لا شك أن النظام البابوي هو المسيطر والمهيمن على الكنائس التقليدية، فلا توجد كنيسة تقليدية واحدة إلا ورأس السلطة فيها إما بابا أو بطريرك. وعلى مر القرون اكتسب البابا أو البطريرك صلاحيات وسلطات جعلت منه رئيسًا، وملكًا، ومشرّعًا، ونائبًا للمسيح، وخليفة لبطرس، أو مرقس، أو أي رسول من رسل المسيح، ومُنح من ألقاب التشريف ما لا طاقة لخادم أمين للمسيح أن يتحملها أو يحملها، أو يتصف بها، أو يقبل أن تطلق عليه. فإن كانت بعض تلك الألقاب تصدق على ملوك ورؤساء وزعماء العالم...، إلا أنها لا تصدق ولا تنطبق على خدّام المسيح الأمناء، الذين من المفروض أنهم يتمثلون بسيدهم ومخلّصهم يسوع المسيح المكتوب عنه:
"الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ،
آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ.
وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ"
(فيلبي 2: 6-8).
ألم يقل ربنا وسيدنا يسوع المسيح لتلاميذه:
"يَكْفِي التِّلْمِيذَ أَنْ يَكُونَ كَمُعَلِّمِهِ وَالْعَبْدَ كَسَيِّدِهِ" (متى 10: 26).
ولقد أعطى السيد العظيم مثالاً لتلاميذه لكيفية التصرف والسلوك كخدام وليس كأسياد، فمكتوب:
"يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الآبَ قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى يَدَيْهِ
وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَرَجَ وَإِلَى اللَّهِ يَمْضِي
قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ وَخَلَعَ ثِيَابَهُ وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا
ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَلٍ وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التّلاَمِيذِ
وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِراً بِهَا ...
فَلَمَّا كَانَ قَدْ غَسَلَ أَرْجُلَهُمْ وَأَخَذَ ثِيَابَهُ وَاتَّكَأَ أَيْضاً قَالَ لَهُمْ:
أَتَفْهَمُونَ مَا قَدْ صَنَعْتُ بِكُمْ؟ أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّماً وَسَيِّداً وَحَسَناً تَقُولُونَ لأَنِّي أَنَا كَذَلِكَ.
فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ
فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً
حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً.
اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِه"
(يوحنا 13: 3-16).
بكل أسف تحولت البابوية إلى رئاسة، وسلطة، وتسلط، وسيادة، وتشريع،...إلخ. ونحَّت تعاليم السيد العظيم جانبًا.
ونظرًا لخطورة منصب البابوية، وما بني عليه من تعاليم، وسلوكيات، وانقياد الشعب القبطي للرئاسة الكنسية، إنقيادًا أعمى، قائم على التعصب، وليس على التبصر، ونسي الشعب القبطي أن الكثيرين من الهراطقة كانوا يحتلون مناصب دينية عليا فها نسطور كان بطريركًا للقسطنطينية التي كانت عاصمة الأمبراطورية الرومانية الشرقية، وآريوس كان كاهنًا ناسكًا في الأسكندرية، وأوطاخي كان رئيسًا لدير في القسطنطينية يضم أكثر من 300 راهب... إلخ. لذلك وجب امتحان صحة هذا التعليم في ضوء كلمة الله، فهي المرجع الذي لا يدنو منه الشك، والذي يزيل كل ريب في النفس، والأساس الراسخ الذي تنبني عليه حياتنا.
بماذا علّم السيد المسيح تلميذيه يعقوب ويوحنا عندما طلبا أن يجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره في المجد؟ وبماذا علّم التلاميذ؟
يقول الإنجيل:
وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ابْنَا زَبْدِي قَائِلَيْنِ: «يَا مُعَلِّمُ نُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ لَنَا كُلَّ مَا طَلَبْنَا».
فَسَأَلَهُمَا: «مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَفْعَلَ لَكُمَا؟»
فَقَالاَ لَهُ: «أَعْطِنَا أَنْ نَجْلِسَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِكَ فِي مَجْدِكَ».
فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا؟»
فَقَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ». فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «أَمَّا الْكَأْسُ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا فَتَشْرَبَانِهَا وَبَالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ.
وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ».
وَلَمَّا سَمِعَ الْعَشَرَةُ ابْتَدَأُوا يَغْتَاظُونَ مِنْ أَجْلِ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا.
فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:
«أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يُحْسَبُونَ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ وَأَنَّ عُظَمَاءَهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ.
فَلاَ يَكُونُ هَكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ عَظِيماً يَكُونُ لَكُمْ خَادِماً
وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلاً يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْداً.
لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضاً لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ».
(مرقس 10: 41-45).
لقد لغى السيد المسيح من أذهان تلاميذه فكرة التشبة بالنظم العالمية من حيث أن الرؤساء يسودون على الشعب، والعظماء يتسلطون عليهم. ومن هنا نرى سيدنا العظيم ينفي بالدليل القاطع، والبرهان الساطع أن يكون داخل الكنيسة نظامًا فيه مَنْ يسود على الشعب، أو يتسلط عليهم.
فالتلاميذ ليسوا رؤساء وزعماء يسودون على الرعية، ويتسلطون عليها. انظر ماذا قال سيدنا العظيم :
فَمَنْ هُوَ الْعَبْدُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ فِي حِينِهِ؟
طُوبَى لِذَلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَفْعَلُ هَكَذَا!
اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِ.
وَلَكِنْ إِنْ قَالَ ذَلِكَ الْعَبْدُ الرَّدِيُّ فِي قَلْبِهِ: سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ.
فَيَبْتَدِئُ يَضْرِبُ الْعَبِيدَ رُفَقَاءَهُ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ السُّكَارَى.
يَأْتِي سَيِّدُ ذَلِكَ الْعَبْدِ فِي يَوْمٍ لاَ يَنْتَظِرُهُ وَفِي سَاعَةٍ لاَ يَعْرِفُهَا
فَيُقَطِّعُهُ وَيَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ الْمُرَائِينَ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ».
(مت 24: 45-51).
إن خدّام المسيح يُنظر إليهم هنا كالعبيد من حيث أن لهم سيد (الرب يسوع المسيح له المجد) عليهم أن يطيعوه، فلا يحق لهم التصرف في شئ إلا وفقًا لما يصدره لهم من أوامر، عليهم أن ينفذوها، وأن يطيعوا تعلمياته، وأن يسلكوا بحسب إرشاداته. وليس لهم حق التصرف في شئ مما يختص بممتلكات سيدهم، فالقطيع له صاحب، وما هم إلا رعاة لهذا القطيع، فمن المفروض أن يأخذوا القطيع إلى المراعي الخضراء لينعم بطعام شهي حيث كلمة الله الحية والفعالة، ويوردونه إلى مياه الراحة حيث التمتع بمواهب الروح القدس.
ومن هنا نرى أنه يوجد سيد، وهو المختص بإقامة العبد الأمين الحكيم الذي من المفروض أن يقدم الطعام لخدامه، لا أن يضربهم أو يتسلط عليهم؛ ذلك لأنه هو عبد، وهم أيضًا عبيد نظيره فلا امتياز له يفضله عنهم، وكلهم خاضعين لسيد واحد. فكيف لهذا العبد أن يختلس لقب السيد، ويدع الناس يلقبونه بالسيد، وينادون عليه "سيدنا .. سيدنا"، وكيف يسمح ذلك العبد أن يختلس وظائف سيده، ووظائف الروح القدس في الكنيسة، بل ويكبح عمل الروح القدس في المؤمنين.
وفي إرسالية تلاميذه العظمى إلى العالم مكتوب:
"فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ
فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ.
وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِين" (متى 28: 18-20).
إن رسالة التلاميذ للعالم حسب التعليمات المحددة لهم من قِبل سيدنا العظيم هي :
1- أن يتلمذوا جميع الأمم.
2- أن يعمدوا باسم الآب والابن والروح القدس كل مَنْ يؤمن.
3- أن يعلموا الذين يؤمنون أن يحفظوا وصايا الرب التي أوصاهم بها.
ثم ترك معهم وعدًا ثمينًا حتى لا يخوروا، أو يضعفوا، أو يقيموا من أنفسهم سادة ويظنوا في أنفسهم أنهم أصحاب القطيع...إلخ. إذ قال لهم :
"وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ".
وفي موضع آخر قال لهم :
"لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ" (متى 18: 20).
ومن هنا نجد أن الكنيسة كجسد المسيح المكتوب عنها :
"وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْساً فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (أفسس 1: 22، 23).
لم يتركها سيدنا بعد قيامته وصعوده، تضارب الهواء، بل كان وعده لها أنه يكون معها كل الأيام إلى إنقضاء الدهر، وأن أبواب الجحيم لن تقوى عليها، وأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه يكون في وسطهم.
وأيضًا وعدها بعد صعوده أن يرسل لها الروح القدس :
وَأَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ" (يوحنا 14: 26).
وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي (يوحنا 15: 26).
فهل اختار المسيح بابوات ليكرزوا بالإنجيل؟ أم اختار رسلاً وتلاميذ؟
عندما اختار المسيح رسله، لم يختر بابوات، لكن تلاميذ ورسل.
يقول الكتاب:
"ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاِثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ.
وَأَمَّا أَسْمَاءُ الاِثْنَيْ عَشَرَ رَسُولاً فَهِيَ هَذِهِ: الأَََوَّلُ سِمْعَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ وَأَنْدَرَاوُسُ أَخُوهُ. يَعْقُوبُ بْنُ زَبْدِي وَيُوحَنَّا أَخُوهُ.
فِيلُبُّسُ وَبَرْثُولَمَاوُسُ. تُومَا وَمَتَّى الْعَشَّارُ. يَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى وَلَبَّاوُسُ الْمُلَقَّبُ تَدَّاوُسَ.
سِمْعَانُ الْقَانَوِيُّ وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيُّ الَّذِي أَسْلَمَهُ" (متى 10: 1-4).
فمن خلال المكتوب نجد أن الاثني عشر لم يكونوا بابوات بل تلاميذ للسيد الوحيد ربنا يسوع المسيح. فمن الكذب والخداع الادعاء بأن بطرس هو البابا الأول لكرسي روما. ولن أخوض في هذا الموضوع طويلاً، لأنه ليس مجال هذا البحث.
لكن ما يعنيني هو مرقس كاروز الديار المصرية، الذي لا نجد له ذكرًا في قائمة الذين اختارهم سيدنا العظيم رسلاً له، ولا نجد له ذكرًا بين التلاميذ الاثني عشر، ولا حتى السبعين رسولاً.
فمن هو مرقس ؟
من أعمال 12: 12 نعلم أن اسمه هو يوحنا الملقب مرقس، وأن أمه اسمها مريم، وكان المؤمنون يجتمعون في بيتها للصلاة، لا سيما من أجل بطرس الذي كان مسجونًا في ذلك الوقت، فمكتوب:
"حَيْثُ كَانَ كَثِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ".
ومن كولوسي 4: 10 نعلم أن يوحنا الملقب مرقس هو ابن أخت برنابا، فمكتوب:
" يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ ارِسْتَرْخُسُ الْمَأْسُورُ مَعِي، وَمَرْقُسُ ابْنُ اخْتِ بَرْنَابَا، الَّذِي اخَذْتُمْ لأَجْلِهِ وَصَايَا. انْ اتَى الَيْكُمْ فَاقْبَلُوهُ".
ومن أعمال 12: 25 نعلم أنه كان في رفقة برنابا وشاول (بولس الرسول) في الخدمة، فمكتوب:
"وَرَجَعَ بَرْنَابَا وَشَاوُلُ مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَا كَمَّلاَ الْخِدْمَةَ وَأَخَذَا مَعَهُمَا يُوحَنَّا الْمُلَقَّبَ مَرْقُسَ"
ومن أعمال 15: 35-40 نجد أنه قد حدثت مشاجرة بين بولس وبرنابا بسبب يوحنا الذي يدعى مرقس الذي فارقهما من بمفيلية ولم يذهب معهما للخدمة، فمكتوب:
"أَمَّا بُولُسُ وَبَرْنَابَا فَأَقَامَا فِي أَنْطَاكِيَةَ يُعَلِّمَانِ وَيُبَشِّرَانِ مَعَ آخَرِينَ كَثِيرِينَ أَيْضاً بِكَلِمَةِ الرَّبِّ.
ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ قَالَ بُولُسُ لِبَرْنَابَا: «لِنَرْجِعْ وَنَفْتَقِدْ إِخْوَتَنَا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ نَادَيْنَا فِيهَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ كَيْفَ هُمْ».
فَأَشَارَ بَرْنَابَا أَنْ يَأْخُذَا مَعَهُمَا أَيْضاً يُوحَنَّا الَّذِي يُدْعَى مَرْقُسَ
وَأَمَّا بُولُسُ فَكَانَ يَسْتَحْسِنُ أَنَّ الَّذِي فَارَقَهُمَا مِنْ بَمْفِيلِيَّةَ وَلَمْ يَذْهَبْ مَعَهُمَا لِلْعَمَلِ لاَ يَأْخُذَانِهِ مَعَهُمَا.
فَحَصَلَ بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ حَتَّى فَارَقَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. وَبَرْنَابَا أَخَذَ مَرْقُسَ وَسَافَرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ.
وَأَمَّا بُولُسُ فَاخْتَارَ سِيلاَ وَخَرَجَ مُسْتَوْدَعاً مِنَ الإِخْوَةِ إِلَى نِعْمَةِ اللهِ".
ومن 2تيموثاوس 4: 11 نجد أن مرقس قد صار نافعًا لخدمة الرسول بولس، فمكتوب:
"لُوقَا وَحْدَهُ مَعِي. خُذْ مَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ لأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ".
ومن فليمون ع 23، 24 نجد أن مرقس ضمن العاملين مع الرسول بولس، فمكتوب:
"يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَبَفْرَاسُ الْمَأْسُورُ مَعِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ،
وَمَرْقُسُ، وَأَرِسْتَرْخُسُ، وَدِيمَاسُ، وَلُوقَا الْعَامِلُونَ مَعِي".
ومن 1بطرس 5: 13 نستنتج أن مرقس كان شابًا، وهو بمثابة الابن للرسول بطرس، فمكتوب:
"تُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ الَّتِي فِي بَابِلَ الْمُخْتَارَةُ مَعَكُمْ، وَمَرْقُسُ ابْنِي".
وكون الرسول بطرس يدعوه بابنه، فهذا واضح من كتاب تاريخ البطاركة للمؤرخ الأسقف ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونيين الذي يذكر أن هناك قرابة كانت تربط مرقس ببطرس، فزوجة بطرس كانت ابنة عم والد مرقس، وأن مرقس عندما جاء والداه من القيروان إلى أورشليم كان طفلاً، ولما كبر كان [يأوي عند بطرس ويتعلم منه من الكتب المقدسة التعاليم المسيحية](1).
ومن هنا يتضح أن مرقس كان بمثابة ابن لبطرس لفارق السن الكبير بينهما، وأيضًا لأنه تعلّم منه التعاليم المسيحية من الكتب المقدسة، أي النبوات التي تختص بربنا يسوع والتي وردت في أسفار العهد القديم.
ــــــــ
(1) ب. إيفيتس، تاريخ البطاركة، طبعة 1904، ص 8. (مكتبة معهد الدراسات القبطية، بالأنبا رويس).
إذًا مرقس البشير، ليس من الاثني عشر رسولاً، وليس من تلاميذ المسيح، وقول البعض أنه من السبعين الذين أرسلهم المسيح والوارد ذكرهم في لوقا 10: 1، أمر غير مؤكد من كلمة الله.
لكن الأمر المؤكد هو دخول المسيحية إلى مصر قبل مجئ مرقس البشير، وذلك نستدل عليه من سفر الأعمال أصحاح 2 فمكتوب:
"وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعاً بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ
وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.
وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا.
وَكَانَ يَهُودٌ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ سَاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ.
فَلَمَّا صَارَ هَذَا الصَّوْتُ اجْتَمَعَ الْجُمْهُورُ وَتَحَيَّرُوا لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ يَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ.
فَبُهِتَ الْجَمِيعُ وَتَعَجَّبُوا قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «أَتُرَى لَيْسَ جَمِيعُ هَؤُلاَءِ الْمُتَكَلِّمِينَ جَلِيلِيِّينَ؟
فَكَيْفَ نَسْمَعُ نَحْنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لُغَتَهُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا:
فَرْتِيُّونَ وَمَادِيُّونَ وَعِيلاَمِيُّونَ وَالسَّاكِنُونَ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ وَالْيَهُودِيَّةَ وَكَبَّدُوكِيَّةَ وَبُنْتُسَ وَأَسِيَّا
وَفَرِيجِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ وَمِصْرَ وَنَوَاحِيَ لِيبِيَّةَ الَّتِي نَحْوَ الْقَيْرَوَانِ وَالرُّومَانِيُّونَ الْمُسْتَوْطِنُونَ يَهُودٌ وَدُخَلاَءُ
كِرِيتِيُّونَ وَعَرَبٌ نَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا بِعَظَائِمِ اللهِ؟» (أعمال 2: 1-11).
وتذكر ويكيبيديا الموسوعة الحرة أن مرقس بشر بالمسيحية في مصر، بعد صعود السيد المسيح بعشرين سنة. ومن المعروف أن المسيح أرسل الروح القدس على التلاميذ بعد خمسة عشر يومًا من صعوده. أي أن اليهود الذين حضروا يوم الخمسين والمقيمين في مصر كانوا قد آمنوا بالمسيح قبل وصول مرقس إلى مصر بعشرين سنة.
وتذكر أيضًا أن الكثير من اليهود المصريين أصبحوا مسيحيين.
أي أن مرقس الإنجيلي عندما جاء إلى الأسكندرية كانت هناك جماعة مسيحية، كانت قد آمنت قبل مجيئه بعشرين سنة تقريبًا.
ولكن الموسوعة المذكورة لا تذكر لقاء الكاروز مرقس مع إنيانوس الإسكافي، ولكن السيدة أ. ل. بتشر تذكر ذلك في كتابها تاريخ الأمة القبطية وكنيستها، طبعة سنة 1900 المجلد الأول، ص 26.
وعلى أية حال فقد كان إنيانوس رجلاً أسكافيًا بسيطًا، يجلس على مقعد بسيط، يرتدي ملابس بسيطة، فرجل أسكافي يُصلح النعال الممزقة، لا نتوقع منه حياة الرفاهية والبذخ، ولا نتصور أنه يرتدي البز والارجوان، ويتحلى بتيجان الذهب المحلاة بالأحجار الكريمة، مثلما يفعل بابوات اليوم.
وتذكر السيدة بتشر أن أنيانوس آمن بالمسيح نتيجة معجزة أجراها الرب بيد القديس مرقس. لقد آمن إنيانوس مع أهل بيته بالمسيح ربًا ومخلصًا، واستلم الإنجيل من البشير مرقس، ووضع الرب في قلبه مسئولية الكرازة بالإنجيل وسط الوثنيين، وهكذا تأسست كنيسة للمسيح في أرض مصر. لقد كان مرقس كارزًا أمينًا بالإنجيل، وكان إنيانوس وكيلاً أمينًا على نشر ذلك الإنجيل، ولا شك كان ذلك بمشاركة آخرين معه ممن آمنوا.
لكن كتب التقليد الأرثوذكسي خلعت على مرقس البشير لقب البابا الأول الجالس على كرسي الأسكندرية، ولسنا ندري متى جلس الكاروز مرقس على كرسي الأسكندرية، ومن المفروض أن يكون ذلك الكرسي في كاتدرائية فخمة كما هو حادث اليوم؟ ومتى لبس مرقس ملابس البابوات الفخمة، ووضع على راسه التيجان المصنوعة من ذهب والمرصعة بالأحجار الكريمة، ومسك في يده صليبًا مصنوعًا من ذهب ومرصعًا بالجواهر كما هو حادث اليوم؟
أليس من الكذب والخداع إطلاق مثل هذا اللقب الذي هو ضد فكر المسيح من جهة تلاميذه والذي سبق توضيحه، على قديس شهيد، كان أمينًا على إنجيل المسيح.
إن ما يسجله التاريخ عن القديس مرقس هو أن الوثنيين سحلوه في شوارع الأسكندرية، ونال إكليل الشهادة في عيد الآلهة سيرابيس (تاريخ الأمة القبطية مرجع سابق ص 28).
ولنا أن نسأل:
هل جاء مرقس البشير ليؤسس نظامًا بابويًا في مصر؟
إذا افترضنا جدلاً أن المسيح أرسل رسله ليؤسسوا نظامًا بابويًا في البلاد التي يبشرون فيها، فمرقس البشير ليس من رسل المسيح كما سبق التوضيح، وليس من تلاميذ المسيح الاثنى عشر، ولم يشر الكتاب أنه من السبعين الذي أرسلهم المسيح في مهمة خاصة، وبذلك يكون بطرس - الذي كان مرقس بمثابة ابنه - هو الأحق بأن يدعى بابا ويؤسس النظام البابوي، فبطرس هو الذي أخذ تعليمات مباشرة من المسيح "أرع خرافي... أرع غنمي ... أرع غنمي" (يوحنا 21: 15-17). فضلاً عن أن بطرس الرسول كان المتقدم في التلاميذ، وليس عبثًا أن يأتي ذكره أول الرسل الذين اختارهم المسيح (متى 10: 2)، وهو الذي أعطاه المسيح مفاتيح الملكوت، وسلطان الحل والربط (متى 16: 19)، الامتيازات التي لم تعط لرسول آخر، وبالحري لم تعط لمرقس البشير الذي لم يكن ضمن الرسل والتلاميذ. حتى في أعمال الرسل الأصحاح الأول لم يأت ذكر مرقس ضمن الموجودين في العلية بعد صعود المسيح، وكان الموجودين هم:
" بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ وَتُومَا وَبَرْثُولَمَاوُسُ وَمَتَّى وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى وَسِمْعَانُ الْغَيُورُ وَيَهُوذَا بْنُ يَعْقُوبَ.
هَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ مَعَ النِّسَاءِ وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ وَمَعَ إِخْوَتِهِ" (أعمال 1: 13، 14).
لاحظ أيضًا أن بطرس يأتي ذكره في المقدمة ثم باقي التلاميذ، ثم النساء، ثم مريم أم يسوع، ثم إخوته (أولاد خالته من مريم زوجة كلوبا).
يا للعجب أن بطرس يأتي ذكره حتى قبل ذكر القديسة المطوبة مريم والتي يلقبها الوحي بأم يسوع. وهذا ضد التقليد الأرثوذكسي الذي يضع القديسة المطوبة مريم في المقدمة.
ومن هنا نجد أن التقليد الذي يقدسه الأرثوذكس ضد الوحي الإلهي حتى في هذا الأمر.
وعندما أراد الرسل أن يختاروا شخصًا ليحل محل التلميذ الخائن يهوذا الأسخريوطي، لم يكن مرقس مرشحًا، ولم يأت ذكره أساسًا في هذا المناسبة، فمكتوب:
" فَأَقَامُوا اثْنَيْنِ: يُوسُفَ الَّذِي يُدْعَى بَارْسَابَا الْمُلَقَّبَ يُوسْتُسَ وَمَتِّيَاسَ" (أعمال 1: 23).
حيث أن الرسل وضعوا شرطًا للشخص الذي يختارونه، وهذا الشرط هو:
" فَيَنْبَغِي أَنَّ الرِّجَالَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا مَعَنَا كُلَّ الزَّمَانِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ إِلَيْنَا الرَّبُّ يَسُوعُ وَخَرَجَ
مُنْذُ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ عَنَّا يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِداً مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ" (أعمال 1: 21، 22). فوقعت القرعة على متياس فحسب مع الأحد عشر رسولاً (أعمال 1: 26).
ومرقس البشير لم يكن ضمن التلاميذ المجتمعين في العلية الذين قبلوا الروح القدس بنفخة الرب، وسلطان غفران الخطايا، قال الرب عندما جاء إلى تلاميذه:
«سلاَمٌ لَكُمْ».
وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ.
فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً: «سلاَمٌ لَكُمْ. كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا».
وَلَمَّا قَالَ هَذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ.
مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ»" (يوحنا 20: 19-23).
ولم يظهر الرب لمرقس، مثلما ظهر لشاول الطرسوسي بمجد عظيم (أعمال 9: 3؛ 26: 13)، وأقامه رسولاً: "هَذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ" (أعمال 9: 15)، والرسول بولس قال عن نفسه: "بُولُسُ، رَسُولٌ لاَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ بِإِنْسَانٍ، بَلْ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ وَاللهِ الآبِ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ" (غلاطية 1: 1).
فمرقس البشير لم يكن ضمن المجتمعين في العلية منتظرين موعد الآب،
ولم يكن ضمن المرشحين لشغل وظيفة يهوذا الخائن، إذ لم ينطبق عليه الشرط الذي وضعه الرسل؛ لأنه لو كان مع الرسل منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي صعد فيه المسيح، لكان بالأولى أن يكون أحد المرشحين، ولا سيما وأنه سيؤسس كرسيًا بابويًا (كما يدعي التقليديون) في مدينة التنوير والثقافة والحضارة والفلسفة، المدينة التي بها مدرسة يحج إليها طلبة العلم من كل أنحاء العالم، ويأتي إليها الفلاسفة ليتزودوا بالحكمة والمعرفة، وهي المدينة العظمى الأسكندرية.
وبناء على هذا الافتراض الجدلي وهو أن المسيح أرسل رسله ليؤسسوا نظامًا بابويًا، يكون من المنطقي، بل ومن الواجب أيضًا على جميع الأنظمة الكنسية في أنحاء العالم أن تخضع لكرسي روما، الذي أسسه الرسول بطرس حسب إدعاء الكنيسة الكاثوليكية. ويكون كرسي الأسكندرية لا يستند على أية شرعية رسولية، تجعله يناطح كرسي روما، ويكون الأقباط وعلى مدى عشرين قرنًا يحيون في وهم اسمه الخلافة الرسولية، ويكون كل المدعوين بابوات على كرسي الأسكندرية، ليس لهم أي سلطة رسولية، ويكون تسلسلهم الرسولي مبني على غير أساس، وحسب القاعدة القانونية كل ما بني على باطل فهو باطل.
وإذا كان غرض سيدنا العظيم أن يؤسس نظامًا بابويًا، لكان في العالم أثني عشر كرسيًا بابويًا حسب عدد تلاميذ المسيح، وبناء على هذه الفرضية لنا أن نسأل :
أين كرسي أندراوس الرسول أخو بطرس؟
وأين كرسي يعقوب بن زبدي؟
وأين كرسي يوحنا أخو يعقوب؟
وأين كرسي فيلبس الرسول؟
وأين كرسي برثولماوس الرسول؟
أين كرسي توما الرسول؟
وأين كرسي متى الرسول؟
أين كرسي يعقوب بن حلفى؟
وأين كرسي لباوس الملقب تداوس؟
أين كرسي سمعان القانوي؟
وأين كرسي متياس الذي اختاره الرسل بدلاً عن يهوذا الخائن؟
ولكن نشكر الله لأن سيدنا العظيم لم يؤسس مثل تلك الأنظمة التي تُنشأ التناطح والصراعات والمنازعات فيما بينها، بل قد سبق وحذر تلاميذه من ذلك، لكن الإنسان في انحرافه بعيدًا عن كلمة الله، وفي حيدانه بعيدًا عن فكر المسيح، وحبه للسلطة والسيطرة والسيادة والتشبه بالانظمة العالمية، أنشأ النظام البابوي، ومن تلك اللحظة بدأت الصراعات والمنازعات بين كنيسة روما وسائر الكنائس الأخرى بغية إخضاعها والتسلط والسيادة عليها.
سعيد هرمينا