الفصل الثاني
هل أسس رسل المسيح النظام البابوي؟
رأينا أن الرب لم يقم بنفسه بتأسيس النظام البابوي، لكن ربما يظن البعض، أو كما يعتقد البعض بأن رسل المسيح قاموا بتأسيس النظام البابوي، ولكن إذا فحصنا أسفار العهد الجديد لا نجد أي إشارة إلى قيام الرسل بمثل هذا العمل.
ولأن النظام البابوي نظام رئاسي.. رئاسة الكنيسة.. رئاسة الكهنوت..إلخ. بل وصل إلى رئاسة دولة (دولة الفاتيكان) داخل دولة إيطاليا. ماذا كانت نصيحة الرب لتلاميذه؟ هل الرب نصح تلاميذه بهذا النظام الرئاسي؟ وأن يقيموا من أنفسهم رؤساء على الرعية؟
لقد خطر مثل هذا الفكر على بال أم ابني زبدي إذ تقدمت إلى الرب مَعَ ابْنَيْهَا وقَالَتْ لَهُ:«قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ هذَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنِ الْيَسَارِ فِي مَلَكُوتِكَ» (انظر متى 20: 20، 21).
فما أن سمع الرب مثل هذا الكلام، إلا والتفت إلى تلاميذه ليحذرهم من أساليب العالم من سيادة ورئاسة وتسلط على الرعية، إذا قال لهم:
«أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا، كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متى 20: 25-28).
فإذا كان الرب في تجسده قد جاء ليجلس على كرسي ويترأس ويحكم ويملك، ويقاضي ويدين، وهذا من حقه كالكلمة الأزلي الذي له الرياسة والأولوية، والتقدم في كل شيء، وهو المعبود والمسجود له من ربوات الملائكة، إلا أنه لم يفعل ذلك، بل أعلن لتلاميذه مبدأً أساسيًا لكل مَنْ يريد الخدمة، وكان هو المثال والنموذج الذي يجب أن يتحتذى، إذ قال لهم:
.. أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ
لذلك قال عنه الرسول بولس لأهل فيلبي الذين بدأ يدخل بينهم التحزب والعجب، والانشقاق (انظر فيلبي 2: 3؛ 4: 2):
"فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (فيلبي 2: 5-8).
بل أن الرب حذرهم من التمثل بالكتبة والفريسيين - الذين قال الرب عنهم: "يُحِبُّونَ الْمُتَّكَأَ الأَوَّلَ فِي الْوَلاَئِمِ، وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ، وَالتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ، وَأَنْ يَدْعُوَهُمُ النَّاسُ: سَيِّدِي سَيِّدِي!" (متى 23: 6، 7) - قائلاً: "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ، وَأَنْتُمْ جَمِيعًا إِخْوَةٌ" (متى 23: 8).
كيف يقبل خادم حقيقي للرب، أن يدعوه الناس سيدنا .. سيدنا، والرب قد نهى عن ذلك؟
فإذا كان الناس في جهل مما ورد في الإنجيل، فلهم عذرهم، لأنهم لم يجدوا من يعلمهم الإنجيل الحقيقي، لكن هل المدعو سيدنا هذا، يجهل وصايا المسيح؟ فإذا كان يجهل وصايا المسيح، فهذا عار، أما إذا كان يعلم الوصايا ويقبل على نفسه أن يدعوه الناس سيدنا سيدنا فالعار والخزي أكثر وأكثر بما لا يقاس؛ لأنه سلب لقب من ألقاب المسيح له المجد، الذي قال لتلاميذه: " أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّمًا وَسَيِّدًا، وَحَسَنًا تَقُولُونَ، لأَنِّي أَنَا كَذلِكَ" (يوحنا 13: 13).
أليس مبدأ الرئاسة يتعارض مع مبادئ الرب نفسه، الذي "صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَل، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِرًا بِهَا" (يوحنا 13: 5).
انظر ماذا قال الرب لتلاميذه: "فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ" (يوحنا 13: 14- 16).
هل بعد كل ما عمله المسيح وعلَّم به، يمكن أن يخطر ببال رسله أن يؤسسوا نظامًا بابويًا رئاسيًا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق