الاثنين، 25 أبريل 2011

كيف لمن خانوا العهد أن يحملوا الأمانة؟


كيف لمن خانوا العهد أن يحملوا الأمانة؟

أليس من العجيب، ومن المخالف للعقل والمنطق السليم، أن توكل الأمانة لمن خانوا العهد؟
كيف لخائن أن يكون أمينًا؟ أو تفترض فيه الأمانة؟
كيف تستريح ضمائر هؤلاء الذين نقضوا عهدهم أمام الله؟
هل ضعفوا أمام بريق المراكز والوظائف الكنسية، وجاذبية العالم؟
أم اشتاقوا لرؤية، ما قد هربوا منه؟
علام تركت قلايتك أيها الأب الراهب، ونزلت إلى العالم؟
لماذا هجرت مغارتك أيها الأب الناسك حيث كنت تفترش الأرض بساطًا لك، وتلتحف السماء غطاءً لك؟
هل اشتقت لسكنى القصور المؤثثة بأفخر الأثاث، والمفروشة بالفراش الوثير، حيث الخدم والحشم؟
أين كسرة الخبز اليابسة، وأين رشفة الماء؟
هل اشتقت إلى أطايب الطعام، وأفخر المشروبات؟
أم اشتقت إلى ركوب أفخر السيارات بعد أن سجلت البرية آثار أقدامك وأنت تبرحها ذهابًا وجيئة؟
أين دموعك يا أبي الراهب.. أين صلواتك وتسبيحاتك في خلوتك، بعيدًا عن ضجيج العالم؟
أين صرخات التوبة، وطلب الخلاص؟
 أين الدهش والهزيز ولهجك في أقوال الله؟
 أين ذهب اختبارك، اختبار حضور الله؟
ولماذا تركت خلوتك، وسياحتك في البرية؟
أليس وجودك في البرية كان أعظم خدمة لشعب الله؟
أليست صلواتك كانت بمثابة السور الذي يحمي قطيع المسيح من الذئاب؟
ألم تقطع عهدًا أمام الله أنك مت عن العالم، وصلوا عليك أوشية الراقدين؟
ماذا فعلت، عندما نزلت إلى العالم، في من يحرقون الكنائس؟
ماذا فعلت، عندما نزلت إلى العالم، في من يخطفون الفتيات؟
ماذا فعلت، عندما نزلت إلى العالم، في من يروعون الشبان والشبات، الأطفال والشيوخ، النساء والرجال داخل الكنائس؟
هل علمت الشعب أقوال الله الحسنة، أم أنك كنت تستعرض فلسفتك، وعلمك ...؟

لقد هربت من المجد الباطل، فلماذا تعود له مرة أخرى؟
لماذا تكسر وصية المسيح وتسمح للناس أن يدعوك سيدي .. سيدي، ويقبلون يدك، ويسجدون أمامك ؟

لقد هربت من النساء أيضًا، وفضلت البتولية، فلماذا نزلت إلى العالم حيث النساء وملابسهن القصيرة، وأجسادهن شبه العارية، والمعطرات بالعطور الثمينة؟
لماذا امتلأ مكتبك بالسكرتيرات الحسنوات؟
هل ظننت في نفسك أنك أفضل من داود الملك العظيم؟
هل نسيت قول الكتاب عن الخطية أَنَّهَا طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى، وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ (أمثال 7 : 26).
يا أبي الراهب .. أين وقارك وأنت تلقي بالنكات على السامعين وتضحكهم؟ هذا فضلاً عن قفشاتك التي تنم عن ذكائك الشخصي، وليس الإلهي؟

يا من تركتم البرية ونزلتم إلى العالم، متى تعودون إلى قلاليكم ومغائركم؟
إن الكنيسة في حاجة إلى ركب ساجدة، وإلى نفوس عابدة، زاهدة، مائتة عن العالم.
أرحلوا أيها الرهبان المرتدون مهما كانت وظائفكم أو مراكزكم الكنسية، وعودوا إلى أديرتكم، وقدموا توبة واذرفوا بدل الدمع دمًا، واندموا على كبرياء قلوبكم، لأنكم ظننتم في أنفسكم أنكم خير من يدير الكنيسة، ونسيتم أنه يوجد إله حي، هو الذي يدير الكنيسة.
وأنه يوجد في العالم من المتزوجين من هم أفضل منكم، وأقدس منكم، وأحكم منكم، وأكثر علمًا في كلمة الله منكم. يكفي أنهم أمناء على العهد، ولم يخونوا الأمانة.




الأحد، 24 أبريل 2011

هلك شعبي من عدم المعرفة

هلك شعبي من عدم المعرفة

ما أشبه اليوم بالبارحة، يوم أن كان المسيحيون يساقون كالعجماوات، وينقادون إنقيادًا أعمى إلى رجال محسوبين على الدين ظلمًا وعدوانًا، رجال انتزعت من قلوبهم الرحمة والشفقة على الرعية، وتحولوا من آدميين إلى وحوش مفترسة، كاسرة، وإقطاعيين، يستعبدون من يعمل لديهم، تحت إدعاء الخلافة الرسولية وأن بيدهم المصير الأبدي لرعيتهم، فمن شاءوا أدخلوه إلى جنة الرضوان، ومن شاءوا أدخلوه إلى جهنم ونار السعير، بحجة أن بيدهم سلطان الحل والربط وسلطان غفران الخطايا.
لقد انقضت العصور الوسطى بما ساد فيه من جهل وظلم وظلمة، ومزج الخرافات بالمعتقدات الدينية، وحجب الكتاب المقدس عن الشعب، وقراءته داخل الكنيسة باللغة اللاتينية التي لا يعرفها الشعب، وحرق كل بيت يوجد فيه الكتاب المقدس بمن فيه من أطفال ونساء وشيوخ، مما سُميّ في التاريخ بمحاكم التفتيش، والتي تعتبر وسمة عار في جبين البابوية الغربية...

بعد انقضاء تلك العصور المظلمة، ومجئ عصر التنوير، الذي مهد له رجال الاصلاح، الذين قاموا بترجمة الكتاب المقدس من اللغة اللاتينية إلى اللغات التي تتحدث بها شعوبهم، فأصبح للكتاب المقدس تأثيره المبارك في تحرير عقل الإنسان من الخرافة، ومن سلطة رجال  الدين المزعومة، وكذلك التحرر من كل ما رسبته العصور المظلمة في عقل الإنسان من خرافات وانحرافات تعليمية وعقائدية، وكان نتيجة ذلك حدوث النهضة الصناعية في أوربا والتي كانت بمثابة القاعدة الأساسية للثورة التكنولوجية التي يتميز بها عصرنا الحاضر.

وفي عصر المعلوماتية واحترام عقل الإنسان، لم يعد هناك مجال لفئة من الناس أن تحتكر المعرفة تحت ادعاءات كهنوتية وسلطوية لا أساس لها في كلمة الله، وكذلك التحكم في المصير الأبدي للملايين من البشر. فالكتاب المقدس أصبح متاحًا - لكل راغب في المعرفة - على شبكة المعلومات الدولية، ومطبوعًًا بكل اللغات واللهجات التي يتحدث بها البشر على كوكبنا، ولم تعد هناك أسرار في المسيحية تُخفى عن كل مَنْ يطلع على الكتاب المقدس، ويقرأ أسفاره المقدسة.

ولم يعد في إمكان رجال  الدين أن يسوقوا الشعب كما كان يحدث في الديانات الوثنية، فالرسول بولس يكتب عن حالة المؤمنين في كورنثوس قبل الإيمان إذ يقول لهم:
"أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أُمَماً مُنْقَادِينَ إِلَى الأَوْثَانِ الْبُكْمِ كَمَا كُنْتُمْ تُسَاقُونَ"
(1كورنثوس 12: 2).
ومن المعروف أن الدواب هي التي تُساق، فما أشبه الإنسان المنقاد للتعاليم البشرية المخالفة لما جاء في الكتاب المقدس بالبهائم التي تباد، أليس مكتوبًا:
"وَالإِنْسَانُ فِي كَرَامَةٍ لاَ يَبِيتُ. يُشْبِهُ الْبَهَائِمَ الَّتِي تُبَادُ... إِنْسَانٌ فِي كَرَامَةٍ وَلاَ يَفْهَمُ يُشْبِهُ الْبَهَائِمَ الَّتِي تُبَادُ" (مزمور 49: 12، 20).
ألم يقل الله في القديم: " اِسْمَعُوا قَوْلَ الرَّبِّ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَّ لِلرَّبِّ مُحَاكَمَةً مَعَ سُكَّانِ الأَرْضِ لأَنَّهُ لاَ أَمَانَةَ وَلاَ إِحْسَانَ وَلاَ مَعْرِفَةَ اللَّهِ فِي الأَرْضِ" (هوشع 4: 1).

أليس مكتوبًا: " قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ.
لأَنَّكَ أَنْتَ رَفَضْتَ الْمَعْرِفَةَ أَرْفُضُكَ أَنَا حَتَّى لاَ تَكْهَنَ لِي.
وَلأَنَّكَ نَسِيتَ شَرِيعَةَ إِلَهِكَ أَنْسَى أَنَا أَيْضاً بَنِيكَ.
عَلَى حَسْبَمَا كَثُرُوا هَكَذَا أَخْطَأُوا إِلَيَّ فَأُبْدِلُ كَرَامَتَهُمْ بِهَوَانٍ"
(هوشع 4: 6، 7).

أليس الشعب القبطي في مهانة الآن؟
ألم تفضح أسراره في الأفلام السينمائية، والمسلسلات التلفزيونية؟
أين كرامة الإنسان الذي َقَالَ عنه اللهُ:
«نَعْمَلُ الانْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا ...
فَخَلَقَ اللهُ الانْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرا وَانْثَى خَلَقَهُمْ"
(تكوين 1: 26، 27).

أين كرامة الإنسان الذي عندما أخطأ كان ثمن خلاصه هو بذل حياة الابن المبارك على عود الصليب في أشر ميتة عرفتها البشرية؟
أين كرامة الإنسان المؤمن الذي هو عضو في جسد المسيح والمسيح رأس له؟
أين كرامة من يخدمون في الكنيسة؟
أليس من العار أن يطالب بعض الكهنة داخل الكنيسة القبطية، بتأسيس نقابة لهم، لتخفيف قبضة الأساقفة عليهم؟
جريد المصري اليوم : تاريخ العدد         ١٥   فبراير   ٢٠٠٩     عدد    ١٧٠٨ (قضايا ساخنة)
صرح مصدر قريب من المكتب البابوى، بأن هناك بعض «الملفات الشائكة» تنتظر عودة البابا للبت فيها، أهمها - حسب قوله - الدعوة التى يطالب بها بعض الكهنة داخل الكنيسة القبطية، الخاصة بتأسيس نقابة للكهنة، لتخفيف قبضة الأساقفة عليهم.
وقال المصدر: «الملف الثانى الذى ينتظر البابا، ولا يقل أهمية عن الملف الأول، هو وضع ضوابط جديدة لراغبى الدخول فى الكهنوت، للحد من مخالفات الكهنة، والتى ظهرت فى السنوات العشر الأخيرة، نتيجة دخول العديد من الشباب إلى سلك الكهنوت على أساس أنه وظيفة جيدة، مما أدى إلى تحول الخدمة الروحية إلى سبوبة»، لافتاً إلى أن أهم هذه الضوابط سيكون «اختبارات نفسية» للمتقدم لدخول سلك الكهنوت.
أليس من العار أن تنشر مثل هذه الأخبار على صفحات الجرائد، وتناقش في الفضائيات على مرأى ومسمع الملايين من البشر؟
أين كرامة المسيحي عندما ينحني ويسجد أمام إنسان مثله، ثم يقبل يد ذلك الإنسان، تحت إداعاءات كاذبة من التواضع، والاحترام؟
أين كرامة المسيحي عندما يقف ليصلي أمام تمثال أو صورة، حرَّم الله صنعها بوصية صريحة:
" لا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالا مَنْحُوتا وَلا صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَمَا فِي الارْضِ مِنْ تَحْتُ وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الارْضِ.
لا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلا تَعْبُدْهُنَّ لانِّي انَا الرَّبَّ الَهَكَ الَهٌ غَيُورٌ ..."
(خروج 20: 4، 5).

أين كرامة المسيحي الذي يجري وراء رؤساء الدين ليأخذ منهم بركة، ولا يلقى من حراسهم bodyguards غير الضرب ؟ وينشر هذا على صفحات الجرائد (جريدة المصري اليوم
تاريخ العدد       الثلاثاء   ٢٩   سبتمبر   ٢٠٠٩     عدد    ١٩٣٤  ) . ياللعار والحسرة أن يكون لرؤساء الدين حرّاس  bodyguards.
اِبْهَتِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ مِنْ هَذَا وَاقْشَعِرِّي وَتَحَيَّرِي جِدّاً يَقُولُ الرَّبُّ
(إرميا 2: 12).

لمصلحة مَنْ يُترك مثل هذا الشعب الذي يسلك عن جهل، أو عن بساطة، أوتحت إدعاء التواضع، ليسئ إلى المسيح الرب والسيد الوحيد؟

السبت، 23 أبريل 2011

كيف مهد الله البشرية لتجسد الكلمة الأزلي؟



كيف مهد الله البشرية لتجسد الكلمة الأزلي؟

الفصل الخامس

جاء في الإنجيل كما دونه الرسول يوحنا 1: 14 "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا" ؟  أو بحسب الترجمة القبطية الأدق: "والكلمة اتخذ جسدا   (آف تشي ساركس ) وحل بيننا"
وجاء في رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 3: 16 "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" ؟


وجدنا في الفصول السابقة أن تجسد الكلمة الأزلي، وظهوره في صورة بشر، كان ضروة حتمية منطقية،
لماذا؟ 
1- لرد اعتبارات مجد الله التي سلبتها خطية الإنسان الأول، آدم كممثل للجنس البشري وكرأس للخليقة الأولى التي سقطت معه، إذ كانت في صلبه حين أخطأ فمكتوب: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" (رومية 5: 12).
لاحظ المكتوب: "إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" أي لا عذر لإنسان على الأرض يعفيه من مسئولية ارتكابه الخطية. فمكتوب : " أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ" (رومية 2: 1).

ورأينا التقرير الإلهي في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية إصحاح 3: 23

"إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ". وهذا النص مقتبس من مزمور 14: 2، 3 مكتوب:
اَلرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي الْبَشَرِ لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللهِ؟
الْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعاً فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ.

ونرى صدق هذا التقرير الإلهي في تاريخ البشر كما هو معلن في الكتاب المقدس، وكما هو واضح على مر العصور والأزمان إلى وقتنا هذا، وإلى نهاية العالم.

2- لخلاص الإنسان من حكم الموت، (أ) الأدبي (الطرد من محضر الله والذي سبقه التعري والاختباء من الله)، الإنسان بعد العصيان تعرى، وحاول أن يستر عريه بأوراق التين، ولكن شعوره بالعري كان قائمًا، وإلى هذه اللحظة.

فَانْفَتَحَتْ اعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا انَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا اوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لانْفُسِهِمَا مَازِرَ (تكوين 3: 7).

إن كافة المعتقدات التي هي من نتاج عقل الإنسان الفاسد، أو التي هي بوحي من الشيطان، تنادي بأن أعمال الإنسان، يمكن أن تستر عريه أمام الله، ولكن إن كانت أوراق التين قد أعطت الشعور بالتغطي لآدم وحواء، فإن الأعمال يمكن أن تستر عري الإنسان. إن أوراق التين لم تستطع أن تخفي عري الإنسان، أو تنـزع شعوره بالعري. 
ماذا يقول الكتاب عن أعمال الإنسان الخاطئ الذي يريد أن يتبرر بها أمام الله؟

في إشعياء 64: 6 يقول: وَقَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ (الخرقة التي بها حيض المرأة) كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا وَقَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا.
 وفي أفسس 2: 9 يقول الرسول بولس:  لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ.

على كل حال مثل هذه الموضوعات سيتم تناولها في المرات القادمة بمشيئة الرب.

أما عن الطرد من محضر الله فمكتوب:

فَاخْرَجَهُ الرَّبُّ الالَهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَ الارْضَ الَّتِي اخِذَ مِنْهَا (تكوين 3: 23).
فَطَرَدَ الانْسَانَ وَاقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ (تكوين 3: 24).

إن الذين يقولون أن التوبة وحدها هي التي تؤهل الإنسان إلى الوجود في محضر الله، نقول لهم: لماذا لم يرجع الله آدم إلى الجنة مرة أخرى؟ لماذا طرده منها؟ ولم يعد إليها مرة أخرى؟

سنرى في دراستنا أن التوبة المؤسسة على الكفارة هي المقبولة أمام الله.

إيضًا لخلاص الإنسان من حكم الموت، (ب) الأبدي (البحيرة المتقدة بالنار والكبريت) الصادر ضده:

  فمكتوب : وَاوْصَى (أي أن المنع من الأكل من شجرة معرفة الخير والشر كان بوصية واضحة وصريحة ومباشرة) الرَّبُّ الالَهُ ادَمَ قَائِلا: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَاكُلُ اكْلا (تكوين 2: 16).
وَامَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلا تَاكُلْ مِنْهَا لانَّكَ يَوْمَ تَاكُلُ مِنْهَا مَوْتا تَمُوتُ» (تكوين 2: 17).

لقد تحدث الكتاب عن جهنم والعذاب الأبدي للأشرار، الذين رفضوا علاج الله للخطية، ولم يحتموا في دم الذبح العظيم.
(مت 25 : 41)«ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ،

(رؤ 20 : 10) وَإِبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.



وفي مرقس 9: 44 يصف عذاب الذين سيذهبون إلى جهنم بقوله:
حَيْثُ دُودُهُمْ لاَ يَمُوتُ وَالنَّارُ لاَ تُطْفَأُ.

3- لمصالحة الإنسان مع الله:
وأيوب في الكلمات التالية يعبر خير تعبير عن حاجة الإنسان الخاطئ إلى مَنْ يصالحه مع الله.

أَنَا مُسْتَذْنَبٌ فَلِمَاذَا أَتْعَبُ عَبَثاً؟
وَلَوِ اغْتَسَلْتُ فِي الثَّلْجِ وَنَظَّفْتُ يَدَيَّ بِالأَشْنَانِ
فَإِنَّكَ فِي النَّقْعِ تَغْمِسُنِي حَتَّى تَكْرَهَنِي ثِيَابِي.
لأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ إِنْسَاناً مِثْلِي فَأُجَاوِبَهُ فَنَأْتِي جَمِيعاً إِلَى الْمُحَاكَمَةِ.
لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا!
لِيَرْفَعْ عَنِّي عَصَاهُ وَلاَ يَبْغَتْنِي رُعْبُهُ (أيوب 9: 29-34).

إذن، تجسد الكلمة الأزلي، وظهوره في صورة بشر، كان ضروة حتمية منطقية ليكون رأسًا للخليقة الجديدة. ولكن أي بشر يحتجب فيه الكلمة الأزلي؟

كان من الضروري أن يتصف الإنسان الذي سيحل فيه الكلمة الأزلي بالصفات التالية:

1- لا يأتي بالتناسل من آدم الأول الذي سقط في عصيان الله.
لأننا علمنا أن البشرية كلها كانت في صلب آدم حين أخطأ، فكل نسل آدم مولود بطبيعة فاسدة تميل إلى العصيان، بدليل أن الجميع أخطأوا، فلا يوجد إنسان على وجه الأرض يمكنه الإدعاء بأنه لم يرتكب خطية، سواء أكان بالقول أو بالفعل أو بالفكر.
الكتاب المقدس يعلن لنا في سفر الأمثال 24 : 9 أن "فِكْرُ الْحَمَاقَةِ خَطِيَّةٌ".

وكيف يتأتي ذلك؟
يقول الكتاب في عبرانيين 10 : 5 لِذلِكَ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ:«ذَبِيحَةً وَقُرْبَانًا لَمْ تُرِدْ، وَلكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَدًا.
و عندما بشر الملاك جبرائيل القديسة المطوبة العذراء مريم قال لها:
لوقا 1 : 35: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ (لكي يهيئ جسدًا للكلمة الأزلي)، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ.

 أي يولد من عذراء دون زرع بشر، حتى لا يرث الطبيعة الفاسدة، التي ورثناها عن أبينا آدم.

طبعًا أحبائي من المسلمين يعرفون أن المسيح لم يولد عن طريق زرع بشر، ولكن لا يدرون لماذا؟
حتى لا يرث الطبيعة الفاسدة، التي ورثناها عن أبينا آدم

جاء في سورة مريم:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)

كما شهد القرآن على قداسة وطهارة العذراء مريم في سورة آل عمران (42):
وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ
تفسير بن كثير:
هذا إخبار من الله تعالى بما خاطبت به الملائكة مريم، عليها السلام، عن أمر الله لهم بذلك: أن الله قد اصطفاها، أي: اختارها لكثرة عبادتها وزهادتها وشرفها وطهرها من الأكدار والوسواس (4) واصطفاها ثانيًا مرة بعد مرة لجلالتها على نساء العالمين.

2- يحيا حياة الطاعة الكاملة لله ... يمجد الله في كل طرقه... وبالاختصار، إنسان قدوس ... بلا عيب ولاخطية...
خاطب الكلمة الأزلي المحتجب في جسد بشري، الآب السماوي قائلاً:
أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ (يو 17 : 4).

كما تحدى اليهود مقاوميه قائلاً قولته الفريدة التي لم يستطع أحد من قبله، ولا أحد من بعده أن يجرأ ويتفوه بها، ألا وهي:

  مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟  (يو 8 : 46)

جاء في سورة آل عمران (45) :
إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ
تفسير الجلالين:

"إذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَة" أَيْ جِبْرِيل "يَا مَرْيَم إنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِكَلِمَةٍ مِنْهُ" أَيْ وَلَد "اسْمه الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم" خَاطَبَهَا بِنِسْبَتِهِ إلَيْهَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا تَلِدهُ بِلَا أَب إذْ عَادَة الرِّجَال نِسْبَتهمْ إلَى آبَائِهِمْ "وَجِيهًا" ذَا جَاه "فِي الدُّنْيَا" بِالنُّبُوَّةِ "وَالْآخِرَة" بِالشَّفَاعَةِ وَالدَّرَجَات الْعُلَا "وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ" عِنْد اللَّه.

وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ
إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ.
فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ». (لوقا 1: 26-28).

تفسير الطبري:

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } يَعْنِي بِقَوْلِهِ " وَجِيهًا " : ذَا وَجْه وَمَنْزِلَة عَالِيَة عِنْد اللَّه وَشَرَف وَكَرَامَة.

3- ينتصر على إبليس الحية القديمة الذي خدع الإنسان الأول وأسقطه في عصيان الله..
تعالوا نستعرض كيف أنتصر الكلمة المتجسد على إبليس فيما سقط فيه الإنسان الأول:
  ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ.
فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً جَاعَ أَخِيراً.
فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللَّهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هَذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزاً».

أ- شهوة الجسد: أول امتحان عرضه الشيطان على حواء.
فَرَاتِ الْمَرْاةُ انَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلاكْلِ (تكوين 3: 6).

لكن الكلمة المتجسد يجيب الشيطان قائلاً: «مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ».
مكتوب فين؟
نجده مكتوبًا في تثنية 8: 3 "فَأَذَلكَ وَأَجَاعَكَ وَأَطْعَمَكَ المَنَّ الذِي لمْ تَكُنْ تَعْرِفُهُ وَلا عَرَفَهُ آبَاؤُكَ لِيُعَلِّمَكَ أَنَّهُ ليْسَ بِالخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَل بِكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ الرَّبِّ يَحْيَا الإِنْسَانُ.

ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ
وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللَّهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ».
ب- شهوة العيون:
وَانَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ (تكوين 3: 6).

من أين اقتبس إبليس هذا المكتوب؟
من مزمور 91: 11، 12 ، مكتوب:
لأَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرْقِكَ.
عَلَى الأَيْدِي يَحْمِلُونَكَ لِئَلاَّ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ.

لاحظ عبارة فِي كُلِّ طُرْقِكَ لم يذكرها إبليس

لقد صور إبليس للرب يسوع مشهد سقوطه من على جناح الهيكل والملائكة تحمله، والناس مبتهجة بهذا المشهد المغري.

لكن الرب رفض هذا الإغراء المُبهج للعيون، وأجابه: «مَكْتُوبٌ أَيْضاً: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلَهَكَ».
وهو اقتباس من سفر التثنية 6: 16
لا تُجَرِّبُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ كَمَا جَرَّبْتُمُوهُ فِي مَسَّةَ.
مسة (خروج 17: 1-7)

ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضاً إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدّاً وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا
وَقَالَ لَهُ: «أُعْطِيكَ هَذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي».

ج- تعظم المعيشة:
انَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ (تكوين 3: 6).
فيلا جميلة ... سيارة ماركة ...آخر موديل... آثاث فاخر ... إلخ.
أمور كلها شهية للنظر، وتحتاج إلى ثروة جزيلة، وكلها تحت أمرك إن خررت وسجدت للشيطان.
حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». (متى 4: 1-10).
وهو اقتباس من تثنية 6: 13  مكتوب : الرَّبَّ إِلهَكَ تَتَّقِي وَإِيَّاهُ تَعْبُدُ ...

4- ثم يكون قادرًا، ومؤهلاً، للوفاء بمطاليب عدالة الله غير المحدودة...
لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا!
لِيَرْفَعْ عَنِّي عَصَاهُ وَلاَ يَبْغَتْنِي رُعْبُهُ (أيوب 9: 33).

(عب 7 : 25) فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ.

5- ومن ثم يعلن عن رحمة الله غير المحدودة أيضًا لكل من يؤمن به...
(مت 11 : 28) تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ.
(يو 3 : 36) الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ».
 هذه الصفات لا تتوفر في إنسان على وجه الأرض، لذا كان لابد للكلمة الأزلي أن يحتجب في صورة بشر.

وفي سبيل تجسد الكلمة الأزلي، كان لابد من تمهيد البشر لمجيء ذلك الشخص العظيم، الأقنوم الإلهي
ولعظمة الكلمة الأزلي وظهوره في صورة بشر، لم يكتف الله بطريقة تمهيد واحدة،
ولكن بطرق متنوعة،
1-             عن طريق صوت مسموع.
وَقَبْلَ أَنْ يَنْطَفِئَ سِرَاجُ اللَّهِ, وَصَمُوئِيلُ مُضْطَجِعٌ فِي هَيْكَلِ الرَّبِّ الَّذِي فِيهِ تَابُوتُ اللَّهِ,
أَنَّ الرَّبَّ دَعَا صَمُوئِيلَ, فَقَالَ: «هَئَنَذَا».
وَرَكَضَ إِلَى عَالِي وَقَالَ: «هَئَنَذَا لأَنَّكَ دَعَوْتَنِي». فَقَالَ: «لَمْ أَدْعُ. ارْجِعِ اضْطَجِعْ». فَذَهَبَ وَاضْطَجَعَ.
ثُمَّ عَادَ الرَّبُّ وَدَعَا أَيْضاً صَمُوئِيلَ. فَقَامَ صَمُوئِيلُ وَذَهَبَ إِلَى عَالِي وَقَالَ: «هَئَنَذَا لأَنَّكَ دَعَوْتَنِي». فَقَالَ: «لَمْ أَدْعُ يَا ابْنِي. ارْجِعِ اضْطَجِعْ».
 (وَلَمْ يَعْرِفْ صَمُوئِيلُ الرَّبَّ بَعْدُ, وَلاَ أُعْلِنَ لَهُ كَلاَمُ الرَّبِّ بَعْدُ).
وَعَادَ الرَّبُّ فَدَعَا صَمُوئِيلَ ثَالِثَةً. فَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى عَالِي وَقَالَ: «هَئَنَذَا لأَنَّكَ دَعَوْتَنِي». فَفَهِمَ عَالِي أَنَّ الرَّبَّ يَدْعُو الصَّبِيَّ.
فَقَالَ عَالِي لِصَمُوئِيلَ: «اذْهَبِ اضْطَجِعْ, وَيَكُونُ إِذَا دَعَاكَ تَقُولُ: تَكَلَّمْ يَا رَبُّ لأَنَّ عَبْدَكَ سَامِعٌ». فَذَهَبَ صَمُوئِيلُ وَاضْطَجَعَ فِي مَكَانِهِ.
فَجَاءَ الرَّبُّ وَوَقَفَ وَدَعَا كَالْمَرَّاتِ الأُوَلِ: «صَمُوئِيلُ صَمُوئِيلُ». فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «تَكَلَّمْ لأَنَّ عَبْدَكَ سَامِعٌ».
فَقَالَ الرَّبُّ لِصَمُوئِيلَ: «هُوَذَا أَنَا فَاعِلٌ أَمْراً فِي إِسْرَائِيلَ كُلُّ مَنْ سَمِعَ بِهِ تَطِنُّ أُذُنَاهُ. (1صموئيل 3: 3-11).
2-             عن طريق ظهور في شكل ملاك.
ثُمَّ عَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْمَلُونَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ, فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ لِيَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ صُرْعَةَ مِنْ عَشِيرَةِ الدَّانِيِّينَ اسْمُهُ مَنُوحُ, وَامْرَأَتُهُ عَاقِرٌ لَمْ تَلِدْ.
فَتَرَاءَى مَلاَكُ الرَّبِّ لِلْمَرْأَةِ وَقَالَ لَهَا: «هَا أَنْتِ عَاقِرٌ لَمْ تَلِدِي, وَلَكِنَّكِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً
وَالآنَ فَاحْذَرِي وَلاَ تَشْرَبِي خَمْراً وَلاَ مُسْكِراً وَلاَ تَأْكُلِي شَيْئاً نَجِساً.
فَهَا إِنَّكِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً, وَلاَ يَعْلُ مُوسَى رَأْسَهُ, لأَنَّ الصَّبِيَّ يَكُونُ نَذِيراً لِلَّهِ مِنَ الْبَطْنِ, وَهُوَ يَبْدَأُ يُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ».
فَدَخَلَتِ الْمَرْأَةُ وَقَالَتْ لِرَجُلِهَا: «جَاءَ إِلَيَّ رَجُلُ اللَّهِ, وَمَنْظَرُهُ كَمَنْظَرِ مَلاَكِ اللَّهِ, مُرْهِبٌ جِدّاً. وَلَمْ أَسْأَلْهُ مِنْ أَيْنَ هُوَ, وَلاَ هُوَ أَخْبَرَنِي عَنِ اسْمِهِ.
وَقَالَ لِي: «هَا أَنْتِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً. وَالآنَ فَلاَ تَشْرَبِي خَمْراً وَلاَ مُسْكِراً وَلاَ تَأْكُلِي شَيْئاً نَجِساً, لأَنَّ الصَّبِيَّ يَكُونُ نَذِيراً لِلَّهِ مِنَ الْبَطْنِ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهِ».
فَصَلَّى مَنُوحُ إِلَى الرَّبِّ: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي أَنْ يَأْتِيَ أَيْضاً إِلَيْنَا رَجُلُ اللَّهِ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ وَيُعَلِّمَنَا مَاذَا نَعْمَلُ لِلصَّبِيِّ الَّذِي يُولَدُ».
فَسَمِعَ اللَّهُ لِصَوْتِ مَنُوحَ, فَجَاءَ مَلاَكُ اللَّهِ أَيْضاً إِلَى الْمَرْأَةِ وَهِيَ جَالِسَةٌ فِي الْحَقْلِ, وَمَنُوحُ رَجُلُهَا لَيْسَ مَعَهَا.
فَأَسْرَعَتِ الْمَرْأَةُ وَرَكَضَتْ وَأَخْبَرَتْ رَجُلَهَا: «هُوَذَا قَدْ تَرَاءَى لِيَ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ إِلَيَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ».
فَقَامَ مَنُوحُ وَسَارَ وَرَاءَ امْرَأَتِهِ وَجَاءَ إِلَى الرَّجُلِ, وَقَالَ لَهُ: «أَأَنْتَ الرَّجُلُ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعَ الْمَرْأَةِ؟» فَقَالَ: «أَنَا هُوَ».
فَقَالَ مَنُوحُ: «عِنْدَ مَجِيءِ كَلاَمِكَ, مَاذَا يَكُونُ حُكْمُ الصَّبِيِّ وَمُعَامَلَتُهُ؟»
فَقَالَ مَلاَكُ الرَّبِّ لِمَنُوحَ: «مِنْ كُلِّ مَا قُلْتُ لِلْمَرْأَةِ فَلْتَحْتَفِظْ.
مِنْ كُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ جَفْنَةِ الْخَمْرِ لاَ تَأْكُلْ, وَخَمْراً وَمُسْكِراً لاَ تَشْرَبْ, وَكُلَّ نَجِسٍ لاَ تَأْكُلْ. لِتَحْذَرْ مِنْ كُلِّ مَا أَوْصَيْتُهَا».
فَقَالَ مَنُوحُ لِمَلاَكِ الرَّبِّ: «دَعْنَا نُعَّوِقْكَ وَنَعْمَلْ لَكَ جَدْيَ مِعْزىً».
فَقَالَ مَلاَكُ الرَّبِّ لِمَنُوحَ: «وَلَوْ عَّوَقْتَنِي لاَ آكُلُ مِنْ خُبْزِكَ, وَإِنْ عَمِلْتَ مُحْرَقَةً فَلِلرَّبِّ أَصْعِدْهَا». (لأَنَّ مَنُوحَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَلاَكُ الرَّبِّ).
فَقَالَ مَنُوحُ لِمَلاَكِ الرَّبِّ: «مَا اسْمُكَ حَتَّى إِذَا جَاءَ كَلاَمُكَ نُكْرِمُكَ؟»
فَقَالَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي وَهُوَ عَجِيبٌ؟»
فَأَخَذَ مَنُوحُ جَدْيَ الْمِعْزَى وَالتَّقْدِمَةَ وَأَصْعَدَهُمَا عَلَى الصَّخْرَةِ لِلرَّبِّ. فَعَمِلَ عَمَلاً عَجِيباً وَمَنُوحُ وَامْرَأَتُهُ يَنْظُرَانِ.
فَكَانَ عِنْدَ صُعُودِ اللَّهِيبِ عَنِ الْمَذْبَحِ نَحْوَ السَّمَاءِ أَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ صَعِدَ فِي لَهِيبِ الْمَذْبَحِ وَمَنُوحُ وَامْرَأَتُهُ يَنْظُرَانِ. فَسَقَطَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا إِلَى الأَرْضِ.
وَلَمْ يَعُدْ مَلاَكُ الرَّبِّ يَتَرَاءَى لِمَنُوحَ وَامْرَأَتِهِ. حِينَئِذٍ عَرَفَ مَنُوحُ أَنَّهُ مَلاَكُ الرَّبِّ.
فَقَالَ مَنُوحُ لاِمْرَأَتِهِ: «نَمُوتُ مَوْتاً لأَنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا اللَّهَ!» (قضاة 13: 1-22). 

3-             عن طريق ظهور في شكل إنسان.
ظهور الرب ليعقوب، ظهر في هيئة إنسان في فنيئيل: "وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ" (سفر التكوين 32: 24)، "فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلاً: «لأَنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَنُجِّيَتْ نَفْسِي»" (سفر التكوين 32: 30).  وقد تحدث يعقوب مع ابنه يوسف لاحقاً حول ذلك الأمر وقال: "اللهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ظَهَرَ لِي فِي لُوزَ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَبَارَكَنِي" (سفر التكوين 48: 3).
4-             عن طريق الرموز والظلال. وما أعجبها من حيث دلالاتها العجيبة إذ تعكس أنوار وكمالات ذلك الشخص الكريم، الأقنوم الإلهي المتجسد.
5-             عن طريق النبوات، التي تختص بشخصه الكريم المبارك، وحياته العطرة على الأرض، من حيث ولادته من عذراء، ومعجزاته، ورفضه من شعبه، وآلامه، وصلبه، وموته، ودفنه في قبر، ثم قيامته من بين الأموات في اليوم الثالث، وصعوده إلى السماء.
وفي المحاضرة الثالثة تناولت :
أول ظهور لله على أرضنا يسجله سفر التكوين:
"وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ" (تكوين 3: 8).
فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ؟». فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ (وقع أقدامك) فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ» (تكوين 3: 9، 10).
وأول نبوة عن شخصه المبارك في الكتاب المقدس وردت أيضًا في سفر التكوين :
تكوين 3: 15 "وَاضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْاةِ وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ (نسل المرآة) يَسْحَقُ رَاسَكِ وَانْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ".
وأول رمز ورد أيضًا في سفر التكوين يرسم أمامنا طريق الله للخلاص والغفران :
وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلهُ لآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا (تكوين 3: 21).

المرة القادمة بمشيئة الرب، سنستكمل الحديث عن ظهور آخر لشخصه الكريم، ونبوة أخرى تحدثت عن شخصه المبارك، ورمز آخر يشير إليه، الذي له المجد، من الآن وإلى أبد الدهور آمين.