرقس 7: 8).
بل رفضوا وصية الله: " رَفَضْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ لِتَحْفَظُوا تَقْلِيدَكُمْ!" (مرقس 7: 9).
بل أبطلوا وصية الله: " مُبْطِلِينَ كَلاَمَ اللهِ بِتَقْلِيدِكُمُ الَّذِي سَلَّمْتُمُوهُ" (مرقس 7: 13).
لاحظ الانحدار في البعد عن المكتوب:
أولاً تركوا وصية الله، ثم رفضوا وصية الله، ثم أبطلوا وصية الله. أليس هذا ما هو حادث في الكنائس التقليدية؟

هل الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ والتي تحدث بها الرب مع تلاميذه، كان من ضمنها الرهبنة وشغل الوظائف الكنسية؟ أم طقس القداس، والألحان الخاصة بالصوم، والأخرى الخاصة بالأعياد، والتبخير للصور والأيقونات؟ وأي قداس نصحهم الرب باستخدامه، هل هو القداس على النظام الغريغوري أم الباسيلي أم الكرلسي، أم الحبشي، أم اللاتيني، أم الروسي، أم اليوناني ...إلخ. والتي لم تكن قد تم تأليفها بعد؟
هل الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ والتي تحدث بها الرب مع تلاميذه، كان من ضمنها شكل عمامة الأسقف، التي على مثال عمامة أهل  الشيعة، وطالبان، وأنها يجب أن تكون أكبر من عمامة الكاهن المختلفة معها في الشكل، وأن الثياب يجب أن تكون سوداء اللون، وفي القداس تكون بيضاء اللون؟
هل الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ والتي تحدث بها الرب مع تلاميذه، كان من ضمنها أنه فرّق بين ملابس الكهنة الأرثوذكس، وملابس الكهنة الكاثوليك، وملابس القسوس البروتستانت؟
هل الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ والتي تحدث بها الرب مع تلاميذه، كان من ضمنها تسليمهم كتاب الأبصلمودية، والتسبحة الكيهكية، والتسبحة السنوية، وكتاب الأجبية، والخولاجي المقدس، والقطاميروس، وبستان الرهبان، ومخطوطة اعترافات الآباء..إلخ.؟
ربما يعترض البعض بالخلاف مع المكتوب في كلمة الله، ومع العقل والمنطق السليم، ويقولون من أدراك أن الرب لم يقم بهذه الأمور كلها، هل كنت معه عندما تحدث مع تلاميذه؟
أقول لمثل هؤلاء، لو أن الرب قام بمثل هذه الأمور، لكان هناك اتحاد ووحدة في نظام الكنائس التقليدية كافة، في صلواتهم وطقوسهم وتعاليمهم، وكتبهم..إلخ.
لكن الخلافات التي بين الكنائس التقليدية في كل هذه الأمور، دليل قاطع على أن التقاليد ليست من تسليم المسيح، ولا من تسليم رسل المسيح، بل دخلت خلسة، وفي غفلة من الزمن، إلى التعاليم المسيحية، وسوف يتم استعراض متى دخلت مثل هذه التعاليم من الناحية التاريخية.


الخلاصة
كان من الضروري التمهيد السابق، من تساؤلات منطقية، وتحذيرات كتابية، وتحريضات رسولية، التي هي بمثابة الحيثيات التي سيبنى عليها محاكمة النظام البابوي.


2 سر اكتشاف قانون الجاذبية للسير إسحق نيوتن (4يناير 1643-31مارس1727) هو ملاحظته لسقوط تفاحة إلى الأرض، وهي قصة معروفة، ومراجعها كثيرة على شبكة المعلومات الدولية.
3 “The blood of Christians is the seed of the Church.” Ante-Nicene Fathers, Vol. 3. p. 51.