السبت، 27 أغسطس 2011

الوجه القبيح للبابوية

ما أشبه اليوم بالبارحة، يوم أن كان المسيحيون يساقون كالعجماوات، وينقادون إنقيادًا أعمى إلى رجال محسوبين على الدين ظلمًا وعدوانًا، رجال انتزعت من قلوبهم الرحمة والشفقة على الرعية، وتحولوا من آدميين إلى وحوش مفترسة، كاسرة، وإقطاعيين، يستعبدون من يعمل لديهم، تحت إدعاء الخلافة الرسولية وأن بيدهم المصير الأبدي لرعيتهم، فمن شاءوا أدخلوه إلى جنة الرضوان، ومن شاءوا أدخلوه إلى جهنم ونار السعير، بحجة أن بيدهم سلطان الحل والربط وسلطان غفران الخطايا.
لقد انقضت العصور الوسطى بما ساد فيه من جهل وظلم وظلمة، ومزج الخرافات بالمعتقدات الدينية، وحجب الكتاب المقدس عن الشعب، وقراءته داخل الكنيسة باللغة اللاتينية التي لا يعرفها الشعب، وحرق كل بيت يوجد فيه الكتاب المقدس بمن فيه من أطفال ونساء وشيوخ، مما سُميّ في التاريخ بمحاكم التفتيش، والتي تعتبر وسمة عار في جبين البابوية الغربية...

بعد انقضاء تلك العصور المظلمة، ومجئ عصر التنوير، الذي مهد له رجال الاصلاح، الذين قاموا بترجمة الكتاب المقدس من اللغة اللاتينية إلى اللغات التي تتحدث بها شعوبهم، فأصبح للكتاب المقدس تأثيره المبارك في تحرير عقل الإنسان من الخرافة، ومن سلطة رجال  الدين المزعومة، وكذلك التحرر من كل ما رسبته العصور المظلمة في عقل الإنسان من خرافات وانحرافات تعليمية وعقائدية، وكان نتيجة ذلك حدوث النهضة الصناعية في أوربا والتي كانت بمثابة القاعدة الأساسية للثورة التكنولوجية التي يتميز بها عصرنا الحاضر.

وفي عصر المعلوماتية واحترام عقل الإنسان، لم يعد هناك مجال لفئة من الناس أن تحتكر المعرفة تحت ادعاءات كهنوتية وسلطوية لا أساس لها في كلمة الله، وكذلك التحكم في المصير الأبدي للملايين من البشر. فالكتاب المقدس أصبح متاحًا - لكل راغب في المعرفة - على شبكة المعلومات الدولية، ومطبوعًًا بكل اللغات واللهجات التي يتحدث بها البشر على كوكبنا، ولم تعد هناك أسرار في المسيحية تُخفى عن كل مَنْ يطلع على الكتاب المقدس، ويقرأ أسفاره المقدسة.

ولم يعد في إمكان رجال  الدين أن يسوقوا الشعب كما كان يحدث في الديانات الوثنية، فالرسول بولس يكتب عن حالة المؤمنين في كورنثوس قبل الإيمان إذ يقول لهم:

"أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أُمَماً مُنْقَادِينَ إِلَى الأَوْثَانِ الْبُكْمِ كَمَا كُنْتُمْ تُسَاقُونَ"
(1كورنثوس 12: 2).
ومن المعروف أن الدواب هي التي تُساق، فما أشبه الإنسان المنقاد للتعاليم البشرية المخالفة لما جاء في الكتاب المقدس بالبهائم التي تباد، أليس مكتوبًا:
"وَالإِنْسَانُ فِي كَرَامَةٍ لاَ يَبِيتُ. يُشْبِهُ الْبَهَائِمَ الَّتِي تُبَادُ... إِنْسَانٌ فِي كَرَامَةٍ وَلاَ يَفْهَمُ يُشْبِهُ الْبَهَائِمَ الَّتِي تُبَادُ" (مزمور 49: 12، 20).
ألم يقل الله في القديم: " اِسْمَعُوا قَوْلَ الرَّبِّ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَّ لِلرَّبِّ مُحَاكَمَةً مَعَ سُكَّانِ الأَرْضِ لأَنَّهُ لاَ أَمَانَةَ وَلاَ إِحْسَانَ وَلاَ مَعْرِفَةَ اللَّهِ فِي الأَرْضِ" (هوشع 4: 1).

أليس مكتوبًا: " قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ.
لأَنَّكَ أَنْتَ رَفَضْتَ الْمَعْرِفَةَ أَرْفُضُكَ أَنَا حَتَّى لاَ تَكْهَنَ لِي.
وَلأَنَّكَ نَسِيتَ شَرِيعَةَ إِلَهِكَ أَنْسَى أَنَا أَيْضاً بَنِيكَ.
عَلَى حَسْبَمَا كَثُرُوا هَكَذَا أَخْطَأُوا إِلَيَّ فَأُبْدِلُ كَرَامَتَهُمْ بِهَوَانٍ"
(هوشع 4: 6، 7).

أليس الشعب القبطي في مهانة الآن؟
ألم تفضح أسراره في الأفلام السينمائية، والمسلسلات التلفزيونية؟
أين كرامة الإنسان الذي َقَالَ عنه اللهُ:
«نَعْمَلُ الانْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا ...
فَخَلَقَ اللهُ الانْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرا وَانْثَى خَلَقَهُمْ"
(تكوين 1: 26، 27).

أين كرامة الإنسان الذي عندما أخطأ كان ثمن خلاصه هو بذل حياة الابن المبارك على عود الصليب في أشر ميتة عرفتها البشرية؟
أين كرامة الإنسان المؤمن الذي هو عضو في جسد المسيح والمسيح رأس له؟
أين كرامة من يخدمون في الكنيسة؟
أليس من العار أن يطالب بعض الكهنة داخل الكنيسة القبطية، بتأسيس نقابة لهم، لتخفيف قبضة الأساقفة عليهم؟
أليس من العار أن تنشر مثل هذه الأخبار على صفحات الجرائد، وتناقش في الفضائيات على مرأى ومسمع الملايين من البشر؟
أين كرامة المسيحي عندما ينحني ويسجد أمام إنسان مثله، ثم يقبل يد ذلك الإنسان، تحت إداعاءات كاذبة من التواضع، والاحترام؟
أين كرامة المسيحي عندما يقف ليصلي أمام تمثال أو صورة، حرَّم الله صنعها بوصية صريحة:
" لا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالا مَنْحُوتا وَلا صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَمَا فِي الارْضِ مِنْ تَحْتُ وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الارْضِ.
لا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلا تَعْبُدْهُنَّ لانِّي انَا الرَّبَّ الَهَكَ الَهٌ غَيُورٌ ..."
(خروج 20: 4، 5).

أين كرامة المسيحي الذي يجري وراء رؤساء الدين ليأخذ منهم بركة، ولا يلقى من حراسهم bodyguards غير الضرب ؟ ياللعار والحسرة أن يكون لرؤساء الدين حرّاس  bodyguards.
اِبْهَتِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ مِنْ هَذَا وَاقْشَعِرِّي وَتَحَيَّرِي جِدّاً يَقُولُ الرَّبُّ
(إرميا 2: 12).

لمصلحة مَنْ يُترك مثل هذا الشعب الذي يسلك عن جهل، أو عن بساطة، أوتحت إدعاء التواضع، ليسئ إلى المسيح الرب والسيد الوحيد؟

ولذلك وجدت من الضروري وضع العقيدة الأرثوذكسية تحت مجهر كلمة الله وامتحانها، حتى يتبين للشعب المخدوع الغث من السمين، والحق من الباطل، وأكون بذلك قد أديت ما أئتمني الله عليه من نور وحق.  

سعيد هرمينا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق