الأحد، 14 أغسطس 2016

مقـدمة

بسم الإله الواحد في الجوهر.. الجامع في ذاته لكل ما يلزم لممارسة صفاته أزلاً، دون الحاجة إلى خلائقه، أقدم هذا البحث شهادة أمام الله والتاريخ، والذي يتناول نظامًا ضرب بجذوره في أعماق التاريخ، حتى ظن البعض أنه نظام إلهي، فنسجوا من حوله هالة من القداسة، وأضفوا عليه من الرهبة ما جعل الاقتراب منه كمن يقترب من المُحرّمات التي نهى الله عن الاقتراب منها.
وقد تأجل إصدار هذا البحث أكثر من مرّة، ذلك لإيماني بأن «لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ»، والآن، وإيذانًا بعصر تنوير يعُم ليس فقط مصرنا المحروسة، ولكن شرقنا العربي، أقدمه للباحثين عن الحقيقة..المتحدثين بلغة الضاد ليكون وثيقة بين أياديهم، وشهادة تتوارثها الأجيال المُحبّة لمعرفة الحق.
ولا يُفهم من عنوان البحث بأن المحاكمة تعني الإدانة (judgment)، ولكن المراد بالمحاكمة هو امتحان (trial) النظام البابوي، في ضوء الأسفار الإلهية أولاً، ثم في ضوء التاريخ، لبيان مدى صحته أو زيفه.. ذلك لتبصير الملايين الذين هم من داخل دائرة المسيحية.. الذين يُعميهم التعصب عن رؤية الحقيقة، وأيضًا الذين هم من خارج دائرة المسيحية، الذين يرون المسيحية مُمثلة في النظام البابوي.. الكهنوتي.. السلطوي، فكانت البابوية حائط صدّ لهم، وسدًا منيعًا يمنعهم من معرفة المسيحية الحقيقية.
إن هدف هذا البحث هو نزع النقاب عن النظام البابوي، والكشف عن وجهه الحقيقي، ثم مناقشة ما نادى به بعض البابوات من تعاليم أمست معتقدات راسخة عند الكثيرين، دون مناقشة دوافعهم، من حيث حُسن أو سوء نواياهم في إصدار مثل هذه التعاليم، لأن سرائر قلوبهم سوف تنكشف أمام الله الديان العادل الذي له وحده سلطان الدينونة، والحكم، في يوم الدينونة العظيم.. يوم لا ينفع فيه ندم، ولا تُقبل فيه توبة أو شفاعة.
ونظرًا لتفرّد موضوع هذا البحث، فإن المنهاج المتبع فيه، هو منهاج البحث العلمي حيث يسعى الباحث نحو الوصول إلى الحقيقة المجردة حتى لو كانت النتيجة عكس ما يعتقد أو يؤمن به، وهو بخلاف المناظرات التي فيها يحاول كل طرف أن يثبت صحة رأيه ومعتقده سواء كان على خطأ، أو على صواب.
فمهدت للبحث ببيان أهمية استخدام العقل الذي ميّز به الخالق العظيم الإنسان عن سائر المخلوقات التي تدب على الأرض، في فحص وامتحان صحة الموروثات الدينية من كتب تراثية، وتعاليم وعقائد، وطقوس، وتقاليد.. إلخ. التي يرى البعض أنه يجب عدم الاقتراب منها بالنقد والتجريح، بل يجب التسليم بها دون مناقشتها بالعقل، إذ رفعوا من قدرها وساووها بالأسفار (الكتب) المقدسة الموحى بها من الله.
ثم طرحت بعض التساؤلات المنطقية، حيث أن التساؤلات هي الخطوة الأولى في طريق الفهم والمعرفة، ثم الإجابة عنها.
إن المُطّلع على هذا البحث سيجد أن كل تعاليم وردت فيه هي مُثْبتة بالدليل والبرهان من الكتاب المقدس في أصوله العبرية واليونانية أولاً، ثم في ترجماته المتعددة متى كان ذلك ضروريًا، ثم بالرجوع إلى مجموعة كتابات الآباء المعروفة باسم:
Ante-Nicene Fathers, Nicene and Post-Nicene Fathers
 وكذلك الرجوع إلى دوائر المعارف المعروفة عالميًا كمراجع أساسية، مثل:
Encyclopedia Britannica &  Encyclopedia of Religion.
وأيضًا الرجوع إلى كتب التاريخ المعتبرة عند الأقباط التقليديين، مثل كتاب تاريخ البطاركة للأنبا ساويرس ابن المقفع أسقف الأشمونيين (عاش في القرن العاشر للميلاد 915-987م)، وكتاب تاريخ الكنيسة ليوسابيوس أسقف قيصرية (263 - 339؟م)، والمعروف بـ (أبو التاريخ الكنسي) ترجمة القمص مرقس داود، وغيرها من المراجع التي سيتم الإشارة إليها في هوامش البحث، وكذلك سيرد ذكرها في ثبت المراجع.
وإذ أضع هذا الجهد المتواضع بين يدي سيدي الوحيد، ومخلصي يسوع المسيح، كشهادة  أمام الله والتاريخ، أُصلي أن يكون هذا البحث بمثابة شمعة صغيرة، تضيء الطريق أمام الكثيرين من محبي الحق والمعرفة التي بحسب كلمة الله، وصرخة مدوية في ليل المسيحية حالك الظلمة، حتى تستيقظ من سباتها.                                           

                                                                                س. هـ.  
كلمات من نور

المعرفة والجهل قطبان متضادان على خط مستقيم..
المعرفة تلتصق بالإنسان العاقل، أما الجهل فيلازم الإنسان الغبي.
المعرفة تبني الإنسان والأوطان، والجهل يدمرهما.
المعرفة هي أم الإبداع والرقي، والجهل هو أبو التخلف والانحطاط.
المعرفة هي خبز المثقفين والأدباء والمخترعين، والجهل هو طعام المتخلفين والظلاميين والإرهابيين.
المعرفة تشع نورًا، والجهل يلتحف بالظلمة.
المعرفة هي السبيل إلى الحياة، والجهل هو الطريق إلى الموت.
المعرفة تقود إلى الحرية الحقيقية، وهي أن تكون عبدًا مطيعًا للخالق العظيم وحده،
والجهل يؤدي إلى الهوان وهو أن تكون عبدًا ذليلاً للمتاجرين بالدين.
 

                                                                                 سعيد هـرمينا

مُحَاكمة
البــابوية

في ضوء الأسفار الإلهية
والتاريخ
   

The Trial of The Papacy
Through the Light of the Holy Scriptures
and the History

سعيد هرمينـا


الطبعة الأولى
2015


السبت، 13 أغسطس 2016

خاتمة البحث

رأينا، في هذا البحث، أنه في غفلة من الزمن، وفي سبات عميق من المؤمنين الحقيقيين، أطلّ النظام البابوي على العالم بوجهه القبيح ليعلن عن مسيحية فاشلة، ممسوخة ومشوهة، عثرة للذين هم من خارجها، وعثرة أيضًا لمَنْ هم من داخلها، بل وطاردة للكثيرين منهم..
رأينا كيف أعلن هذا النظام عن مسيحية غريبة عن المسيح وعن رسله الكرام.. مسيحية أبعد ما تكون عن المسيحية  الحقيقية..
مسيحية اغتصب فيها الإنسان مركز الرئاسة، والسلطة، والسيادة، والكهنوت، وغفران الخطايا من الرب يسوع المسيح..
مسيحية ادعى فيها الإنسان أنه المُعظّم، وصاحب القداسة، أي أنه مصدر القداسة ومنبعها، الأمر الذي يعتبر تجديفًا على الله، فالله وحده هو صاحب القداسة، لأنه مصدرالقداسة ومنبعها..
مسيحية صرفت مسامعها عن الحق، وانحرفت إلى الخرافات (2تيموثاوس 4: 4)..     
مسيحية طردت الرب خارجها، وأوصدت الباب في وجهه الكريم حتى أنه قال: «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ..» (رؤيا 3 : 20).
فبدلاً أن يأخذ الرب مكانه الطبيعي وسط المؤمنين حسب ما هو مكتوب: «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ» (متى 18: 20)، وكما هو مكتوب أيضًا: «وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهذَا وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي وَسْطِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ:«سَلاَمٌ لَكُمْ!» (لوقا 24 : 36).. اغتصب الإنسان مركز الوسط، وطرد المسيح خارجًا..
مسيحية أدعى فيها الإنسان رئاسته للكنيسة.. ورئاسته للكهنوت.. ورئاسته على المسيحيين التابعين له.. وقَبِل فيها الإنسان أن يدعوه الناس سيدي ..سيدي.. الأمر الذي حذّر الرب تلاميذه من قبوله (متى 23: 7).
رأينا في هذا البحث كيف تحولت الكنيسة من جماعة مؤمنين يلتفون حول سيدهم الوحيد ربنا يسوع المسيح، إلى جماعة من الأسياد والعبيد..
أسياد هم أصحاب الأمر والنهي.. وعبيد خانعين لهم.. مُساقين ومنساقين.. مُذلين..
أسياد يُذيقون المُرّ لكل مَنْ يخالفهم الرأي.. والويل كل الويل لمن ينادي بالمسيح مخلصًا بالانفصال عن وساطتهم.. فشلحه وعزله وفضحه يكون على صفحات الجرائد.
لقد نجح الشيطان في غرس النظام البابوي داخل دائرة المسيحية حتى يدّمر صورتها الجميلة التي تمثلت في المسيح الوديع والمتواضع الذي قال بفمه الكريم: «لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِ‍يُخْدَمَ بَلْ لِ‍يَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متى 20: 28)، بعد أن فشل في هيجانه لإبادة المؤمنين فيما سمي في التاريخ بعصر الاستشهاد، والذي كان أزهى عصور المسيحية على وجه الإطلاق.
لقد أطلّ النظام البابوي أمام العالم بالتيجان المرصعة بالأحجار الكريمة، والصلبان المصنوعة من الذهب الخالص، والثياب غالية الثمن والمطرزة بخيوط الذهب، والمزركشة، ذات الألوان الصادمة للعين.. منظر يستفز مشاعر المؤمنين الحقيقيين، وكذلك مشاعر الذين هم من خارج دائرة المسيحية، والذين يتطلعون لرؤية المسيح المتواضع، معاشًا في مَنْ يحملون اسمه، ويدّعون تبعيته وخدمته. حتى أن أحد الأدباء عقد مقارنة على لسان أحد شخصيات روايته «عزازيل» بين مظهر أسقف الإسكندرية (كيرلس المدعو بعمود الدين) وهو يرتدي ثيابه الفاخرة، وبين المسيح المصلوب، قال:

«نظرتُ إلى الثوب الممزّقَ في تمثال يسوع، ثم إلى الرداء الموشى للأسقف! ملابسُ يسوع أسمالٌ باليةٌ ممزقةٌ عن صدره ومعظم أعضائه، وملابسُ الأسقف محلاةٌ بخيوط ذهبية تغطيه كله، وبالكاد تُظهر وجهه. يَدُ يسوع فارغة من حطام دُنيانا، وفي يد الأسقف صولجان أظنه، من شدة بريقه، مصنوعًا من الذهب الخالص. فوق رأس يسوع أشواكُ تاج الآلام، وعلى رأس الأسقف تاج الأسقفيةِ الذهبي البرَّاق.. بدا لي يسوع مستسلمًا وهو يقبل تضحيته بنفسه على صليب الفداء، وبدا لي كِيرُلُّس مقبلاً على الإمساك بأطراف السماوات والأرض».   
لم يكن الأديب معاصرًا لكيرلس أسقف الإسكندرية حتى يصفه بكل هذه الصفات، ولكنه ربما عبّر عما يشاهده في عصرنا الحاضر، من مظاهر البذخ والترف التي يحياها خلفاء كيرلس وغيره..
وربما هذا الأديب كان يعبر أيضًا عن مشاعر الملايين ممن سيقرأون روايته، والذين تستفزهم مظاهر الغنى الفاحش، والثراء الفادح، والتمثل بعظماء وملوك هذا العالم، وذلك في ممن يُفترض أنهم خدام المسيح.. المسيح المتواضع
إنه بحق مشهد يستفز مشاعر المؤمنين الحقيقيين أيضًا، الذين لم يعهدوا مثل هذه المسيحية في تعاليم المسيح، ولا في تعاليم رسله الكرام..
عار على النظام البابوي أن يحيا في هذا الترف، وهناك خمسة من أصحاب المليارات في العالم يعتزلون الكماليات ويعيشون حياة متواضعة ويقودون سياراتهم القديمة بأنفسهم ويسكنون منازل بسيطة. سوف يقوم هؤلاء الخمسة في يوم الدينونة العظيم ويدينون هذا النظام الذي يعمل ضد منهاج المسيح.. المسيح المتواضع.
وزاد عار النظام البابوي بالاحتماء بالحرّاس  Bodyguards، ولكن الاحتماء ممن؟ هل الأب يأتي بالحراس ليحمى نفسه من أولاده؟ وهل إذا اقترب الأولاد من أبيهم ليأخذوا بركة كما يظنون يدفعهم الحرّاس، ثم تحدث اشتباكات بين الطرفين؟ ثم ينشر هذا على صفحات الجرائد. ياللعار والحسرة.
ولم يكتف النظام بذلك، بل أقتنى كلاب للحراسة، والتي اطلقت على مَنْ لهم مطالب - مما سميَّ في الإعلام «بموقعة الكلب» - وأيًا كانت مطالبهم، فهم من المفترض أبناء وبنات الكنيسة. وفي هذا الصدد يعلن أحد رجال النظام البابوي بأن: «الكلاب» كانت الوسيلة الوحيدة للحفاظ علي هيبة الكنيسة. ياللعار، والحسرة.
لقد بات حفظ هيبة الكنيسة منوطًا بكلاب الحراسة.
أي عار يلحق بالنظام البابوي، الذي لم يضع ثقته في حماية الرب وملائكته، ووثق في الاحتماء بالبشر Bodyguards والكلاب. أليس من العار، وضع البشر والكلاب في مقابلة مع الرب وملائكته؟! ألم يقرأوا في المزامير: «مَلاَكُ الرَّبِّ حَالٌّ حَوْلَ خَائِفِيهِ، وَيُنَجِّيهِمْ» (مزمور 34 : 7).
هل سمعتم عن مكان عبادة في العالم، أيً كان هذا المكان، وأيً كانت العبادة المقامة فيه، يأتي أصحابه بالكلاب لحفظ هيبته؟
سجل يا تاريخ في صفحة سوداء، لعصر حالك الظلمة تمرّ به الكنيسة المنسوبة للمدينة العظمى الإسكندرية أن: «الكلاب» كانت الوسيلة الوحيدة للحفاظ علي هيبة الكنيسة.
أي عار يلحق بالنظام البابوي عندما ترفع ضده الدعاوي القضائية، أمام محاكم الدولة. ومنها أب يقاضي الكنيسة لأنها ضمت ابنته للرهبنة دون إذنه!
أي عار يلحق بالنظام البابوي عندما يفكر بعض الكهنة في  تأسيس نقابة لهم، لتخفيف قبضة الأساقفة عليهم. ياللحسرة.
أي عار يلحق بالنظام البابوي الذي يقوم على رهبان خانوا العهد الذي قطعوه على أنفسهم أمام الله أنهم ماتوا عن العالم وما عادوا يرجعون إليه. فكيف لمن خانوا العهد أن يحملوا الأمانة؟
ألم يقل أحدهم:
«نشأت الرهبنة كحياة وحدة وصلاة، بعيدة بُعدا كاملاً عن العالم وعن الخدمة وعن الكهنوت، لأشخاص ماتوا عن العالم، وما عادوا يرجعون إليه...». وللعلم، أن قائل هذه العبارة هو أول من رجع إلى العالم، وإلى الخدمة، وإلى الكهنوت، بل، وإلى رئاسة الكهنوت (كما يعتقد التقليديون).
لماذا رجعتم أيها الرهبان إلى العالم وإلى الخدمة وإلى الكهنوت (سواء كان ذلك بإرادتكم، أو بإرادة الآخرين) ونقضتم عهودكم؟
هل ظننتم في أنفسكم أنكم أفضل من الخدام العلمانيين (كما تسمونهم) سواء من المتبتلين أو من المتزوجين، في خدمة الشعب الذي دُعيّ عليه اسم المسيح؟
ألم تتعلموا في الرهبنة الهروب من المجد الباطل؟ أم أن الشيطان أصابكم بالكبرياء الذي ملأ قلوبكم، وسيطر على أفكاركم؟
متى تستفيقوا وتعودوا إلى أديرتكم؟ أم أن للمناصب بريقها الذي يُنسي الإنسان عهوده، ويدوس على كل تعهادته  التي قطعها على نفسه؟
أليس الكبرياء أخذ من بعضكم كل مأخذ، حتى وصل الأمر إلى التكالب على المناصب الدينية؟
ألم نقرأ في الجرائد عن أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية أنه يحلم بتنصيب نفسه بطريركًا على أمريكا؟ وأعلن انشقاقه عن الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، وإنشاء كنيسة مستقلة باسم «الكنيسة الأرثوذكسية الأمريكية الإسكندرية»، واختصارها «AOCA»، وقال فى بيان رسمى «الكنيسة الجديدة شقيقة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية لكن لا تندرج تحت رئاستها». وأكد أن كنيسته الجديدة ستبدأ بثمانى كنائس، كخطوة أولى ثم تضم بقية الكنائس الأرثوذكسية فى الولايات المتحدة، على أن تلغى كلمة قبطية من كنائسه وإيبراشياته، مؤكدًا ذلك بقوله: «كلمة قبطى تعنى مصرى ولا تناسب الكنيسة الجديدة». يا للعار والحسرة.
بل إن التكالب على المناصب وصل إلى حد التآمر، والسعي نحو الإطاحة بالبابا الحالي من 5 شخصيات، ويكون عنوان المقال في إحدى الصحف: «خطة لإدارة الكرسى المرقسى عبر لجنة أسقفية «الصباح» تكشف مؤامرة الأساقفة لعزل البابا..»... المصادر تؤكد أن عددًا من الأساقفة الموجودين داخل الكنيسة، والمعروفين بـ«مجموعة الحرس القديم»، يثيرون هذه الأزمات حول البابا، حتى يثبتوا للشعب القبطى أن ... ليس اختيارًا إلهيًا، وأنه تم تمريره عن طريق قرعة مشكوك فى مصداقيتها. 
أليس هذا التكالب على احتلال المناصب الدينية، يؤكد مرة أخرى أن النظام البابوي، هو نظام كهنوتي، سيادي،  سلطوي،  رئاسي (رئاسة دويلة داخل دولة)، على العكس تمامًا مما عَلّم به الرب، وما حذّر منه تلاميذه؟
لماذا أيها الرهبان، أيًا كانت مراكزكم الدينية، تُدخلون أنفسكم في تجربة؟
لماذا لا ترجعون إلى أديرتكم، وقلاليكم، ومغائركم، وخلوتكم، ودموعكم، وصلواتكم؟
أليس شعب المسيح في حاجة إلى صلواتكم ودموعكم المنسكبة أمام الرب إن كنتم حقًا مؤمنين حقيقيين، أكثر من خدماتكم الطقسية، الجامدة، الفاشلة.
أليس لسان حال الراهب: «أنا في البيداء وحدي   ليس لي شأن بغيري». 
فكيف لمن لا شأن له بغيره أن يترك وحدته وخلوته وقلايته أو مغارته، وينزل إلى العالم الذي هرب منه، ليدير أحوال الملايين من المسيحيين؟
وكيف لمن اعتاد هدوء الصحراء، أن يتحمل ضوضاء وضجيج العالم؟
وكيف لمن هرب من المجد الباطل أن يعود إليه مرة أخرى، ويقبل أن تُقبّل يده، ويُسجد له، وأن يدعوه الناس، سيدنا سيدنا؟ الأمور التي هي ضد إنجيل المسيح وتعاليمه.
لن أتحدث عن الإرهاب البابوي في العصور الوسطى في أوربا، ومحاكم التفتيش The Inquisition، وحرق البيوت التي يجدون فيها نسخة من الكتاب المقدس، بمن فيها من أطفال، ونساء، وشيوخ.. أليست محاكم التفتيش التي هي حاضرة على الدوام في ذاكرة التاريخ، تمثل وصمة عار في جبين النظام البابوي؟
أليس الإرهاب البابوي، موجود في كل العصور حتى لو أخذ أشكالاً مختلفة، وأساليبًا متعددة؟
أليس الحرمان والشلح، والعزل، والتحريض على عدم قراءة مؤلفات بعينها، وإشاعة الشائعات المُغرضة.. واتهام الطوائف غير التقليدية، والمنتسبة إلى الإنجيل، أن مصيرها جهنم وبئس المصير، نوعًا من الإرهاب..
إي عار يلحق بالنظام البابوي أن يكون قِبلة لرجال السياسة والإعلام، ويتحول إلى فاتيكان آخر، دويلة داخل دولة.
هل كان المسيح رجل سياسة؟ ألم يقل: مملكتي ليست من هذا العالم؟ (يوحنا 18: 36).
وهل رسله الكرام أقحموا أنفسهم في الأمور السياسية؟ ألم تؤخذ المآخذ على النظام البابوي عندما أقحم نفسه في السياسة؟ ألم يجلب العار على اسم المسيح؟ ألم تُحرق عشرات الكنائس، ويُذبح ويُقتل المسيحيون في أنحاء مختلفة سواء داخل مصر أو خارجها، وتُحرق بيوتهم، ويُسحل بعضهم في الشوارع بسبب ذلك؟ دماء هؤلاء، ممَنْ تُطلب؟
إن أحدًا لا يزايد على محبة المسيحيين لوطنهم، الذي سُفكت على ترابه دماء أجدادهم القديسين في عصور الاستشهاد، وفي كل العصور. والتاريخ خير شاهد على ذلك. ولكن للسياسة رجالاتها وأدواتها. أليس هناك من المستشارين والمحامين، ورجال الأعمال والمثقفين من الأقباط الذين يستطيعون تمثيل المسيحيين خير تمثيل أمام الدولة، بعيدًا عن مَنْ يخدمون الإنجيل، أو مَنْ يدّعون ذلك.
عار على النظام البابوي ألا يكرز بالإنجيل، حتى في المناسبات الدينية. فأين الكرازة بتجسد الكلمة الأزلي، في مناسبة الميلاد؟ وأين الكرازة بالخلاص العظيم الذي صنعه الرب بموته على الصليب وقيامته من بين الأموات منتصرًا على الموت، في مناسبة القيامة؟
أين قول الكتاب: «إِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فَكَأَقْوَالِ اللهِ..» (1بطرس 4: 11).
أين الكرازة بالإنجيل في هاتين المناسبتين؟ أليس في الحضور مَنْ يجهل المسيحية، ويتشوّق إلى معرفتها؟
ماذا صنع النظام البابوي - على مرّ التاريخ - لاسم المسيح؟
إن المسيحيين يتكاثرون بالتوالد الجسدي، وليس بالكرازة بالإنجيل، وكما قال الرب: «اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ..» (يوحنا 3: 6). والكثير من هؤلاء يتركون المسيحية، ويجحدون المسيح، أو على الأقل فهم مسيحيون بالاسم.
إن تاريخ البابوية سواء في الشرق أو في الغرب، مملؤ بالخزي والعار، والتاريخ خير شاهد على ذلك. 
إن هذا البحث مقدم شهادة أمام رب الكنيسة وبانيها ومقتنيها بدمه الكريم، الذي قال بفمه الطاهر ومازالت أصداء قوله تدوي في هذا الكون الفسيح: «على هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (متى 16: 18).
وهذه الشهادة هي استكمال لما بدأه رجال الإصلاح المباركين الذين عانوا على أيدي رجال النظام البابوي من العذابات ما يندى له الجبين، وتقشعر له الأبدان، ويشيب له الولدان.
كما أنه مقدم أمام التاريخ ليسجل أنه في بداية القرن الحادي والعشرين، في مصر أم الدنيا، والتي اختص الرب شعبها دون شعوب العالم أجمع بأن نسبه إلى نفسه قائلاً: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ»، أقام الرب شهادة تكشف حقيقة هذا النظام، غرضها إنارة العقول - التي أظلمت بالتقاليد البشرية التي أبعدت كثرة من المدعوين مسيحيين عن حق الإنجيل، وأيضًا لتحرير النفوس التي استعبدت للبشر وأسلمت رقابها لمن يسوقها.. فمن مصر القديمة خرج نور العلم والمعرفة لإنارة العالم، ومن مصر الحديثة.. خرج قبس من نور الإنجيل، الذي من شأنه أن ينذر ببداية عصر نهضة وتنوير وإصلاح في شرقنا كما حدث في أوربا عندما تحررت شعوبها من قبضة رجال الدين، أو قل من قبضة المتاجرين بالدين، بتعاليمهم المنحرفة عن حق الإنجيل، ومظاهرهم الخدّاعة.

عزيزي القارئ، والدارس، والباحث عن الحق والحقيقة

إذا كانت لديك تساؤلات، لا تتردد في الاتصال بي

محمول : 01227183709

بريد إلكتروني :  saidmih @yahoo.com


الرب معك.

الفصل السابع عشر

حجج الكنائس التقليدية، والرد عليها

تثير الكنائس التقليدية بعض الحجج لإثبات أهمية التقليد، وقد تم الرد على بعضها ضمن فصول هذا البحث، ولكن بقيت بعض الحجج، رأيت من الضروري الرد عليها، حتى تبطُل تلك الحجج، وينفض مَنْ دُعي عليهم اسم المسيح من حول المتاجرين بالدين، ليلتفتوا إلى الرب وحده وكلمته المقدسة (الكتاب المقدس). 

الحجة الأولى:
يقول التقليديون: إن ليس كل ما علَّم المسيح به مدون في الأناجيل، استنادًا على ما جاء في يوحنا 21: 25: «وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ. آمِينَ».
وأيضًا ما جاء في يوحنا 20: 30: «وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ».

الرد:
لنلاحظ القول: «وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُــــوعُ»، لم يقل «تعاليم علَّـــم بها يسوع»، ولكنه قال: « أشياء صَنَعَهَا»، وحقيقة الأمر، أن ما صنعه الرب يسوع بصفته الكلمة الأزلي، الذي «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا 1: 3)، والمكتوب عنه أيضًا: « فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ» (كولوسي 1: 16).. لو تم تسجيل كل ما صنعه الرب يسوع، لكان قول الرسول يوحنا: « فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةََ» هو قول حق وصدق، ولا مبالغة فيه. ويكفي ما تخبرنا به التلسكوبات الفضائية من «وجود أكثر من مائتي وخمسين مليار مجرة، وكل مجرة بها أكثر من ثلاثمائة مليار نجم» فأين الكتب التي تساع  الحديث عن هذه المليارات من المجرات ومليارات المليارات من النجوم؟
«.. بل لو قمنا بتسجيل المعلومات الموجودة في جزيئات الـ DNA وكتابتها على الورق، لاحتجنا إلى مليون صفحة تقريبًا من صفحات دوائر المعارف. وهذا يعادل أربعين ضعفًا من دائرة المعارف البريطانية التي هي من أكبر دوائر المعارف للإنسان. وقد قدر أن جزيئات الـ DNA التي تملأ ملعقة شاي تستطيع أن تتسع لجميع المعلومات التي تحتويها جميع الكتب المطبوعة في العالم حتى الآن».
وأما القول: «وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ» (يوحنا 20: 30). فالحديث هنا عن آيات صنعها الرب يسوع لم يدونها الرسول يوحنا لأنها تفوق الحصر، فمكتوب عن الرب: «الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ» (أعمال 10: 38). فكل يوم من أيام خدمته على الأرض، كان الرب يجول يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، فمن يستطيع أن يُحصي ويُسجل كل أعمال الخير التي صنعها الرب أيام خدمته؟ لذلك كتب الرسول يوحنا على الفور: «وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ» (يوحنا 20: 31)، أي أن ما دونه الرسول يوحنا من آيات صنعها الرب يسوع كانت كافية لإيماننا بأن يسوع هو المسيح ابن الله، وأن هذا الإيمان كاف لمنحنا حياة باسمه. 

الحجة الثانية:
يقول التقليديون إن الرب كان يظهر لتلاميذه مدة أربعين يومًا وسلمهم تعاليم وتقاليد لم تدون استنادًا على ما جاء في سفر الأعمال 1: 3 «اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ».
الرد:
مما لا شك فيه، بل ومن المؤكد، أن كل الأمور المختصة بملكوت الله، والتي سمعها الرسل من الرب، قد وردت في تعاليمهم، ورسائلهم، وكتاباتهم المدونة بوحي من الله، بعد أن حلَّ عليهم الروح القدس في يوم الخمسين.
وهذا التأكيد مبني على قول الرسول يوحنا: «الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ ...» (1يوحنا 1: 3)، وكذلك استنادًا على قول الرسول بطرس: «وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ» (2بطرس 1: 19). ومكتوب: «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ» (2تيموثاوس 3: 16).
أمام هذه الإعلانات الإلهية، الواضحة وضوح الشمس في كبد السماء، التي تتحدث عن كمال وكفاية المكتوب لنا.. أمام هذه الإعلانات «يستد كل فم» (رومية 3: 19). 
أما الذين يتخذون من أعمال 1: 3 تكأة لقبول تعاليم تخالف بل وتسيء إلى كلمة الله، وإضافتها إلى الإيمان الأقدس، إنما لهم دينونة عظيمة، لأنهم لم يتحذروا لقول كاتب الرؤيا: «لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ» (رؤيا 22: 18، 19). كما داسو على تحذير الرسول بولس لأهل غلاطية: «وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا! .. إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا» (غلاطية 1: 8، 9). وتحذير آخر في 1كورنثوس 3: 11: «فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ».
فمن المؤكد أن ما تحدث به الرب لتلاميذه مدة الأربعين يومًا بعد قيامته، قام التلاميذ بتسجيله في كتاباتهم تحت قيادة الروح القدس: «لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (2بطرس 1: 21).
إن القول بأن هناك تعاليم لم تدون في الكتاب المقدس بحجة ما جاء في أعمال 1: 3، فضلاً عن أنه ينسب النقص إلى أقوال الله، وكتاب الله، أيضًا يفتح المجال أمام مَن يدسون بدع الهلاك، وينسبونها إلى التقليد. وهذا ما حدث على مدار التاريخ بإضافة تعليم وتقاليد وطقوس.. إلخ. لم ترد في كلمة الله، ولم يأمر بها الرب، كان من شأنها إبعاد الناس عن مصدر الحياة الأبدية.. الرب وكلمته، والتصاقهم بالأشخاص من ذي الألقاب الرنانة (صاحب القداسة..، صاحب النيافة..، قُدس أبونا... مُعلّم الأجيال.. إلخ.)، وابتعادهم عن الكتاب المقدس.

الحجة الثالثة:
يستند التقليديون على قول الرسول بولس الوارد في رسالة كورنثوس الأولى 11: 34 «.. وَأَمَّا الأُمُورُ الْبَاقِيَةُ فَعِنْدَمَا أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا» بأن هناك أمورًا سوف يرتبها الرسول لأهل كورنثوس لم  تُذكرفي الرسالة.
والسؤال المطروح، لماذا لم يذكر الرسول بولس هذه الأمور التي سوف يرتبها لأهل كورنثوس؟ هل كان الرسول مُقصّرا في عدم ذكر هذه الأمور؟ أم أنه خالف الوحي الإلهي في عدم ذكرها؟ أم أنها كانت أمورًا تختص بكنيسة كورنثوس بصفة خاصة، ولظروف خاصة بالمؤمنين في تلك الكنيسة، وليس للكنيسة العامة في كل زمان ومكان؟
لاشك أن الرسول بولس كان مطيعًا للوحي الإلهي في عدم ذكر تلك الأمور التي تختص بكنيسة كورنثوس وحدها وليس للكنائس كافة.
أليس كلمة الله المكتوبة بالروح القدس فيها كل الكفاية؟ ألم يقل الروح القدس على لسان الرسول بولس في رسالته الثانية لتيموثاوس ٣: ‏١٦ «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ ‍مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ».
 إن استناد التقليديون على ما جاء في رسالة كورنثوس الأولى 11: 34 ليضيفوا ما عنّ لهم من طقوس وتعاليم وتقاليد.. إلخ. هو استناد باطل، يُسيء إلى كمال وكفاية كلمة الله الموحي بها بالروح القدس.

الحجة الرابعة:
يستند التقليديون على ما جاء في رومية ٦:‏١٧ «فَشُكْراً ِللهِ، أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا لِلْخَطِيَّةِ، وَلكِنَّكُمْ أَطَعْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ صُورَةَ التَّعْلِيمِ الَّتِي ‍تَسَلَّمْتُمُوهَا» بأن هناك تعاليم يتسلمها المؤمنون لم تكتب في الكتاب المقدس. وهذا تفسير خاطئ ينسب عدم  كمال وكفاية ما دونه الرسل بالروح القدس في الكتاب المقدس، كما سبق القول. فالرسل كانت كرازتهم لليهود والأمم شفاهة في البداية، وبعد ذلك دونّوا ما علّموا به شفاهة في رسائلهم بإرشاد الروح القدس لكي تكون المرجع والمستند الوحيد للمؤمنين في كل زمان ومكان الذي يبنوا على أساسه حياتهم الروحية وشركتهم مع الآب ومع ابنه ربنا يسوع المسيح له المجد، أيضًا لتكون نورًا وهداية للبعيدين والضالين حتى يهتدوا إلى الطريق والحق والحياة، ربنا يسوع المسيح، فيخلصوا من دينونة الله، وتكون لهم الحياة الأبدية في ربنا يسوع المسيح، فمكتوب:
«وَهذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهذِهِ ‍الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ» (يوحنا الأولى ٥:‏١١).
إن لسان حال المؤمن الحقيقي: «لِيَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا» (رومية 3: 4).
أيضًا: «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ ‍مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ» (2 تيموثاوس 3: 16).

إن تحريض وتحذير الروح القدس للتقليديين الذين لم يجعلوا الكتاب المقدس مرجعهم الوحيد:
«إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ ‍فَجْرٌ!»
(إشعياء ٨:‏٢٠).

أما قصة الخلق التي تسلمها موسى بالتقليد الشفاهي، فقد سجلها بوحي من الروح القدس في الكتاب المقدس.
إن كمال وكفاية الكتاب المقدس تُبطل كل ادعاء بوجود تقليد شفاهي، بعد أن تم تسجيل أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد بالروح القدس.




أسئلة عن الفصل السابع عشر

1- هل قول الرسول يوحنا: «وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ» فيه مبالغة؟ ولماذا؟
2- كيف ترد على الحجة القائلة بأن المسيح بعد القيامة  كان يظهر لتلاميذه ويحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله؟
3-  كيف يهين التقليديون أقوال الله الموحى بها بالروح القدس؟
4- ما هو لسان حال المؤمن الحقيقي؟
5- ما هو تحذير الروح القدس للتقليديين؟

الفصل السادس عشر

تحريضات رسولية

لقد عاصر الرسل معظم الفئات الضالة التي تم الحديث عنها في الفصل السابق، وتصدوا لها وردوا على هرطقاتها  في رسائلهم، وأخبرونا بروح النبوة عن فئات أخرى سوف تدخل دائرة المسيحية بعد رحيلهم، ومن ثمّ قاموا بتحذيرنا حتى نحترس ولا نقع في فخاخها ولاسيما أنها ارتدت ثياب التقوى والدين «وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ» (2 كورنثوس 11: 14). 
إن التحذير والاحتراس من تلك الفئات الضالة والمُضلِّلة أمر واجب على كل مؤمن حقيقي يخدم الرب بإخلاص. وقد وضع الرسول بولس قاعدة كتابية ينبغي النهج بها لتجنب الانحراف بعيدًا عن كلمة الله، وهي:
1- امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ
 تلك النصيحة الغالية التي نصح بها الرسول بولس المؤمنين في تسالونيكي إذ قال لهم:
«امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ» (تسالونيكي الأولى 5: 21).
«امتحنوا كل شيء» أي اختبروا كل شيء للتأكد من صحته وسلامته، وهو مبدأ كتابي يصح على مجالات الحياة كافة، فليس هناك شيء مستثنى من الامتحان، وإن كان الأمر كذلك، فبالأحرى كل ما يختص بكتب التراث، والتعاليم، والتقاليد الموروثة.. نختبر صحتها وسلامتها بالرجوع إلى كلمة الله.
ولقد طبق هذا المبدأ أهل بيرية، إذ شهد الكتاب عن أمانتهم للمكتوب إذ قال:
«وَكَانَ هؤُلاَءِ (أهل بيرية) أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ
فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا؟» (أعمال 17: 11).
نتعلّم من أهل بيرية أننا لا نُسلّم بصحة ما نسمعه من تعاليم لكون المتحدث بها شخص يشغل منصبًا دينيًا كبيرًا، فعلى الرغم من أن المتحدث إليهم كان الرسول بولس، إلا إنهم رجعوا إلى جهة الاختصاص التي بيدها إصدار القرار بصحة أو عدم صحة التعليم المقدم لهم، وليس من جهة مختصة سوى الكتاب المقدس، عملاً بقول الكتاب:
«إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ!»
(إشعياء 8: 20).
إن الكثيرين ممن وقعوا في البدع والهرطقات كانوا يشغلون مراكز دينية عليا، فضلاً عن تميّزهم بمظاهر القداسة، فآريوس ونسطور وأوطاخي وغيرهم كانوا قادة كبار في كنائسهم، فعندما أخطأوا في التعليم أضلوا الكثيرين من أتباعهم، والمطيعين لتعاليمهم طاعة عمياء.

2- التمسك بالإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ
كان يهوذا يود أن يكتب للمؤمنين الموجّهة لهم الرسالة عن الخلاص المشترك، لكنه رأى - بإرشاد من الروح القدس - أن يكتب لهم عن الإيمان المسلّم مرة للقديسين لكي يتمسكوا به وسط الأضاليل والهرطقات التي انتشرت وسطهم، وإذا علمنا أن الرسالة كُتبت قبل خراب أورشليم عام 70م لأدركنا أن التعاليم التي تسيء إلى الإيمان المسيحي بدأت مبكرة جدًا. يكتب يهوذا للمؤمنين:
«أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ الْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنِ الْخَلاَصِ الْمُشْتَرَكِ، اضْطُرِرْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ وَاعِظًا أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ، لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهذِهِ الدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ، يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ، وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ: اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ» (يهوذا 3، 4).
حيث أن كلمة «تجتهدوا» في الأصل اليوناني ἐπαγωνίζεσθαι  (إيباجونيزيسثاي) تعني:
    يكافح من أجل، يجتهد، يناضل من أجل
   Struggle for, earnestly, contend for, 
كان يهوذا يريد جاهدًا أن يكتب لهم عن الخلاص المشترك، لكنه رأى بالروح القدس المخاطر المعاصرة له، والمستقبلية، التي تتعرض لها حقائق الإيمان المسيحي، فوجد من الأهمية بمكان أن يُحرّض المؤمنين المعاصرين له، والمؤمنين في كل عصر، على الكفاح والنضال من أجل الحفاظ والتمسك بالإيمان المُسلَّم مرة للقديسين، دون إضافة تعاليم أو مبادئ جديدة، الأمر الذي حذّر منه الرسول بولس المؤمنين في غلاطية إذ قال لهم:
«وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا»
(غلاطية 1: 8).
وكذلك التحذير الذي ورد في سفر الرؤيا:
«لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ،
وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ» (رؤيا 22: 18، 19).
 لذلك قال الرسول يوحنا:
«أَمَّا أَنْتُمْ فَمَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ فَلْيَثْبُتْ إِذًا فِيكُمْ. إِنْ ثَبَتَ فِيكُمْ مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ، فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَثْبُتُونَ فِي الابْنِ وَفِي الآبِ» (يوحنا الأولى 2: 24).
3-  حْفَظِ الْوَدِيعَةَ، والتَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ:
«يَا تِيمُوثَاوُسُ، احْفَظِ الْوَدِيعَةَ، مُعْرِضًا عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ،
وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاسْمِ» (1تيموثاوس 6: 20).
«تَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي، فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا»
(2تيموثاوس 1: 13، 14).
كانت مشغولية قلب الرسول بولس أن يحرض تيموثاوس على حفظ الوديعة أي أقوال الله الصادقة التي سمعها منه، وهو تحريض يصدق على كل المؤمنين في كل زمان ومكان.
فهل حفظ المؤمنون، عبر الأجيال، أقوال الله الصادقة.. الإيمان المُسلَّم مرة للقديسين، دون إضافة أو حذف؟
نشكر الرب من أجل البقية الأمينة التي حافظت على الوديعة.. الإيمان المسلّم مرّة للقديسين.. أقوال الله المقدسة.. الكتاب المقدس، ورفضت كل تقاليد من وضع البشر.
هذه البقية الأمينة القليلة العدد، وُجدت في كل جيل وعصر، لتكون شاهدة أيضًا على الضلال الذي انتاب المسيحية الإسمية.

أسئلة عن الفصل السادس عشر


1- ماذا يقصد الكتاب بعبارة «امتحنوا كل شيء»؟
2- لماذا كان أهل بيرية أشرف من الذين في تسالونيكي؟
3- هل علو مركز الواعظ يعصمه من الوقوع في الهرطقة؟
4- هات أمثلة من التاريخ عن أشخاص شغلوا مناصب دينية عليا، وقعوا في الهرطقة؟
5- ما هو الاضطرار الذي دفع يهوذا أن يُغيّر الموضوع الذي كان يود أن يخاطب به المؤمنين؟
6- ماذا يقصد بالإيمان المُسلّم مرّة للقديسين؟
7- ماذا يعني الرسول بولس بقوله: «وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا»؟
8-  ماذا تعني كلمة «َنَاثِيمَا»؟

الفصل الخامس عشر

تحذيرات كتابية

الحقيقة التي لا مفر منها أن المسيحية  أُبتليت منذ عصرها الباكر، بالانقسامات،  فالرسول بولس يكتب إلى أهل كورنثوس قائلاً: «لاَ يَكُونَ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٌ.. لأَنِّي أُخْبِرْتُ عَنْكُمْ يَا إِخْوَتِي مِنْ أَهْلِ خُلُوِي أَنَّ بَيْنَكُمْ خُصُومَاتٍ، فَأَنَا أَعْنِي هَذَا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَقُولُ: أَنَا لِبُولُسَ وَأَنَا لأَبُلُّوسَ وَأَنَا لِصَفَا وَأَنَا لِلْمَسِيحِ، هَلِ انْقَسَمَ الْمَسِيحُ؟» (1كورنثوس 1: 11-13). 
كما ابتليت بتضافر جحافل الظلمة للنيل من نقاء تعاليمها الإلهية، وتشويهها، بل وإبعادها عن مسارها الإلهي، الذي رسمه الرب لها، ورسله الكرام من بعده. وهذا ليس بغريب، أو عجيب، لأن المسيحية في نقاء تعاليمها تمثل خطورة على مملكة الظلمة، وكذلك تمثل تهديدًا لقوى الشر. لذلك اتبع عدو الخير.. إبليس، استراتيچية جهنمية من وجهتين في صراعه ضد المسيحية:
الوجهة الأولى اضطهاد المسيحيين من الذين هم من خارج دائرة المسيحية لإبادتهم، فهيج ضدهم عشرة أباطرة رومان لمحوهم من الوجود، وهو ما عُرف في التاريخ بـ «عصور الاستشهاد في المسيحية»، وهذا ما سبق وأخبر به الرب ملاك كنيسة سميرنا: «لاَ تَخَفِ الْبَتَّةَ مِمَّا أَنْتَ عَتِيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ. هُوَذَا إِبْلِيسُ مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضًا مِنْكُمْ فِي السِّجْنِ لِكَيْ تُجَرَّبُوا، وَيَكُونَ لَكُمْ ضِيْقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ..» (رؤيا 2: 10)، حيث تشير العشرة أيام إلى عشرة عصور حكم فيها الأباطرة الرومان  والتي بدأت بعصر نيرون (حكم من 54م - 68م) وأنتهت بعصر دقلديانوس (حكم من 284م - 305م)، لذلك بدأ الأقباط تقويمهم للشهداء من بداية حكم الإمبراطور دقلديانوس، الإمبراطور العاشر، وأيقنوا أن نهاية حكمه هي نهاية عصور إبادة المسيحيين على أيدي الأباطرة الرومان.
إن الاضطهاد لم يكن شيئًا عارضًا في حياة المسيحيين، لقد سبق وأخبرنا الرب في متى 24: 9 «حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ‍ضِيق وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي». وكذلك في لوقا 10: 3 «ِاِذْهَبُوا! هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ مِثْلَ حُمْلاَنٍ بَيْنَ ذِئَابٍ».

أما الوجهة الثانية لإبليس في تدمير المسيحية، فهي دس رسل كذبة، وأنبياء كذبة، ومعلمين كذبة، وإخوة كذبة، داخل دائرة المسيحية لتخريبها وتقويض أركانها من الداخل، وهذا ما أشار إليه الرب في متى 13: 24، 25 «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا زَرَعَ زَرْعًا جَيِّدًا فِي حَقْلِهِ. وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْحِنْطَةِ وَمَضَى».
والرسول بولس أخبرنا بأن المسيحية تحولت إلى بيت كبير به أواني للكرامة وأخرى للهوان، فمكتوب: «وَلكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضًا، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهذِهِ لِلْهَوَانِ» (2 تيموثاوس 2: 20).

فهل نجح الشيطان في مسعاه؟

لا شك، أن الشيطان فشل في إبادة المسيحيين، وهناك قول مشهور للعلامة ترتليانوس (160-220م): “The blood of Christians is the seed of the Church” «إن دماء المسيحيين (الشهداء) هي بذار الكنيسة»، ولكن إبليس نجح إلى حد بعيد في تشويه صورة المسيحية الحقيقية، وإدخال تعاليم غريبة عن حق الإنجيل، فالرسول بولس حذر أهل كورنثوس قائلاً: «لأَنَّهُ لاَ بُدَّ (δει «ديي» = ضرورة حتمية) أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ بِدَعٌ (αιρεσεις «هيرسيس» = هرطقات)..» (1كورنثوس 11: 19).
إن دخول الهراطقة وسط المسيحيين، ونشر هرطقاتهم أمر كان حتمي، وعلل الرسول ذلك بقوله: «لِيَكُونَ الْمُزَكَّوْنَ ظَاهِرِينَ بَيْنَكُمْ» (1كورنثوس 11: 19).

كذلك جاءتنا تحذيرات من الرب نفسه إذ قال: «انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ» (متى 24: 4).
إن كلمة «انظروا»   βλέπετε (بليبيتي) تعني أيضًا: احذروا، احترسوا 
  beware,  take heed,
«لاَ يُضِلَّكُمْ»   πλανήσῃ (بلانيسي) وتعني أيضًا: الانحراف عن الطريق
 be out of the way
«أَحَدٌ». كان الرب يعلم بأن هناك مَنْ سيأتي ليُضل المسيحيين، لذلك منذ البداية سبق وحذرنا من المُضلّين، حتى لا يعتذر إنسان بالجهل، وعدم المعرفة.
ولا شك أن تحذير الرب لتلاميذه: «انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ»، هو تحذير لازم وضروري لكل المؤمنين في كل زمان ومكان أن يحترسوا على الدوام من أضاليل الشيطان وتقليده ومحاكاته لأمور الله، وذلك بفحص كل كتب التراث، وكل التعاليم، والعظات، والشروحات، والتفاسير بالرجوع إلى أقوال الله.
إن لسان حل المؤمن الحقيقي هو: ماذا يقول الرب، وماذا يقول الكتاب؟ أيضًا المبدأ الأساسي الذي يحكم ضمير المؤمن الحقيقي هو:
«لِيَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا» (رومية 3: 4).
بكل أسف وحزن شديد نجد أشخاصًا، وهم  كُثر، من داخل دائرة المسيحية الإسمية يكذبون الله، ويصدقون الإنسان، ولسان حالهم  هو: أبونا قال.. أو سيدنا قال.. فإذا أتيت له بالنص الكتابي الواضح وضوح الشمس في كبد السماء والذي لا يحتاج إلى تأويل أو تفسير، يرفض عن إصرار وعمد الالتفات إلى النص الكتابي. ولماذا يلتفت إلى النص الكتابي، والمدعو أبونا أو ا لمدعو سيدنا قدم له تعليمًا بحسب التقليد، وليس بحسب الكتاب، بل وأكثر من ذلك يُقدم  له المسيح مذبوحًا على المذبح، لنوال الغفران والحياة الأبدية؟ فهل هذا المسيحي بالاسم في حاجة إلى كلمة الله، بعد ذلك؟ يا للحسرة.  

وإذا كان لنا تحذير من الرب، فلنا تحذير آخر من الرسول بطرس:
«فَأَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ قَدْ سَبَقْتُمْ فَعَرَفْتُمُ، احْتَرِسُوا مِنْ أَنْ تَنْقَادُوا بِضَلاَلِ الأَرْدِيَاءِ،
فَتَسْقُطُوا مِنْ ثَبَاتِكُمْ» (2بطرس 3 : 17).
يكتب الرسول بطرس في القرن الأول الميلادي مُحذرًا من المُضلّين الأردياء الذين يبثون ضلالهم، وينفثون سموم تعاليمهم وسط المؤمنين ليسقطوهم من ثباتهم.
وتحذير ثالث من الرسول بولس:
«اُنْظُرُوا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِل، حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ،
حَسَبَ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ» (كولوسي 2 : 8).
لقد نسجت الكنائس التقليدية من الفلسفة الباطلة، التي هي نتاج عقل الإنسان الفاسد، قصص خرافية حول كل التعاليم النقية التي بحسب فكر الله ومقاصده، بحيث سُبي الناس بعيدًا عن كلمة الله، وانقادوا لتقاليد الناس التي تتمشى مع أنظمة العالم وليس حسب المسيح.
وهناك تحذيرات أخرى كثيرة، لا مجال لحصرها، في كلمة الله.

لقد فشل إبليس في إبادة المؤمنين، كما سبقت الإشارة، ولكنه نجح في استخدم أواني بشرية من داخل دائرة المسيحية، شغلت وظائف هامة داخل الكنيسة، أمكنها غرس بذور الضلال وسط المؤمنين منذ فجر المسيحية، تلك البذور التي انتجت على مر الأزمان مسيحية مشوهة، ممسوخة، كانت عثرة للذين هم من خارج، لأنها أبعد ما تكون عن المسيحية الحقيقية، ولقد أوضح الكتاب المقدس بعض هذه الفئات التي لها ألقاب دينية رنانة مثل رسل، أنبياء، معلمين، أساقفة...إلخ. ممن كانوا، ولا يزالوا أدوات في يد الشيطان لتخريب المسيحية من الداخل. وهم كالتالي:
1- رسل كذبة في شكل خدام للبر:
هؤلاء أشار إليهم الرسول بولس في 2كورنثوس 11: 13- 15 «لأَنَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ هُمْ رُسُلٌ كَذَبَةٌ، فَعَلَةٌ مَاكِرُونَ، مُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ إِلَى شِبْهِ رُسُلِ الْمَسِيحِ. وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ! فَلَيْسَ عَظِيمًا إِنْ كَانَ خُدَّامُهُ أَيْضًا يُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ كَخُدَّامٍ لِلْبِرِّ. الَّذِينَ نِهَايَتُهُمْ تَكُونُ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ».
هل يوجد رسل كذبة؟ 
نعم. ألم يكن يهوذا الأسخريوطي الذي أسلم الرب يسوع لليهود، ضمن رسل المسيح الاثني عشر؟
مَنْ هؤلاء المدعوين رسل كذبة؟  هل هم من خارج دائرة المسيحية؟
لا. إنهم عاملون في كرم الرب، وسط قطيع المسيح، ولكن ليس لحساب الرب بل لحساب الشيطان، يتظاهرون بالتقوى، والبر، لابسين قناع القداسة، يخدعون الناس بكلامهم المعسول، واتضاعهم الزائف، ولكنهم فعلة ماكرون، يتشبهون برسل المسيح، وجُلّ غايتهم التسلط على قطيع الرب، لكن سرعان ما تسقط الأقنعة، ويظهرون على حقيقتهم، وهذا يتضح من قول الرسول بولس للمؤمنين: «لأَنَّكُمْ تَحْتَمِلُونَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْتَعْبِدُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْكُلُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْخُذُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَرْتَفِعُ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَضْرِبُكُمْ عَلَى وُجُوهِكُمْ!» (2كورنثوس 11: 20). هذا ما كان يفعله الرسل الكذبة بالمؤمنين، وهذا أيضًا ما نراه يحدث في المسيحية الإسمية، إذ نقرأ على صفحات الجرائد بعض المدعوين كهنة يضربون الفقراء من الأقباط ويمنعون الصدقة عنهم.
2- أنبياء كذبة:
لقد ابتليت المسيحية منذ نشأتها برسل كذبة كما رأينا، ولكن هذا لم يروِ غليل إبليس، فأقام وسط المسيحيين أنبياء كذبة، مكتوب:
« أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟
لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ» (1يوحنا 4: 1).
هل يوجد أنبياء كذبة داخل دائرة المسيحية؟
 نعم. أين كانوا قبل خروجهم؟
لقد كانوا وسط المؤمنين، وهؤلاء يقول عنهم الرسول يوحنا: «مِنَّا خَرَجُوا، ..» (1يوحنا 2: 19).
لكن في وقت كثر فيه الضلال وسط المسيحية الاسمية، وتحولت إلى ديانة طقسية.. كان على المؤمنين الحقيقيين أن يخرجوا إلى المسيح بعيدًا عن الضلال، طاعة لقول الكتاب:
«فَلْنَخْرُجْ إِذًا إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ» (عبرانيين 13: 13).
فبدلاً أن تكون الكنيسة هي عمود الحق وقاعدته (1تيموثاوس 3: 15)، أمست بيتًا كبيرًا اختلطت فيه أواني الهوان بأواني الكرامة (2تيموثاوس 2: 20)، لذلك كانت نصيحة الرسول بولس هي:
«فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هذِهِ، يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ،
مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ» (2تيموثاوس 2: 21).
3- معلمون كذبة في وسط شعب الله:
يقول الرسول بطرس في رسالته الثانية 2: 1
«وَلكِنْ، كَانَ أَيْضًا فِي الشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ،
الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ. وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ،
يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلاَكًا سَرِيعًا».
ألا يوجد وسط المسيحية الإسمية، معلمون أنكروا كمال وكفاية ذبيحة المسيح على الصليب للخلاص من الدينونة الأبدية، وغفران الخطايا، ونوال الحياة الأبدية بالإيمان، وجعلوا الحصول على كل هذه البركات بالأكل فيما أسموه بذبيحة القداس، إذ يظنون أنهم يقدمون المسيح ذبيحة في كل مرة يقيمون فيه القداس.
 فبدلاً من نوال الخلاص وغفران الخطايا والحياة الأبدية بالإيمان بذبيحة المسيح التي قدمت مرة واحدة، كما قال الكتاب:
«فَبِهذِهِ الْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً»
(عبرانيين 10: 4).
نجدهم يقدمون المسيح ذبيحة (كما يعتقدون) في كل مرة يتلون فيها صلوات القداس، ناسين، أو متجاهلين قول الكتاب:
«وَأَمَّا هذَا فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ»
(عبرانيين 10: 12).
وبناء على تقديم جسد يسوع المسيح ذبيحة مرة واحدة، يضع الكتاب أمامنا النتيجة النهائية بقوله:
«لأَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِينَ» (عبرانيين 10: 14).
لقد داس التقليديون على قول الرب:
«اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ» (يوحنا 6: 47).
أي أن نوال الحياة الأبدية  ليس بالأكل والشرب ولكن بالإيمان.
وقال أيضًا وهو الصادق الأمين:
«وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ»
(يوحنا 3: 14-16).
ألا ينطبق عليهم قول الكتاب:
«فَكَمْ عِقَابًا أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقًّا مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ،
وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِسًا، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ؟»
(عبرانيين 10: 29).
ألم يوبخ الرب أمثال هؤلاء، قائلاً:
«لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ.. رَفَضْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ لِتَحْفَظُوا تَقْلِيدَكُمْ!.. مُبْطِلِينَ كَلاَمَ اللهِ بِتَقْلِيدِكُمُ الَّذِي سَلَّمْتُمُوهُ»
(مرقس 7: 8- 13).
4- إخوة كذبة:
رأينا رسل كذبة وأنبياء كذبة ومعلمين كذبة داخل دائرة المسيحية منذ بدايتها، والآن يحدثنا الكتاب عن إخوة كذبة، فمكتوب:
« ... بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ» (2كورنثوس 11: 26).
ومكتوب أيضًا:
«وَلكِنْ بِسَبَبِ الإِخْوَةِ الْكَذَبَةِ الْمُدْخَلِينَ خُفْيَةً، الَّذِينَ دَخَلُوا اخْتِلاَسًا لِيَتَجَسَّسُوا حُرِّيَّتَنَا الَّتِي لَنَا فِي الْمَسِيحِ كَيْ يَسْتَعْبِدُونَا» (غلاطية 2: 4).
لاحظ كلمة «يستعبدونا»، أي أنهم أقاموا من أنفسهم أسيادًا على قطيع المسيح، ليستعبدوه، رغم إدعائهم بأنهم إخوة، ولكنهم إخوة كذبة. أليس هذا ما يحدث في المسيحية الإسمية منذ البداية إلى الآن؟

5- أساقفة يتكلمون بأمور ملتوية ومن بينهم ذئاب خاطفة:
في حديثه الوداعي حذر الرسول بولس شيوخ كنيسة أفسس قائلاً:
«اِحْتَرِزُوا اِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ. لأَنِّي أَعْلَمُ هذَا: أَنَّهُ بَعْدَ ذِهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لاَ تُشْفِقُ عَلَى الرَّعِيَّةِ. وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلاَمِيذَ وَرَاءَهُمْ» (أعمال 20: 28-30).
أساقفة وسط رعية المسيح يتكلمون بأمور ملتوية؟! يا للعجب.
لكن لماذا؟
لكي يجتذبوا المؤمنين وراءهم، بدلاً من أن يجتذبوهم للمسيح، فالمسيح غاب عن أعينهم الكليلة. يا للحسرة.
آخرون سيدخلون بينهم أي أساقفة مثلهم، ولكنهم ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعية.. هؤلاء ينطبق عليهم قول الرب على لسان إرميا النبي:
«لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ عَنِ الرُّعَاةِ الَّذِينَ يَرْعَوْنَ شَعْبِي: أَنْتُمْ بَدَّدْتُمْ غَنَمِي وَطَرَدْتُمُوهَا وَلَمْ تَتَعَهَّدُوهَا. هأَنَذَا أُعَاقِبُكُمْ عَلَى شَرِّ أَعْمَالِكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ» (إرميا ٢٣:‏ 2).
 وقول الرب على لسان حزقيال النبي:
«هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَى الرُّعَاةِ وَأَطْلُبُ غَنَمِي مِنْ يَدِهِمْ،
وَأَكُفُّهُمْ عَنْ رَعْيِ الْغَنَمِ، وَلاَ يَرْعَى الرُّعَاةُ أَنْفُسَهُمْ بَعْدُ، فَأُخَلِّصُ غَنَمِي مِنْ أَفْوَاهِهِمْ فَلاَ تَكُونُ لَهُمْ مَأْكَلاً» (حزقيال ٣٤:‏ 10).
كلمات تقشعر لها الأبدان ويشيب من هولها الولدان..
الشكل الظاهر أمام الجماعات المسيحية أنهم أساقفة، يشعّون نورًا وتقوى واتضاعًا، ولكنهم في حقيقة الأمر هم ذئاب خاطفة.. الظلمة تلتحفهم، وأعمالهم المخزية تفضحهم، ذئاب في ثياب الحملان، تُفتح لهم البيوت على أنهم حملان، وتأتمنهم النفوس على المال والعرض، وتتعامل معهم النساء والشابات على أنهم حملان، فهم أبعد ما يكونوا عن دائرة الشك في سلوكهم، إنهم أصحاب القداسة والتقوى والورع، ولكن طبيعة الافتراس تجري في عروقهم مهما تخفّوا في ثياب الحملان، ألم يقل الرب:
«فَأُخَلِّصُ غَنَمِي مِنْ أَفْوَاهِهِمْ فَلاَ تَكُونُ لَهُمْ مَأْكَلاً». 
يحذرنا الرسول بولس منذ العصر الرسولي إلى الآن.. من بداية المسيحية إلى آخر الزمان.. من نوعين من الأساقفة، أولهما الأساقفة الذئاب الخاطفة، وثانيهما الأساقفة الذين يجمعون الناس من حولهم بكلمات ملتوية ليكوّنوا لهم شعبية. فالذي يُسرّ قلوبهم هو إلتفاف الجماهير من حولهم واجتذابها إلى أشخاصهم وليس إلى الرب.
6- أناس فجار:
لم يكتف إبليس بدس الفئات السابقة لتخريب وتقويض أركان المسيحية من الداخل بعد أن فشل في إبادة المسيحيين كما رأينا سابقًا، فقام بدس فئة أكثر خطرًا على المسيحية،  يقول عنهم يهوذا في رسالته:
«لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهذِهِ الدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ، يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ، وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ: اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ» (يهوذا 4).
هؤلاء الفجّار دخلوا خلسة وسط المؤمنين دون أن ينتبه أحد لحالتهم الحقيقية، ربما  كانوا ملتحفين بالتقوى، وربما دخلوا زاحفين كالحيّات دون أن يدري بهم أحد، وربما كان المؤمنون يغطون في نوم عميق، وقد أوضح الرب ذلك في مثل الرجل الذي زرع زرعًا جيدًا، قال:
«إِنْسَانًا زَرَعَ زَرْعًا جَيِّدًا فِي حَقْلِهِ. وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْحِنْطَةِ وَمَضَى» (متى 13: 24، 25).
 لقد حولت هذه الفئة نعمة إلهنا إلى الدعارة، يقول الكتاب:
«.. يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ..» (يهوذا 4).
ألم نسمع في أيامنا هذه عن كنائس تبيح زواج المثليين (زواج الرجل برجل مثله والمرأة بامرأة مثلها)، وأن المثليين تجرى لهم مراسم الزواج داخل هذه الكنائس! هل هناك دعارة أسوأ من ذلك.
ألم يقرر المحفل العام للكنائس المشيخية الأمريكية بإباحة زواج المثليين، أي الشواذ جنسيًا، بدعوى احترام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ورسامة هؤلاء المثليين قساوسة على منابر الكنيسة في أمريكا؟ 
 «اِبْهَتِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ مِنْ هذَا، وَاقْشَعِرِّي وَتَحَيَّرِي جِدًّا، يَقُولُ الرَّبُّ»
(إرميا ٢: ‏١٢).
عار على قادة دينيين يدّعون تبعية الإنجيل في اتخاذ مثل هذا القرار الفاجر، والذي يبيح الفجور بترخيص من كنيستهم المشيخية. يا للعار والحسرة.
ثم، لم يتوقف هذا القرار الفاجر عند إباحة زواج المثليين، بل أعطى ترخيصًا برسامة هؤلاء المثليين قساوسة بحجة احترام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.  
ألم يقرأ أصحاب هذا المحفل المشئوم قول الكتاب:
«يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ» (أعمال 5: 29).
ألم يقرأ أصحاب هذا المحفل المشئوم وصية الرب:
«لاَ تَكُنْ زَانِيَةٌ مِنْ بَنَاتِ إِسْرَائِيلَ، وَلاَ يَكُنْ مَأْبُونٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ»
(تثنية 23: 17).
حيث كلمة «مأبون» تعني الشاذ جنسيًا، وقد وردت في كثير من ترجمات الكتاب المقدس بالإنجليزية Sodomite نسبة إلى أهل سدوم الذين قال عنهم الكتاب: «وَكَانَ أَهْلُ سَدُومَ أَشْرَارًا وَخُطَاةً لَدَى الرَّبِّ جِدًّا» (تكوين 13: 13). وكان شرّ أهل سدوم هو الشذوذ الجنسي ونستدل على ذلك من تكوين 19: 5. لذلك كان عقابهم أن الرب أمطر عليهم كبريتًا ونارًا من السماء (تكوين 19: 24).
إن المحفل العام للكنائس المشيخية الأمريكية يدوس على وصية الله احترامًا للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان؟ يا للعار.  
إن الكتاب سبق وحذرنا من البداية من أمثال هؤلاء الفجّار الذين يحوّلون نعمة إلهنا إلى الدعارة.




أسئلة عن الفصل الخامس عشر


1- متى بدأت الانشقاقات داخل المسيحية؟
2-  ما هي خطة إبليس في القضاء على المسيحيين؟
3- ما هي خطة إبليس في تدمير المسيحية من الداخل؟
4- هل نجح إبليس في مسعاه؟
5- ممن حذّر الرب تلاميذه؟ وهل هذا التحذير يختص بنا أيضًا؟
6- ما هو المبدأ الأساسي الذي يحكم ضمائر المؤمنين؟
7- ممَنْ يحذرنا الرسول بطرس؟
8- ما هي الفئات التي دسها إبليس وسط المؤمنين، وما هي مهمة كل فئة من هذه الفئات؟
9- ما هو الشكل الذي يظهر به الرسل الكذبة؟
10- هل الشيطان يمكنه أن يظهر في شبه ملاك نور؟
11- ما هو الشكل الذي يظهر به خدامه؟
12- هل هناك ارتباط بين الشيطان الذي يظهر في شبه ملاك نور وبين الظهورات النورانية على قباب ومنارات بعض الكنائس التقليدية؟
13- هل هذه الظهورات تعود بالمجد للرب وحده أم لأشخاص آخرين غير الرب؟
14- ما رأيك في عدد الترنيمة الأرثوذكسية التي تقول:
مجد مريم يتعظم ... في المشارق والغروب
عظمـــوها مجدوها... ملّكــوها في القلـوب؟
15- هل عدد الترنيمة يتوافق مع قول الرب: «أَنَا الرَّبُّ هذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ..» (إشعياء 42: 8)؟