السبت، 23 أبريل 2011

احتجاب الكلمة الأزلي في جسد بشري

احتجاب الكلمة الأزلي في جسد بشري
الفصل الثالث

جاء في الإنجيل كما دونه الرسول يوحنا 1: 14 "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا" ؟  أو بحسب الترجمة القبطية الأدق: "والكلمة اتخذ جسدا   (آف تشي ساركس Af[icarx    ) وحل بيننا"
و جاء في رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 3: 16 "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" ؟

ومن المحاضرتين السابقتين يمكننا أن نخلص بالنتيجة المختصرة التالية:
1-      أن الإنسان الأول تعدى على وصية الله، معلنًا عصيانه وعدم خضوعه لسلطان الله، وذلك لسماعه صوت الحية أي إبليس وأكله من الشجرة التي أخذ وصية من الله بعدم الأكل منها، مخدوعًا من الحية بأن يصير مثل الله " بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ"
وهي الخطية التي وقع فيها إبليس ، إذ قال:
 "أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ" (إشعياء 14: 14).
2-      أن الإنسان الأول كان ممثلاً للبشرية جمعاء، فبسقوطه سقط البشر جميعًا، كما هو مكتوب: " مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" (رومية 5: 12). 
3-      أن خطية الإنسان الأول كانت موجهة إلى الله غير المحدود، ومن ثم كانت تتطلب كفارة غير محدودة في قيمتها وفاعليتها، تغطي خطايا البشر في كل زمان ومكان.
4-      لم يوجد في البشر مَنْ هو مؤهل لرد اعتبارات مجد الله، التي سلبتها خطية الإنسان الأول، وبالتالي لم يوجد مَنْ هو مؤهل للقيام بعمل الفداء وإيفاء مطاليب عدالة الله القدوس. فمكتوب : "إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ" (رومية 3: 23).

ومن هنا كان تجسد الكلمة الأزلي واحتجابه في جسد بشري، ضرورة حتمية منطقية لعلاج ما أفسده الإنسان الأول.

وكون الله يمكنه أن يتواصل مع البشر من خلف حجاب أمر أقره القرآن أيضًا:
ورد في سورة [الشورى : 51] "وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ"

في الرسالة إلى العبرانيين يحدثنا عن هذا الحجاب إذ مكتوب :
"فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى «الأَقْدَاسِ» بِدَمِ يَسُوعَ، طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ" (عبرانيين 10: 19، 20).
فالجسد الذي اتخذه الكلمة الأزلي كان بمثابة الحجاب الذي كلمنا من خلاله الله، وأعلن لنا عن محبته غير المحدودة.

          وإن كان الله في غنى نعمته ومحبته غير المحدودة شاء أن يقترب منا، ويسير على أرضنا، ويعلن عن محبته لنا، فمن أنا حتى أرفض تدبيرات الله، ومقاصده الصالحة من نحونا نحن البشر؟

وإن كان رأس الدولة، أو ملك البلاد، أو السلطان، تنازل أن يدخل مسكن أحد مواطنيه ليجلس معه ويشاركه المأكل أو المشرب، فمن هو صاحب المسكن الذي فقد عقله الذي لا يرحب بدخول رئيس الدولة، أو ملك البلاد، أو السلطان إلى بيته؟

من خلال الوحي الإلهي نجد أن سرور الله هو في عشرته مع الإنسان، يقول الكتاب في سفر الأمثال 8: 27-31 "لَمَّا ثَبَّتَ السَّمَاوَاتِ كُنْتُ هُنَاكَ أَنَا. لَمَّا رَسَمَ دَائِرَةً عَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ. لَمَّا وَضَعَ لِلْبَحْرِ حَدَّهُ فَلاَ تَتَعَدَّى الْمِيَاهُ تُخْمَهُ، لَمَّا رَسَمَ أُسُسَ الأَرْضِ، كُنْتُ عِنْدَهُ صَانِعًا، وَكُنْتُ كُلَّ يَوْمٍ لَذَّتَهُ، فَرِحَةً دَائِمًا قُدَّامَهُ. فَرِحَةً فِي مَسْكُونَةِ أَرْضِهِ، وَلَذَّاتِي (مسراتي، سروري، سعادتي، فرحي) مَعَ بَنِي آدَمَ".
بالتأكيد مع بني آدم الذين قبلوه ربًا وسيدًا ومخلصًا. لكن لماذا لم يقل ولذاتي مع الملائكة، أليس الملائكة أفضل من كل جهة، ألم يقل الكتاب عن الملائكة في عبرانيين 1: 7 : "الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحاً (أرواحًا) وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ". وهذا النص مقتبس من مزمور 104: 4 إذ يقول: "الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحاً (أرواحًا) وَخُدَّامَهُ نَاراً مُلْتَهِبَةً".
ألم يقل الكتاب عن الملائكة في مزمور 103: 20 "بَارِكُوا الرَّبَّ يَا مَلاَئِكَتَهُ الْمُقْتَدِرِينَ قُوَّةً الْفَاعِلِينَ أَمْرَهُ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ كَلاَمِهِ".

 أما عن الإنسان فقال: "وَتَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُه"ُ (مزمور 8: 5).
وفي الرسالة إلى العبرانيين 2: 7 يقول "وَضَعْتَهُ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ. بِمَجْدٍ وَكَرَامَةٍ كَلَّلْتَهُ، وَأَقَمْتَهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ".

فالإنسان أقل من الملائكة بحسب تقرير كلمة الله، لكن ماذا يقول الله عندما خلق الإنسان رغم أنه جبله من التراب: "وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا... فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ" (تكوين 1: 26، 27).
الإنسان مخلوق على صورة الله! يا للعظمة.. ويا للروعة..
لم يقل الكتاب أن الله خلق الملائكة على صورته كشبهه.. لكن قيل هذا عن الإنسان..

 لكن ماذا يعني أن الإنسان مخلوق على صورة الله ؟ هذا يعني أن الله أدخل الإنسان في علاقه معه... علاقة سماوية .. روحانية.. سامية .. فالله قدوس والإنسان مخلوق على هذه الصورة من القداسة
والله نور والإنسان مخلوق على هذه الصورة من النورانية
والله محبة والإنسان مخلوق على هذه الصورة من الحب
قل ما شئت من صفات الكمال اللائقة بالذات الإلهية، والإنسان مخلوق على هذه الصورة
صحيح أن آدم ليس هو صورة الله ، ولكن مخلوق على صورة الله...
وبذلك يكون الإنسان هو قمة كمال وجمال الإبداع الإلهي، فكيف لا يكون سرور الله مع بني آدم..
وإن كانت هذه هي مكانة الإنسان عند الله، فكيف لا يهب الله لخلاص الإنسان، وتحريره من قبضة إبليس؟ واسترداده مرة أخرى ليس إلى فردوس أرضي مفقود، لكن إلى فردوس سماوي موعود.. ليس بالارتباط بآدم الأول الترابي، بل بآدم الأخير السماوي..
ومن أجل ذلك وغيره، مما سيأتي الحديث عنه بالتفصيل، تجسد الكلمة الأزلي في صورة إنسان ..
لكن الأمر استغرق أربعة آلاف سنة لإعداد البشر، وتهيئتهم لاستقبال أقنوم الكلمة الأزلي.. السماوي.. الرب من السماء.. ليكون رأسًا للخليقة الجديدة...

وهي مدة ليست بطويلة، في تقدير الله: "وَلكِنْ لاَ يَخْفَ عَلَيْكُمْ هذَا الشَّيْءُ الْوَاحِدُ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ: أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ" (بطرس الثانية 3: 8)، نظرًا لعظم وجلال ذلك الشخص الآتي إلى عالمنا.

فإذا كان استقبال الملوك والرؤساء والسلاطين يسبق له الإعداد بمدة طويلة، فكم بالحرى استقبال الكلمة الأزلي في عالمنا.

لقد مهد الله لظهور الكلمة الأزلي، بعشرات الظهورات للبشر في العهد القديم ...
وكذلك بمئات النبوات التي تتحدث عن شخصه من ولادته من عذراء دون زرع بشر، إلى  موته ميتة العار والخزي، ودفنه، وقيامته، صعوده إلى السماء، ومجيئة مرة أخرى بمجد عظيم..

أيضًا مهد الله لمجئ الكلمة الأزلي بمئات الرموز التي تشير إليه سواء ما يختص بحياته الطاهرة  التي تتسم بالقداسة، أو بتقديم نفسه ذبيحة محرقة لشبع وسرور قلب الله، أو كذبيحة لغفران خطايانا...

واليوم بنعمة ربنا سوف نستعرض معًا أول نص مباشر يعلن عن ظهور الله للإنسان ، وأول نبوة عن تجسد الكلمة الأزلي، وأول رمز يشير إلى عمله الكفاري من أجل الإنسان.. ونستكمل باقي الظهورات والنبوات والرموز المرات القادمة إن شاء الرب وعشنا، وإن تأني في مجيئه...



أول ظهور لله على أرضنا يسجله سفر التكوين:
"وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ" (تكوين 3: 8).
فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ؟». فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ (وقع أقدامك) فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ» (تكوين 3: 9، 10).

وأول نبوة في الكتاب المقدس وردت أيضًا في سفر التكوين :
تكوين 3: 15 "وَاضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْاةِ وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ (نسل المرآة) يَسْحَقُ رَاسَكِ وَانْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ".
نلاحظ أن النبوة التي تحدث بها الرب لم تكن موجهة لآدم، فلم يقل الله لآدم أن نسلك يسحق رأس الحية. ولم تكن موجهة لحواء، لكن لماذا؟
هل أحد فكر لماذا لم يتحدث الرب بالنبوة التى تختص بنسل المرأة سواء لآدم، أو حواء؟

ليتنا يا أحبائي نتعلم كيف نتأمل طويلاً في أقوال الله، لنرى حكمة الله العظيمة، في كل قول من أقواله المقدسة، وأن الكتاب المقدس يحمل في داخله صحة وصدق كل كلمة دونت فيه.

لو أن الكتاب المقدس من تأليف بشر، لكان المؤلف وجه كلام الله المختص بنسل المرأة إلى آدم ليقول له : يا أدم من نسلك سيأتي من يسحق رأس الحية. أو يوجه كلامه إلى حواء ليقول لها : يا حواء سيأتي من نسلك من يسحق رأس الحية. أو يوجه كلامه لكليهما معًا، لأنه من الطبيعي أن يأتي الجنس البشري منهما.

لكن لأن الكتاب المقدس هو أقوال الله الحية، الصادقة والأمينة، الموحى بها بالروح القدس، ولأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ (بطرس الثانية 1: 21).
 لم يوجه الله كلامه إلى آدم أو حواء أو لكليهما معًا، ذلك لأن النسل الآتي لن يكون عن طريق زرع بشر.
لكن كلام الله كان موجهًا إلى الحية، أن نسل المرأة سيسحق رأسها. والنسل هنا المراد به شخص، سيولد من إمرأة، دون زرع بشر (في النص العبري كلمة نسل جاءت بصيغة المفرد).

لقد تم تحقيق هذه النبوة على وجه التحديد بعد 4004 سنين من وقت ما قيلت فيه.
والسؤال الذي يتحدى كل من يدعي كذبًا وبهتانًا تحريف الكتاب المقدس، هل هناك كتاب ترد فيه نبوة تتحقق بعد أربعة آلاف سنة، حرفيًا، وبمنتهي الدقة؟
بعد أربعة آلاف سنة يكتب الرسول بولس إلى أهل غلاطية:"وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ" (غلاطية 4: 4).

لاحظ قوله لما جاء ملء الزمان، أي الوقت الذي عينه الآب السماوي والذي فيه يصبح ورثة المجد بالغين.
لاحظ أيضًا : أرسل الله ابنه، أي أن الابن أو الكلمة الأزلي له وجود سابق عن التجسد.
لاحظ أيضًا قوله :جاء مولودًا من امرأة، وقوله مولودًا من امرأة دليل على أنه لم يولد كباقي البشر نتاج زواج رجل بإمرأة، وإلا ما الداعي أن يقول : مولودًا من امرأة؟

لكن كيف عرفنا أن هذه المرأة عذراء لم تعرف رجلاً؟
هناك نبوة وردت في سفر إشعياء (800 سنة قبل الميلاد) أصحاح 7 آية 14 تقول:
وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ».
والكلمة العبرية للعذراء هي : ها عالماه أي فتاة في سن الزواج، ويحتج البعض لماذا لم يقل الوحي : ها بتولاه (أي عذراء )؟ نقول أن كلمة بتولاه تعني عذراء لكنها تنطبق أيضًا على طفلة صغيرة دون سن الزواج. وهنا نرى الروح القدس يختار اللفظ الصحيح، حتى يجنب البشر الزواج من طفلة صغيرة لم تبلغ سن الزواج بعد.
لكن في الترجمة السبعينية (القرن الثالث قبل الميلاد) ترجم علماء اليهود هذه كلمة ها عالماه العبرية بكلمة بارثينوس اليونانية أي عذراء لم تعرف رجلاً. وهنا نرى أصبع الله العاملة سواء في الوحي أو في الترجمة أيضًا.
وبعد مرور هذه القرون نقرأ في إنجيل لوقا 1: 26-35 "وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ
إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ.
فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ».
فَلَمَّا رَأَتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ وَفَكَّرَتْ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّحِيَّةُ!
فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ.
وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ.
  هَذَا يَكُونُ عَظِيماً وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ
  وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».
  فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟»
  فَأَجَابَ الْمَلاَكُ: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ".
في غلاطية نقرأ " أرسل الله ابنه " وهنا نقرأ "يدعى ابن الله" فالعبارة الأولى تشير إلى أن الكلمة الأزلي هو ابن الله في الأزل، والعبارة الثانية تشير إلى أنه دعي ابن الله في الزمن.
والحقيقة لا يوجد خلاف بين الاثنين ، ففي مزمور 2 مكتوب:
إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ: قَالَ لِي: «أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ (مزمور 2: 7).

قال لي أنت ابني (في الأزل) أنا اليوم ولدتك (في الزمن).

وهنا نرى أيضًا الانسجام العجيب بين أقوال الله سواء في النبوات في العهد القديم أو في زمن تحقيقها في العهد الجديد. مما يؤكد أنه لايوجد كتاب آخر يسمى بكتاب الله ، سوى كتاب واحد هو الكتاب المقدس، فإذا قلنا قال الكتاب، فهذا يعني الكتاب المقدس.

هُوَ (نسل المرآة) يَسْحَقُ رَاسَكِ ".
كولوسي 2: 15  "إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ اشْهَرَهُمْ جِهَاراً، ظَافِراً بِهِمْ فِيهِ (في الصليب)".

وَانْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ
فَصَرَخَ يَسُوعُ أَيْضًا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَأَسْلَمَ الرُّوحَ (متى 27: 50).

توجد أيضًا نبوة عجيبة أيضًا في سفر دانيال (607 قبل الميلاد) في الحلم الذي رآه نبوخذنصر
«أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنْتَ تَنْظُرُ وَإِذَا بِتِمْثَال عَظِيمٍ. هذَا التِّمْثَالُ الْعَظِيمُ الْبَهِيُّ جِدًّا وَقَفَ قُبَالَتَكَ، وَمَنْظَرُهُ هَائِلٌ.
رَأْسُ هذَا التِّمْثَالِ مِنْ ذَهَبٍ جَيِّدٍ. صَدْرُهُ وَذِرَاعَاهُ مِنْ فِضَّةٍ. بَطْنُهُ وَفَخْذَاهُ مِنْ نُحَاسٍ.
سَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ. قَدَمَاهُ بَعْضُهُمَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ.
كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى أَنْ قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ، فَضَرَبَ التِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ اللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا.
فَانْسَحَقَ حِينَئِذٍ الْحَدِيدُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعًا، وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ فِي الصَّيْفِ، فَحَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا مَكَانٌ. أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا (دانيال 2: 31-35).

وأول رمز ورد أيضًا في سفر التكوين يرسم أمامنا طريق الله للخلاص والغفران :
وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلهُ لآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا (تكوين 3: 21).
َبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ! (عبرانيين 9: 22).
لما سقط آدم وحواء في المعصية يقول الكتاب : فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ (تكوين 3: 7).
لكن هل المآزر المصنوعة من أوراق التين غطت عريهما ، لو أن هذه المآزر كانت قد غطت عريهما لما أختباءا من وجه الرب وسط الأشجار فمكتوب : وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ (تكوين 3: 8).


إننا كمسيحيين نؤمن بكل ما ورد في كلمة الله، لكن رغم إيماننا هذا وتسليمنا بصحة كل ما جاء في الكتاب المقدس، إلا أننا لابد أن نبحث ونفهم مقاصد الله العظمى من نحونا.
 إن الفهم شئ ضروري لرسوخ الإيمان داخل القلب والعقل، وبدون الفهم يصبح الإيمان كقشة في مهب الريح.

لكن البعض يعتمد على أن هناك فئة معينة من علماء الدين هي المنوط بها الفهم، وعلى الآخرين طاعتهم طاعة عمياء، وسماع تعاليمهم دون فحص أو تدقيق، والانسياق ورائهم، وبذلك يخلي نفسه من مسئولية الفهم. فلماذا يجهد عقله في البحث عن الحق؟

وهناك البعض الآخر، الذي يتعصب لمعتقده تعصب أعمى، ويرفض أي فكر يتعارض مع أفكاره، دون مناقشة، حتى لو علم أنه على خطأ، نصرة لدينه أو معتقده.

لكن لا هذا ولا ذاك خال من المسئولية أمام الله.

فالله أرسل تعاليمه ووصاياه للبشر كافة، وعلى البشر أن يفهموا تعاليمه دون أعذار.
فمكتوب : " أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ" (رومية 2: 1).
 
وهناك تحريضات من الرب لشعبه على الفهم:
فمكتوب في المزامير: اِفْهَمُوا أَيُّهَا الْبُلَدَاءُ فِي الشَّعْبِ، وَيَا جُهَلاَءُ مَتَى تَعْقِلُونَ؟" (مزمور 94: 8).
وفي الإنجيل قال الرب للجموع: «اسْمَعُوا وَافْهَمُوا" (متى 15: 10).
وفي سفر أعمال الرسل يقول الوحي عن أهل بيرية : "وَكَانَ هؤُلاَءِ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا؟"  (أعمال 17: 11).

وأقول لأحبائي من المسلمين أن القرآن يدعو أيضًًا إلى استخدام العقل في أربعة تعبيرات على سبيل المثال لا الحصر:
1- أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (وردت 13 مرة ) في: [البقرة : 44]؛ [البقرة : 76]؛ [آل عمران : 65]؛ [الأنعام : 32]؛ [الأعراف : 169]؛ [يونس : 16]؛ [هود : 51]؛ [يوسف : 109]؛ [الأنبياء : 10]؛ [الأنبياء : 67]؛ [المؤمنون : 80]؛ [القصص : 60]؛ [الصافات : 138].

2- لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (ورد 8 مرات) في: [البقرة : 73]؛ [البقرة : 242]؛ [الأنعام : 151]؛ [يوسف : 2]؛ [النور : 61]؛ [غافر : 67]؛ [الزخرف : 3]؛ [الحديد : 17].

3- إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (ورد مرتين) في: [آل عمران : 118]، [الشعراء : 28].

 4- أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (ورد مرة واحدة) في: [يس : 62].

لكن لي تساؤلين لأحبائي المسلمين في نصين وردا في سورة النور : 61 ، سورة الزخرف : 3
بمناسبة استخدام العقل:
في سورة النور : 61 يقول:
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون [النور : 61].
والتساؤل هنا : كيف وأنا أدخل بيوت أقربائي لكي آكل معهم، أن أسلم على نفسي؟
وفي سورة الزخرف يقول:
 إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف : 3]. والتساؤل هنا هو : ما وجه التعقل في أن يكون القرآن عربيًا؟
لم نسمع موسى يقول : إن جعلنا التوراة عبرية؟
ولم نسمع رسل المسيح يقولون : إن جعلنا الإنجيل يونانيًٍا؟ 
فالتوراة والإنجيل قد تمت ترجمتهما إلى لغات ولهجات العالم كافة.

طبعًا ليس هذا موضوعنا، ولكنها مجرد تساؤلات مطروحة وتحتاج من أحبائي المسلمين أن يبحثوا ويفهموا ما جاء في كتابهم، كما نفعل نحن الآن فيما جاء في كتابنا المقدس.

ونشكر الله أننا نحيا عصر تكنولوچيا المعلومات،  Information Technology ، التي أحدثت ثورة معلوماتية لم يشهد العالم مثيلاً لها من قبل.
فالمعلومات أصبحت متاحة عبر شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) لكل من يبحث عن المعرفة.
فلم تعد المعرفة سجينة الكتب، أو محصورة في بعض العقول ، أو حكرًا على هيئات ، أو أفراد بعينهم، أو خاضعة لقوانين المصادرة، لقد تحررت المعرفة من كل قيود فُرضت عليها، وصارت للمعرفة أجنحة تُحلق بها في الفضائيات.. عبر الأقمار الصناعية (الاصطناعية) (الستالايت)، وعبر موجات الأثير.
إن إنتشار المعرفة يُحمّل الإنسان مسئولية ما يعتقد به، ويؤمن به. فبعض العقول لم تعد تقبل بالمسلمّات، وتصدق الخرافات. لم تعد سهلة الانقياد وقبول الشائعات.
إن ثورة المعلومات من شأنها أن تحرر العقول من القيود التي كانت تكبّلها وتسجنها في ظلمات الجهل والتخلف، ومن اللجم التي كانت تُساق بها من قِبل فئة من البشر أقاموا من أنفسهم ولاة على الآخرين، يتحكمون في ضمائرهم ويُشكلون معتقداتهم.
لقد انقشعت الظلمة وولّت عصور الجهل والتخلّف إلى غير رجعة. لقد أشرق النور، نور الحق والمعرفة وقال الله: "ليكن نور فكان نور" (تكوين 1: 3).
لم تعد الافتراءات والأكاذيب مقبولة في عصر المعلوماتية.. عصر الاستنارة العقلية والفكرية..
في عصر المعلوماتية لم يعد اتهامنا بالشرك أرجل يقف عليها.. وكذلك اتهام كتابنا المقدس بالتحريف..
على الجميع من مسلمين ومسيحيين وملحدين، ولا دينيين، أن ينتهزوا فرصة انتشار المعرفة ليتأكدوا من صحة الطريق الذي يسيرون فيه، وهل هم على حق أم على ضلال، فمكتوب : "أنت بلا عذر إيها الإنسان" (رومية 2: 1).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق