الفصل العاشر
الأسقف، مَنْ هو؟
رأينا في الفصل الخامس أن الكثير من المعتقدات والتعاليم والأنظمة الكنسية الفاسدة دخلت إلى المسيحية في وقت مبكر، ومن ضمنها أن هناك فرقًا بين المدعوين أساقفة والذين لُقبوا فيما بعد - في العصور المظلمة التي سادت المسيحية - بالبطاركة والبابوات، حيث خُلعت عليهم ألقاب القداسة والغبطة والسيادة، من المنافقين المحيطين بهم، وبين المدعوين قسوس (أو قمامصة).. المساكين.. الخاضعين.. الطائعين.. الخانعين.. لأسيادهم الأساقفة أو البطاركة أو البابوات، وبين الشيوخ الذين لا ذكر لهم في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، والتي ربما أشارت إليهم بمصطلح آخر وهو «الأراخنة».
ومن ثمّ جاءت الترجمة البيروتية (المعروفة بترجمة ڤـان دايك) والمنتشرة بين أيدينا متمشية أو متأثرة بهذه التفرقة الجائرة، والمبنية على غير أساس كتابي، فارتكب مترجموها - رغم ما بذلوه من جهد مشكور - خطأً فادحًا في عدم ترجمة الكلمة اليونانية ἐπίσκοπος (إيبيسكوبوس) في 1تيموثاوس 3: 1، 2؛ تيطس 1: 7؛ 1بطرس 2: 25 واكتفوا باشتقاق حروفها transliteration من اليونانية إلى العربية ونقلوها «أسقف، أساقفة، أسقفها»، والتي تتمشى أيضًا مع الترجمة السريانية البسيطة والمعروفة بـ (البشيطا) حيث أن المرادف لـكلمة ἐπίσκοπος اليونانية هي كلمة ܐܦܣܩܘܦܐ (أَفِسْقُوفُو) السريانية، وكذلك عدم ترجمة كلمة πρεσβυτέρος (بريسبوتيروس) في أعمال 14: 23؛ 20: 17، واكتفوا باشتقاق حروفها من الترجمة السريانية ܩܫܝܫܐ (قشيشا) ونقلوها «قسوس»، وكذلك عدم ترجمة كلمة διακόνος (دياكونوس) في فيلبي 1: 1؛ 1تيموثاوس 3: 8، 12واكتفوا باشتقاق حروفها من الترجمة السريانية ܡܫܡܫܢܐ (مشمشنا) ونقلوها «شمامسة»، وهي قريبة من كلمة «شماس» في الترجمة القبطية «refsemsi» (ريفشمشي) والتي تعني «خادم»، والفعـل semsi (شمشي) بمعنى يخـدم to serve.
وهكذا تحدثت الترجمة البيروتية عن الأساقفة في أعمال 20: 28؛ فيلبي 1: 1؛ 1تيموثاوس 3: 2؛ تيطس 1: 7؛ 1بطرس 2: 25، وكأنهم بخلاف القسوس الوارد ذكرهم في أعمال 14: 23؛ 20: 17، وبخلاف الشيوخ الوارد ذكرهم في تيطس 1: 5، مما يوحي للقارئ أو الدارس للعهد الجديد أن لكل منهم رتبة كنسية تختلف عن الآخر، رغم أن نفس الترجمة تتحدث عن شخص واحد تحت كل هذه المُسميّات، ونستدل على هذا من سفر الأعمال إصحاح 20 حيث نجد في عدد 17 تتحدث الترجمة عن «قُسُوسَ الْكَنِيسَةِ»، و في عدد 28 تتحدث أن هؤلاء القسوس هم «أساقفة»، أيضًا بالرجوع إلى تيطس الإصحاح الأول في عدد 5 نجدها تتحدث عن الشيوخ πρεσβυτέρος، وفي عدد 7 نجد أن هؤلاء الشيوخ هم ذاتهم الأساقفة ἐπίσκοπος. فالأسقف هو ذاته القسيس هو ذاته الشيخ.
وهكذا أوقعت الترجمة البيروتية القارئ والدارس للعهد الجديد في حيرة وارتباك وتشويش هل الأساقفة بخلاف القسوس بخلاف الشيوخ أم هم شخص واحد؟
كان يمكن تلافي هذا التشويش لو تم ترجمة كلمة ἐπίσκοπος، وكلمة πρεσβυτέρος، وكلمة διακόνος في المواضع المشار إليها سابقًا إلى اللغة العربية.
ومترجمو البيروتية بعدم ترجمتهم الكلمات المشار إليها، أثاروا مشكلة أخرى في ترجمة فيلبي 1: 1 حيث تتحدث الترجمة عن أَسَاقِفَةٍ وَشَمَامِسَةٍ، مكتوب: «بُولُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِينَ فِي فِيلِبِّي، مَعَ أَسَاقِفَةٍ وَشَمَامِسَةٍ». ولنا أن نسأل:
لماذا لم يرسل الرسول بولس السلام إلى القسوس والقمامصة في كنيسة فيلبي واكتفى بإرسال السلام إلى الأساقفة والشمامسة طالما كان هناك تمييز في الرتب بين الأساقفة والقسوس أو القمامصة والشمامسة بحسب المعتقدات التقليدية؟
هل أغفل الرسول بولس ذِكر القسوس في كنيسة فيلبي؟ أم أن الأساقفة طردوا القسوس من الكنيسة؟ أم أن القسوس هربوا من قسوة الأساقفة؟ أم أن كنيسة فيلبي لم يكن بها قسوس؟
وكيف يكون في كنيسة بادئة هذا العدد من الأساقفة؟
أليس من المفروض - بحسب الكنائس التقليدية - أن يترأس الأسقف عدد من الكنائس؟ أم أن التقليديين داسو على كلمة الله، وأبطلوها؟
إن وجود هذا العدد من الأساقفة في كنيسة واحدة بادئة، يتعارض كلية مع تعاليم الكنائس التقليدية التي قسمت الرتب الكهنوتية - بحسب اعتقادها - إلى أساقفة وقسوس وشمامسة، وطبقًا لذلك من المستحيل أن توجد كنيسة بها هذا العدد من الأساقفة والشمامسة ولا يوجد بها قسوس.
كان يمكن أن يُحل لغز عدم إرسال الرسول بولس سلامه إلى قسوس كنيسة فيلبي لو تم ترجمة عبارة «مَعَ أَسَاقِفَةٍ وَشَمَامِسَةٍ» إلى اللغة العربية «مع رعاة وخدام».
وعلى العكس من الترجمة البيروتية نجد أن مترجمو «البشيطا» كانوا مدركين أن الـ ἐπισκόπος هو ذاته الـ πρεσβυτέρος، لذلك لم يجدو مشكلة في ترجمت ἐπισκόπος بـ ܩܫܝܫܐ (قشيشا = قسوس) في فيلبي 1: 1 «ܥܡ ܩܫܝܫܐ ܘܡܫܡܫܢܐ» [عم (مع) قشيشا (قسوس) ومشمشنا (وشمامسة)]، أي مع الشيوخ والخدام، أما الترجمة الدقيقة للنص اليوناني باللغة العربية هي: «مع الرعاة والخدام» والتي تجيب على التساؤل المطروح: أين القسوس، والذي أثارته الترجمة البيروتية، حيث أن الترجمة العربية للنص اليوناني، تهدم التسلسل الكهنوتي الذي اخترعته الكنائس التقليدية.
مرة أخرى نقول إن الترجمة البيروتية أحدثت بلبلة في أذهان الكثيرين؛ لأنها تارة تُميّز بين الأساقفة والقسوس والشيوخ في بعض المواضع، وتارة أخرى تجمعهم في شخص واحد في مواضع أخرى، وتارة ثالثة تتحدث عن أساقفة وشمامسة في كنيسة واحدة دون ذِكر للقسوس.
لذلك على كل مستخدم للترجمة البيروتية الـ (ڤـان دايك) أن يعي ويدرك:
أن كلمة «أساقفة» مشتقة من الكلمة اليونانية «ἐπισκόπος» (إيبيسكوبوس) وليست ترجمة لها، وأن كلمة «قسوس» كلمة سريانية وليست ترجمة لكلمة πρεσβυτερος (بريسبوتيروس) اليونانية، وأن كلمة «شمامسة» كلمة سريانية وليست ترجمة لكلمة διακόνος (دياكونوس) اليونانية.
ومن ثمّ رأيت أنه من الأمانة العلمية البحث عن الاستخدامات المتعددة لهذه الكلمات في الكتاب المقدس في أصوله العبرية للعهد القديم، واليونانية للعهد الجديد، مع الرجوع إلى الترجمة السبعينية للعهد القديم وهي ترجمة مرجعية لدي الكنائس التقليدية - رغم تحفظي على بعض ما جاء بها من كتابات - لنكشف بوضوح وجلاء المعنى الصحيح لهذه المُسمّيات وأنها ليست لرتب كنسية، كما يعتقد التقليديون.
1- الـ ἐπίσκοπος في العهد القديم:
أولاً، إن كلمة ἐπίσκοπος تتكون من مقطعين ἐπί (إيبي) وتعني فوق over و σκοπο (سكوبو) وتعني ينظر أو يراقب to look or watch.
إي أن كلمة ἐπίσκοπος تعني: النَّاظر، أو المراقب.
ويقابلها في الترجمة القبطية كلمة epickopoc (إيبيسكوبس) وتعني: المراقب، النَّاظر، المشرف، الحارس..
ثانيًا، المرادف لها في النص العبري للعهد القديم كلمة פקדת (بيكودات) وتعني الشخص الذي يقوم بعمل المراقبة، الإشراف، الافتقاد، الزيارات، الرعاية.
فمن الواضح والجلي من المعاني السابقة للكلمة اليونانية والمرادف لها في العبرية أن الـ ἐπίσκοπος أو פקדת هو شخص يقوم بعمل النِظارة، أو المراقبة، أو الإشراف، أو الافتقاد، أو الزيارات، أو الرعاية، أو الحراسة، وأن هذا الشخص لايحمل أي رتبة كنسية، كما يظن التقليديون، مما يُبطل الادعاء بأن الأسقفية هي رتبة كنسية.
فإذا رجعنا إلى الترجمة السبعينية نجد أن:
كلمة ἐπίσκοπος (إيبيسكوبوس) وردت 5 مرات [على وجه التحديد دون تصريفاتها الأخرى] (انظر سفر العدد 4: 16؛ قضاة 9: 28؛ نحميا 11: 9، 14، 22).
فمثلاً في سفر العدد 4: 16 نجد أن أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ كان أسقفًا وقام بعمل الأسقفية،
وفي قضاة 9: 28 نجد أن زَبُول كان أسقفًا،
وفي نحميا 11 عدد 9 نجد أن يُوئِيلُ بْنُ زِكْرِي كان أسقفًا،
وعدد 14 نجد أن زَبْدِيئِيلُ بْنُ هَجْدُولِيمَ كان أسقفًا،
وعدد 22 نجد أن عُزِّي بْنُ بَانِيَ بْنِ حَشَبْيَا بْنِ مَتَّنْيَا بْنِ مِيخَا كان أسقفًا.
كل هؤلاء كانوا أساقفة بحسب النص اليوناني للترجمة السبعينية، والأصل العبري للعهد القديم.
فهل كل هؤلاء كانت لهم أبرشيات وكاتدرائيات بها كراسي خاصة بهم تليق بمقامهم الرفيع، وتحت رئاستهم جمهور من القسوس والشمامسة، يستقبلونهم بالألحان.. ويخضع لهم شعب يأتمر بأمرهم، ولا يستطيع أن يتحرك قيد أنملة إلا بمشورتهم؟
لا شك أن حقيقة وجود أشخاص في العهد القديم أساقفة ويقومون بعمل الأسقفية، هي حقيقة صادمة للتقليديين الذين لديهم معتقدات وتصوّرات خاصة عن الأسقف.
ومما ساعد على جهل الكثيرين بهذه الحقيقة أن مترجمو الـ «ڤـان دايك» قاموا بترجمة كلمة פקדת المرادفة لكلمة ἐπίσκοπος في النصوص التي وردت بها في العهد القديم بمفردات بعيدة كل البعد عن المعنى الحقيقي لها، فمثلاً في سفر العدد 4: 16 قاموا بترجمتها بكلمة «وكالة»:
«وَوِكَالَةُ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ هِيَ زَيْتُ الضَّوْءِ وَالْبَخُورُ الْعَطِرُ وَالتَّقْدِمَةُ الدَّائِمَةُ وَدُهْنُ الْمَسْحَةِ، وَوِكَالَةُ كُلِّ الْمَسْكَنِ وَكُلِّ مَا فِيهِ بِالْقُدْسِ وَأَمْتِعَتِهِ»، رغم أن كلمة «وكيل ووكالة» ليست دقيقة لأنها ليست ضمن معاني الكلمة العبرية פקדת وليست ضمن معاني الكلمة اليونانية المرادفة لها ἐπίσκοπος، لأن كلمة وكيل في اليونانية هي οικονομος (إيكونوموس) (انظر لوقا 12: 42)، والترجمة الدقيقة للنص السابق هي:
«ويكون أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ هو المشرف على زَيْتُ الضَّوْءِ وَالْبَخُورُ الْعَطِرُ وَالتَّقْدِمَةُ الدَّائِمَةُ وَدُهْنُ الْمَسْحَةِ، وكذلك حراسة كُلِّ الْمَسْكَنِ وَكُلِّ مَا فِيهِ بِالْقُدْسِ وَأَمْتِعَتِهِ».
إن عدم قيام مترجمو الـ «ڤـان دايك» بترجمة كلمة ἐπίσκοπος في المواضع المشار إليها سابقًا في العهد الجديد يثير الكثير من علامات الاستفهام؟
فمن المفروض أن أي ترجمة للكتاب المقدس بأي لغة من لغات العالم، تقدم لنا ترجمة للنص الموحى به، بحيادية تامة، دون أن تتأثر بطائفية المترجمين، ولا تخدم طائفة بعينها، أو معتقد معين.
لذلك نجد ترجمة KJV , NAB (على سبيل المثال) ترجمت كلمة أسقف ἐπίσκοπος بـ overseer (المراقب - المُناظر - المشرف) وعلى العكس من ذلك نجد ترجمة ASV (على سبيل المثال) لم تترجم كلمة أسقف واكتفت باشتقاقها من اليونانية بـ bishop وقصدت من هذه الأمثلة أن أوضح، للدارس والباحث، أن ليس كل مترجمو الترجمات الأجنبية، قاموا بترجمة كلمة ἐπίσκοπος.
2- الـ ἐπίσκοπος في العهد الجديد:
وردت كلمة ἐπίσκοπος 5 مرات في العهد الجديد (انظر أعمال 20: 28؛ فيلبي 1: 1؛ تيطس 1: 7؛ 1تيموثاوس 3: 2؛ 1بطرس 2: 25).
ومن العجيب أن الترجمة البيروتية لم تترجم أيضًا كلمة «أسقف» التي وردت في 1بطرس 2: 25 «لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ الآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَأُسْقُفِهَا».
فالقارئ للترجمة البيروتية يقع في حيرة وتشويش، كيف يكون المسيح أسقفًا؟ وسبب الحيرة والتشويش أن لدى العامة من التقليديين تصور خاص عن الأسقف، كما سبقت الإشارة، وعن وظيفته، وملابسه، وعمامته، وأبرشيته..إلخ.
ثم السؤال المطروح للتقليديين أيهما أكبر منزلة، الأسقف، أم البابا؟
سؤال يبدو بديهي، لأنه من المعروف أن البابا هو رئيس الأساقفة.
فإذا كان المسيح قام بعمل الأسقف، ألا يكون البابا الذي هو رئيس الأساقفة، أعلى مركزًا وسموًا من المسيح ذاته؟ يا للحسرة.
إذن، بسبب التقليد والتعاليم الموروثة، يُهان شخص المسيح، ويُرذل، ويُرفض، ويُطرد من المسيحية الإسمية، وهذا ما عبّر عنه الرب في رؤيا 3: 20 «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ..» (رؤيا 3: 20).
أما الترجمة اليسوعية رغم التحفظ على الكثير مما ورد بها، إلا أنها ترجمت هذا العدد هكذا: «فَقَدْ كُنْتُمْ ضَالِّينَ كَخِرَافٍ ضَائِعَةٍ، وَلَكِنَّكُمْ قَدْ رَجَعْتُمُ الآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَحَارِسِهَا!».
لقد ترجمت كلمة «أُسْقُفِهَا» بـ «حارسها» التي هي إحدى المعاني لكلمة epickopoc (إيبيسكوبس) القبطية كما سبقت الإشارة.
فالرب له المجد هو راعي نفوسنا وهو حارسها. مكتوب: «أَنَا الرَّبُّ حَارِسُهَا..» (إشعياء 27: 3).
ومن الاستخدامات المتعددة لكلمة פקדת العبرية والتي يقابلها كلمة ἐπίσκοπος اليونانية، سواء في النص العبري للعهد القديم أو في ترجمته اليونانية والمعروفة بالترجمة السبعينية، وكذلك في الأصل اليوناني للعهد الجديد، كان من المفروض ترجمتها بكلمة «النَّاظر»، أو «المراقب»، أو «الحارس» أو «الراعي» [الذي يقوم بالزيارة أو الافتقاد، أو الرعاية، الأمرالذي يتمشى مع قول الرسول بولس لشيوخ (أساقفة) كنيسة أفسس «لِتَرْعُوا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ» (أعمال 20: 28)].
لذلك نجد النص الوارد في 1تيموثاوس 3: 1، 2 جاء في ترجمة الحياة هكذا: «مَا أَصْدَقَ الْقَوْلَ إِنَّ مَنْ يَرْغَبُ فِي الرِّعَايَةِ فَإِنَّمَا يَتُوقُ إِلَى عَمَلٍ صَالِحٍ. إِذَنْ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الرَّاعِي بِلاَ عَيْبٍ...» وهي ترجمة أقرب إلى الأصل اليوناني، حيث تم ترجمة كلمة ἐπίσκοπος بالراعي وأن عمله هو الرعاية، وهذا أحد معاني كلمة ἐπίσκοπος.
ومن المفاجئ للتقليديين، أن كلمة الأسقفية επισκοπης (إيبسكوبيس) الواردة في عبارة: «إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ (επισκοπης) فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحاً» (1تيموثاوس 3: 1 الترجمة البيروتية)، وردت في العهد الجديد مرتين، مرة في لوقا 19: 44؛ والأخرى في 1بطرس 2: 12 وتُرجمت (في الترجمة البيروتية) بكلمة «الافتقاد» المرادفة لكلمة «الأُسْقُفِيَّةَ».
وإذا بحثنا عن معنى كلمة επισκοπης فإنها تعني التفتيش لأجل الإغاثة وتقديم المعونة والنجدة للإنقاذ من خطر. لذلك عندما قال الكتاب: «إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ (الرعاية) επισκοπης فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحاً». ذلك لأن επισκοπης تعنى التفتيش عن النفوس البعيدة عن الله وافتقادها بغرض إنقاذها من المصير الأبدي الذي ينتظر إبليس وجنوده واتباعه من البشر - جهنم البحيرة المتقدة بالنار والكبريت - وتقديم المعونة الروحية من كلمة الله التي هي روح وحياة، وتسديد الأعواز المادية أيضًا. هذه هي الرعاية الحقيقية، وهذا هو عمل الراعي المُقام من الله وليس من الناس.
وبالعودة إلى عبارة «إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ»، نجد أن كلمة «ابتغي» في الأصل اليوناني هي επιθυμει (إيبيثومي) وتعني: رغبة قوية، توق شديد. وتُرجمت في غلاطية 5: 17 بـ «يَشْتَهِي» «لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ»، هذه الرغبة القوية والتوق الشديد للتفتيش عن النفوس يقول عنها الكتاب: «يَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحًا». فإذا كانت الأسقفية رئاسة وتسلط وسيادة كما يفهما ويمارسها التقليديون، لما قال الكتاب: «يَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحًا»، لأن الرئاسة والتسلط والسيادة ضد تعاليم الرب (متى 20: 25؛ مرقس 10: 42).
ولأن επισκοπης «الأسقفية» في الكنائس التقليدية هي رئاسة وتسلط وسيادة..إلخ. لذلك لايمكن أن يعلن شخص عن رغبته الشديدة في هذه الخدمة (επισκοπης)، وإلا اتهم بالكبرياء، ويتم وأد رغبته فورًا، بل وربما يُعزل من الخدمة إذا كان خادمًا في الكنيسة، أو يُطرد من الدير إذا كان راهبًا، ويُشلح من الكهنوت إذا كان كاهنًا، لأن الكنائس التقليدية فهمت الأسقفية أنها مركز رئاسي .. تسلطي.. سيادي.. وغاب عن بصرها المعصوب بالتقاليد تلك المعاني العظيمة لكلمة επισκοπης.
إن قول الكتاب: «إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ (επισκοπης) فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحاً»، يتحدى الكنائس التقليدية كافة أن يطبقوه عمليُا، أو أن يُفسروا هذا النص الكتابي لتابعيهم. ذلك لأنه لا يجرؤ شخص أيّ مَنْ كان، أن يبدي رغبته في شغل هذه الوظيفة، أو نوال هذه الرتبة الكهنوتية كما يعتقد التقليديون، بل على العكس لو عُرضت الأسقفية على راهب، لابد وأن يُبدي تمنّعه في البداية، حتى ولو كان يتحرق شوقًا لنوالها.
وكما سبق القول إننا نضع علامة استفهام كبيرة، لماذا أصرّ الذين قاموا بالترجمة البيروتية، على عدم ترجمة كلمة ἐπίσκοπος، واكتفوا باشتقاقها سواء من النص اليوناني أو من الترجمة السريانية؟!
كان ينبغي ترجمة كلمة «أسقف» في الآيات التي لم تترجم فيها في العهد الجديد، هكذا:
أعمال 20: 28 اِحْتَرِزُوا اِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا حرّاسًا، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ.
فيلبي 1: 1 بُولُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِينَ فِي فِيلِبِّي، مَعَ الرعاة والخدّام.
1تيموثاوس 3: 1، 2 صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ: إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الرعاية، فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحًا. فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الراعي بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، صَاحِيًا، عَاقِلاً، مُحْتَشِمًا، مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ.
تيطس 1: 7 لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الراعي بِلاَ لَوْمٍ كَوَكِيلِ اللهِ.
1بطرس 2: 25 لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ الآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وحارسها.
هذا هو الأسقف بحسب الكتاب، وهذه هي الأسقفية كما جاءت في كلمة الله، لكن مَنْ هو الأسقف الذي ابتدعته الكنائس التقليدية؟
هذا هو النص الذي أوردته ويكيبيديا الموسوعة الحرةعن مَنْ هو الأسقف، وما هي رتبته:
[من هو الأسقف
هو الاب المسئول عن عدد من الكنائس داخل إقليم معين ويترأس القسوس والقمامصة القائمين على تلك الكنائس، ويتخذ الاسقف عادة الكنيسة الكبرى في الإقليم مقرا له وتعرف في هذه الحالة بال(كاتدرائية) و يوضع في جميع الكنائس كرسى خاص بالأسقف تقديرا لقامته الدينية، ولأهمية تلك الرتبة الدينية فإنه يتم اختيار الاسقف من بين الرهبان (القساوسة والقمامصة المتبتلين ساكنى الاديرة).
رتبة الأسقف
هي أعلى الرتب الكهنوتية المسيحية (الاكليروس) وتليها كلا من رتبة (القسيسية - قس) ورتبة (الشموسية - شماس)، ولكل اسقف نطاق لخدمته وتسمى المناطق الواقعة ضمن نطاق خدمة الاسقف بالأبرشية وتعني (ولاية أو مقاطعة)، وتنقسم الرتبة نفسها إلى ثلاث درجات مرتبة حسب حجم ونطاق خدمته والذي يعرف كالتالى :
1. الاسقف :رئيس قساوسسة وقمامصة الكنائس الواقعة داخل أبرشية جديدة أو صغيرة (مدن صغيرة وقرى).
2. المطران: هو اسقف كبير وذو أقدمية ويكون عادة اسقفا على الأبرشية المهمة (من حيث الحجم، أو التاريخ، أو كلاهما) وفي هذه الحالة يطلق على أبرشيته «مطرانية»، وكلمة مطران مشتقة من الكلمة اليونانية (متروبوليتيس)و التي تتكون من مقطعين (مترو:الام - بوليتيس: مدينة) فيكون معناها (صاحب المدينة الام أو الكبيرة).
3. البطريرك أو البابا: رئيس جميع المطارنة والاساقفة وصاحب أعلى درجة كهنوتية بالكنيسة، وكلمة بطريرك مشتقة من الكلمة اليونانية (باترى ارش) والتي تتكون من مقطعين (باترى: اب - ارش: رياسة) فيكون معناها كبير أو رئيس الاباء]. (انتهى الاقتباس).
من النص المُقتبس نرى:
* إن الكنائس التقليدية تؤمن وتُعلّم وتمارس عمليًا أن الأسقف «هو الأب المسئول عن عدد من الكنائس داخل إقليم معين».
ولكن، بماذا يُعلّمنا الكتاب؟
يُعلّمنا الكتاب أنه في كنيسة محلية ناشئة حديثًا، كان هناك أساقفة وشمامسة، مكتوب: «بُولُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِينَ فِي فِيلِبِّي، مَعَ أَسَاقِفَةٍ وَشَمَامِسَةٍ» (فيلبي 1: 1) (الترجمة البيروتية).
نرى أيضًا:
* إن الكنائس التقليدية تؤمن وتُعلّم وتمارس عمليًا أن الأسقف [يترأس القسوس والقمامصة القائمين على تلك الكنائس].
ولنا أن نسأل مرة أخرى: أين القسوس والقمامصة في كنيسة فيلبي؟
لماذا اقتصر سلام الرسول بولس على الأساقفة والشمامسة دون ذِكر للقسوس والقمامصة؟
رأينا أن الكتاب يُعلّمنا أن الأسقف (الناظر، المراقب، الراعي..إلخ) هو القسيس (الشيخ أي الرجل المتقدم في العمر والخبرة الروحية) وذلك من سفر أعمال الرسل إصحاح 20 بمقارنة عدد 17 [الذي يتحدث عن القسوس (الشيوخ) «وَمِنْ مِيلِيتُسَ أَرْسَلَ إِلَى أَفَسُسَ وَاسْتَدْعَى قُسُوسَ الْكَنِيسَةِ»] مع عدد 28 الذي يدعو هؤلاء القسوس بالأساقفة (النظّار، الرعاة...إلخ) «اِحْتَرِزُوا اِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً..». أما رتبة القمامصة فهي رتبة ابتدعها التقليديون، مثلما ابتدعوا أمورًا كثيرة من تعاليم وطقوس..إلخ. لم ترد في كلمة الله.
نرى أيضًا:
* إن الكنائس التقليدية تؤمن وتُعلّم وتمارس عمليًا أن الأسقف [يتخذ .. عادة الكنيسة الكبرى في الإقليم مقرا له وتعرف في هذه الحالة بال(كاتدرائية) و يوضع في جميع الكنائس كرسى خاص بالأسقف تقديرا لقامته الدينية].
ولكن، بماذا يُعلّمنا الكتاب؟
قال الرب لتلاميذه: :«اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مرقس 16: 15). لم يقل الرب لتلاميذه اقيموا كاتدرائيات مقرًا لكم، بل اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها.
أيضًا قال الرب لتلاميذه: «اِذْهَبُوا! هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ مِثْلَ حُمْلاَنٍ بَيْنَ ذِئَابٍ» (لوقا 10: 3). فكيف يهنأ بال الحملان بالجلوس على كراسي والذئاب تحيط بهم من كل جهة. أم أن الذئاب الخاطفة - التي تحدث عنها الرسول بولس في أعمال 20: 29 «لأَنِّي أَعْلَمُ هذَا: أَنَّهُ بَعْدَ ذِهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لاَ تُشْفِقُ عَلَى الرَّعِيَّةِ» - قد لبست ثياب الحملان وجلست على كراسي الأسقفية؟ وأين التعليم بأن للأسقف قامة دينية؟ هل هو إناء للوحي؟ أم هو من رسل المسيح؟ إن أواني الوحي ورسل المسيح أهينوا واضطهدوا وأكثرهم استشهد من أجل المسيح. فهل الأسقف أعظم من هؤلاء؟ بل قيل عن الرب بروح النبوة: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ فَادِي إِسْرَائِيلَ، قُدُّوسُهُ، لِلْمُهَانِ النَّفْسِ، لِمَكْرُوهِ الأُمَّةِ، لِعَبْدِ الْمُتَسَلِّطِينَ..» (إشعياء 49: 7). فإذا كان سيدنا العظيم ربنا يسوع المسيح أهين من العبيد، مكتوب: «فَابْتَدَأَ قَوْمٌ يَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، وَيُغَطُّونَ وَجْهَهُ وَيَلْكُمُونَهُ وَيَقُولُونَ لَهُ: تَنَبَّأْ. وَكَانَ الْخُدَّامُ يَلْطِمُونَهُ» (مرقس 14: 65). فكيف لخدام المسيح - إن كانوا حقًا خدامًا للمسيح - أن يبحثوا عن المجد العالمي الباطل؟ أو أن يقبلوا نفاق ومديح المحيطين بهم واتباعهم الذين لهم دينونة عظيمة أمام العرش العظيم الأبيض (رؤيا 20: 11)؟
نرى أيضًا:
* إن الكنائس التقليدية تؤمن وتُعلّم وتمارس عمليًا أن الأسقف يتم اختياره [من بين الرهبان (القساوسة والقمامصة المتبتلين ساكنى الاديرة).
ولكن، بماذا يُعلّمنا الكتاب؟
يقول الكتاب: «فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ..» (1تيموثاوس 3: 2). لقد داس التقليديون على كلمة «بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ». أن يكون الأسقف متزوجًا، هذا تعليم الروح القدس. ألم يقل الرب الإله عندما خلق الإنسان الأول «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (تكوين 2: 18). أما إذا رأى التقليديون أنهم أعلى مرتبة، وأسمى مقامًا، وأكثر حكمة من الروح القدس، فهذا شأنهم الذي سوف يدانون عليه أمام الديان العادل. ثم اشترط التقليديون أن يكون الأسقف من المتبتلين ساكني الأديرة.
ولنا أن نسأل: ألا يكفي أن يكون من الخدام المتبتلين الذبن يخدمون في العالم؟
أين ذُكِرَت الأديرة في الكتاب المقدس؟ وهل الرهبنة نظام إلهي؟
قد يحتج البعض أن إيليا النبي - في العهد القديم - لم يكن متزوجًا، وأن يوحنا المعمدان - في العهد الجديد - لم يكن متزوجًا، وكذلك الرسول بولس، نعم، ولكن هل أحدًا منهم أسس نظامًا رهبانيًا، وسكن الأديرة، أم أنهم كانوا يخدمون في العالم وسط الناس؟
أين ذُكِرَالنظام الرهباني في الكتاب المقدس؟ أم أنها بدعة من نتاج عقل الإنسان الفاسد، ابتدعها بوذا (560 - 480 قبل الميلاد) الذي هجر زوجته وهو لا يزال شابًا في السادسة والعشرين من عمره، منصرفاً إلى الزهد والتقشُّف والخشونة في المعيشة.
هذه هي الأصول الوثنية للرهبنة، وهي الوصول إلى حالة النرڤانا بأعمال إماتة الجسد، والنسك الشديد، فهل يجب أن ينتمي الأسقف في الكنائس التقليدية إلى هذه الجذور الوثنية؟
قد يحتج البعض أن الأنبا أنطونيوس (وُلد عام 251 للميلاد) هو مؤسس الرهبنة المسيحية في العالم. ولنا أن نسأل: مَنْ قال أن ما فعله الشاب أنطونيوس عام 269 وكان عمره 18 سنة، كان تصرفًا صحيحًا، لما هجر أخته الوحيدة، حين سمع في الكنيسة قول الرب للشاب الغني: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي» (متى 19: 21)؟ هل كان الرب يقصد أن كل من عنده أملاك يذهب يبيعها ويترهبن بعد ذلك؟ أم أن قول الرب «اذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ» كان يختص بذلك الشاب الغني لتعلق قلبه بالمال ؟ ثم قال الرب للشاب الغني: «َتَعَالَ اتْبَعْنِي»، فهل كان المسيح في الدير في الصحراء منعزلاً عن الناس حتى ينعزل أنطونيوس عن الناس؟ أم أن الرب كان يخدم بين الناس؟ لم يفهم الشاب أنطونيوس قول الرب فهمًا صحيحًا، لذلك سلك مسلكًا خاطئًا بإنعزاله عن الناس، وتمثل آخرين به، وهكذا تأسس نظام داخل المسيحية الإسمية بوحي من الشيطان، لأنه بعيد كل البعد عن أفكار ومقاصد الله الصالحة من نحو البشر.
ثم، هل من المصادفة توافق ما فعله بوذا حين هجر زوجته الشابة وهو بعمر 26 سنة، مع ما فعله أنطونيوس حين هجر أخته الوحيدة وهو بعمر 18 سنة؟ أم أن كليهما كان مدفوعًا بوحي من الشيطان؟
ولنا أن نسأل بوذا، هل من الشهامة والرجولة أن تترك زوجتك الشابة، لتهرب وراء فكرة شيطانية؟
ونفس السؤال للشاب أنطونيوس، هل من الشهامة والرجولة أن تترك أختك الوحيدة، لتهرب وراء فكرة هي من وحي الشيطان؟ أليس من الأنانية أن يفكر الإنسان في نفسه، ويهمل أهل بيته؟ ألم يقرأ أنطونيوس قول الكتاب: «وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْتَنِي بِخَاصَّتِهِ، وَلاَ سِيَّمَا أَهْلُ بَيْتِهِ، فَقَدْ أَنْكَرَ الإِيمَانَ، وَهُوَ شَرٌّ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ» (1تيموثاوس 5: 8).
أليس الذي أوحى لكليهما هو الشيطان في تأسيس نظام ضد فكر الله الذي قال: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (تكوين 2: 18).
ثم، ألم يتعهد العلماني عند ذهابه إلى الدير ليترهبن ألا ينزل إلى العالم مرة أخرى؟ (أتحدث بلغة الرهبنة كما يعتقدها التقليديون)؟
ألم تُصلى عليه صلاة الموتى، إعلانًا عن موته عن العالم؟ ألا يتمثل الراهب، بمؤسس الرهبنة أنطونيوس الذي لم تكن له أي رتبة كنسية؟
فلماذا الحنين إلى العالم، والعودة إليه بحجة الخدمة؟
أليس لسان حال الراهب: «أنا في البيداء وحدي ... ليس لي شأن بغيري».
فكيف لمن لا شأن له بغيره أن يترك وحدته وخلوته وقلايته أو مغارته، وينزل إلى العالم الذي هرب منه، ليدير أحوال الملايين من المسيحيين؟
وكيف لمن اعتاد هدوء الصحراء، أن يتحمل ضوضاء وضجيج العالم؟
يا مَنْ تركتم أديرتكم وقلاليكم، أيّا كانت رتبتكم أو وظائفكم التي تشغلونها الآن، والتي هي أساسًا مخالفة لكلمة الله، ونزلتم إلى العالم، اعلموا أنكم نقضتم العهد الذي قطعتموه على أنفسكم، فكيف لمن خانوا العهد أن يحملوا الأمانة؟ أليس بالحري بكم أن تعودوا إلى أديرتكم، وأن تذرفوا بدل الدمع دمًا لنقضكم للعهد الذي قطعتموه على أنفسكم، وتحيوا ما بقى لكم من العمر (أطال الله عمركم) في توبة، وتسمعوا لنصيحة مَنْ قال:
اغلق الباب وحاجج ... في دجى الليل يسوعا
واملأ الليل صـــلاةً ... وصراعًا ودموعــــا
أليس شعب المسيح في حاجة إلى صلواتكم وأصوامكم وتذللكم أمام الله... إن كنتم حقًا مؤمنين حقيقيين؟
أيضًا، الكنائس التقليدية تؤمن وتُعلّم أن رتبة الأسقف [هي أعلى الرتب الكهنوتية المسيحية (الاكليروس) وتليها كل من رتبة (القسيسية - قس) ورتبة (الشموسية - شماس)].
ولكن، أليست الكنيسة هي جسد المسيح؟ فهل قسّم المسيح جسده إلى مَنْ يحملون الرتب الكهنوتية (الإكليروس) و إلى مَنْ لا يحملون الرتب الكهنوتية (الشعب)؟ ثم، أين ورد هذا التعليم - في العهد الجديد - بأنه يوجد رتب كهنوتية؟ أو يوجد أكليروس وشعب؟ هل الرب علّم تلاميذه بأن هناك رتب كهنوتية، وأن الأسقفية هي أعلى هذه الرتب؟ هل الرب علّم تلاميذه بأن هناك كهنوت في العهد الجديد بمفهوم العهد القديم؟ أم أن العهد الجديد علّمنا أن جميع المؤمنين كهنة يقدمون ذبائح روحية، مكتوب: «كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1بطرس 2: 5). إلى مَنْ يوجّه الرسول حديثه؟ هل إلى رجال الكهنوت؟ أم لكل المؤمنين؟ وما هي هذه الذبائح الروحية التي يتحدث عنها الرسول بطرس؟
مكتوب: «فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ ِللهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ، وَلكِنْ لاَ تَنْسَوْا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالتَّوْزِيعَ، لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هذِهِ يُسَرُّ اللهُ» (عبرانيين 13: 15، 16).
إن مؤمني العهد الجديد كهنة لا يقدمون ذبائح روحية فقط، ولكن أيضًا يخبرون بفضائل الذي دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب، مكتوب: «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ» (1بطرس 2: 9).
إن كهنوت جميع المؤمنين الحقيقيين واضح أيضًا من سفر الرؤيا إصحاح 1: 5، 6 «وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ: الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ، وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ». ومكتوب أيضًا: «وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: مُسْتَحِقٌ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لإِلهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ» (رؤيا 5: 9، 10).
وإن كان المؤمنون في العهد الجديد كهنة يقدمون ذبائح روحية، فمن هو رئيس الكهنة؟
مكتوب: «فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِالإِقْرَارِ» (عبرانيين 4: 14، انظر أيضًا عبرانيين 5: 5، 10؛ 6: 20؛ 7: 21، 26؛ 8: 1؛ 9: 11).
أما الذين يستندون على ما جاء في الإنجيل كما دونه يوحنا إصحاح 20: 22، 23 «وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ»، حجة بأن المسيح هو مؤسس سر الكهنوت، نقول لهم إن المسيح «بنفخه» إنما أراد أن يعلن عن حقيقة ذاته لتلاميذه، وللمؤمنين في كل زمان ومكان، بأنه هو الرب الإله (יהוה אלהים يهوه إيلوهيم) الذي نفخ في آدم نسمة الحياة، مكتوب: «وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ יהוה אלהים آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً» (تكوين 2: 7). لذلك كل إنسان أيًا كان مركزه الديني ينفخ في وجه الآخرين بحجة أن لديه سلطان منح الروح القدس، وأنه يهبهم بهذه النفخة مواهب الروح القدس، إنما يرتكب حماقة وشر عظيم لأنه جعل نفسه مساويًا لله، ويكون بذلك متمثلاً بـضد المسيح «إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ، الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلهًا أَوْ مَعْبُودًا، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلهٍ، مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلهٌ» (2تسالونيكي 2: 3، 4).
فهل يقبل حضرات البابوات والأساقفة أصحاب القداسة والغبطة أن يرتكبوا هذه الحماقة والشر العظيم، أن يعملوا بروح ضد المسيح؟
أما قول الرب لتلاميذه «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ» يجب أن يُفهم ويُفسر في ضوء المكتوب أن الروح القدس لم يكن قد أعطي بعد، قال الرب: «مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ. قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ» (يوحنا 7: 38، 39). وكذلك يجب أن يُفهم ويُفسر في ضوء وصية الرب لتلاميذه أن ينتظروا موعد الآب، مكتوب: «وَفِيمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ مَعَهُمْ أَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا مَوْعِدَ الآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي، لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ، لَيْسَ بَعْدَ هذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِيرٍ» (أعمال 1: 4، 5). لذلك عندما تمجد الرب بصلبه وموته وقيامته في اليوم الثالث وصعوده إلى السماء، وجلوسه عن يمين العظمة في الأعالي أرسل الروح القدس الذي وعدّ به تلاميذه - [«وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي» (يوحنا 15: 26)، «لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ» (يوحنا 16: 7)] - وهذا الوعد تحقق في يوم الخمسين، فمكتوب: «وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا» (أعمال 2: 1-4).
إذن قول الرب لتلاميذه «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ» يعني قبول مؤقت للروح القدس لنوال قوة للشهادة والكرازة وإعلان الحق لحين الحلول الدائم والسكنى الدائمة للروح القدس فيهم في يوم الخمسين. ومن المعروف في العهد القديم أي قبل أن يتمجد المسيح أن الروح القدس كان يحلّ على بعض الأشخاص بصفة مؤقتة ثم يفارقهم «لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ»، فمكتوب: «فَحَلَّ رُوحُ اللَّهِ عَلَى شَاوُلَ ..» (1صموئيل 11: 6)، ومكتوب أيضًا: «وَذَهَبَ رُوحُ الرَّبِّ مِنْ عِنْدِ شَاوُلَ, ..» (1صموئيل 16: 14).
أما قول الرب لهم: «مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ»، يجب أن يُفهم ويُفسّر في ضوء الإعلان الإلهي أن الرب وحده هو غافر الخطايا، فمكتوب: «الرَّبُّ طَوِيلُ الرُّوحِ كَثِيرُ الإِحْسَانِ، يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَالسَّيِّئَةَ..» (سفر العدد 14: 18)، ومكتوب أيضًا: «الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ..» (مزمور 103: 3)، وأيضًا: «فَاجْتَازَ الرَّبُّ قُدَّامَهُ، وَنَادَى الرَّبُّ: الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ. حَافِظُ الإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيَّةِ..» (خروج 34: 6، 7).
من الإعلانات الإلهية السابقة نجد أن الله وحده هو غافر الخطايا، ولأن المسيح هو كلمة الله الظاهر في الجسد، لذلك قال للمفلوج: «ثِقْ يَا بُنَيَّ. مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ» (متى 9: 2)، ولما سمع الكتبة هذا القول، فكروا في قلوبهم قائلين: «لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هذَا هكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ؟» (مرقس 2: 6، 7؛ لوقا 5: 21).
إذن، قول الرب لتلاميذه: «مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ» يُفهم منه أن الرب منح التلاميذ - في كرازتهم بالإنجيل - سلطة إعلان (وليس منح) غفران الخطايا باسمه لكل من يؤمن به ربًا ومخلصًا، وسلطة إعلان الدينونة لكل مَنْ لا يؤمن به.
كما أن التلاميذ لم يفهموا قول الرب «وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ» بأنهم باتوا أصحاب سلطان الحلّ والربط [أي بيدهم أن يدخلوا مَنْ شاءوا إلى السماء، وأن يحرموا مَنْ شاءوا من دخول السماء]، وأن بيدهم غفران الخطايا، وإلا لسجل لنا الوحي الإلهي أن الرسل غفروا خطايا الناس، بل على العكس من ذلك، كانوا يعلنون أن المسيح هو غافر الخطايا وحده، والدليل على ذلك قول الرسول بطرس لرئيس الكهنة في المجمع عن الرب يسوع: «هذَا رَفَّعَهُ اللهُ بِيَمِينِهِ رَئِيسًا وَمُخَلِّصًا، لِيُعْطِيَ إِسْرَائِيلَ التَّوْبَةَ وَغُفْرَانَ الْخَطَايَا» (أعمال 5: 31). أيضًا ما جاء في حديث الرسول بطرس في بيت كرنيليوس: «لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا» (أعمال 10: 43). أيضًا قول الرسول بولس لليهود في مجمع أَنْطَاكِيَةِ بِيسِيدِيَّةَ: «فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، أَنَّهُ بِهذَا (أي بالرب يسوع) يُنَادَى لَكُمْ بِغُفْرَانِ الْخَطَايَا» (أعمال 13: 38).
إذن كل مَنْ يدّعون بأن لديهم سلطان الحلّ والربط، إنما يُجدّفون على الاسم الكريم الذي بالإيمان به وحده ينال الإنسان باسمه غفران الخطايا، مكتوب:
«كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا» (أعمال 10: 43)
الشروط الكتابية الواجب توافرها في ἐπίσκοπος الناظر، المراقب، الراعي.. إلخ.(الأسقف، حسب الترجمة البيروتية) حسب ما جاء في 1تيموثاوس 3: 2-7:
1- بلا لوم ανεπιληπτον (أنيبيليبتون) «فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ» حيث كلمة «بِلاَ لَوْمٍ» تعني لم يتورط في جريمة.. لم يُلقى القبض عليه في ذنب ارتكبه.. لم يوبخ على فعلة مُشينة.. بريء.
2- متزوج «بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ» أي لا يجمع أكثر من زوجة في وقت واحد (كان بعض الوثنيين يجمعون أكثر من زوجة قبل إيمانهم بالمسيح)، لكنه لابد وأن يكون متزوجًا تطبيقًا لقول الرب: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (تكوين 2: 18). كما أن خدمة الزيارات والافتقاد التي هي من أساسيات عمل الراعي، والتي تستوجب أن يكون متزوجًا، وأن تكون زوجته مرافقة له في تلك الزيارات، مثل الرسل وإخوة الرب وصفا، مكتوب:
«أَلَعَلَّنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ نَجُولَ بِأُخْتٍ زَوْجَةً كَبَاقِي الرُّسُلِ وَإِخْوَةِ الرَّبِّ وَصَفَا؟» (1كورنثوس 9: 5).
من العار والخزي، أن يدخل ما يُدعى بالكاهن بيوت المسيحيين للزيارة دون أن تكون زوجته معه. أيضًا، الأسقف الذي أساس عمله هو الرعاية «.. لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ» (أعمال 20: 28)، نقول له أين زوجتك في الزيارات، ودخول بيوت المسيحيين؟ أم أنك أفضل من «الرُّسُلِ وَإِخْوَةِ الرَّبِّ وَصَفَا؟» أم أنك تطيع التقليد أكثر من أقوال الله المقدسة؟ أم أنك تقبع في قصرك المُسمى مطرانية، ولا دخل لك بالرعية؟
أما من يتخذون الرسول بولس (غير المتزوج) حجة لتبرير أن يكون الراعي (الأسقف من المتبتلين ساكني الأديرة)، نقول: إن الرسول بولس لم يكن من المتبتلين ساكني الأديرة، فلم يذكر التاريخ أن الرسول بولس ترهبن لا في أديرة وادي النطرون ولا في أديرة الشام ولا في غيرها، ولم تكن أديرة المسيحية الإسمية قد نشأت أساسًا زمن الرسول بولس، ولم تكن رهبنة المسيحية الإسمية معروفة في ذلك الوقت، الرهبنة البوذية هي التي كانت منتشرة في العالم الوثني زمن الرسول بولس، الأمر الآخر، أين جاء في الكتاب أن يكون الراعي (الأسقف حسب الترجمة البيروتية) من ساكني الأديرة؟
أي ضلال يمكن أن ينجرف إليه الإنسان في الابتعاد عن كلمة الله؟
«إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ»
(إشعياء 8: 20).
3- «صَاحِيًا» νηφαλεον (نيفاليون)، غير ثمل (غير مخمور أو سكران)، يقظ.
فكيف لراعٍ (الأسقف بحسب الترجمة البيروتية) الذي هو من الرهبان ساكني الأديرة، أو حتى من المتزوجين أن يقدم مشورة وتعاليم لرعيته وهو ثمل.. مخمور.. سكران؟ أو كيف يدخل بيوت الأرامل والأيتام لافتقادهم وهو في هذه الحالة المُذرية؟
4- «عَاقِلاً» أي أن قواه العقلية سليمة، يتحكم في نفسه، غير متسرع (سواء في إبداء الرأي أو في المشاعر)، رصين. أي ليس أقل كلمة تبكيه، أو أي تفاهة تضحكه.
5- «مُحْتَشِمًا» في مظهره وسلوكه.
6- «مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ»، يرحب بالغرباء، ويقدم لهم كرم الضيافة. وليس مثل ديوتريفوس (رسالة يوحنا الثالثة عدد 10).
7- «صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ» أي قادر على تعليم الآخرين.
8- «غَيْرَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ» μὴ πάροινον (مى باروينون) = ليس سكّيرًا.
9- «وَلاَ ضَرَّابٍ» μὴ πλήκτην (مي بليكتين) = غير مولع بالقتال.
10- «وَلاَ طَامِعٍ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ» μὴ αίσχροκερδῆ (مى إيسخروكيردي) = غير طامع في الربح الفاحش.
11- «بَلْ حَلِيماً» επιεικη (إيبيكي) = لطيف، وديع، هادئ.
12- «غَيْرَ مُخَاصِمٍ» αμαχον (أماخون) = غير مشاجر.
13- «وَلاَ مُحِبٍّ لِلْمَالِ» αφιλαργυρον (أفيلارجيرون) = لا يشتهي الربح الفاحش. ويبدو من هذا الشرط، وكذلك شرط ألا يكون طامعًا بالربح القبيح، أن الشخص الذي يقوم بعمل المناظرة أو الرعاية (الأسقف بحسب الترجمة البيروتية) لابد وأن يكون لديه عمل زمني يرتزق منه (وظيفة أو تجارة..إلخ. وليس عاطلاً، أو فاشلاً، متخذًا من التفرغ للخدمة تكأة للإرتزاق) حسب المكتوب: «أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلاَ يَأْكُلْ أَيْضًا» (2تسالونيكي 3: 10)، وفي عمله ألا يكون محبًا للمال، فمكتوب: «لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ» (1تيموثاوس 6: 10)، وفي عمله أيضًا لا يشتهي الربح الفاحش، مكتوب: «وَأَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ، تُغَرِّقُ النَّاسَ فِي الْعَطَبِ وَالْهَلاَكِ» (1تيموثاوس 6: 9). وكان الرسول بولس نفسه مثالاً للذين يعملون ويخدمون، لذلك استطاع أن يضع أمام شيوخ كنيسة أفسس (قسوس، أساقفة حسب الترجمة البيروتية) حياته وخدمته كمثال، قال لهم: «فِضَّةَ أَوْ ذَهَبَ أَوْ لِبَاسَ أَحَدٍ لَمْ أَشْتَهِ، أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حَاجَاتِي وَحَاجَاتِ الَّذِينَ مَعِي خَدَمَتْهَا هَاتَانِ الْيَدَانِ» (أعمال 20: 33، 34). رغم مشغوليات الرسول الكثيرة في الخدمة «الاهْتِمَامُ بِجَمِيعِ الْكَنَائِسِ» (2كورنثوس 11: 28)، إلا أنه كان يعمل في صناعة الخيام (أعمال 18: 3)، وكان يتعب في عمله «وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا» (1كورنثوس 4: 12)، ليسد احتياجاته واحتياجات الذين معه، وليس ذلك فقط بل أيضًا ليعضد الضعفاء «فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ وَتَعْضُدُونَ الضُّعَفَاءَ، مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ: مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أعمال 20: 35). لم يكن الرسول بولس متفرغًا للخدمة حسب ما يجرى في المسيحية الإسمية، حيث اتخذّ البعض من التفرغ للخدمة وسيلة لأكل العيش (سبوبة) ، وليس ذلك فقط بل للغنى الفاحش.
14- «يُدَبِّرُ بَيْتَهُ حَسَناً» = يدبر بيته بأمانة وصدق.
15- «لَهُ أَوْلاَدٌ (أو بنات) فِي الْخُضُوعِ بِكُلِّ وَقَارٍ». يجب أن يكون قد أحسن تربية أولاده وبناته. مما يدل على أنه شخص كبير في السن (شيخ)، كما أنه ليس من المتبتلين ساكني الأديرة كما يشترط التقليديون.
والروح القدس يضع أمامنا حقيقة هامة: «وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْرِفُ أَنْ يُدَبِّرَ بَيْتَهُ، فَكَيْفَ يَعْتَنِي بِكَنِيسَةِ اللهِ؟» لم يقل الروح القدس إن كان أحد لا يعرف أن يدبر قلايته أو مغارته، بل قال: «بيته» أي يجب أن تكون له زوجة وأولاد، وأن يحسن تدبير بيته، وإلا كيف يعتني بكنيسة الله؟
16- «غَيْرَ حَدِيثِ الإِيمَانِ لِئَلاَّ يَتَصَلَّفَ فَيَسْقُطَ فِي دَيْنُونَةِ إِبْلِيسَ». بكل أسف وحزن شديد نجد بعض حديثي الإيمان يتجرأون على الخدمة والرعاية (بدافع من ذواتهم، أو يدفعهم الجهلاء من المسئولين عن الخدمة إلى ذلك)، فيدخل الكبرياء والتصلف إلى قلوبهم، الأمر الذي أسقط إبليس من مركزه، وطرده من محضر الله.
17- «وَيَجِبُ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ حَسَنَةٌ مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، لِئَلاَّ يَسْقُطَ فِي تَعْيِيرٍ وَفَخِّ إِبْلِيسَ». يجب أن تكون سيرته حسنة ويشهد بذلك جيرانه والمتعاملين معه، سواء من داخل دائرة المسيحية أو من خارجها. لأنه إذا لم تكن أفعاله مطابقة لأقواله وتعاليمه، فذلك يوقعه في فخ إبليس حيث يتعرض إلى الهزء والعار، فكيف لمن يحيا في النجاسة أن يدعو الناس إلى حياة القداسة، وكيف لمن ينعم نفسه بملذات وأطايب العالم، أن يقول للآخرين: «لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم..» (1يوحنا 2: 15).
من الملاحظ أنه بمجرد أن ينتهي الوحي من ذِكر الشروط الواجب توافرها في النّاظر، أو المراقب..إلخ. (الأسقف حسب الترجمة البيروتية) يتحدث عن الشروط الواجب توافرها في الخُدّام [«الشَّمَامِسَةُ» (حسب الترجمة البيروتية)] (عدد 8)، دون ذكر للقسوس والقمامصة وباقي الرتب الكهنوتية التي تنادي بها الكنيسة الإسمية. مما يدل على أن الشيوخ (القسوس) هم ذاتهم النظّار (الأساقفة) عكس ما يُعلم به النظام البابوي الكهنوتي.
أسئلة عن الفصل العاشر
1- أين ورد في تعاليم المسيح أو في تعاليم رسله الكرام، أن هناك رتبًا كهنوتية؟
2- ما هي ترجمة كلمة أسقف؟
3- اذكر من العهد القديم وظيفة الأسقف؟
4- إن وظيفة الأسقف في العهد القديم تشكل حقيقة صادمة للتقليديين، لماذا؟
5- كيف أربكت الترجمة البيروتية القارئ والباحث، بعدم ترجمة كلمة أساقفة، وقسوس، وشمامسة؟
6- في رسالة فيلبي أرسل بولس الرسول السلام إلى الأساقفة والشمامسة، لماذا لم يذكر القسوس؟
7- علل وجود عدد من الأساقفة والشمامسة في كنيسة فيلبي الناشئة حديثًا؟
8- إن قول الرسول بولس «إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ، فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحًا» يمثل تحديًا للكنائس التقليدية، لماذا؟
9- لماذا أوجب الكتاب أن تكون للأسقف زوجة واحدة؟
10- ما مدى انحراف الكنائس التقليدية في مفهومها عن الأسقف؟
11- هل ذُكرالنظام الرهباني في الكتاب المقدس؟
12- ما أوجه الشبه بين الشاب «بوذا» (560-480 قبل الميلاد)، والشاب أنطونيوس (ولد عام 251 للميلاد)؟
13- هل يفهم من قول الرب للشاب الغني «اذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ»، أن كل شخص لديه أملاك يذهب يبيعها، ويرحل بعد ذلك إلى الصحراء؟
14- هل الرهبان الذين نزلوا إلى العالم ورُسموا أساقفة، احترموا تعهداتهم الرهبانية؟
15- هل إنسان خان العهد يمكن أن يحمل الأمانة؟
16- ما رأيك في الأشخاص وأيضًا من يُدعون بالكهنة وهم يسجدون إلى الأرض أمام ما يُسمى بالأسقف، أو ما يُسمى بالبابا؟ هل روح الإنجيل تتوافق مع هذا السلوك المذري المُشين سواء من الذين قاموا بالسجود، أو من الذي قبل هذا السجود؟
17- اذكر ثلاثة أسباب يتعارض فيها النظام البابوي مع تعاليم المسيح وتعاليم رسله الكرام؟
18- اذكر ثلاثة صفات اغتصب فيها النظام البابوي صفات المسيح له المجد؟
19- اذكر ثلاثة وظاشف اغتصب فيها النظام البابوي وظائف الرب يسوع المسيح له المجد؟
20- فسّر كيف أن خضوعك للنظام البابوي فيه إهانة لشخص الرب، ودوس على تعاليمه المقدسة؟
الأسقف، مَنْ هو؟
رأينا في الفصل الخامس أن الكثير من المعتقدات والتعاليم والأنظمة الكنسية الفاسدة دخلت إلى المسيحية في وقت مبكر، ومن ضمنها أن هناك فرقًا بين المدعوين أساقفة والذين لُقبوا فيما بعد - في العصور المظلمة التي سادت المسيحية - بالبطاركة والبابوات، حيث خُلعت عليهم ألقاب القداسة والغبطة والسيادة، من المنافقين المحيطين بهم، وبين المدعوين قسوس (أو قمامصة).. المساكين.. الخاضعين.. الطائعين.. الخانعين.. لأسيادهم الأساقفة أو البطاركة أو البابوات، وبين الشيوخ الذين لا ذكر لهم في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، والتي ربما أشارت إليهم بمصطلح آخر وهو «الأراخنة».
ومن ثمّ جاءت الترجمة البيروتية (المعروفة بترجمة ڤـان دايك) والمنتشرة بين أيدينا متمشية أو متأثرة بهذه التفرقة الجائرة، والمبنية على غير أساس كتابي، فارتكب مترجموها - رغم ما بذلوه من جهد مشكور - خطأً فادحًا في عدم ترجمة الكلمة اليونانية ἐπίσκοπος (إيبيسكوبوس) في 1تيموثاوس 3: 1، 2؛ تيطس 1: 7؛ 1بطرس 2: 25 واكتفوا باشتقاق حروفها transliteration من اليونانية إلى العربية ونقلوها «أسقف، أساقفة، أسقفها»، والتي تتمشى أيضًا مع الترجمة السريانية البسيطة والمعروفة بـ (البشيطا) حيث أن المرادف لـكلمة ἐπίσκοπος اليونانية هي كلمة ܐܦܣܩܘܦܐ (أَفِسْقُوفُو) السريانية، وكذلك عدم ترجمة كلمة πρεσβυτέρος (بريسبوتيروس) في أعمال 14: 23؛ 20: 17، واكتفوا باشتقاق حروفها من الترجمة السريانية ܩܫܝܫܐ (قشيشا) ونقلوها «قسوس»، وكذلك عدم ترجمة كلمة διακόνος (دياكونوس) في فيلبي 1: 1؛ 1تيموثاوس 3: 8، 12واكتفوا باشتقاق حروفها من الترجمة السريانية ܡܫܡܫܢܐ (مشمشنا) ونقلوها «شمامسة»، وهي قريبة من كلمة «شماس» في الترجمة القبطية «refsemsi» (ريفشمشي) والتي تعني «خادم»، والفعـل semsi (شمشي) بمعنى يخـدم to serve.
وهكذا تحدثت الترجمة البيروتية عن الأساقفة في أعمال 20: 28؛ فيلبي 1: 1؛ 1تيموثاوس 3: 2؛ تيطس 1: 7؛ 1بطرس 2: 25، وكأنهم بخلاف القسوس الوارد ذكرهم في أعمال 14: 23؛ 20: 17، وبخلاف الشيوخ الوارد ذكرهم في تيطس 1: 5، مما يوحي للقارئ أو الدارس للعهد الجديد أن لكل منهم رتبة كنسية تختلف عن الآخر، رغم أن نفس الترجمة تتحدث عن شخص واحد تحت كل هذه المُسميّات، ونستدل على هذا من سفر الأعمال إصحاح 20 حيث نجد في عدد 17 تتحدث الترجمة عن «قُسُوسَ الْكَنِيسَةِ»، و في عدد 28 تتحدث أن هؤلاء القسوس هم «أساقفة»، أيضًا بالرجوع إلى تيطس الإصحاح الأول في عدد 5 نجدها تتحدث عن الشيوخ πρεσβυτέρος، وفي عدد 7 نجد أن هؤلاء الشيوخ هم ذاتهم الأساقفة ἐπίσκοπος. فالأسقف هو ذاته القسيس هو ذاته الشيخ.
وهكذا أوقعت الترجمة البيروتية القارئ والدارس للعهد الجديد في حيرة وارتباك وتشويش هل الأساقفة بخلاف القسوس بخلاف الشيوخ أم هم شخص واحد؟
كان يمكن تلافي هذا التشويش لو تم ترجمة كلمة ἐπίσκοπος، وكلمة πρεσβυτέρος، وكلمة διακόνος في المواضع المشار إليها سابقًا إلى اللغة العربية.
ومترجمو البيروتية بعدم ترجمتهم الكلمات المشار إليها، أثاروا مشكلة أخرى في ترجمة فيلبي 1: 1 حيث تتحدث الترجمة عن أَسَاقِفَةٍ وَشَمَامِسَةٍ، مكتوب: «بُولُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِينَ فِي فِيلِبِّي، مَعَ أَسَاقِفَةٍ وَشَمَامِسَةٍ». ولنا أن نسأل:
لماذا لم يرسل الرسول بولس السلام إلى القسوس والقمامصة في كنيسة فيلبي واكتفى بإرسال السلام إلى الأساقفة والشمامسة طالما كان هناك تمييز في الرتب بين الأساقفة والقسوس أو القمامصة والشمامسة بحسب المعتقدات التقليدية؟
هل أغفل الرسول بولس ذِكر القسوس في كنيسة فيلبي؟ أم أن الأساقفة طردوا القسوس من الكنيسة؟ أم أن القسوس هربوا من قسوة الأساقفة؟ أم أن كنيسة فيلبي لم يكن بها قسوس؟
وكيف يكون في كنيسة بادئة هذا العدد من الأساقفة؟
أليس من المفروض - بحسب الكنائس التقليدية - أن يترأس الأسقف عدد من الكنائس؟ أم أن التقليديين داسو على كلمة الله، وأبطلوها؟
إن وجود هذا العدد من الأساقفة في كنيسة واحدة بادئة، يتعارض كلية مع تعاليم الكنائس التقليدية التي قسمت الرتب الكهنوتية - بحسب اعتقادها - إلى أساقفة وقسوس وشمامسة، وطبقًا لذلك من المستحيل أن توجد كنيسة بها هذا العدد من الأساقفة والشمامسة ولا يوجد بها قسوس.
كان يمكن أن يُحل لغز عدم إرسال الرسول بولس سلامه إلى قسوس كنيسة فيلبي لو تم ترجمة عبارة «مَعَ أَسَاقِفَةٍ وَشَمَامِسَةٍ» إلى اللغة العربية «مع رعاة وخدام».
وعلى العكس من الترجمة البيروتية نجد أن مترجمو «البشيطا» كانوا مدركين أن الـ ἐπισκόπος هو ذاته الـ πρεσβυτέρος، لذلك لم يجدو مشكلة في ترجمت ἐπισκόπος بـ ܩܫܝܫܐ (قشيشا = قسوس) في فيلبي 1: 1 «ܥܡ ܩܫܝܫܐ ܘܡܫܡܫܢܐ» [عم (مع) قشيشا (قسوس) ومشمشنا (وشمامسة)]، أي مع الشيوخ والخدام، أما الترجمة الدقيقة للنص اليوناني باللغة العربية هي: «مع الرعاة والخدام» والتي تجيب على التساؤل المطروح: أين القسوس، والذي أثارته الترجمة البيروتية، حيث أن الترجمة العربية للنص اليوناني، تهدم التسلسل الكهنوتي الذي اخترعته الكنائس التقليدية.
مرة أخرى نقول إن الترجمة البيروتية أحدثت بلبلة في أذهان الكثيرين؛ لأنها تارة تُميّز بين الأساقفة والقسوس والشيوخ في بعض المواضع، وتارة أخرى تجمعهم في شخص واحد في مواضع أخرى، وتارة ثالثة تتحدث عن أساقفة وشمامسة في كنيسة واحدة دون ذِكر للقسوس.
لذلك على كل مستخدم للترجمة البيروتية الـ (ڤـان دايك) أن يعي ويدرك:
أن كلمة «أساقفة» مشتقة من الكلمة اليونانية «ἐπισκόπος» (إيبيسكوبوس) وليست ترجمة لها، وأن كلمة «قسوس» كلمة سريانية وليست ترجمة لكلمة πρεσβυτερος (بريسبوتيروس) اليونانية، وأن كلمة «شمامسة» كلمة سريانية وليست ترجمة لكلمة διακόνος (دياكونوس) اليونانية.
ومن ثمّ رأيت أنه من الأمانة العلمية البحث عن الاستخدامات المتعددة لهذه الكلمات في الكتاب المقدس في أصوله العبرية للعهد القديم، واليونانية للعهد الجديد، مع الرجوع إلى الترجمة السبعينية للعهد القديم وهي ترجمة مرجعية لدي الكنائس التقليدية - رغم تحفظي على بعض ما جاء بها من كتابات - لنكشف بوضوح وجلاء المعنى الصحيح لهذه المُسمّيات وأنها ليست لرتب كنسية، كما يعتقد التقليديون.
1- الـ ἐπίσκοπος في العهد القديم:
أولاً، إن كلمة ἐπίσκοπος تتكون من مقطعين ἐπί (إيبي) وتعني فوق over و σκοπο (سكوبو) وتعني ينظر أو يراقب to look or watch.
إي أن كلمة ἐπίσκοπος تعني: النَّاظر، أو المراقب.
ويقابلها في الترجمة القبطية كلمة epickopoc (إيبيسكوبس) وتعني: المراقب، النَّاظر، المشرف، الحارس..
ثانيًا، المرادف لها في النص العبري للعهد القديم كلمة פקדת (بيكودات) وتعني الشخص الذي يقوم بعمل المراقبة، الإشراف، الافتقاد، الزيارات، الرعاية.
فمن الواضح والجلي من المعاني السابقة للكلمة اليونانية والمرادف لها في العبرية أن الـ ἐπίσκοπος أو פקדת هو شخص يقوم بعمل النِظارة، أو المراقبة، أو الإشراف، أو الافتقاد، أو الزيارات، أو الرعاية، أو الحراسة، وأن هذا الشخص لايحمل أي رتبة كنسية، كما يظن التقليديون، مما يُبطل الادعاء بأن الأسقفية هي رتبة كنسية.
فإذا رجعنا إلى الترجمة السبعينية نجد أن:
كلمة ἐπίσκοπος (إيبيسكوبوس) وردت 5 مرات [على وجه التحديد دون تصريفاتها الأخرى] (انظر سفر العدد 4: 16؛ قضاة 9: 28؛ نحميا 11: 9، 14، 22).
فمثلاً في سفر العدد 4: 16 نجد أن أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ كان أسقفًا وقام بعمل الأسقفية،
وفي قضاة 9: 28 نجد أن زَبُول كان أسقفًا،
وفي نحميا 11 عدد 9 نجد أن يُوئِيلُ بْنُ زِكْرِي كان أسقفًا،
وعدد 14 نجد أن زَبْدِيئِيلُ بْنُ هَجْدُولِيمَ كان أسقفًا،
وعدد 22 نجد أن عُزِّي بْنُ بَانِيَ بْنِ حَشَبْيَا بْنِ مَتَّنْيَا بْنِ مِيخَا كان أسقفًا.
كل هؤلاء كانوا أساقفة بحسب النص اليوناني للترجمة السبعينية، والأصل العبري للعهد القديم.
فهل كل هؤلاء كانت لهم أبرشيات وكاتدرائيات بها كراسي خاصة بهم تليق بمقامهم الرفيع، وتحت رئاستهم جمهور من القسوس والشمامسة، يستقبلونهم بالألحان.. ويخضع لهم شعب يأتمر بأمرهم، ولا يستطيع أن يتحرك قيد أنملة إلا بمشورتهم؟
لا شك أن حقيقة وجود أشخاص في العهد القديم أساقفة ويقومون بعمل الأسقفية، هي حقيقة صادمة للتقليديين الذين لديهم معتقدات وتصوّرات خاصة عن الأسقف.
ومما ساعد على جهل الكثيرين بهذه الحقيقة أن مترجمو الـ «ڤـان دايك» قاموا بترجمة كلمة פקדת المرادفة لكلمة ἐπίσκοπος في النصوص التي وردت بها في العهد القديم بمفردات بعيدة كل البعد عن المعنى الحقيقي لها، فمثلاً في سفر العدد 4: 16 قاموا بترجمتها بكلمة «وكالة»:
«وَوِكَالَةُ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ هِيَ زَيْتُ الضَّوْءِ وَالْبَخُورُ الْعَطِرُ وَالتَّقْدِمَةُ الدَّائِمَةُ وَدُهْنُ الْمَسْحَةِ، وَوِكَالَةُ كُلِّ الْمَسْكَنِ وَكُلِّ مَا فِيهِ بِالْقُدْسِ وَأَمْتِعَتِهِ»، رغم أن كلمة «وكيل ووكالة» ليست دقيقة لأنها ليست ضمن معاني الكلمة العبرية פקדת وليست ضمن معاني الكلمة اليونانية المرادفة لها ἐπίσκοπος، لأن كلمة وكيل في اليونانية هي οικονομος (إيكونوموس) (انظر لوقا 12: 42)، والترجمة الدقيقة للنص السابق هي:
«ويكون أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ هو المشرف على زَيْتُ الضَّوْءِ وَالْبَخُورُ الْعَطِرُ وَالتَّقْدِمَةُ الدَّائِمَةُ وَدُهْنُ الْمَسْحَةِ، وكذلك حراسة كُلِّ الْمَسْكَنِ وَكُلِّ مَا فِيهِ بِالْقُدْسِ وَأَمْتِعَتِهِ».
إن عدم قيام مترجمو الـ «ڤـان دايك» بترجمة كلمة ἐπίσκοπος في المواضع المشار إليها سابقًا في العهد الجديد يثير الكثير من علامات الاستفهام؟
فمن المفروض أن أي ترجمة للكتاب المقدس بأي لغة من لغات العالم، تقدم لنا ترجمة للنص الموحى به، بحيادية تامة، دون أن تتأثر بطائفية المترجمين، ولا تخدم طائفة بعينها، أو معتقد معين.
لذلك نجد ترجمة KJV , NAB (على سبيل المثال) ترجمت كلمة أسقف ἐπίσκοπος بـ overseer (المراقب - المُناظر - المشرف) وعلى العكس من ذلك نجد ترجمة ASV (على سبيل المثال) لم تترجم كلمة أسقف واكتفت باشتقاقها من اليونانية بـ bishop وقصدت من هذه الأمثلة أن أوضح، للدارس والباحث، أن ليس كل مترجمو الترجمات الأجنبية، قاموا بترجمة كلمة ἐπίσκοπος.
2- الـ ἐπίσκοπος في العهد الجديد:
وردت كلمة ἐπίσκοπος 5 مرات في العهد الجديد (انظر أعمال 20: 28؛ فيلبي 1: 1؛ تيطس 1: 7؛ 1تيموثاوس 3: 2؛ 1بطرس 2: 25).
ومن العجيب أن الترجمة البيروتية لم تترجم أيضًا كلمة «أسقف» التي وردت في 1بطرس 2: 25 «لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ الآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَأُسْقُفِهَا».
فالقارئ للترجمة البيروتية يقع في حيرة وتشويش، كيف يكون المسيح أسقفًا؟ وسبب الحيرة والتشويش أن لدى العامة من التقليديين تصور خاص عن الأسقف، كما سبقت الإشارة، وعن وظيفته، وملابسه، وعمامته، وأبرشيته..إلخ.
ثم السؤال المطروح للتقليديين أيهما أكبر منزلة، الأسقف، أم البابا؟
سؤال يبدو بديهي، لأنه من المعروف أن البابا هو رئيس الأساقفة.
فإذا كان المسيح قام بعمل الأسقف، ألا يكون البابا الذي هو رئيس الأساقفة، أعلى مركزًا وسموًا من المسيح ذاته؟ يا للحسرة.
إذن، بسبب التقليد والتعاليم الموروثة، يُهان شخص المسيح، ويُرذل، ويُرفض، ويُطرد من المسيحية الإسمية، وهذا ما عبّر عنه الرب في رؤيا 3: 20 «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ..» (رؤيا 3: 20).
أما الترجمة اليسوعية رغم التحفظ على الكثير مما ورد بها، إلا أنها ترجمت هذا العدد هكذا: «فَقَدْ كُنْتُمْ ضَالِّينَ كَخِرَافٍ ضَائِعَةٍ، وَلَكِنَّكُمْ قَدْ رَجَعْتُمُ الآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَحَارِسِهَا!».
لقد ترجمت كلمة «أُسْقُفِهَا» بـ «حارسها» التي هي إحدى المعاني لكلمة epickopoc (إيبيسكوبس) القبطية كما سبقت الإشارة.
فالرب له المجد هو راعي نفوسنا وهو حارسها. مكتوب: «أَنَا الرَّبُّ حَارِسُهَا..» (إشعياء 27: 3).
ومن الاستخدامات المتعددة لكلمة פקדת العبرية والتي يقابلها كلمة ἐπίσκοπος اليونانية، سواء في النص العبري للعهد القديم أو في ترجمته اليونانية والمعروفة بالترجمة السبعينية، وكذلك في الأصل اليوناني للعهد الجديد، كان من المفروض ترجمتها بكلمة «النَّاظر»، أو «المراقب»، أو «الحارس» أو «الراعي» [الذي يقوم بالزيارة أو الافتقاد، أو الرعاية، الأمرالذي يتمشى مع قول الرسول بولس لشيوخ (أساقفة) كنيسة أفسس «لِتَرْعُوا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ» (أعمال 20: 28)].
لذلك نجد النص الوارد في 1تيموثاوس 3: 1، 2 جاء في ترجمة الحياة هكذا: «مَا أَصْدَقَ الْقَوْلَ إِنَّ مَنْ يَرْغَبُ فِي الرِّعَايَةِ فَإِنَّمَا يَتُوقُ إِلَى عَمَلٍ صَالِحٍ. إِذَنْ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الرَّاعِي بِلاَ عَيْبٍ...» وهي ترجمة أقرب إلى الأصل اليوناني، حيث تم ترجمة كلمة ἐπίσκοπος بالراعي وأن عمله هو الرعاية، وهذا أحد معاني كلمة ἐπίσκοπος.
ومن المفاجئ للتقليديين، أن كلمة الأسقفية επισκοπης (إيبسكوبيس) الواردة في عبارة: «إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ (επισκοπης) فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحاً» (1تيموثاوس 3: 1 الترجمة البيروتية)، وردت في العهد الجديد مرتين، مرة في لوقا 19: 44؛ والأخرى في 1بطرس 2: 12 وتُرجمت (في الترجمة البيروتية) بكلمة «الافتقاد» المرادفة لكلمة «الأُسْقُفِيَّةَ».
وإذا بحثنا عن معنى كلمة επισκοπης فإنها تعني التفتيش لأجل الإغاثة وتقديم المعونة والنجدة للإنقاذ من خطر. لذلك عندما قال الكتاب: «إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ (الرعاية) επισκοπης فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحاً». ذلك لأن επισκοπης تعنى التفتيش عن النفوس البعيدة عن الله وافتقادها بغرض إنقاذها من المصير الأبدي الذي ينتظر إبليس وجنوده واتباعه من البشر - جهنم البحيرة المتقدة بالنار والكبريت - وتقديم المعونة الروحية من كلمة الله التي هي روح وحياة، وتسديد الأعواز المادية أيضًا. هذه هي الرعاية الحقيقية، وهذا هو عمل الراعي المُقام من الله وليس من الناس.
وبالعودة إلى عبارة «إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ»، نجد أن كلمة «ابتغي» في الأصل اليوناني هي επιθυμει (إيبيثومي) وتعني: رغبة قوية، توق شديد. وتُرجمت في غلاطية 5: 17 بـ «يَشْتَهِي» «لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ»، هذه الرغبة القوية والتوق الشديد للتفتيش عن النفوس يقول عنها الكتاب: «يَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحًا». فإذا كانت الأسقفية رئاسة وتسلط وسيادة كما يفهما ويمارسها التقليديون، لما قال الكتاب: «يَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحًا»، لأن الرئاسة والتسلط والسيادة ضد تعاليم الرب (متى 20: 25؛ مرقس 10: 42).
ولأن επισκοπης «الأسقفية» في الكنائس التقليدية هي رئاسة وتسلط وسيادة..إلخ. لذلك لايمكن أن يعلن شخص عن رغبته الشديدة في هذه الخدمة (επισκοπης)، وإلا اتهم بالكبرياء، ويتم وأد رغبته فورًا، بل وربما يُعزل من الخدمة إذا كان خادمًا في الكنيسة، أو يُطرد من الدير إذا كان راهبًا، ويُشلح من الكهنوت إذا كان كاهنًا، لأن الكنائس التقليدية فهمت الأسقفية أنها مركز رئاسي .. تسلطي.. سيادي.. وغاب عن بصرها المعصوب بالتقاليد تلك المعاني العظيمة لكلمة επισκοπης.
إن قول الكتاب: «إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ (επισκοπης) فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحاً»، يتحدى الكنائس التقليدية كافة أن يطبقوه عمليُا، أو أن يُفسروا هذا النص الكتابي لتابعيهم. ذلك لأنه لا يجرؤ شخص أيّ مَنْ كان، أن يبدي رغبته في شغل هذه الوظيفة، أو نوال هذه الرتبة الكهنوتية كما يعتقد التقليديون، بل على العكس لو عُرضت الأسقفية على راهب، لابد وأن يُبدي تمنّعه في البداية، حتى ولو كان يتحرق شوقًا لنوالها.
وكما سبق القول إننا نضع علامة استفهام كبيرة، لماذا أصرّ الذين قاموا بالترجمة البيروتية، على عدم ترجمة كلمة ἐπίσκοπος، واكتفوا باشتقاقها سواء من النص اليوناني أو من الترجمة السريانية؟!
كان ينبغي ترجمة كلمة «أسقف» في الآيات التي لم تترجم فيها في العهد الجديد، هكذا:
أعمال 20: 28 اِحْتَرِزُوا اِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا حرّاسًا، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ.
فيلبي 1: 1 بُولُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِينَ فِي فِيلِبِّي، مَعَ الرعاة والخدّام.
1تيموثاوس 3: 1، 2 صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ: إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الرعاية، فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحًا. فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الراعي بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، صَاحِيًا، عَاقِلاً، مُحْتَشِمًا، مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ.
تيطس 1: 7 لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الراعي بِلاَ لَوْمٍ كَوَكِيلِ اللهِ.
1بطرس 2: 25 لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ الآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وحارسها.
هذا هو الأسقف بحسب الكتاب، وهذه هي الأسقفية كما جاءت في كلمة الله، لكن مَنْ هو الأسقف الذي ابتدعته الكنائس التقليدية؟
هذا هو النص الذي أوردته ويكيبيديا الموسوعة الحرةعن مَنْ هو الأسقف، وما هي رتبته:
[من هو الأسقف
هو الاب المسئول عن عدد من الكنائس داخل إقليم معين ويترأس القسوس والقمامصة القائمين على تلك الكنائس، ويتخذ الاسقف عادة الكنيسة الكبرى في الإقليم مقرا له وتعرف في هذه الحالة بال(كاتدرائية) و يوضع في جميع الكنائس كرسى خاص بالأسقف تقديرا لقامته الدينية، ولأهمية تلك الرتبة الدينية فإنه يتم اختيار الاسقف من بين الرهبان (القساوسة والقمامصة المتبتلين ساكنى الاديرة).
رتبة الأسقف
هي أعلى الرتب الكهنوتية المسيحية (الاكليروس) وتليها كلا من رتبة (القسيسية - قس) ورتبة (الشموسية - شماس)، ولكل اسقف نطاق لخدمته وتسمى المناطق الواقعة ضمن نطاق خدمة الاسقف بالأبرشية وتعني (ولاية أو مقاطعة)، وتنقسم الرتبة نفسها إلى ثلاث درجات مرتبة حسب حجم ونطاق خدمته والذي يعرف كالتالى :
1. الاسقف :رئيس قساوسسة وقمامصة الكنائس الواقعة داخل أبرشية جديدة أو صغيرة (مدن صغيرة وقرى).
2. المطران: هو اسقف كبير وذو أقدمية ويكون عادة اسقفا على الأبرشية المهمة (من حيث الحجم، أو التاريخ، أو كلاهما) وفي هذه الحالة يطلق على أبرشيته «مطرانية»، وكلمة مطران مشتقة من الكلمة اليونانية (متروبوليتيس)و التي تتكون من مقطعين (مترو:الام - بوليتيس: مدينة) فيكون معناها (صاحب المدينة الام أو الكبيرة).
3. البطريرك أو البابا: رئيس جميع المطارنة والاساقفة وصاحب أعلى درجة كهنوتية بالكنيسة، وكلمة بطريرك مشتقة من الكلمة اليونانية (باترى ارش) والتي تتكون من مقطعين (باترى: اب - ارش: رياسة) فيكون معناها كبير أو رئيس الاباء]. (انتهى الاقتباس).
من النص المُقتبس نرى:
* إن الكنائس التقليدية تؤمن وتُعلّم وتمارس عمليًا أن الأسقف «هو الأب المسئول عن عدد من الكنائس داخل إقليم معين».
ولكن، بماذا يُعلّمنا الكتاب؟
يُعلّمنا الكتاب أنه في كنيسة محلية ناشئة حديثًا، كان هناك أساقفة وشمامسة، مكتوب: «بُولُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِينَ فِي فِيلِبِّي، مَعَ أَسَاقِفَةٍ وَشَمَامِسَةٍ» (فيلبي 1: 1) (الترجمة البيروتية).
نرى أيضًا:
* إن الكنائس التقليدية تؤمن وتُعلّم وتمارس عمليًا أن الأسقف [يترأس القسوس والقمامصة القائمين على تلك الكنائس].
ولنا أن نسأل مرة أخرى: أين القسوس والقمامصة في كنيسة فيلبي؟
لماذا اقتصر سلام الرسول بولس على الأساقفة والشمامسة دون ذِكر للقسوس والقمامصة؟
رأينا أن الكتاب يُعلّمنا أن الأسقف (الناظر، المراقب، الراعي..إلخ) هو القسيس (الشيخ أي الرجل المتقدم في العمر والخبرة الروحية) وذلك من سفر أعمال الرسل إصحاح 20 بمقارنة عدد 17 [الذي يتحدث عن القسوس (الشيوخ) «وَمِنْ مِيلِيتُسَ أَرْسَلَ إِلَى أَفَسُسَ وَاسْتَدْعَى قُسُوسَ الْكَنِيسَةِ»] مع عدد 28 الذي يدعو هؤلاء القسوس بالأساقفة (النظّار، الرعاة...إلخ) «اِحْتَرِزُوا اِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً..». أما رتبة القمامصة فهي رتبة ابتدعها التقليديون، مثلما ابتدعوا أمورًا كثيرة من تعاليم وطقوس..إلخ. لم ترد في كلمة الله.
نرى أيضًا:
* إن الكنائس التقليدية تؤمن وتُعلّم وتمارس عمليًا أن الأسقف [يتخذ .. عادة الكنيسة الكبرى في الإقليم مقرا له وتعرف في هذه الحالة بال(كاتدرائية) و يوضع في جميع الكنائس كرسى خاص بالأسقف تقديرا لقامته الدينية].
ولكن، بماذا يُعلّمنا الكتاب؟
قال الرب لتلاميذه: :«اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مرقس 16: 15). لم يقل الرب لتلاميذه اقيموا كاتدرائيات مقرًا لكم، بل اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها.
أيضًا قال الرب لتلاميذه: «اِذْهَبُوا! هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ مِثْلَ حُمْلاَنٍ بَيْنَ ذِئَابٍ» (لوقا 10: 3). فكيف يهنأ بال الحملان بالجلوس على كراسي والذئاب تحيط بهم من كل جهة. أم أن الذئاب الخاطفة - التي تحدث عنها الرسول بولس في أعمال 20: 29 «لأَنِّي أَعْلَمُ هذَا: أَنَّهُ بَعْدَ ذِهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لاَ تُشْفِقُ عَلَى الرَّعِيَّةِ» - قد لبست ثياب الحملان وجلست على كراسي الأسقفية؟ وأين التعليم بأن للأسقف قامة دينية؟ هل هو إناء للوحي؟ أم هو من رسل المسيح؟ إن أواني الوحي ورسل المسيح أهينوا واضطهدوا وأكثرهم استشهد من أجل المسيح. فهل الأسقف أعظم من هؤلاء؟ بل قيل عن الرب بروح النبوة: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ فَادِي إِسْرَائِيلَ، قُدُّوسُهُ، لِلْمُهَانِ النَّفْسِ، لِمَكْرُوهِ الأُمَّةِ، لِعَبْدِ الْمُتَسَلِّطِينَ..» (إشعياء 49: 7). فإذا كان سيدنا العظيم ربنا يسوع المسيح أهين من العبيد، مكتوب: «فَابْتَدَأَ قَوْمٌ يَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، وَيُغَطُّونَ وَجْهَهُ وَيَلْكُمُونَهُ وَيَقُولُونَ لَهُ: تَنَبَّأْ. وَكَانَ الْخُدَّامُ يَلْطِمُونَهُ» (مرقس 14: 65). فكيف لخدام المسيح - إن كانوا حقًا خدامًا للمسيح - أن يبحثوا عن المجد العالمي الباطل؟ أو أن يقبلوا نفاق ومديح المحيطين بهم واتباعهم الذين لهم دينونة عظيمة أمام العرش العظيم الأبيض (رؤيا 20: 11)؟
نرى أيضًا:
* إن الكنائس التقليدية تؤمن وتُعلّم وتمارس عمليًا أن الأسقف يتم اختياره [من بين الرهبان (القساوسة والقمامصة المتبتلين ساكنى الاديرة).
ولكن، بماذا يُعلّمنا الكتاب؟
يقول الكتاب: «فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ..» (1تيموثاوس 3: 2). لقد داس التقليديون على كلمة «بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ». أن يكون الأسقف متزوجًا، هذا تعليم الروح القدس. ألم يقل الرب الإله عندما خلق الإنسان الأول «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (تكوين 2: 18). أما إذا رأى التقليديون أنهم أعلى مرتبة، وأسمى مقامًا، وأكثر حكمة من الروح القدس، فهذا شأنهم الذي سوف يدانون عليه أمام الديان العادل. ثم اشترط التقليديون أن يكون الأسقف من المتبتلين ساكني الأديرة.
ولنا أن نسأل: ألا يكفي أن يكون من الخدام المتبتلين الذبن يخدمون في العالم؟
أين ذُكِرَت الأديرة في الكتاب المقدس؟ وهل الرهبنة نظام إلهي؟
قد يحتج البعض أن إيليا النبي - في العهد القديم - لم يكن متزوجًا، وأن يوحنا المعمدان - في العهد الجديد - لم يكن متزوجًا، وكذلك الرسول بولس، نعم، ولكن هل أحدًا منهم أسس نظامًا رهبانيًا، وسكن الأديرة، أم أنهم كانوا يخدمون في العالم وسط الناس؟
أين ذُكِرَالنظام الرهباني في الكتاب المقدس؟ أم أنها بدعة من نتاج عقل الإنسان الفاسد، ابتدعها بوذا (560 - 480 قبل الميلاد) الذي هجر زوجته وهو لا يزال شابًا في السادسة والعشرين من عمره، منصرفاً إلى الزهد والتقشُّف والخشونة في المعيشة.
هذه هي الأصول الوثنية للرهبنة، وهي الوصول إلى حالة النرڤانا بأعمال إماتة الجسد، والنسك الشديد، فهل يجب أن ينتمي الأسقف في الكنائس التقليدية إلى هذه الجذور الوثنية؟
قد يحتج البعض أن الأنبا أنطونيوس (وُلد عام 251 للميلاد) هو مؤسس الرهبنة المسيحية في العالم. ولنا أن نسأل: مَنْ قال أن ما فعله الشاب أنطونيوس عام 269 وكان عمره 18 سنة، كان تصرفًا صحيحًا، لما هجر أخته الوحيدة، حين سمع في الكنيسة قول الرب للشاب الغني: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي» (متى 19: 21)؟ هل كان الرب يقصد أن كل من عنده أملاك يذهب يبيعها ويترهبن بعد ذلك؟ أم أن قول الرب «اذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ» كان يختص بذلك الشاب الغني لتعلق قلبه بالمال ؟ ثم قال الرب للشاب الغني: «َتَعَالَ اتْبَعْنِي»، فهل كان المسيح في الدير في الصحراء منعزلاً عن الناس حتى ينعزل أنطونيوس عن الناس؟ أم أن الرب كان يخدم بين الناس؟ لم يفهم الشاب أنطونيوس قول الرب فهمًا صحيحًا، لذلك سلك مسلكًا خاطئًا بإنعزاله عن الناس، وتمثل آخرين به، وهكذا تأسس نظام داخل المسيحية الإسمية بوحي من الشيطان، لأنه بعيد كل البعد عن أفكار ومقاصد الله الصالحة من نحو البشر.
ثم، هل من المصادفة توافق ما فعله بوذا حين هجر زوجته الشابة وهو بعمر 26 سنة، مع ما فعله أنطونيوس حين هجر أخته الوحيدة وهو بعمر 18 سنة؟ أم أن كليهما كان مدفوعًا بوحي من الشيطان؟
ولنا أن نسأل بوذا، هل من الشهامة والرجولة أن تترك زوجتك الشابة، لتهرب وراء فكرة شيطانية؟
ونفس السؤال للشاب أنطونيوس، هل من الشهامة والرجولة أن تترك أختك الوحيدة، لتهرب وراء فكرة هي من وحي الشيطان؟ أليس من الأنانية أن يفكر الإنسان في نفسه، ويهمل أهل بيته؟ ألم يقرأ أنطونيوس قول الكتاب: «وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْتَنِي بِخَاصَّتِهِ، وَلاَ سِيَّمَا أَهْلُ بَيْتِهِ، فَقَدْ أَنْكَرَ الإِيمَانَ، وَهُوَ شَرٌّ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ» (1تيموثاوس 5: 8).
أليس الذي أوحى لكليهما هو الشيطان في تأسيس نظام ضد فكر الله الذي قال: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (تكوين 2: 18).
ثم، ألم يتعهد العلماني عند ذهابه إلى الدير ليترهبن ألا ينزل إلى العالم مرة أخرى؟ (أتحدث بلغة الرهبنة كما يعتقدها التقليديون)؟
ألم تُصلى عليه صلاة الموتى، إعلانًا عن موته عن العالم؟ ألا يتمثل الراهب، بمؤسس الرهبنة أنطونيوس الذي لم تكن له أي رتبة كنسية؟
فلماذا الحنين إلى العالم، والعودة إليه بحجة الخدمة؟
أليس لسان حال الراهب: «أنا في البيداء وحدي ... ليس لي شأن بغيري».
فكيف لمن لا شأن له بغيره أن يترك وحدته وخلوته وقلايته أو مغارته، وينزل إلى العالم الذي هرب منه، ليدير أحوال الملايين من المسيحيين؟
وكيف لمن اعتاد هدوء الصحراء، أن يتحمل ضوضاء وضجيج العالم؟
يا مَنْ تركتم أديرتكم وقلاليكم، أيّا كانت رتبتكم أو وظائفكم التي تشغلونها الآن، والتي هي أساسًا مخالفة لكلمة الله، ونزلتم إلى العالم، اعلموا أنكم نقضتم العهد الذي قطعتموه على أنفسكم، فكيف لمن خانوا العهد أن يحملوا الأمانة؟ أليس بالحري بكم أن تعودوا إلى أديرتكم، وأن تذرفوا بدل الدمع دمًا لنقضكم للعهد الذي قطعتموه على أنفسكم، وتحيوا ما بقى لكم من العمر (أطال الله عمركم) في توبة، وتسمعوا لنصيحة مَنْ قال:
اغلق الباب وحاجج ... في دجى الليل يسوعا
واملأ الليل صـــلاةً ... وصراعًا ودموعــــا
أليس شعب المسيح في حاجة إلى صلواتكم وأصوامكم وتذللكم أمام الله... إن كنتم حقًا مؤمنين حقيقيين؟
أيضًا، الكنائس التقليدية تؤمن وتُعلّم أن رتبة الأسقف [هي أعلى الرتب الكهنوتية المسيحية (الاكليروس) وتليها كل من رتبة (القسيسية - قس) ورتبة (الشموسية - شماس)].
ولكن، أليست الكنيسة هي جسد المسيح؟ فهل قسّم المسيح جسده إلى مَنْ يحملون الرتب الكهنوتية (الإكليروس) و إلى مَنْ لا يحملون الرتب الكهنوتية (الشعب)؟ ثم، أين ورد هذا التعليم - في العهد الجديد - بأنه يوجد رتب كهنوتية؟ أو يوجد أكليروس وشعب؟ هل الرب علّم تلاميذه بأن هناك رتب كهنوتية، وأن الأسقفية هي أعلى هذه الرتب؟ هل الرب علّم تلاميذه بأن هناك كهنوت في العهد الجديد بمفهوم العهد القديم؟ أم أن العهد الجديد علّمنا أن جميع المؤمنين كهنة يقدمون ذبائح روحية، مكتوب: «كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1بطرس 2: 5). إلى مَنْ يوجّه الرسول حديثه؟ هل إلى رجال الكهنوت؟ أم لكل المؤمنين؟ وما هي هذه الذبائح الروحية التي يتحدث عنها الرسول بطرس؟
مكتوب: «فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ ِللهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ، وَلكِنْ لاَ تَنْسَوْا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالتَّوْزِيعَ، لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هذِهِ يُسَرُّ اللهُ» (عبرانيين 13: 15، 16).
إن مؤمني العهد الجديد كهنة لا يقدمون ذبائح روحية فقط، ولكن أيضًا يخبرون بفضائل الذي دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب، مكتوب: «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ» (1بطرس 2: 9).
إن كهنوت جميع المؤمنين الحقيقيين واضح أيضًا من سفر الرؤيا إصحاح 1: 5، 6 «وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ: الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ، وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ». ومكتوب أيضًا: «وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: مُسْتَحِقٌ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لإِلهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ» (رؤيا 5: 9، 10).
وإن كان المؤمنون في العهد الجديد كهنة يقدمون ذبائح روحية، فمن هو رئيس الكهنة؟
مكتوب: «فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِالإِقْرَارِ» (عبرانيين 4: 14، انظر أيضًا عبرانيين 5: 5، 10؛ 6: 20؛ 7: 21، 26؛ 8: 1؛ 9: 11).
أما الذين يستندون على ما جاء في الإنجيل كما دونه يوحنا إصحاح 20: 22، 23 «وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ»، حجة بأن المسيح هو مؤسس سر الكهنوت، نقول لهم إن المسيح «بنفخه» إنما أراد أن يعلن عن حقيقة ذاته لتلاميذه، وللمؤمنين في كل زمان ومكان، بأنه هو الرب الإله (יהוה אלהים يهوه إيلوهيم) الذي نفخ في آدم نسمة الحياة، مكتوب: «وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ יהוה אלהים آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً» (تكوين 2: 7). لذلك كل إنسان أيًا كان مركزه الديني ينفخ في وجه الآخرين بحجة أن لديه سلطان منح الروح القدس، وأنه يهبهم بهذه النفخة مواهب الروح القدس، إنما يرتكب حماقة وشر عظيم لأنه جعل نفسه مساويًا لله، ويكون بذلك متمثلاً بـضد المسيح «إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ، الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلهًا أَوْ مَعْبُودًا، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلهٍ، مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلهٌ» (2تسالونيكي 2: 3، 4).
فهل يقبل حضرات البابوات والأساقفة أصحاب القداسة والغبطة أن يرتكبوا هذه الحماقة والشر العظيم، أن يعملوا بروح ضد المسيح؟
أما قول الرب لتلاميذه «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ» يجب أن يُفهم ويُفسر في ضوء المكتوب أن الروح القدس لم يكن قد أعطي بعد، قال الرب: «مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ. قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ» (يوحنا 7: 38، 39). وكذلك يجب أن يُفهم ويُفسر في ضوء وصية الرب لتلاميذه أن ينتظروا موعد الآب، مكتوب: «وَفِيمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ مَعَهُمْ أَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا مَوْعِدَ الآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي، لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ، لَيْسَ بَعْدَ هذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِيرٍ» (أعمال 1: 4، 5). لذلك عندما تمجد الرب بصلبه وموته وقيامته في اليوم الثالث وصعوده إلى السماء، وجلوسه عن يمين العظمة في الأعالي أرسل الروح القدس الذي وعدّ به تلاميذه - [«وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي» (يوحنا 15: 26)، «لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ» (يوحنا 16: 7)] - وهذا الوعد تحقق في يوم الخمسين، فمكتوب: «وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا» (أعمال 2: 1-4).
إذن قول الرب لتلاميذه «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ» يعني قبول مؤقت للروح القدس لنوال قوة للشهادة والكرازة وإعلان الحق لحين الحلول الدائم والسكنى الدائمة للروح القدس فيهم في يوم الخمسين. ومن المعروف في العهد القديم أي قبل أن يتمجد المسيح أن الروح القدس كان يحلّ على بعض الأشخاص بصفة مؤقتة ثم يفارقهم «لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ»، فمكتوب: «فَحَلَّ رُوحُ اللَّهِ عَلَى شَاوُلَ ..» (1صموئيل 11: 6)، ومكتوب أيضًا: «وَذَهَبَ رُوحُ الرَّبِّ مِنْ عِنْدِ شَاوُلَ, ..» (1صموئيل 16: 14).
أما قول الرب لهم: «مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ»، يجب أن يُفهم ويُفسّر في ضوء الإعلان الإلهي أن الرب وحده هو غافر الخطايا، فمكتوب: «الرَّبُّ طَوِيلُ الرُّوحِ كَثِيرُ الإِحْسَانِ، يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَالسَّيِّئَةَ..» (سفر العدد 14: 18)، ومكتوب أيضًا: «الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ..» (مزمور 103: 3)، وأيضًا: «فَاجْتَازَ الرَّبُّ قُدَّامَهُ، وَنَادَى الرَّبُّ: الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ. حَافِظُ الإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيَّةِ..» (خروج 34: 6، 7).
من الإعلانات الإلهية السابقة نجد أن الله وحده هو غافر الخطايا، ولأن المسيح هو كلمة الله الظاهر في الجسد، لذلك قال للمفلوج: «ثِقْ يَا بُنَيَّ. مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ» (متى 9: 2)، ولما سمع الكتبة هذا القول، فكروا في قلوبهم قائلين: «لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هذَا هكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ؟» (مرقس 2: 6، 7؛ لوقا 5: 21).
إذن، قول الرب لتلاميذه: «مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ» يُفهم منه أن الرب منح التلاميذ - في كرازتهم بالإنجيل - سلطة إعلان (وليس منح) غفران الخطايا باسمه لكل من يؤمن به ربًا ومخلصًا، وسلطة إعلان الدينونة لكل مَنْ لا يؤمن به.
كما أن التلاميذ لم يفهموا قول الرب «وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ» بأنهم باتوا أصحاب سلطان الحلّ والربط [أي بيدهم أن يدخلوا مَنْ شاءوا إلى السماء، وأن يحرموا مَنْ شاءوا من دخول السماء]، وأن بيدهم غفران الخطايا، وإلا لسجل لنا الوحي الإلهي أن الرسل غفروا خطايا الناس، بل على العكس من ذلك، كانوا يعلنون أن المسيح هو غافر الخطايا وحده، والدليل على ذلك قول الرسول بطرس لرئيس الكهنة في المجمع عن الرب يسوع: «هذَا رَفَّعَهُ اللهُ بِيَمِينِهِ رَئِيسًا وَمُخَلِّصًا، لِيُعْطِيَ إِسْرَائِيلَ التَّوْبَةَ وَغُفْرَانَ الْخَطَايَا» (أعمال 5: 31). أيضًا ما جاء في حديث الرسول بطرس في بيت كرنيليوس: «لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا» (أعمال 10: 43). أيضًا قول الرسول بولس لليهود في مجمع أَنْطَاكِيَةِ بِيسِيدِيَّةَ: «فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، أَنَّهُ بِهذَا (أي بالرب يسوع) يُنَادَى لَكُمْ بِغُفْرَانِ الْخَطَايَا» (أعمال 13: 38).
إذن كل مَنْ يدّعون بأن لديهم سلطان الحلّ والربط، إنما يُجدّفون على الاسم الكريم الذي بالإيمان به وحده ينال الإنسان باسمه غفران الخطايا، مكتوب:
«كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا» (أعمال 10: 43)
الشروط الكتابية الواجب توافرها في ἐπίσκοπος الناظر، المراقب، الراعي.. إلخ.(الأسقف، حسب الترجمة البيروتية) حسب ما جاء في 1تيموثاوس 3: 2-7:
1- بلا لوم ανεπιληπτον (أنيبيليبتون) «فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ» حيث كلمة «بِلاَ لَوْمٍ» تعني لم يتورط في جريمة.. لم يُلقى القبض عليه في ذنب ارتكبه.. لم يوبخ على فعلة مُشينة.. بريء.
2- متزوج «بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ» أي لا يجمع أكثر من زوجة في وقت واحد (كان بعض الوثنيين يجمعون أكثر من زوجة قبل إيمانهم بالمسيح)، لكنه لابد وأن يكون متزوجًا تطبيقًا لقول الرب: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (تكوين 2: 18). كما أن خدمة الزيارات والافتقاد التي هي من أساسيات عمل الراعي، والتي تستوجب أن يكون متزوجًا، وأن تكون زوجته مرافقة له في تلك الزيارات، مثل الرسل وإخوة الرب وصفا، مكتوب:
«أَلَعَلَّنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ نَجُولَ بِأُخْتٍ زَوْجَةً كَبَاقِي الرُّسُلِ وَإِخْوَةِ الرَّبِّ وَصَفَا؟» (1كورنثوس 9: 5).
من العار والخزي، أن يدخل ما يُدعى بالكاهن بيوت المسيحيين للزيارة دون أن تكون زوجته معه. أيضًا، الأسقف الذي أساس عمله هو الرعاية «.. لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ» (أعمال 20: 28)، نقول له أين زوجتك في الزيارات، ودخول بيوت المسيحيين؟ أم أنك أفضل من «الرُّسُلِ وَإِخْوَةِ الرَّبِّ وَصَفَا؟» أم أنك تطيع التقليد أكثر من أقوال الله المقدسة؟ أم أنك تقبع في قصرك المُسمى مطرانية، ولا دخل لك بالرعية؟
أما من يتخذون الرسول بولس (غير المتزوج) حجة لتبرير أن يكون الراعي (الأسقف من المتبتلين ساكني الأديرة)، نقول: إن الرسول بولس لم يكن من المتبتلين ساكني الأديرة، فلم يذكر التاريخ أن الرسول بولس ترهبن لا في أديرة وادي النطرون ولا في أديرة الشام ولا في غيرها، ولم تكن أديرة المسيحية الإسمية قد نشأت أساسًا زمن الرسول بولس، ولم تكن رهبنة المسيحية الإسمية معروفة في ذلك الوقت، الرهبنة البوذية هي التي كانت منتشرة في العالم الوثني زمن الرسول بولس، الأمر الآخر، أين جاء في الكتاب أن يكون الراعي (الأسقف حسب الترجمة البيروتية) من ساكني الأديرة؟
أي ضلال يمكن أن ينجرف إليه الإنسان في الابتعاد عن كلمة الله؟
«إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ»
(إشعياء 8: 20).
3- «صَاحِيًا» νηφαλεον (نيفاليون)، غير ثمل (غير مخمور أو سكران)، يقظ.
فكيف لراعٍ (الأسقف بحسب الترجمة البيروتية) الذي هو من الرهبان ساكني الأديرة، أو حتى من المتزوجين أن يقدم مشورة وتعاليم لرعيته وهو ثمل.. مخمور.. سكران؟ أو كيف يدخل بيوت الأرامل والأيتام لافتقادهم وهو في هذه الحالة المُذرية؟
4- «عَاقِلاً» أي أن قواه العقلية سليمة، يتحكم في نفسه، غير متسرع (سواء في إبداء الرأي أو في المشاعر)، رصين. أي ليس أقل كلمة تبكيه، أو أي تفاهة تضحكه.
5- «مُحْتَشِمًا» في مظهره وسلوكه.
6- «مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ»، يرحب بالغرباء، ويقدم لهم كرم الضيافة. وليس مثل ديوتريفوس (رسالة يوحنا الثالثة عدد 10).
7- «صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ» أي قادر على تعليم الآخرين.
8- «غَيْرَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ» μὴ πάροινον (مى باروينون) = ليس سكّيرًا.
9- «وَلاَ ضَرَّابٍ» μὴ πλήκτην (مي بليكتين) = غير مولع بالقتال.
10- «وَلاَ طَامِعٍ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ» μὴ αίσχροκερδῆ (مى إيسخروكيردي) = غير طامع في الربح الفاحش.
11- «بَلْ حَلِيماً» επιεικη (إيبيكي) = لطيف، وديع، هادئ.
12- «غَيْرَ مُخَاصِمٍ» αμαχον (أماخون) = غير مشاجر.
13- «وَلاَ مُحِبٍّ لِلْمَالِ» αφιλαργυρον (أفيلارجيرون) = لا يشتهي الربح الفاحش. ويبدو من هذا الشرط، وكذلك شرط ألا يكون طامعًا بالربح القبيح، أن الشخص الذي يقوم بعمل المناظرة أو الرعاية (الأسقف بحسب الترجمة البيروتية) لابد وأن يكون لديه عمل زمني يرتزق منه (وظيفة أو تجارة..إلخ. وليس عاطلاً، أو فاشلاً، متخذًا من التفرغ للخدمة تكأة للإرتزاق) حسب المكتوب: «أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلاَ يَأْكُلْ أَيْضًا» (2تسالونيكي 3: 10)، وفي عمله ألا يكون محبًا للمال، فمكتوب: «لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ» (1تيموثاوس 6: 10)، وفي عمله أيضًا لا يشتهي الربح الفاحش، مكتوب: «وَأَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ، تُغَرِّقُ النَّاسَ فِي الْعَطَبِ وَالْهَلاَكِ» (1تيموثاوس 6: 9). وكان الرسول بولس نفسه مثالاً للذين يعملون ويخدمون، لذلك استطاع أن يضع أمام شيوخ كنيسة أفسس (قسوس، أساقفة حسب الترجمة البيروتية) حياته وخدمته كمثال، قال لهم: «فِضَّةَ أَوْ ذَهَبَ أَوْ لِبَاسَ أَحَدٍ لَمْ أَشْتَهِ، أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حَاجَاتِي وَحَاجَاتِ الَّذِينَ مَعِي خَدَمَتْهَا هَاتَانِ الْيَدَانِ» (أعمال 20: 33، 34). رغم مشغوليات الرسول الكثيرة في الخدمة «الاهْتِمَامُ بِجَمِيعِ الْكَنَائِسِ» (2كورنثوس 11: 28)، إلا أنه كان يعمل في صناعة الخيام (أعمال 18: 3)، وكان يتعب في عمله «وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا» (1كورنثوس 4: 12)، ليسد احتياجاته واحتياجات الذين معه، وليس ذلك فقط بل أيضًا ليعضد الضعفاء «فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ وَتَعْضُدُونَ الضُّعَفَاءَ، مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ: مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أعمال 20: 35). لم يكن الرسول بولس متفرغًا للخدمة حسب ما يجرى في المسيحية الإسمية، حيث اتخذّ البعض من التفرغ للخدمة وسيلة لأكل العيش (سبوبة) ، وليس ذلك فقط بل للغنى الفاحش.
14- «يُدَبِّرُ بَيْتَهُ حَسَناً» = يدبر بيته بأمانة وصدق.
15- «لَهُ أَوْلاَدٌ (أو بنات) فِي الْخُضُوعِ بِكُلِّ وَقَارٍ». يجب أن يكون قد أحسن تربية أولاده وبناته. مما يدل على أنه شخص كبير في السن (شيخ)، كما أنه ليس من المتبتلين ساكني الأديرة كما يشترط التقليديون.
والروح القدس يضع أمامنا حقيقة هامة: «وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْرِفُ أَنْ يُدَبِّرَ بَيْتَهُ، فَكَيْفَ يَعْتَنِي بِكَنِيسَةِ اللهِ؟» لم يقل الروح القدس إن كان أحد لا يعرف أن يدبر قلايته أو مغارته، بل قال: «بيته» أي يجب أن تكون له زوجة وأولاد، وأن يحسن تدبير بيته، وإلا كيف يعتني بكنيسة الله؟
16- «غَيْرَ حَدِيثِ الإِيمَانِ لِئَلاَّ يَتَصَلَّفَ فَيَسْقُطَ فِي دَيْنُونَةِ إِبْلِيسَ». بكل أسف وحزن شديد نجد بعض حديثي الإيمان يتجرأون على الخدمة والرعاية (بدافع من ذواتهم، أو يدفعهم الجهلاء من المسئولين عن الخدمة إلى ذلك)، فيدخل الكبرياء والتصلف إلى قلوبهم، الأمر الذي أسقط إبليس من مركزه، وطرده من محضر الله.
17- «وَيَجِبُ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ حَسَنَةٌ مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، لِئَلاَّ يَسْقُطَ فِي تَعْيِيرٍ وَفَخِّ إِبْلِيسَ». يجب أن تكون سيرته حسنة ويشهد بذلك جيرانه والمتعاملين معه، سواء من داخل دائرة المسيحية أو من خارجها. لأنه إذا لم تكن أفعاله مطابقة لأقواله وتعاليمه، فذلك يوقعه في فخ إبليس حيث يتعرض إلى الهزء والعار، فكيف لمن يحيا في النجاسة أن يدعو الناس إلى حياة القداسة، وكيف لمن ينعم نفسه بملذات وأطايب العالم، أن يقول للآخرين: «لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم..» (1يوحنا 2: 15).
من الملاحظ أنه بمجرد أن ينتهي الوحي من ذِكر الشروط الواجب توافرها في النّاظر، أو المراقب..إلخ. (الأسقف حسب الترجمة البيروتية) يتحدث عن الشروط الواجب توافرها في الخُدّام [«الشَّمَامِسَةُ» (حسب الترجمة البيروتية)] (عدد 8)، دون ذكر للقسوس والقمامصة وباقي الرتب الكهنوتية التي تنادي بها الكنيسة الإسمية. مما يدل على أن الشيوخ (القسوس) هم ذاتهم النظّار (الأساقفة) عكس ما يُعلم به النظام البابوي الكهنوتي.
أسئلة عن الفصل العاشر
1- أين ورد في تعاليم المسيح أو في تعاليم رسله الكرام، أن هناك رتبًا كهنوتية؟
2- ما هي ترجمة كلمة أسقف؟
3- اذكر من العهد القديم وظيفة الأسقف؟
4- إن وظيفة الأسقف في العهد القديم تشكل حقيقة صادمة للتقليديين، لماذا؟
5- كيف أربكت الترجمة البيروتية القارئ والباحث، بعدم ترجمة كلمة أساقفة، وقسوس، وشمامسة؟
6- في رسالة فيلبي أرسل بولس الرسول السلام إلى الأساقفة والشمامسة، لماذا لم يذكر القسوس؟
7- علل وجود عدد من الأساقفة والشمامسة في كنيسة فيلبي الناشئة حديثًا؟
8- إن قول الرسول بولس «إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ، فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحًا» يمثل تحديًا للكنائس التقليدية، لماذا؟
9- لماذا أوجب الكتاب أن تكون للأسقف زوجة واحدة؟
10- ما مدى انحراف الكنائس التقليدية في مفهومها عن الأسقف؟
11- هل ذُكرالنظام الرهباني في الكتاب المقدس؟
12- ما أوجه الشبه بين الشاب «بوذا» (560-480 قبل الميلاد)، والشاب أنطونيوس (ولد عام 251 للميلاد)؟
13- هل يفهم من قول الرب للشاب الغني «اذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ»، أن كل شخص لديه أملاك يذهب يبيعها، ويرحل بعد ذلك إلى الصحراء؟
14- هل الرهبان الذين نزلوا إلى العالم ورُسموا أساقفة، احترموا تعهداتهم الرهبانية؟
15- هل إنسان خان العهد يمكن أن يحمل الأمانة؟
16- ما رأيك في الأشخاص وأيضًا من يُدعون بالكهنة وهم يسجدون إلى الأرض أمام ما يُسمى بالأسقف، أو ما يُسمى بالبابا؟ هل روح الإنجيل تتوافق مع هذا السلوك المذري المُشين سواء من الذين قاموا بالسجود، أو من الذي قبل هذا السجود؟
17- اذكر ثلاثة أسباب يتعارض فيها النظام البابوي مع تعاليم المسيح وتعاليم رسله الكرام؟
18- اذكر ثلاثة صفات اغتصب فيها النظام البابوي صفات المسيح له المجد؟
19- اذكر ثلاثة وظاشف اغتصب فيها النظام البابوي وظائف الرب يسوع المسيح له المجد؟
20- فسّر كيف أن خضوعك للنظام البابوي فيه إهانة لشخص الرب، ودوس على تعاليمه المقدسة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق