هل كانت هناك ضرورة لتجسد الكلمة الأزلي؟
الفصل الأول
هل كانت هناك ضروة لتجسد الكلمة الأزلي في صورة إنسان، طبقًا لما جاء في الإنجيل كما دونه يوحنا الرسول 1: 14 "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا" ؟
أو بعبارة أخرى : هل كان من الضروري أن يتجسد الله، طبقًا لما جاء في رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 3: 16 "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" ؟
من خلال ما سيضعه الرب أمامنا من كلمته الحيّة والفعّالة، سنجد أن التجسد الإلهي، أو ظهور الكلمة الأزلي في صورة إنسان هو ضرورة حتمية منطقية.
طبعًا أحبائي من المسيحيين سيقولون نعم، كان لابد لله أن يتجسد من أجل خلاصنا وفدائنا وغفران خطايانا وحياتنا الأبدية.... وهذا صحيح مائة في المائة.
لكن هناك أعتبار آخر أهم وأسمى من أي اعتبار، ربما يغيب عن الكثيرين، وهو رد اعتبارات مجد الله الذي سلبته خطية الإنسان الأول .. آدم .. المخلوق على صورة الله.
الكثيرون لا يأتي على بالهم هذا الاعتبار الجليل الذي يختص بالله ولا يفكرون إلا في أنفسهم وخلاصهم .. إلخ.
عندما خلق الله آدم، قال: "نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا... فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ" (تكوين 1: 26، 27).
طبعًا على صورة الله في العقل والنطق، وحرية الإرادة، والخلود ... وأمور أخرى لامجال لحصرها الآن ... منها قول الكتاب: "فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ" (تكوين 1: 26).
إن معصية الإنسان الأول هي تعدي على سيادة الله، وعدم خضوع لسلطانه.
مكتوب : "كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضًا. وَالْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي" (الرسالة الأولى للرسول يوحنا 3: 4).
ولأن الله غير محدود فتعدي الإنسان الأول على سيادة الله، وعدم الخضوع لسلطانه، كان تعديًا ضد غير المحدود، ولذا كان يتطلب كفارة غير محدودة في قيمتها وفاعليتها...
يقول الكتاب: "وَكَرِيمَةٌ (ثمينة جدًا) هِيَ فِدْيَةُ نُفُوسِهِمْ، فَغَلِقَتْ إِلَى الدَّهْرِ (متعذر سداد قيمتها مدى الحياة)" (مزمور 49: 8).
سيأتي الحديث عن هذا الموضوع فيما بعد، لكن الموضوع الأهم:
ماذا يفعل الله لكي يستعرض إنسانًا بلا خطية، يفعل مشيئته دون عصيان، ويمجده على الأرض، وبذلك يرد هذا الإنسان اعتبارات مجد الله التي سلبتها خطية الإنسان الأول؟
لنستعرض حالة البشر بعد عصيان الإنسان الأول آدم، هل وجد فيهم مَنْ أكرم الله وطاعه طاعة كاملة، ولم يصنع خطيئة، وعمل مشيئة الله، ومجد الله؟
لنبدأ بآدم وحواء:
قبل السقوط:
يقول الكتاب عنهما قبل السقوط: "وَكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ، آدَمُ وَامْرَأَتُهُ، وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَنِ" (تكوين 2: 25).
بعد السقوط:
يقول الكتاب: "فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ... وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ" (تكوين 3: 7، 8).
فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ؟».
فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ» (تكوين 3: 9، 10).
الخطيئة جعلت الإنسان الأول عريان، ومختبأ من الله... وليس ذلك فقط بل طرده الله من الجنة.
يقول الكتاب: "فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا.. فَطَرَدَ الإِنْسَانَ" (تكوين 3: 23، 24).
تعالوا لنرى نسل آدم:
في تكوين 4: 8 يقول الكتاب: "وَكَلَّمَ قَايِينُ هَابِيلَ أَخَاهُ. وَحَدَثَ إِذْ كَانَا فِي الْحَقْلِ أَنَّ قَايِينَ قَامَ عَلَى هَابِيلَ أَخِيهِ وَقَتَلَهُ".
وفي تكوين 6: 5 ماذا يقول الكتاب عن نسل آدم بعد أن تكاثروا على الأرض:
وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ.
ولأن الشجرة فسدت، فباتت كل ثمارها فاسدة..
والبعض يقول: آدم أخطأ.. إحنا ذنبنا أيه؟
نحن ورثنا الطبيعة الفاسدة.. وإلا فمن إين أتى قايين بالحقد والغيظ، والحنق على أخيه؟
وما الذي دفعه لارتكاب أول جريمة قتل عرفتها البشرية؟
من أين أتت التصورات الشريرة في قلب الإنسان؟
إنها الطبيعة الفاسدة الموروثة عن آدم، والتي يسميها الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية 7: 20
"فَإِنْ كُنْتُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ إِيَّاهُ أَفْعَلُ، فَلَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُهُ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ"
والرسول يوحنا يشير إلى ذلك في رسالته الأولى إصحاح 1
عدد 8: "ِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا".
عدد 10: "إِنْ قُلْنَا: إِنَّنَا لَمْ نُخْطِئْ نَجْعَلْهُ كَاذِبًا، وَكَلِمَتُهُ لَيْسَتْ فِينَا".
لنرجع مرة أخرى إلى سفر التكوين إصحاح 6 يقول الكتاب:
وَفَسَدَتِ الأَرْضُ أَمَامَ اللهِ، وَامْتَلأَتِ الأَرْضُ ظُلْمًا.
وَرَأَى اللهُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ، إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى الأَرْضِ.
فَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِي، لأَنَّ الأَرْضَ امْتَلأَتْ ظُلْمًا مِنْهُمْ. فَهَا أَنَا مُهْلِكُهُمْ مَعَ الأَرْضِ.
فَهَا أَنَا آتٍ بِطُوفَانِ الْمَاءِ عَلَى الأَرْضِ لأُهْلِكَ كُلَّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. كُلُّ مَا فِي الأَرْضِ يَمُوتُ.
(تكوين 6: 11-13، 17)
يا فرحتك يا شيطان..
لقد استطعت أن تفسد أعظم مشروع لله...
ألا وهو الإنسان المخلوق على صورة الله..
يا للعار... يا للحزن والأسف الشديد
تعالوا معي أحبائي إلى الكتاب وعندما أقول الكتاب فإنني أقصد الكتاب المقدس، فيكفي أن أقول الكتاب لأنه ليس هناك كتاب آخر غيره
تعالوا معي لنرى ما وصل إليه الإنسان من إنحطاط، وفساد، وشر ما بعده شر في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية الإصحاح الأول من آية 18إلى آخر الإصحاح يقول:
لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ.
إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ،
لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ.
لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ الْغَبِيُّ.
وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ،
وَأَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى، وَالطُّيُورِ، وَالدَّوَابِّ، وَالزَّحَّافَاتِ.
لِذلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ أَيْضًا فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى النَّجَاسَةِ، لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ.
الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ، وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ، الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.
لِذلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى أَهْوَاءِ الْهَوَانِ، لأَنَّ إِنَاثَهُمُ اسْتَبْدَلْنَ الاسْتِعْمَالَ الطَّبِيعِيَّ بِالَّذِي عَلَى خِلاَفِ الطَّبِيعَةِ،
وَكَذلِكَ الذُّكُورُ أَيْضًا تَارِكِينَ اسْتِعْمَالَ الأُنْثَى الطَّبِيعِيَّ، اشْتَعَلُوا بِشَهْوَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَاعِلِينَ الْفَحْشَاءَ ذُكُورًا بِذُكُورٍ، وَنَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ الْمُحِقَّ.
وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لاَ يَلِيقُ
مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِنًا وَشَرّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ، مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلاً وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءًا،
نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ، مُبْغِضِينَ ِللهِ، ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ، مُبْتَدِعِينَ شُرُورًا، غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ،
بِلاَ فَهْمٍ وَلاَ عَهْدٍ وَلاَ حُنُوٍّ وَلاَ رِضىً وَلاَ رَحْمَةٍ.
الَّذِينَ إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ الْمَوْتَ، لاَ يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا يُسَرُّونَ بِالَّذِينَ يَعْمَلُونَ.
والرسول بولس يضيف إلى هذه القائمة، قائمة أخرى من شرور الإنسان الفاسد في نفس الرسالة إصحاح 3: 13- 18
حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ الأَصْلاَلِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ.
وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً.
أَرْجُلُهُمْ سَرِيعَةٌ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ.
فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسُحْقٌ.
وَطَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ.
لَيْسَ خَوْفُ اللهِ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ».
إذن، ما هو تقرير الله عن حالة البشر؟
يرد هذا التقرير في :
مزمور 14: 2 "اَلرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي الْبَشَرِ، لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللهِ؟".
والروح القدس يجيب في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية إصحاح 3: 11
لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ.
النتيجـة:
مزمور 14: 3 "الْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعًا، فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ".
والروح القدس يوضح ذلك في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية إصحاح 3: 23
"إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ".
الخلاصــــة:
يقول الكتاب :
"مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" (رومية 5: 12).
أقولها مرة أخرى:
يا فرحتك يا شيطان..
لقد استطعت أن تفسد أعظم مشروع لله...
ألا وهو الإنسان المخلوق على صورة الله..
يا للعار... يا للحزن والأسف الشديد
فهل يصمت الله إزاء ما أفسده الشيطان؟
ومَنْ من البشر يستطيع أن يرد لله اعتبارات مجده التي سلبتها خطية الإنسان الأول؟
ومَنْ من البشر يستطيع أن يستعيد الصورة الإلهية التي خُلق عليها الإنسان الأول؟
الإجابة:
ليس ولا واحد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق