الفصل التاسع
سيادة الأسقف الواحد
رأينا في الفصل الخامس أن كلمة بابوية ترجع أصولها إلى القرون الوسطى، وليس إلى العصر الرسولي، ولا إلى عصر الآباء الرسوليين، مما أبطل أي إدعاء بوجود النظام البابوي قبل القرون الوسطى، والادعاء بأن بطرس كان هو البابا الأول الجالس على كرسي روما، ومرقس هو البابا الأول الجالس على كرسي الإسكندرية، هو ادعاء كاذب لا سند له، لا من الأسفار الإلهية كما اتضح ذلك في الفصل الثاني والثالث والرابع، ولا من التاريخ كما اتضح ذلك في الفصل الخامس، والمراد بهذا الادعاء هو تضليل جماهير المسيحيين من البسطاء وغير الدارسين.
وأكد بطلان هذا الادعاء علماءُ الكتاب المقدس الكاثوليك الرومانُ المعاصرين الذين قالوا أنه لا يوجد دليل في العهد الجديد أن بطرس كان في أي وقت أسقفًا أو مسئولاً محليّا يتولى إدارة أي كنيسة (بما في ذلك روما وأنطاكيا)؛ أيضًا أكدوا بأن ليس هناك دليل كتابي مباشر أن يسوع أسس البابوية كمنصب دائم داخل الكنيسة.
ولكن بعد العصر الرسولي تزايدت سلطة ونفوذ أسقف روما على نحو مستمر، ليس فقط في حدود أسقفيته، بل تعدت إلى كنائس العالم كافة الواقعة تحت سلطة الإمبراطورية الرومانية. فروما هي عاصمة الأمبراطورية، ومن الطبيعي أن أسقف روما كونه أسقف عاصمة الإمبراطورية التي كانت تحكم العالم آنذاك، وأيضًا أسقف العاصمة التي اُستشهد فيها الرسولان بطرس وبولس، فهذا منحه مركزًا متميزًا على كافة أساقفة العالم، وفي هذا الصدد يقول الأنبا إغريغوريوس: «يمكن أن يقال أنه نظرًا لمكانة المدينة السياسية والثقافية والاجتماعية والدولية يعظم شأن الأسقف القائم بمسئوليتها الرعوية».
وإذا رجعنا إلى القرن الثالث عشر للميلاد نجد أحد علماء الكنيسة القبطية وهو الشيخ صفي أبي الفضائل بن العسال يقر برئاسة بابا روما على سائر البطاركة .
لقد تأسست سيادة الأسقف الواحد أو سيطرة الأسقف الواحد monepiscopacy بشكل جيد بحلول منتصف القرن الثاني. وفي القرن الثالثِ ادعى أساقفة روما الأولوية العالمية، بالرغم من أنَّه سَتَكُونُ 150 سنةَ أخرى أمام هذه الفكرةِ حتى تصاغ بشكل عقائدي.. حيث أن التنظيمِ العقائدي للأولوية الرومانيةِ حَدثَ في السَنَواتِ بين البابا دامسوس الأول (366-384) والبابا ليو الأول (440-461). في تلك الفترة، إدّعى الباباوات صراحة أن أسقف روما هو رأس الكنيسة برمتها وأنّ سلطتِه مستمدة مِنْ بطرس.
هل هناك وضوح أكثر من ذلك على أن النظام البابوي لم يكن موجودًا قبل القرن الرابع للميلاد؟
أليست هذه الحقائق تكشف تدليس وكذب المؤرخين الذين يدعون بأن بطرس ومرقس كانا أول البابوات؟
أليس المسيح له المجد، ورسله الكرام وتلاميذهم، براء من الادعاء بأنهم مؤسسوا النظام البابوي البغيض، الذي أساء إلى المسيحية وصورتها أمام العالم؟
ألم يكن دامسوس الأول، هو أول مَنْ دعى روما بالكرسي الرسولي، أي أنه أول مَنْ نادى بالخلافة الرسولية. وفي مجمع روما (382) أعلن بأن أولوية أسقف روما تستند على الاستمرارية مع بطرس.
أليس خليفته، سيريسيوس Siricius (384-399)، الذي تعتبر مراسيمة التي أصدرها بشكل مبكر جدًا، قد عززت رئاسة أسقف روما، وفُرضَت قراراتَه على العديد مِنْ الأساقفةِ خارج إيطاليا.
أين ضمائر الذين يزورون التاريخ من هذه الحقائق، ويخدعون قلوب البسطاء، ويدّعون بوجود كرسي رسولي في روما وآخر في الإسكندرية؟
أليس المدعو دامسوس هو أول من دعى روما بالكرسي الرسولي في نهاية القرن الرابع للميلاد؟
ألم يكن ليو الأول هو أول ثلاث بابوات دعوا بـ «المعظم»، والذي وضع الأساس النظري للسلطة البابوية العليا.
على المزورين للتاريخ أن يتعلموا متى دخلت الألقاب التي يطلقونها على بشر، دون وازع من ضمير، أو خوف من الله.
بل أخذ ليو لقب Pontifex Maximus «الحبر (الكاهن) الأعظم» أي رئيس الكهنة، الذي لَمْ يَعُد الأباطرة يستعملونه، وادّعى أنه يمتلك كامل السلطة (plenitudo potestatis).
ولنا أن نسأل: مَنْ الذي يمتلك كامل السلطة أو يمتلك السلطة المُطلقة؟
أليس الله وحده هو صاحب السلطة المُطلقة.
ومَنْ هو رئيس الكهنة أو الكاهن العظيم؟
أليس هو الرب يسوع المسيح؟
أليس من العار أن يقبل مَنْ يدعون أنهم بابوات الألقاب التي لم يعد الأباطرة الوثنيون يستعملونها؟
سجل يا تاريخ في صفحة حالكة السواد، أن مَنْ يدعون أنهم خدام المسيح يقبلون الألقاب الوثنية، ويتسيدون ويتسلطون على الرعية، وما على الرعية إلا أن تُقبّل الأيادي وأن تسجد عند الأقدام، في خنوع وإذلال مخزي ومهين لصورة الله التي خلق عليها الإنسان.
لقد تحدث الكتاب عن الأساقفة، ولكن هل تحدث عن سيادة وتسلط الأسقف الواحد، وعن الألقاب التي تُطلق عليه، والتي منها كان يُطلق على الأباطرة الوثنيين؟
من المعلوم أن في زمن الرسل كان هناك أساقفة . بل إن كنيسة واحدة مثل كنيسة فيلبي - ولم يكن مر وقت طويل على تأسيسها - كان بها عدد من الأساقفة وليس أسقفًا واحدًا، وعدد من الشمامسة، فمكتوب: «بُولُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِينَ فِي فِيلِبِّي، مَعَ أَسَاقِفَةٍ وَشَمَامِسَةٍ» (فيلبي 1: 1).
فما هي صفات الأسقف ووظيفته التي أعلنها لنا الروح القدس في الكتاب المقدس؟
وهل هناك فرق بين الأساقفة والقسوس؟
هذا هو موضوع الفصل التالي.
أسئلة عن الفصل التاسع
1- إلى أي قرن ترجع كلمة البابوية؟ وعلام يدل ذلك؟
2- ما هي العوامل التي ساعدت على تزايد سلطة أسقف روما؟
3- علق على إقرار أحد علماء الكنيسة القبطية في القرن الثالث عشر برئاسة بابا روما على سائر البطاركة.
4- متى ادعى البابوات أن أسقف روما سلطته مستمدة من الرسول بطرس؟
5- مَنْ أول من نادى بالخلافة الرسولية، ومتى؟
6- مَنْ هم أول ثلاث بابوات أُطلق عليهم لقب «المُعظّم»؟
7- مَنْ هو المُعظّم الحقيقي؟
سيادة الأسقف الواحد
رأينا في الفصل الخامس أن كلمة بابوية ترجع أصولها إلى القرون الوسطى، وليس إلى العصر الرسولي، ولا إلى عصر الآباء الرسوليين، مما أبطل أي إدعاء بوجود النظام البابوي قبل القرون الوسطى، والادعاء بأن بطرس كان هو البابا الأول الجالس على كرسي روما، ومرقس هو البابا الأول الجالس على كرسي الإسكندرية، هو ادعاء كاذب لا سند له، لا من الأسفار الإلهية كما اتضح ذلك في الفصل الثاني والثالث والرابع، ولا من التاريخ كما اتضح ذلك في الفصل الخامس، والمراد بهذا الادعاء هو تضليل جماهير المسيحيين من البسطاء وغير الدارسين.
وأكد بطلان هذا الادعاء علماءُ الكتاب المقدس الكاثوليك الرومانُ المعاصرين الذين قالوا أنه لا يوجد دليل في العهد الجديد أن بطرس كان في أي وقت أسقفًا أو مسئولاً محليّا يتولى إدارة أي كنيسة (بما في ذلك روما وأنطاكيا)؛ أيضًا أكدوا بأن ليس هناك دليل كتابي مباشر أن يسوع أسس البابوية كمنصب دائم داخل الكنيسة.
ولكن بعد العصر الرسولي تزايدت سلطة ونفوذ أسقف روما على نحو مستمر، ليس فقط في حدود أسقفيته، بل تعدت إلى كنائس العالم كافة الواقعة تحت سلطة الإمبراطورية الرومانية. فروما هي عاصمة الأمبراطورية، ومن الطبيعي أن أسقف روما كونه أسقف عاصمة الإمبراطورية التي كانت تحكم العالم آنذاك، وأيضًا أسقف العاصمة التي اُستشهد فيها الرسولان بطرس وبولس، فهذا منحه مركزًا متميزًا على كافة أساقفة العالم، وفي هذا الصدد يقول الأنبا إغريغوريوس: «يمكن أن يقال أنه نظرًا لمكانة المدينة السياسية والثقافية والاجتماعية والدولية يعظم شأن الأسقف القائم بمسئوليتها الرعوية».
وإذا رجعنا إلى القرن الثالث عشر للميلاد نجد أحد علماء الكنيسة القبطية وهو الشيخ صفي أبي الفضائل بن العسال يقر برئاسة بابا روما على سائر البطاركة .
لقد تأسست سيادة الأسقف الواحد أو سيطرة الأسقف الواحد monepiscopacy بشكل جيد بحلول منتصف القرن الثاني. وفي القرن الثالثِ ادعى أساقفة روما الأولوية العالمية، بالرغم من أنَّه سَتَكُونُ 150 سنةَ أخرى أمام هذه الفكرةِ حتى تصاغ بشكل عقائدي.. حيث أن التنظيمِ العقائدي للأولوية الرومانيةِ حَدثَ في السَنَواتِ بين البابا دامسوس الأول (366-384) والبابا ليو الأول (440-461). في تلك الفترة، إدّعى الباباوات صراحة أن أسقف روما هو رأس الكنيسة برمتها وأنّ سلطتِه مستمدة مِنْ بطرس.
هل هناك وضوح أكثر من ذلك على أن النظام البابوي لم يكن موجودًا قبل القرن الرابع للميلاد؟
أليست هذه الحقائق تكشف تدليس وكذب المؤرخين الذين يدعون بأن بطرس ومرقس كانا أول البابوات؟
أليس المسيح له المجد، ورسله الكرام وتلاميذهم، براء من الادعاء بأنهم مؤسسوا النظام البابوي البغيض، الذي أساء إلى المسيحية وصورتها أمام العالم؟
ألم يكن دامسوس الأول، هو أول مَنْ دعى روما بالكرسي الرسولي، أي أنه أول مَنْ نادى بالخلافة الرسولية. وفي مجمع روما (382) أعلن بأن أولوية أسقف روما تستند على الاستمرارية مع بطرس.
أليس خليفته، سيريسيوس Siricius (384-399)، الذي تعتبر مراسيمة التي أصدرها بشكل مبكر جدًا، قد عززت رئاسة أسقف روما، وفُرضَت قراراتَه على العديد مِنْ الأساقفةِ خارج إيطاليا.
أين ضمائر الذين يزورون التاريخ من هذه الحقائق، ويخدعون قلوب البسطاء، ويدّعون بوجود كرسي رسولي في روما وآخر في الإسكندرية؟
أليس المدعو دامسوس هو أول من دعى روما بالكرسي الرسولي في نهاية القرن الرابع للميلاد؟
ألم يكن ليو الأول هو أول ثلاث بابوات دعوا بـ «المعظم»، والذي وضع الأساس النظري للسلطة البابوية العليا.
على المزورين للتاريخ أن يتعلموا متى دخلت الألقاب التي يطلقونها على بشر، دون وازع من ضمير، أو خوف من الله.
بل أخذ ليو لقب Pontifex Maximus «الحبر (الكاهن) الأعظم» أي رئيس الكهنة، الذي لَمْ يَعُد الأباطرة يستعملونه، وادّعى أنه يمتلك كامل السلطة (plenitudo potestatis).
ولنا أن نسأل: مَنْ الذي يمتلك كامل السلطة أو يمتلك السلطة المُطلقة؟
أليس الله وحده هو صاحب السلطة المُطلقة.
ومَنْ هو رئيس الكهنة أو الكاهن العظيم؟
أليس هو الرب يسوع المسيح؟
أليس من العار أن يقبل مَنْ يدعون أنهم بابوات الألقاب التي لم يعد الأباطرة الوثنيون يستعملونها؟
سجل يا تاريخ في صفحة حالكة السواد، أن مَنْ يدعون أنهم خدام المسيح يقبلون الألقاب الوثنية، ويتسيدون ويتسلطون على الرعية، وما على الرعية إلا أن تُقبّل الأيادي وأن تسجد عند الأقدام، في خنوع وإذلال مخزي ومهين لصورة الله التي خلق عليها الإنسان.
لقد تحدث الكتاب عن الأساقفة، ولكن هل تحدث عن سيادة وتسلط الأسقف الواحد، وعن الألقاب التي تُطلق عليه، والتي منها كان يُطلق على الأباطرة الوثنيين؟
من المعلوم أن في زمن الرسل كان هناك أساقفة . بل إن كنيسة واحدة مثل كنيسة فيلبي - ولم يكن مر وقت طويل على تأسيسها - كان بها عدد من الأساقفة وليس أسقفًا واحدًا، وعدد من الشمامسة، فمكتوب: «بُولُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِينَ فِي فِيلِبِّي، مَعَ أَسَاقِفَةٍ وَشَمَامِسَةٍ» (فيلبي 1: 1).
فما هي صفات الأسقف ووظيفته التي أعلنها لنا الروح القدس في الكتاب المقدس؟
وهل هناك فرق بين الأساقفة والقسوس؟
هذا هو موضوع الفصل التالي.
أسئلة عن الفصل التاسع
1- إلى أي قرن ترجع كلمة البابوية؟ وعلام يدل ذلك؟
2- ما هي العوامل التي ساعدت على تزايد سلطة أسقف روما؟
3- علق على إقرار أحد علماء الكنيسة القبطية في القرن الثالث عشر برئاسة بابا روما على سائر البطاركة.
4- متى ادعى البابوات أن أسقف روما سلطته مستمدة من الرسول بطرس؟
5- مَنْ أول من نادى بالخلافة الرسولية، ومتى؟
6- مَنْ هم أول ثلاث بابوات أُطلق عليهم لقب «المُعظّم»؟
7- مَنْ هو المُعظّم الحقيقي؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق