البابوية والعار الذي جلبته على المسيحية
في غفلة من الزمن، وفي غفوة من المؤمنين الحقيقيين، أطلّ النظام البابوي على العالم بوجهه القبيح ليعلن عن مسيحية ممسوخة، مشوهة..
مسيحية غريبة عن المسيح وعن رسله الكرام..
مسيحية هي أبعد ما تكون عن المسيحية الحقيقية..
مسيحية اغتصب فيها الإنسان مركز الرئاسة، والسلطة، والكهنوت، وغفران الخطايا من الرب يسوع المسيح..
مسيحية صرفت مسامعها عن الحق، وانحرفت إلى الخرافات (2تيموثاوس 4: 4)..
مسيحية طردت الرب خارجها، وأوصدت الباب في وجه الكريم حتى أنه قال: "هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ.." (رؤيا 3 : 20). يا للحسرة.. فبدلاً أن يأخذ الرب مكانه الطبيعي في الوسط حسب ماهو مكتوب: "لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ" (متى 18: 20)، وكما هو مكتوب أيضًا: "وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهذَا وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي وَسْطِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ:«سَلاَمٌ لَكُمْ!»" (لوقا 24 : 36).. اغتصب الإنسان مركز الوسط، وطرد المسيح خارجًا..
مسيحية أدعى فيها الإنسان رئاسته للكنيسة.. ورئاسته للكهنوت.. ورئاسته على المسيحيين التابعين له.. وقَبِل فيها الإنسان أن يدعوه الناس سيدي ..سيدي.. الأمر الذي حذر الرب تلاميذه من قبوله (متى 23: 7).
لقد تحولت الكنيسة من آباء وأبناء إلى أسياد وعبيد..
أسياد هم أصحاب الأمر والنهي.. وعبيد خانعين لهم.. مُساقين.. مُذلين..
أسياد يذيقون المُرّ لكل مَنْ يخالفهم الرأي.. والويل كل الويل لمن ينادي بالمسيح مخلصًا بالانفصال عن وساطتهم.. فشلحه وعزله وفضحه يكون على صفحات الجرائد الرسمية.. ياللعار.
لقد نجح الشيطان في غرس النظام البابوي داخل دائرة المسيحية حتى يدمر صورتها الجميلة التي تمثلت في المسيح وفي رسله الكرام، بعد أن فشل في هيجانه بغرض إبادة المؤمنين فيما سمي في التاريخ بعصر الاستشهاد، والذي كان أزهى عصور المسيحية الحقيقية على وجه الإطلاق.
لقد أطلّ النظام البابوي أمام العالم بالتيجان والصلبان المصنوعة من الذهب والمرصعة بالأحجار الكريمة، والثياب الغالية الثمن والمطرزة بخيوط الذهب، والمزركشة، وكذلك ركوب السيارت الفارهة الغالية الثمن، والسكن في القصور المؤثثة بأفخر الأثاث، ومزينة بأفخر الديكورات، والمزودة بأحدث الأجهزة، ولتعمية الشعب سميت بالمقرات البابوية والمطرانيات، لكنها في حقيقة الأمر هي قصور فاخرة.
منظر يستفز مشاعر الذين هم من خارج، والذين يتطلعون لرؤية المسيح المتواضع، معاشًا في مَنْ يحملون اسمه، ويدّعون تبعيته. حتى أن أحد الأدباء عقد مقارنة على لسان أحد شخصيات روايته "عزازيل" بين مظهر أسقف الأسكندرية (كيرلس المدعو بعمود الدين) وهو يرتدي ثيابه الفاخرة، وبين المسيح المصلوب، قال:
نظرتُ إلى الثوب الممزّقَ في تمثال يسوع، ثم إلى الرداء الموشى للأسقف! ملابسُ يسوع أسمالٌ باليةٌ ممزقةٌ عن صدره ومعظم أعضائه، وملابسُ الأسقف محلاةٌ بخيوط ذهبية تغطيه كله، وبالكاد تُظهر وجهه. يَدُ يسوع فارغة من حطام دُنيانا، وفي يد الأسقف صولجان أظنه، من شدة بريقه، مصنوعًا من الذهب الخالص. فوق رأس يسوع أشواكُ تاج الآلام، وعلى رأس الأسقف تاج الأسقفيةِ الذهبي البرَّاق.. بدا لي يسوع مستسلمًا وهو يقبل تضحيته بنفسه على صليب الفداء، وبدا لي كِيرُلُّس مقبلاً على الإمساك بأطراف السماوات والأرض[1].
لم يكن الأديب معاصرًا لكيرلس أسقف الأسكندرية حتى يصفه بكل هذه الصفات، ولكنه عبّر عما يشاهده في عصرنا الحاضر، من مظاهر البذخ والترف التي يحياها خلفاء كيرلس..
ولا شك أن هذا الأديب كان يعبر ليس فقط عن مشاعره الخاصة، لكن عن مشاعر الملايين أيضًا ممن سيقرأون روايته، والذين تستفزهم مظاهر الغنى الفاحش، والثراء الفادح، والتمثل بعظماء وملوك هذا العالم، وذلك ممن يُفترض أنهم خدام المسيح. بل إنه منظر يستنفر مشاعر المؤمنين الحقيقيين أيضًا، الذين لم يعهدوا مثل هذه المسيحية في تعاليم المسيح، ولا في تعاليم رسله الكرام.. ".. وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي بِهِ تَأْتِي الْعَثْرَةُ!" (متى 18 : 7).
عار على النظام البابوي أن يحيا في هذا الترف، وهناك خمسة من أصحاب المليارات في العالم يعتزلون الكماليات ويعيشون حياة متواضعة ويقودون سيارات قديمة بأنفسهم ويسكنون منازل بسيطة[2]. سوف يقوم هؤلاء الخمسة في يوم الدينونة العظيم ويدينون هذا النظام الذي يعمل ضد منهاج المسيح.. المسيح المتواضع.
وزاد عار النظام البابوي بالاحتماء بالحراس Bodyguards، ولكن الاحتماء ممن؟ هل الأب يأتي بالحراس ليحمى نفسه من أولاده؟ وهل إذا اقترب الأولاد من أبيهم ليأخذوا بركة كما يظنون يدفعهم الحراس، ثم تحدث اشتباكات بين الطرفين؟ ثم ينشر هذا على صفحات الجرائد[3]. ياللعار والحسرة.
ولم يكتف النظام بذلك، بل أقتنى كلاب الحراسة، والتي اطلقت على مَنْ لهم مطالب - مما سميَّ "بموقعة الكلب"[4] - وأيًا كانت مطالبهم، فهم من المفروض أبناء وبنات الكنيسة. وفي هذا الصدد يعلن أحد رجال النظام البابوي بأن: «الكلاب» كانت الوسيلة الوحيدة للحفاظ علي هيبة الكنيسة[5]. ياللعار، والحسرة. لقد بات حفظ هيبة الكنيسة متوقف على كلاب الحراسة.
أي عار يلحق بالنظام البابوي، الذي لم يضع ثقته في حماية الرب وملائكته، ووثق في الاحتماء بالبشر Bodyguards والكلاب. أليس من العار، وضع البشر والكلاب في مقابلة مع الرب وملائكته؟! أليس مكتوب: "الرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ تَصْمُتُونَ" (خروج 14 : 14). ألم يقرأوا في المزامير: "مَلاَكُ الرَّبِّ حَالٌّ حَوْلَ خَائِفِيهِ، وَيُنَجِّيهِمْ" (مزمور 34 : 7). هل سمعتم عن مكان عبادة في العالم، أيًا كان هذا المكان، وأيًا كانت العبادة المقامة فيه، يأتي أصحابه بالكلاب لحفظ هيبته؟
سجل يا تاريخ في صفحة سوداء، لعصر حالك الظلمة تمر به كنيسة المدينة العظمى الأسكندرية أن: «الكلاب» كانت الوسيلة الوحيدة للحفاظ علي هيبة الكنيسة.
أي عار يلحق بالنظام البابوي عندما ترفع ضده الدعاوي القضائية، وما أكثرها في هذه الأيام، أمام محاكم الدولة. ومنها أب يقاضي الكنيسة لأنها ضمت ابنته للرهبنة دون إذنه![6]
أي عار يلحق بالنظام البابوي عندما يختلس أسقف الأسكندرية لقب "بابا" الذي يختص به أسقف روما فقط[7]، ثم يزوّر المؤرخون الأقباط المحدثون تاريخ الكنيسة بأن أطلقوا على القديس مرقس البشير، كاروز الديار المصرية، بأنه "البابا مرقس الأول"[8]، وأنه مؤسس كرسي الأسكندرية، وأن أنيانوس هو البابا الثاني الجالس على كرسي مار مرقس..إلخ. فهل حقًا القديس مرقس جاء إلى الأسكندرية ليؤسس نظامًا بابويًا؟ ومن الذي فوضه لتأسيس هذا النظام؟ وعلى أي نص كتابي استند إليه القديس مرقس في تأسيس النظام البابوي؟ وهل كان في فكر القديس مرقس هذا الأمر أم أنه جاء إلى الأسكندرية ليكرز بإنجيل المسيح؟ ثم مَنْ مِنْ بطاركة كنائس العالم وهم كثيرون ادعى البابوية؟ أم أن أسقف الأسكندرية يود أن يكون ندًا على غير أساس لأسقف روما (عاصمة الأمبراطورية التي حكمت العالم)؟ وهل كان مرقس البشير ضمن الاثني عشر رسولاً مثلما كان الرسول بطرس مقدام التلاميذ والذي يدعي بابوات روما أنهم خلفاء له؟
أي عار يلحق بالنظام البابوي عندما يفكر بعض الكهنة في تأسيس نقابة لهم، لتخفيف قبضة الأساقفة عليهم[9]. ياللحسرة.
أي عار يلحق بالنظام البابوي الذي يقوم على رجال خانوا العهد الذي قطعوه على أنفسهم أمام الله أنهم ماتوا عن العالم وما عادوا يرجعون إليه. فكيف لمن خانوا العهد أن يحملوا الأمانة؟ ألم يقل رأس هذا النظام:
"نشأت الرهبنة كحياة وحدة وصلاة، بعيدة بعدا كاملاً عن العالم وعن الخدمة وعن الكهنوت، لاشخاص ماتوا عن العالم، وما عادوا يرجعون إليه... "[10]
لماذا رجعتم أيها الرهبان إلى العالم وإلى الخدمة وإلى الكهنوت؟
هل دب الحنين في أفئدتكم من نحو العالم؟
هل اشتقتم للتمتع بمباهج هذا العالم وبريقه الزائل.. الأمور التي هربتم منها؟
ألم تهربوا من رؤية الشبات والنساء، سيما المتبرجات والتي تفيح منهن روائح العطور والبرفانات، الأمور التي لا يستطيع بعض المتزوجين من الصمود أمامها؟
يا من يدعونكم الناس بأصحاب القداسة، هل أنتم أكثر قداسة من نبي الله داود عندما رأى زوجة أوريا الحثي؟
ألم تقرأوا عن الخطية أنها "طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى، وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ" (أمثال 7 : 26). لماذا أيها الرهبان تدخلون أنفسكم في تجربة؟
لماذا لا ترجعون إلى أديرتكم، وقلاليكم، ومغائركم، وخلوتكم، ودموعكم، وصلواتكم؟
أي عار يلحق بالنظام البابوي عندما يكون منافقًا للسلطة، ويؤيد مبدأ التوريث في ظل نظام جمهوري وليس ملكي[11].
أي عار يلحق بالنظام البابوي الذي لم يبدى اعتراضًا على بقاء المادة الثانية من الدستور المصري، والتي على أساسها حكمت المحكمة بضم طفلين توأم مسيحيين في المرحلة الإعدادية، متمسكين بالمسيحية، إلى والدهما الذي ترك المسيحية.
أليست هناك غلاوة لهذين الطفلين على قلب النظام البابوي؟
أي عار يلحق بالنظام البابوي، الذي لم ينادي بصوم بعد مذبحة شباب نجع حمادي.
أي عار يلحق بالنظام البابوي الذي أقام احتفالات عيد الميلاد، بعد مذبحة كنيسة القديسين بالأسكندرية. ياللعار.. احتفالات وابتسامات، ودماء الشهداء لم تبرد بعد..
أي عار يلحق بالنظام البابوي الذي أراد أن يدجن الشباب القبطي، وذلك بنصحه بعدم المشاركة في مظاهرات 25 يناير، ويحرمه من المشاركة في ثورة مصر العظيمة. ولكن شكرًا لله لأن الشباب القبطي خرج من عباءة رجال الدين[12]، وشارك في الثورة العظيمة مع إخوانهم في الوطن، واختلطت دماء شهداء الوطن من مسيحيين ومسلمين معًا.
إن مَنْ قال: أنا في البيداء وحدي ليس لي شأن بغيري[13]
كان من الواجب أن يبقى وحده في البيداء، طالما ليس له شأن بغيره. فكيف لمن لا شأن له بغيره أن يدير كنيسة بها الملايين من البشر؟
لن أتحدث عن الإرهاب البابوي في العصور الوسطى في أوربا، ومحاكم التفتيش The Inquisition، وحرق البيوت التي يجدون فيها نسخة من الكتاب المقدس، بمن فيها من أطفال، ونساء، وشيوخ.. أليست محاكم التفتيش تمثل وصمة عار في جبين النظام البابوي؟
إي عار يلحق بالنظام البابوي أن يكون قبلة لرجال السياسة والإعلام، ويتحول إلى فاتيكان آخر، دولة داخل دولة. هل وضع الرب له المجد يده في يد هيرودس، أو صافح بيلاطس؟
عار على النظام البابوي ألا يكرز بالإنجيل، حتى في المناسبات الدينية. فأين الكرازة بتجسد الكلمة الأزلي، في مناسبة الميلاد؟ وأين الكرازة بالخلاص العظيم الذي صنعه الرب بموته على الصليب وقيامته من بين الأموات، في مناسبة القيامة؟ أين الكتاب المقدس المفتوح في المحاضرات التي تلقى على الشعب؟ هل صار الكتاب المقدس للبروتستانت فقط؟
[1] يوسف زيدان، رواية عزازيل، طبعة دار الشروق الأولى 2008 ، صفحة 146.
[5] روز اليوسف - العدد 4341 - السبت الموافق - 20 أغسطس 2011.
(رقم المجلد، وترقيم الصفحات حسب النسخة الموجودة على النت).
[8] http://st-takla.org/Saints/Coptic-Synaxarium-Orthodox-Saints-Biography-00-Coptic-Orthodox-Popes/Life-of-Coptic-Pope-001-Pope-Mark-the-Evangelist_.html
[9] جريدة المصري اليوم تاريخ العدد 15 فبراير 2009 عدد 1708.
[13] البيت الأول من قصيدة بعنوان: سائح.. كتبها الأستاذ نظير جيد روفائيل من أوائل يوليو 1954، والذي رسم راهبًا في يوم السبت 18 يوليو 1954 باسم أنطونيوس السرياني (حاليًا، البابا شنودة الثالث) ووردت في كتابه انطلاق الروح، طبعة 25 ديسمبر سنة 1973، صفحة 136.