السبت، 23 أبريل 2011

هل يستحيل على الله أن يكلمنا من خلال تجسد الكلمة الأزلي؟



هل يستحيل على الله أن يكلمنا من خلال تجسد الكلمة الأزلي؟

الفصل الرابع

جاء في الإنجيل كما دونه الرسول يوحنا 1: 14 "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا" ؟  أو بحسب الترجمة القبطية الأدق: "والكلمة اتخذ جسدا   (آف تشي ساركس Af[icarx    ) وحل بيننا"
وجاء في رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 3: 16 "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" ؟


في الفصول السابقة تم استعراض الأدلية النقلية (إي الاقتباسات من الكتاب المقدس) والأدلة العقلية (استخدام المنهاج المنطقي والعقلاني في تحليل أحداث خلق الإنسان الأول على صورة الله ثم سقوطه في عصيان الله وعدم طاعته للوصية، بغواية من الحية أي الشيطان تحت إدعاء أنهما "آدم وحواء" سيصيران كالله عارفين الخير والشر). ووجدنا أن هناك ضرورة حتمية منطقية لوجود إنسان يرد لله اعتبارات مجده التي سلبتها خطيئة الإنسان الأول، ثم يعيد للإنسان الصورة الإلهية التي خلق عليها، ويكون مؤهلاً أن يكون رأسًا لخليقة جديدة.

وبعد استعراض حالة البشر، وجدنا التقرير الإلهي في مزمور 14: 2، 3 :
"اَلرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي الْبَشَرِ لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللهِ؟
الْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعاً فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ".

حتى أنه مكتوب:
"وَرَاى الرَّبُّ انَّ شَرَّ الانْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الارْضِ وَانَّ كُلَّ تَصَوُّرِ افْكَارِ قَلْبِهِ انَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ" (تكوين 6: 5).

وكان قرار الله في مواجهة شر الإنسان هو :
فَقَالَ الرَّبُّ: «امْحُو عَنْ وَجْهِ الارْضِ الانْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ: الانْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ. لانِّي حَزِنْتُ انِّي عَمِلْتُهُمْ» (تكوين 6: 7).
فمن أين يأتي الرب بإنسان كامل، يرد له ما سلبته خطيئة الإنسان الأول، ويكون رأسًا لخليقة جديدة عوضًا عن الرأس الأول الذي عن طريق عصيانه دخلت الخطية إلى العالم، كما هو مكتوب:
"مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" (رومية 5: 12).

ومن هنا نجد أن تجسد الكلمة الأزلي في صورة إنسان، كان ضرورة حتمية منطقية، ليرد لله -كابن الإنسان – اعتبارات مجده التي سلبتها خطيئة الإنسان الأول، ولكي يكون رأسًا لخليقة جديدة، تتوافق طبيعتها مع طبيعة الله من حيث القداسة والمحبة وباقي صفات الكمال الأدبي التي يتصف بها الله، من حيث الرحمة والمغفرة ...إلخ.

ورأينا كون الله يمكنه أن يتواصل مع البشر من خلف حجاب أمر أقره القرآن أيضًا:

ورد في سورة [الشورى : 51] "وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ"

وفي الرسالة إلى العبرانيين يحدثنا عن هذا الحجاب إذ مكتوب :
"فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى «الأَقْدَاسِ» بِدَمِ يَسُوعَ، طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ" (عبرانيين 10: 19، 20).
فالجسد الذي اتخذه الكلمة الأزلي كان بمثابة الحجاب الذي كلمنا من خلاله الله، وأعلن لنا عن محبته غير المحدودة.

          وإن كان الله في غنى نعمته ومحبته غير المحدودة شاء أن يقترب منا، ويسير على أرضنا، ويعلن عن محبته لنا، فمن أنا حتى أرفض تدبيرات الله، ومقاصده الصالحة من نحونا نحن البشر؟

والسؤال المطروح:
هل يستحيل على الله أن يكلمنا من خلال تجسد الكلمة الأزلي؟
إذا كان هذا مستحيلاً بالنسبة لله، يكون الله ناقص في قدرته، وحاشا لله، من صفات النقص، لأنه الكامل كمالاً غير محدود.

لما ظهر الله لإبراهيم ووعده بالنسل ضحكت سارة، وكانت العبارة الرائعة التي قالها الرب للرد على ضحكات سارة، والتي ترددها الأجيال على مر العصور هي لنرجع إلى النص الكتابي في تكوين 18: 10-14:
فَقَالَ: «انِّي ارْجِعُ الَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ امْرَاتِكَ ابْنٌ». وَكَانَتْ سَارَةُ سَامِعَةً فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَهُوَ وَرَاءَهُ -
وَكَانَ ابْرَاهِيمُ وَسَارَةُ شَيْخَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي الايَّامِ وَقَدِ انْقَطَعَ انْ يَكُونَ لِسَارَةَ عَادَةٌ كَالنِّسَاءِ.
فَضَحِكَتْ سَارَةُ فِي بَاطِنِهَا قَائِلَةً: «ابَعْدَ فَنَائِي يَكُونُ لِي تَنَعُّمٌ وَسَيِّدِي قَدْ شَاخَ!»
فَقَالَ الرَّبُّ لابْرَاهِيمَ: «لِمَاذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ قَائِلَةً: افَبِالْحَقِيقَةِ الِدُ وَانَا قَدْ شِخْتُ؟
هَلْ يَسْتَحِيلُ عَلَى الرَّبِّ شَيْءٌ؟ فِي الْمِيعَادِ ارْجِعُ الَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ ابْنٌ».

وفي سبيل تجسد الكلمة الأزلي، ظل الله يعد البشر من خلال ظهوراته في العهد القديم سواء في صورة ملاك، أو في صورة إنسان، ومن خلال مئات النبوات، ومن خلال آلاف الرموز، مدة أربعة آلاف سنة، إلى أن جاء ملء الزمان، وتجسد الكلمة الأزلي من عذراء بحسب النبوات التي استعرضناها المرة السابقة، ورأينا مدى دقة النبوات، ومدي تحقيقها بعد آلاف السنين بكيفية  عجيبة تذهل العقل البشري.

وفي المرة السابقة قلت إني ساستعرض إحدى ظهورات الله في العهد القديم، مع نبوة تختص بتجسد الكلمة الأزلي، مع رمز يشير إليه، لتوضيح عظمة الشخص المبارك الذي ستطأ قدماه أرضنا كابن الإنسان.
ولكن أود التأكيد على استخدام عقولنا.
إننا كمسيحيين نؤمن بكل ما ورد في كلمة الله، لكن رغم إيماننا هذا وتسليمنا بصحة كل ما جاء في الكتاب المقدس، إلا أننا لابد أن نبحث ونفهم مقاصد الله العظمى من نحونا.
 إن الفهم شئ ضروري لرسوخ الإيمان داخل القلب والعقل، وبدون الفهم يصبح الإيمان كقشة في مهب الريح.

لكن البعض يعتمد على أن هناك فئة معينة من علماء الدين هي المنوط بها الفهم، وعلى الآخرين طاعتهم طاعة عمياء، وسماع تعاليمهم دون فحص أو تدقيق، والانسياق ورائهم، وبذلك يخلي نفسه من مسئولية الفهم. فلماذا يجهد عقله في البحث عن الحق؟

وهناك البعض الآخر، الذي يتعصب لمعتقده تعصب أعمى، ويرفض أي فكر يتعارض مع أفكاره، دون مناقشة، حتى لو علم أنه على خطأ، نصرة لدينه أو معتقده.

لكن لا هذا ولا ذاك خال من المسئولية أمام الله.

فالله أرسل تعاليمه ووصاياه للبشر كافة، وعلى البشر أن يفهموا تعاليمه دون أعذار.
فمكتوب : " أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ" (رومية 2: 1).

لذلك نستعرض بعض التحريضات التي وردت في كلمة الله التي تختص بالتعقل والفهم:
فمكتوب في المزامير: اِفْهَمُوا أَيُّهَا الْبُلَدَاءُ فِي الشَّعْبِ، وَيَا جُهَلاَءُ مَتَى تَعْقِلُونَ؟" (مزمور 94: 8).

وفي الإنجيل قال الرب للجموع: «اسْمَعُوا وَافْهَمُوا" (متى 15: 10).

وفي سفر أعمال الرسل يقول الوحي عن أهل بيرية : "وَكَانَ هؤُلاَءِ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا؟"  (أعمال 17: 11).

وفي أيوب 18: 2يقول: "إِلَى مَتَى تَضَعُونَ أَشْرَاكًا لِلْكَلاَمِ؟ تَعَقَّلُوا وَبَعْدُ نَتَكَلَّمُ".

وفي أيوب 32: 8 : "وَلكِنَّ فِي النَّاسِ رُوحًا، وَنَسَمَةُ الْقَدِيرِ تُعَقِّلُهُمْ".

وفي مزمور 2: 10 يقول: "فَالآنَ يَا أَيُّهَا الْمُلُوكُ تَعَقَّلُوا. تَأَدَّبُوا يَا قُضَاةَ الأَرْضِ".

وكذلك في مزمور 119: 99 يقول: "أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ مُعَلِّمِيَّ تَعَقَّلْتُ، لأَنَّ شَهَادَاتِكَ هِيَ لَهَجِي".

وفي تيطس 2: 2 مكتوب: "أَنْ يَكُونَ الأَشْيَاخُ صَاحِينَ، ذَوِي وَقَارٍ، مُتَعَقِّلِينَ، أَصِحَّاءَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالصَّبْرِ".

يجب أن نلاحظ أن كلمة "الأشياخ" هنا غير كلمة "الشيوخ" التي وردت في الأصحاح السابق
مِنْ أَجْلِ هذَا تَرَكْتُكَ فِي كِرِيتَ لِكَيْ تُكَمِّلَ تَرْتِيبَ الأُمُورِ النَّاقِصَةِ، وَتُقِيمَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ شُيُوخًا كَمَا أَوْصَيْتُكَ (تيطس 1: 5).
الأشياخ. هم الكبار في السن فقط أما الشيوخ فعلاوة على كبر سنهم لهم خدمة في الكنيسة. فهنا يقول الرسول إن كل واحد كبير السن من المؤمنين ينبغي أن يكون صاحياً ذا وقار. متعقلين. نجد هذه الصفة عامة لكل طبقات المؤمنين. قد يكون الشبان والشابات معرّضين للطياشة لكن النعمة تعلمهم جميعاً - جميع المؤمنين والمؤمنات - التعقل فبالأولى الأشياخ يكونون في ذلك قدوة لمن هم أصغر منهم سناً.

"كَذلِكَ عِظِ الأَحْدَاثَ أَنْ يَكُونُوا مُتَعَقِّلِينَ" (تيطس 2: 6).

الأحداث معرّضون لعدم التعقل فمن أين يأتون بالتعقل؟
 1- من حفظ كلمة الله "أكثر من كل معلميّ تعقلت لأن شهادتك هي لهجي. أكثر من الشيوخ فطنت لأني حفظت وصاياك" (مز119: 99، 100)
 2- من الجلوس عند قدميّ الرب "وجاءوا إلى يسوع فوجدوا الإنسان الذي كانت الشياطين قد خرجت منه لابساً وعاقلاً وجالساً عند قدمي يسوع" (لو 8: 35).
(لوقا 8: 26- 39)  وَسَارُوا إِلَى كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ الَّتِي هِيَ مُقَابِلَ الْجَلِيلِ.
وَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الأَرْضِ اسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ فِيهِ شَيَاطِينُ مُنْذُ زَمَانٍ طَوِيلٍ وَكَانَ لاَ يَلْبَسُ ثَوْباً وَلاَ يُقِيمُ فِي بَيْتٍ بَلْ فِي الْقُبُورِ.
فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ صَرَخَ وَخَرَّ لَهُ وَقَالَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ الْعَلِيِّ! أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ لاَ تُعَذِّبَنِي».
لأَنَّهُ أَمَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الإِنْسَانِ. لأَنَّهُ مُنْذُ زَمَانٍ كَثِيرٍ كَانَ يَخْطَفُهُ وَقَدْ رُبِطَ بِسَلاَسِلٍ وَقُيُودٍ مَحْرُوساً وَكَانَ يَقْطَعُ الرُّبُطَ وَيُسَاقُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَى الْبَرَارِي.
فَسَأَلَهُ يَسُوعُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «لَجِئُونُ». لأَنَّ شَيَاطِينَ كَثِيرَةً دَخَلَتْ فِيهِ.
وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَأْمُرَهُمْ بِالذَّهَابِ إِلَى الْهَاوِيَةِ.
وَكَانَ هُنَاكَ قَطِيعُ خَنَازِيرَ كَثِيرَةٍ تَرْعَى فِي الْجَبَلِ فَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَأْذِنَ لَهُمْ بِالدُّخُولِ فِيهَا فَأَذِنَ لَهُمْ.
فَخَرَجَتِ الشَّيَاطِينُ مِنَ الإِنْسَانِ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ فَانْدَفَعَ الْقَطِيعُ مِنْ عَلَى الْجُرْفِ إِلَى الْبُحَيْرَةِ وَاخْتَنَقَ.
فَلَمَّا رَأَى الرُّعَاةُ مَا كَانَ هَرَبُوا وَذَهَبُوا وَأَخْبَرُوا فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الضِّيَاعِ
فَخَرَجُوا لِيَرَوْا مَا جَرَى. وَجَاءُوا إِلَى يَسُوعَ فَوَجَدُوا الإِنْسَانَ الَّذِي كَانَتِ الشَّيَاطِينُ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ لاَبِساً وَعَاقِلاً جَالِساً عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ فَخَافُوا.
فَأَخْبَرَهُمْ أَيْضاً الَّذِينَ رَأَوْا كَيْفَ خَلَصَ الْمَجْنُونُ.
فَطَلَبَ إِلَيْهِ كُلُّ جُمْهُورِ كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُمْ لأَنَّهُ اعْتَرَاهُمْ خَوْفٌ عَظِيمٌ. فَدَخَلَ السَّفِينَةَ وَرَجَعَ.
أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الشَّيَاطِينُ فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ وَلَكِنَّ يَسُوعَ صَرَفَهُ قَائِلاً:
«ارْجِعْ إِلَى بَيْتِكَ وَحَدِّثْ بِكَمْ صَنَعَ اللهُ بِكَ». فَمَضَى وَهُوَ يُنَادِي فِي الْمَدِينَةِ كُلِّهَا بِكَمْ صَنَعَ بِهِ يَسُوعُ.

ورد أيضا في تيطس 2: 11، 12 "لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ، لِجَمِيعِ النَّاسِ، مُعَلِّمَةً إِيَّانَا أَنْ نُنْكِرَ الْفُجُورَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الْعَالَمِ الْحَاضِرِ".

الكتاب يعلمنا أنه كما ننكر الفجور ننكر أيضاً الشهوات العالمية بالمثل. هذه هي الناحية السلبية. أما الناحية الإيجابية فهي أن: نعيش بالتعقل والبر والتقوى ثلاثة أمور. التعقل صفة شخصية بالنسبة لنفسي، والبر بالنسبة للآخرين، والتقوى بالنسبة لعلاقتي مع الله. في العالم الحاضر.

"وَإِنَّمَا نِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ قَدِ اقْتَرَبَتْ، فَتَعَقَّلُوا وَاصْحُوا لِلصَّلَوَاتِ" (1بطرس 4: 7).

الدينونة قريبة. وكل شيء موجود في هذا العالم سينتهي. وبعد كل شيء تأتي الدينونة.

"وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ
لأَنَّهُ كَمَا كَانُوا فِي الأَيَّامِ الَّتِي قَبْلَ الطُّوفَانِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحٌ الْفُلْكَ،
وَلَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى جَاءَ الطُّوفَانُ وَأَخَذَ الْجَمِيعَ، كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ" (متى 24: 37-39).
معظم الناس في هذه الأيّام لا مبالين، تمامًا كما كان في أيّام نوح. ومع أنّ الأيّام التي سبقت الطوفان كانت شرّيرة جدًّا، فإنّ التركيز هنا ليس على الشرّ. فقد كان الناس يأكلون ويشربون ويتزوّجون ويزوّجون، وبكلام آخر، كانوا يعيشون حياة روتينيّة وكأنّهم خالدون على الأرض. ومع أنّه سبق تحذيرهم بقدوم الطوفان، فقد عاشوا وكأنّ الطوفان لن يؤذيهم. وعندما جاء الطوفان، كانوا غير مستعدّين وبعيدين عن مكان الأمان الوحيد. وهكذا سيحدث بالتّمام عندما يرجع المسيح، فلن ينجو من النّاس إلاّ الذين احتموا بالمسيح فُلك النجاة.

وطالما أن نهاية كل شئ قد أقتربت، لذلك يدعونا الروح القدس إلى الاستيقاظ، فمكتوب:
"هذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ، أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ، فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا.
قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ.
لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ: لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ، لاَ بِالْمَضَاجعِ وَالْعَهَرِ، لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ" (رومية 13: 11-13).

ولكن هناك أناس يصرون على العناد وعدم استخدام عقلهم ، وعن هؤلاء يقول الكتاب:
"لاَ يَعْرِفُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ لأَنَّهُ قَدْ طُمِسَتْ عُيُونُهُمْ عَنِ الإِبْصَارِ، وَقُلُوبُهُمْ عَنِ التَّعَقُّلِ"( إشعياء 44 : 18).
لماذا طُمِسَتْ عُيُونُهُمْ عَنِ الإِبْصَارِ، وَقُلُوبُهُمْ عَنِ التَّعَقُّلِ؟
يقول الكتاب : "لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلَهٍ بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ الْغَبِيُّ" (رومية 1: 21).

وأقول لأحبائي من المسلمين أن القرآن يدعوهم أيضًًا إلى استخدام العقل في أربعة تعبيرات (على سبيل المثال لا الحصر):
1- أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (وردت 13 مرة ) في: [البقرة : 44]؛ [البقرة : 76]؛ [آل عمران : 65]؛ [الأنعام : 32]؛ [الأعراف : 169]؛ [يونس : 16]؛ [هود : 51]؛ [يوسف : 109]؛ [الأنبياء : 10]؛ [الأنبياء : 67]؛ [المؤمنون : 80]؛ [القصص : 60]؛ [الصافات : 138].

2- لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (ورد 8 مرات) في: [البقرة : 73]؛ [البقرة : 242]؛ [الأنعام : 151]؛ [يوسف : 2]؛ [النور : 61]؛ [غافر : 67]؛ [الزخرف : 3]؛ [الحديد : 17].

3- إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (ورد مرتين) في: [آل عمران : 118]، [الشعراء : 28].

 4- أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (ورد مرة واحدة) في: [يس : 62].

لكن لي تساؤلين لأحبائي المسلمين في نصين وردا في سورة النور : 61 ، سورة الزخرف : 3
بمناسبة استخدام العقل:
في سورة النور : 61 يقول:
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون [النور : 61].
والتساؤل هنا : كيف وأنا أدخل بيوت أقربائي لكي آكل معهم، أن أسلم على نفسي؟

الرب يسوع علم تلاميذه قائلاً:
«وَأَيَّةُ مَدِينَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ دَخَلْتُمُوهَا فَافْحَصُوا مَنْ فِيهَا مُسْتَحِقٌّ وَأَقِيمُوا هُنَاكَ حَتَّى تَخْرُجُوا.
وَحِينَ تَدْخُلُونَ الْبَيْتَ سَلِّمُوا عَلَيْهِ (أي سلموا على الأشخاص الموجودين في البيت) (متى 10: 11، 12).

وفي سورة الزخرف يقول:
 إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف : 3]. والتساؤل هنا هو : ما وجه التعقل في أن يكون القرآن عربيًا؟
لم نسمع موسى يقول : إن جعلنا التوراة عبرية؟
ولم نسمع رسل المسيح يقولون : إن جعلنا الإنجيل يونانيًٍا؟ 
فالتوراة والإنجيل قد تمت ترجمتهما إلى لغات ولهجات العالم كافة.

طبعًا ليس هذا موضوعنا، ولكنها مجرد تساؤلات مطروحة وتحتاج من أحبائي المسلمين أن يبحثوا ويفهموا ما جاء في كتابهم، كما نفعل نحن الآن فيما جاء في كتابنا المقدس.

وأختم بكلمة بعنوان:
أنت بلا عذر ... (رومية 2: 1).
إن تكنولوجيا المعلومات أحدثت ثورة معلوماتية لم يشهد العالم مثيلاً لها من قبل.
فالمعلومات أصبحت متاحة عبر شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) لكل من يبحث عن المعرفة والحق.
فلم تعد المعرفة سجينة الكتب، أو محصورة في بعض العقول، أو حكرًا على هيئات ، أو أفراد بعينهم، أو خاضعة لقوانين المصادرة،
لقد تحررت المعرفة من كل قيود فُرضت عليها، وصارت للمعرفة أجنحة تحلق بها في الفضائيات.. عبر الأقمار الإصطناعية، وعبر موجات الأثير.
لقد غطت المعرفة كوكبنا تحقيقًا لنبوة إشعياء (800 سنة قبل الميلاد) " لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ" (إشعياء 11: 9). وما على الإنسان سوى إلتقاطها وإقتنائها، والاستنارة بها.

وانتشار المعرفة في هذا الوقت بالذات ليس على سبيل الصدفة، بل بترتيب من الرب، المكتوب عنه:   "الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ" (كولوسي 2: 3)، والذي أراد في مقاصده الأزلية أنه في الأيام الأخيرة تزداد (دانيال 12: 4).
ويقول الكتاب عن الفاهمين: "وَالْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ، وَالَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ الدُّهُورِ" (دانيال 12: 3).

إن إنتشار المعرفة يُحمّل الإنسان مسئولية ما يعتقد به، ويؤمن به.
فالكثير من العقول لم تعد تقبل بالمسلمات، وتصدق الخرافات، ولم تصبح سهلة الانقياد، وقبول الشائعات.
إن تلك العقول تحررت من القيود التي كانت تكبّلها، وتسجنها في ظلمات الجهل والتخلف، وانفكت من اللجم التي كانت تُساق بها من قِبل فئة من البشر أقاموا أنفسهم ولاة على الآخرين، يتحكمون في ضمائرهم، ويُشكلون معتقداتهم.
يذكر الرسول بولس أهل كورنثوس بحالتهم قبل الإيمان بقوله:
أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أُمَمًا مُنْقَادِينَ إِلَى الأَوْثَانِ الْبُكْمِ، كَمَا كُنْتُمْ تُسَاقُونَ" (1كورنثوس 12: 2).
لقد انقشعت الظلمة، وولت عصور الجهل والتخلف إلى غير رجعة. لقد أشرق النور، نور الحق والمعرفة، وقال الله : ليكن نور، فكان نور" (تكوين 1: 3).

لم تعد الافتراءات والأكاذيب مقبولة في عصر المعلوماتية، عصر الاستنارة العقلية والفكرية، وإن أتهامنا بالشرك هو محض إفتراء لا يستند على دليل،
وكذلك الادعاء بتحريف الكتاب المقدس هو إدعاء لا يسئ فقط إلى كتاب الله، بل يسئ أيضًا إلى الله ذاته، لأن هذا الإدعاء ينسب إلى الله عدم المقدرة على حفظ أقواله التي أوحى بها إلى أنبيائه في العهد القديم، وإلى أنبيائه ورسله في العهد الجديد.

فمن الضروري أن يتعقل الإنسان، وينتهز فرصة انتشار المعرفة ليتزود بالعلم النافع، والمعرفة الإلهية التي تؤدي به إلى الحياة الأبدية، بل وامتلاك الحياة الأبدية من الآن.
مكتوب: "أنت بلا عذر إيها الإنسان" (رومية 2: 1).

الرب معكم أحبائي ونواصل حديثنا عن ظهورات الكلمة الأزلي في العهد القديم، والنبوات والرموز المختصة به في المرات القادمة إن شاء الرب وعشنا، وإن تأنى في مجيئه.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق