الفصل السابع
مرقس ليس رسولاً
رأينا في الفصل الخامس أن علماءُ الكتاب المقدس الكاثوليك يبدون الملاحظاتَ التاليةَ:
1- لا يوجد دليل في العهد الجديد أن بطرس كان في أي وقت أسقفًا أو مسئولاً محليّا يتولى إدارة أي كنيسة (بما في ذلك روما وأنطاكيا)؛
2- ليس هناك دليل كتابي مباشر أن يسوع أسس البابوية كمنصب دائم داخل الكنيسة؛
وبهاتين الملاحظتين يكون علماء الكتاب المقدس الكاثوليك قد هدموا النظام البابوي من أساسه، وبالتالي هدموا التعليم بالخلافة الرسولية.
إن هؤلاء العلماء أشرف من المؤرخين والدارسين الأقباط الذين زوّروا التاريخ وقالوا عن مرقس الإنجيلي: [«البابا مرقس الأول»، و لقبوه بـ «قداسة البابا المعظم الأنبا مرقص الأول، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الـ1»، وأنه «جلس على كرسي البابوية مدة 7 سنوات»] .
أين جاءت هذه الألقاب في تعاليم الرب يسوع المسيح، وأين جاءت في تعاليم رسله الكرام؟ وأيُّ كرسي جلس عليه مرقس الإنجيلي وقد تمزق حذاؤه من كثرة التجوال في شوارع الإسكندرية يكرز بالإنجيل، وليس حذاؤه فقط بل جسده أيضًا تمزق حين سحله الوثنيون في شوارع الإسكندرية كما تذكرون في كتبكم؟
ومَنْ الذي خوّل لكم سلطة إطلاق مثل هذه الألقاب على خادم أمين للرب نظير مرقس الإنجيلي؟ أليس هذا نوع من التزوير والتدليس وخداع البسطاء من غير الدارسين؟
ومن الذي أوحى إليكم بفكرة «الكرسي البابوي»؟
هل جاء مرقس الإنجيلي إلى الإسكندرية ليؤسس نظامًا بابويًا، ويبني كاتدرائيات؟
أم جاء ليكرز بالإنجيل؟
أم أن المؤرخين الأقباط ينسبون البابوية لمرقس، زورًا وبهتانًا، ويخلعون عليه ألقاب القداسة والتعظيم حتى يعطوا شرعية لإطلاق مثل هذه الألقاب على من يظنون أنه خليفته؟
هل مرقس الإنجيلي، إناء الوحي، الذي دوّن الإنجيل تحت قيادة وإرشاد الروح القدس، في حاجة إلى كل هذه الألقاب التي تُعظّم الإنسان، والتي هي ضد تعاليم الرب ورسله الكرام؟
هل جاء مرقس الإنجيلي إلى الإسكندرية ليجلس على كرسي فخم، يصعد عليه بدرج مغطى ببساط أحمر، ليكون أعلى من باقي الشعب، في كاتدرائية ضخمة باهظة التكاليف، مرتديًا ثيابًا مزركشة غالية الثمن، ذات ألوان صادمة للعين، مُمسكًا بصولجان وصليب مصنوع من الذهب، أم جاء ليجول وسط الناس ليخبرهم بالخلاص العظيم الذي صنعه الرب من أجلهم على الصليب؟ ألم تقل الترنيمة القبطية:
في أول العصور لمولد المســيح *** مرقــس أتي بنـور إيمـانه الصــــــحيح
وجال في البلاد ينادي بالخلاص *** باسم المسيح الفادي مَنْ يرفع القصاص
هل جاء مرقس ليبني كاتدرائيات، ويُكرّس مذابح، ويقيم قداسات، أم جاء لينادي بالخلاص باسم المسيح الفادي مَنْ يرفع عقاب ودينونة الخطية؟
لقد أساء المؤرخون الأقباط إلى مرقس الإنجيلي وهم يظنون أنهم يمتدحونه ويجلّونه ويرفعون من شأنه وقدره.
إن التعصب أعمى أعينهم عن رؤية الحقيقة، أن مرقس الإنجيلي كان خادمًا أمينًا لسيده، وأنه كان إناءً للوحي، فهو أول من كتب سيرة الرب يسوع ودونها في الإنجيل المعروف باسمه «إنجيل مرقس»، فهل هناك تشريف لهذا الخادم المبارك أكثر من كونه إناءً للوحي؟ بل إنه سينال التكريم الحقيقي من الرب نفسه حينما يمنحه الرب الأكاليل مكافأة على جهاده وتعبه وصبره.
مرقس من الناحية التاريخية:
جاء في كتاب تاريخ البطاركة للأنبا ساويرس ابن المقفع ما يلي:
«والد مرقس اسمه أرسطوبولس وهذا كان أخو برنابس وكانا ساكنين في مدينة من أعمال الخمس مدن التي في المغرب (الخمس مدن الغربية في ليبيا) تدعى كيرنا بولوس ونتيجة نهب أموالهما من قبيلتي البربر والحبش رحلا إلى فلسطين بالقرب من مدينة أورشليم وكان يوحنا الطفل (مرقس البشير) ينمو وكان لهذين الأخوين ابنة عم وهي زوجة سمعان بطرس الذي صار رئيس تلاميذ السيد المسيح . وكان يوحنا المذكور قد سموه مرقس، وكان يأوي عند بطرس ويتعلم منه من الكتب المقدسة التعاليم المسيحية .. ومريم أمه هي أخت برنابا تلميذ الرسل... مضى مرقس مع بطرس إلى يروشليم (أورشليم) وبشرا الجموع بكلام الله وظهر الروح القدس لبطرس وأمره أن يمضي إلى المدن والقرى التي هناك فمضى ومعه مرقس إلى عمل بيت عنيا وبشرا بكلام الله وأقام بطرس هناك أياما فنظر في المنام ملاك الله يقول له في كورتين غلاء عظيم فقال بطرس للملاك أي الكور تعني قال له مدينة الأسكندرية وكورة مصر وكورة رومية وليس هو غلاء من خبز وماء بل هو غلاء من قلة معرفة كلام الله الذي تبشر به فلما استيقظ بطرس من نومه قال لمرقس ما شاهده في منامه ومن بعد ذلك مضى بطرس ومرقس إلى أعمال رومية وبشرا هناك بكلام الله ولما كان في السنة الخامسة عشر من بعد صعود المسيح أنفذ (أرسل) القديس بطرس مار مرقس الأب الإنجيلي إلى مدينة الأسكندرية ليبشر فيها ويكرز بكلام الله وإنجيل السيد يسوع المسيح الذي له ينبغي المجد والكرامة والسجود وللآب والروح القدس الله الواحد إلى الأبد آمين».
ملاحظات على رواية ابن المقفع:
1- لم يُحدّد ابن المقفع وقت رجوع أسرة مرقس إلى فلسطين، ولكنه ذكر أن مرقس كان طفلاً في ذلك الوقت، لذلك لا نستطيع أن نجزم بأن مرقس قد رأى الرب، وإن كان قد رأى الرب، فليس هناك ما يُشير إلى عمره حين رآه؟
2- يذكر ابن المقفع أن «بطرس صار رئيس تلاميذ السيد المسيح»، ولم يذكر متى صار رئيسًا للتلاميذ، ومَنْ الذي خوّلّ له الرئاسة على التلاميذ؟ لم يذكر الكتاب أن المسيح أقام بطرس رئيسًا على التلاميذ، ولم يذكر الكتاب أن التلاميذ انتخبوا بطرس رئيسًا عليهم. ولنا أن نسأل: متى صار بطرس رئيسًا على تلاميذ المسيح؟
ألا يستند الكاثوليك على مثل هذه المقولة في إثبات أولوية أسقف روما على أساقفة العالم كافة؟ فكيف لأسقف ومؤرخ قبطي مثل الأنبا ساويرس ابن المقفع أسقف الأشمونيين (القرن التاسع للميلاد)، أن يقع في مثل هذا الخطأ الفادح وينادي برئاسة بطرس على تلاميذ المسيح؟!
أم أن الأقباط في ذلك الوقت كانوا يقرّون برئاسة أسقف (بابا) روما على باقي أساقفة العالم، وبذلك يكون أسقف الأسكندرية مختلسًا للقب «بابا»؟
في هذا الصدد نجد في القرن الثالث عشر للميلاد أن أحد علماء الكنيسة القبطية وهو الشيخ صفي أبي الفضائل بن العسال يقر برئاسة بابا روما على سائر البطاركة. فهل يخضع أسقف الأسكندرية المُلقّب أخيرًا بـ «البابا» لـ «بابا روما»؟
3- يذكر ابن المقفع أن مرقس كان يأوي عند بطرس ويتعلّم منه من الكتب المقدسة التعاليم المسيحية. والسؤال الذي يستحضره المنطق السليم لكل مَنْ يمتلك عقلاً سليمًا: لماذا يتعلّم مرقس التعاليم المسيحية من بطرس ولم يتعلمها من الرب مباشرة إذا كان تلميذًا للرب؟
أليس هذا دليل قاطع وبرهان ساطع على أن مرقس لم يكن لا من تلاميذ الرب «الاثْنَيْ عَشَرَ» المذكورين في متى 10: 1-4، ولا من السبعين الذين أرسلهم الرب والمذكورين في إنجيل لوقا 10: 1.
4- يقول «وظهر الروح القدس لبطرس». ولنا أن نسأل كيف ظهر الروح القدس لبطرس، وبأي هيئة ظهر؟
إن من سمات الروح القدس في العهد الجديد أنه يحل (لوقا 1: 35)، وأنه يملأ (أعمال 2: 4)، وفي العهد القديم كان يحل (1صموئيل 10: 10)، ويفارق (1صموئيل 16: 14)، أما الظهورات فهي تختص بالكلمة الأزلي سواء في العهد القديم، مثلما تحدث مع منوح (انظر قضاة إصحاح 13عدد 3 بالمقارنة مع عدد 13)، أو في العهد الجديد حيث اتخذ جسدًا، مكتوب: «وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا» (يوحنا 1: 14).
فالحديث عن ظهور الروح القدس لبطرس هو نوع من التلفيق للأحداث، أو التزوير للتاريخ، أو جهل من المؤرخين بالمكتوب.
5- يذكر أن بطرس ومرقس بشرا في رومية نتيجة حديث ملاك الله له في رؤية في المنام، وبعد ذلك أرسل مرقس ليبشر في الأسكندرية طبقًا لتلك الرؤية.
لقد سبق ورأينا علماء الكاثوليك أنفسهم قالوا بأن بطرس لم يذهب إلى رومية إلا في نهاية حياته واستشهد هناك.
إذن ليس هناك سند تاريخي أو دليل يؤكد أن بطرس بشّر في رومية.
ولنا أن نسأل: إن كان بطرس لم يبشر في رومية، وأن ما قيل عن رؤيته للملاك هي ضرب من خيال المؤرخين، فعلى أي أساس أرسل مرقس إلى مصر؟
بعضهم يرى أنه «بعد نياحة برنابا، ذهب مارمرقس بأمر السيد المسيح إلى أفريقيا وبرقة والخمس المدن الغربية.. ».
أيهما نُصدّق، مَنْ قال أن بطرس هو الذي أرسله للكرازة في الإسكندرية، أم أنه ذهب بأمر السيد المسيح؟
أليس مرقس إناءً للوحي؟ كان بالأحرى أن الروح القدس الذي قاده لكتابة الإنجيل، أن يوحي إليه بالذهاب للتبشير في الإسكندرية.
أما ما جاء في كتاب تاريخ الكنيسة ليوسابيوس أسقف قيصرية بخصوص مرقس فهو صادم للمؤرخين الأقباط:
«ويقولون أن مرقس هذا كان أول من أرسل إلى مصر، وأنه نادى بالإنجيل الذي كتبه، وأسس الكنائس في الأسكندرية أولا».
ويبدو أن يوسابيوس القيصري (263 - 339؟) والذي كثيرًا ما يُشار إليه بأنه «أبو التاريخ الكنسي»، لم يكن متأكدًا من قدوم مرقس البشير إلى مصر، ويوافقه في هذا آخرون أيضًا ليسوا مجال هذا البحث.
مرقس من الناحية الكتابية:
من أعمال 12: 12 نعلم أن اسمه هو يوحنا الملقب مرقس، وأن أمه اسمها مريم، وكان المؤمنون يجتمعون في بيتها للصلاة، لا سيما من أجل بطرس الذي كان مسجونًا في ذلك الوقت، وعندما أنقذه الملاك من السجن، مكتوب:
«ثُمَّ جَاءَ وَهُوَ مُنْتَبِهٌ إِلَى بَيْتِ مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا الْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ،
حَيْثُ كَانَ كَثِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ».
ومن كولوسي 4: 10 نعلم أن يوحنا الملقب مرقس هو ابن أخت برنابا، فمكتوب:
«يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَرِسْتَرْخُسُ الْمَأْسُورُ مَعِي، وَمَرْقُسُ ابْنُ أُخْتِ بَرْنَابَا، الَّذِي أَخَذْتُمْ لأَجْلِهِ وَصَايَا. إِنْ أَتَى إِلَيْكُمْ فَاقْبَلُوهُ».
ومن أعمال 12: 25 نعلم أنه كان في رفقة برنابا وشاول (بولس الرسول) في الخدمة، فمكتوب: «وَرَجَعَ بَرْنَابَا وَشَاوُلُ مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَا كَمَّلاَ الْخِدْمَةَ وَأَخَذَا مَعَهُمَا يُوحَنَّا الْمُلَقَّبَ مَرْقُسَ»
ومن أعمال 15: 35-40 نجد أنه قد حدثت مشاجرة بين بولس وبرنابا بسبب يوحنا الذي يدعى مرقس الذي فارقهما من بمفيلية ولم يذهب معهما للخدمة.
ومن 2تيموثاوس 4: 11 نجد أن مرقس قد صار نافعًا للرسول بولس للخدمة، فمكتوب:
«لُوقَا وَحْدَهُ مَعِي. خُذْ مَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ لأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ».
ومن فليمون ع 23، 24 نجد أن مرقس ضمن العاملين مع الرسول بولس، فمكتوب:
«يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَبَفْرَاسُ الْمَأْسُورُ مَعِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَمَرْقُسُ، وَأَرِسْتَرْخُسُ، وَدِيمَاسُ، وَلُوقَا الْعَامِلُونَ مَعِي».
ومن 1بطرس 5: 13 نستنتج أن مرقس كان بمثابة الابن للرسول بطرس، فمكتوب:
«تُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ الَّتِي فِي بَابِلَ الْمُخْتَارَةُ مَعَكُمْ، وَمَرْقُسُ ابْنِي».
وهذا يدعم ما أورده ابن المقفع في كتابه من أن مرقس كان يأوي عند بطرس ويتعلم منه من الكتب المقدسة التعاليم المسيحية، فكان مرقس بمثابة الابن للرسول بطرس.
هذا هو مرقس البشيرمن الناحية الكتابية، خادم أمين للرب، نافع للرسل للخدمة.. لم نقرأ عنه في كل ماسبق من شواهد كتابية أنه لُقِّب بـ «حضرة صاحب القداسة البابا المُعظم الأنبا مرقس البابا الأول للأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية» كما يُلقبه المزورون.
فالمؤرخون المزوّرون يريدون أن يضفوا صفة الرسولية على البشير مرقس، ليؤكدوا الخلافة الرسولية لأسقف الأسكندرية، فلقبو البشير مرقس بـ «قداسة البابا المعظم الأنبا مرقص الأول، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الـ1».
لكن عندما رجعنا إلى الإنجيل كما دونه متى الرسول إصحاح 10: 1-4 وجدنا أسماء رسل المسيح وليس من بينهم مرقس.
هؤلاء الرسل (ماعدا يهوذا الإسخريوطي الخائن) هم الذين كلفهم الرب بالذهاب إلى العالم أجمع والكرازة بالإنجيل للخليقة كلها، وقال لهم:
«دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ. (متى 28: 18-20).
وفي الإنجيل كما دونه مرقس، قال الرب لرسله: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ» (مرقس 16: 15، 16).
لكن المؤرخين الأقباط لكي يهربوا من هذه الإعلانات الواضحة التي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن مرقس ليس من ضمن الرسل المذكورين في متى 10: 1-4 قالوا بأن مرقس كان ضمن السبعين رسولا الوارد ذكرهم في لوقا 10.
إذن لنذهب إلى الإنجيل كما دونه لوقا لنرى هل كان مرقس ضمن السبعين، مكتوب: «وَبَعْدَ ذلِكَ عَيَّنَ الرَّبُّ سَبْعِينَ آخَرِينَ أَيْضًا، وَأَرْسَلَهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعًا أَنْ يَأْتِيَ» (لوقا 10: 1).
من النص السابق نجد:
(1) لم يذكر الكتاب أسماء السبعين، وحين يصمت الكتاب عن ذكر أسماء هؤلاء السبعين، على كل فم أن يستد، وعلى كل فكر أن يتوقف عن التخمين والظنون.
(2) خدمة هؤلاء السبعين كانت في أماكن محددة وذات طابع مؤقت، فمكتوب: «أَرْسَلَهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعًا أَنْ يَأْتِيَ».
فكانت خدمتهم هي تمهيد الطريق أمام الرب في كل المدن والمواضع التي كان مزمعًا أن يأتي إليها.
والحقيقة التي غابت عن أعين المؤرخين المزورين هي أن المسيحية دخلت مصر قبل أن ياتي إليها مرقس عن طريق اليهود الأتقياء الذين جاءوا من كل أمة إلى أورشليم (أعمال 2: 5)، لحضور عيد الخمسين، وهو من الأعياد اليهودية الكبرى، وكان ضمن هؤلاء، يهود قد أتوا من مصر (إعمال 2: 10)، ولما حضر يوم الخمسين وحلّ الروح القدس (أعمال 2: 1-3) وَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ وقال عظته المشهورة والتي كان نتيجتها أن اليهود - وكان ضمنهم اليهود الذين أتوا من مصر - قَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ، وَاعْتَمَدُوا، «وَانْضَمَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ» (أعمال 2: 41).
لذلك نقرأ في أعمال 18: 24 عن يَهُودِيٌّ من الإسكندرية اسْمُهُ أَبُلُّوسُ، آمن بالرب يسوع المسيح ويصفه الكتاب بأنه «رَجُلٌ فَصِيحٌ مُقْتَدِرٌ فِي الْكُتُبِ».
فمما لا شك فيه أن أَبُلُّوس إما أنه كان ضمن اليهود الذين حضروا يوم الخمسين، أو أنه آمن بكرازتهم عند عودتهم إلى مصر.
وبما أن مرقس لم يكن ضمن رسل الرب الوارد ذكرهم في متى 10: 1-4، وليس هناك ما يؤكد أنه كان ضمن السبعين المشار إليهم في لوقا 10: 1، ولم يكن هو أول من أدخل المسيحية إلى مصر.
إذن الإدعاء بأن مرقس رسول، هو إدعاء يفتقر إلى الصحة والمصداقية.
وبناء على ذلك يكون الادعاء بأن أسقف الإسكندرية هو خليفة الرسل إنما هو ادعاء كاذب، والادعاء بأن كرسي الإسكندرية هو كرسي رسولي هو ادعاء كاذب أيضًا.
أسئلة عن الفصل السابع
1- لماذا كان علماء الكاثوليك المعاصرين أشرف من بعض المؤرخين الأقباط؟
2- هات من العهد الجديد ما يؤيد أو ينفي أن يكون مرقس رسولاً؟
3- ممَنْ تعلّم مرقس التعاليم المسيحية؟ وما دلالة ذلك؟
4- علام تدل تضارب الأقوال حول من الذي أرسل مرقس إلى مصر؟
5- هل حقًا أن أول من أدخل المسيحية إلى مصر هو مرقس؟
6- على افتراض أن مرقس جاء للتبشير في مصر، فهل جاء ليجلس على كرسي ويسجد له أتباعه في مذلة وهوان، لابسًا البز والأرجوان، ويمسك بيده عصا من ذهب أوفير، أم جاء ليجول في البلاد يكرز ببشارة الخلاص ويتمزق حذاؤه من كثرة الجولان، بل ويتمزق جسده مسحولاً من أعداء صليب المسيح؟
مرقس ليس رسولاً
رأينا في الفصل الخامس أن علماءُ الكتاب المقدس الكاثوليك يبدون الملاحظاتَ التاليةَ:
1- لا يوجد دليل في العهد الجديد أن بطرس كان في أي وقت أسقفًا أو مسئولاً محليّا يتولى إدارة أي كنيسة (بما في ذلك روما وأنطاكيا)؛
2- ليس هناك دليل كتابي مباشر أن يسوع أسس البابوية كمنصب دائم داخل الكنيسة؛
وبهاتين الملاحظتين يكون علماء الكتاب المقدس الكاثوليك قد هدموا النظام البابوي من أساسه، وبالتالي هدموا التعليم بالخلافة الرسولية.
إن هؤلاء العلماء أشرف من المؤرخين والدارسين الأقباط الذين زوّروا التاريخ وقالوا عن مرقس الإنجيلي: [«البابا مرقس الأول»، و لقبوه بـ «قداسة البابا المعظم الأنبا مرقص الأول، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الـ1»، وأنه «جلس على كرسي البابوية مدة 7 سنوات»] .
أين جاءت هذه الألقاب في تعاليم الرب يسوع المسيح، وأين جاءت في تعاليم رسله الكرام؟ وأيُّ كرسي جلس عليه مرقس الإنجيلي وقد تمزق حذاؤه من كثرة التجوال في شوارع الإسكندرية يكرز بالإنجيل، وليس حذاؤه فقط بل جسده أيضًا تمزق حين سحله الوثنيون في شوارع الإسكندرية كما تذكرون في كتبكم؟
ومَنْ الذي خوّل لكم سلطة إطلاق مثل هذه الألقاب على خادم أمين للرب نظير مرقس الإنجيلي؟ أليس هذا نوع من التزوير والتدليس وخداع البسطاء من غير الدارسين؟
ومن الذي أوحى إليكم بفكرة «الكرسي البابوي»؟
هل جاء مرقس الإنجيلي إلى الإسكندرية ليؤسس نظامًا بابويًا، ويبني كاتدرائيات؟
أم جاء ليكرز بالإنجيل؟
أم أن المؤرخين الأقباط ينسبون البابوية لمرقس، زورًا وبهتانًا، ويخلعون عليه ألقاب القداسة والتعظيم حتى يعطوا شرعية لإطلاق مثل هذه الألقاب على من يظنون أنه خليفته؟
هل مرقس الإنجيلي، إناء الوحي، الذي دوّن الإنجيل تحت قيادة وإرشاد الروح القدس، في حاجة إلى كل هذه الألقاب التي تُعظّم الإنسان، والتي هي ضد تعاليم الرب ورسله الكرام؟
هل جاء مرقس الإنجيلي إلى الإسكندرية ليجلس على كرسي فخم، يصعد عليه بدرج مغطى ببساط أحمر، ليكون أعلى من باقي الشعب، في كاتدرائية ضخمة باهظة التكاليف، مرتديًا ثيابًا مزركشة غالية الثمن، ذات ألوان صادمة للعين، مُمسكًا بصولجان وصليب مصنوع من الذهب، أم جاء ليجول وسط الناس ليخبرهم بالخلاص العظيم الذي صنعه الرب من أجلهم على الصليب؟ ألم تقل الترنيمة القبطية:
في أول العصور لمولد المســيح *** مرقــس أتي بنـور إيمـانه الصــــــحيح
وجال في البلاد ينادي بالخلاص *** باسم المسيح الفادي مَنْ يرفع القصاص
هل جاء مرقس ليبني كاتدرائيات، ويُكرّس مذابح، ويقيم قداسات، أم جاء لينادي بالخلاص باسم المسيح الفادي مَنْ يرفع عقاب ودينونة الخطية؟
لقد أساء المؤرخون الأقباط إلى مرقس الإنجيلي وهم يظنون أنهم يمتدحونه ويجلّونه ويرفعون من شأنه وقدره.
إن التعصب أعمى أعينهم عن رؤية الحقيقة، أن مرقس الإنجيلي كان خادمًا أمينًا لسيده، وأنه كان إناءً للوحي، فهو أول من كتب سيرة الرب يسوع ودونها في الإنجيل المعروف باسمه «إنجيل مرقس»، فهل هناك تشريف لهذا الخادم المبارك أكثر من كونه إناءً للوحي؟ بل إنه سينال التكريم الحقيقي من الرب نفسه حينما يمنحه الرب الأكاليل مكافأة على جهاده وتعبه وصبره.
مرقس من الناحية التاريخية:
جاء في كتاب تاريخ البطاركة للأنبا ساويرس ابن المقفع ما يلي:
«والد مرقس اسمه أرسطوبولس وهذا كان أخو برنابس وكانا ساكنين في مدينة من أعمال الخمس مدن التي في المغرب (الخمس مدن الغربية في ليبيا) تدعى كيرنا بولوس ونتيجة نهب أموالهما من قبيلتي البربر والحبش رحلا إلى فلسطين بالقرب من مدينة أورشليم وكان يوحنا الطفل (مرقس البشير) ينمو وكان لهذين الأخوين ابنة عم وهي زوجة سمعان بطرس الذي صار رئيس تلاميذ السيد المسيح . وكان يوحنا المذكور قد سموه مرقس، وكان يأوي عند بطرس ويتعلم منه من الكتب المقدسة التعاليم المسيحية .. ومريم أمه هي أخت برنابا تلميذ الرسل... مضى مرقس مع بطرس إلى يروشليم (أورشليم) وبشرا الجموع بكلام الله وظهر الروح القدس لبطرس وأمره أن يمضي إلى المدن والقرى التي هناك فمضى ومعه مرقس إلى عمل بيت عنيا وبشرا بكلام الله وأقام بطرس هناك أياما فنظر في المنام ملاك الله يقول له في كورتين غلاء عظيم فقال بطرس للملاك أي الكور تعني قال له مدينة الأسكندرية وكورة مصر وكورة رومية وليس هو غلاء من خبز وماء بل هو غلاء من قلة معرفة كلام الله الذي تبشر به فلما استيقظ بطرس من نومه قال لمرقس ما شاهده في منامه ومن بعد ذلك مضى بطرس ومرقس إلى أعمال رومية وبشرا هناك بكلام الله ولما كان في السنة الخامسة عشر من بعد صعود المسيح أنفذ (أرسل) القديس بطرس مار مرقس الأب الإنجيلي إلى مدينة الأسكندرية ليبشر فيها ويكرز بكلام الله وإنجيل السيد يسوع المسيح الذي له ينبغي المجد والكرامة والسجود وللآب والروح القدس الله الواحد إلى الأبد آمين».
ملاحظات على رواية ابن المقفع:
1- لم يُحدّد ابن المقفع وقت رجوع أسرة مرقس إلى فلسطين، ولكنه ذكر أن مرقس كان طفلاً في ذلك الوقت، لذلك لا نستطيع أن نجزم بأن مرقس قد رأى الرب، وإن كان قد رأى الرب، فليس هناك ما يُشير إلى عمره حين رآه؟
2- يذكر ابن المقفع أن «بطرس صار رئيس تلاميذ السيد المسيح»، ولم يذكر متى صار رئيسًا للتلاميذ، ومَنْ الذي خوّلّ له الرئاسة على التلاميذ؟ لم يذكر الكتاب أن المسيح أقام بطرس رئيسًا على التلاميذ، ولم يذكر الكتاب أن التلاميذ انتخبوا بطرس رئيسًا عليهم. ولنا أن نسأل: متى صار بطرس رئيسًا على تلاميذ المسيح؟
ألا يستند الكاثوليك على مثل هذه المقولة في إثبات أولوية أسقف روما على أساقفة العالم كافة؟ فكيف لأسقف ومؤرخ قبطي مثل الأنبا ساويرس ابن المقفع أسقف الأشمونيين (القرن التاسع للميلاد)، أن يقع في مثل هذا الخطأ الفادح وينادي برئاسة بطرس على تلاميذ المسيح؟!
أم أن الأقباط في ذلك الوقت كانوا يقرّون برئاسة أسقف (بابا) روما على باقي أساقفة العالم، وبذلك يكون أسقف الأسكندرية مختلسًا للقب «بابا»؟
في هذا الصدد نجد في القرن الثالث عشر للميلاد أن أحد علماء الكنيسة القبطية وهو الشيخ صفي أبي الفضائل بن العسال يقر برئاسة بابا روما على سائر البطاركة. فهل يخضع أسقف الأسكندرية المُلقّب أخيرًا بـ «البابا» لـ «بابا روما»؟
3- يذكر ابن المقفع أن مرقس كان يأوي عند بطرس ويتعلّم منه من الكتب المقدسة التعاليم المسيحية. والسؤال الذي يستحضره المنطق السليم لكل مَنْ يمتلك عقلاً سليمًا: لماذا يتعلّم مرقس التعاليم المسيحية من بطرس ولم يتعلمها من الرب مباشرة إذا كان تلميذًا للرب؟
أليس هذا دليل قاطع وبرهان ساطع على أن مرقس لم يكن لا من تلاميذ الرب «الاثْنَيْ عَشَرَ» المذكورين في متى 10: 1-4، ولا من السبعين الذين أرسلهم الرب والمذكورين في إنجيل لوقا 10: 1.
4- يقول «وظهر الروح القدس لبطرس». ولنا أن نسأل كيف ظهر الروح القدس لبطرس، وبأي هيئة ظهر؟
إن من سمات الروح القدس في العهد الجديد أنه يحل (لوقا 1: 35)، وأنه يملأ (أعمال 2: 4)، وفي العهد القديم كان يحل (1صموئيل 10: 10)، ويفارق (1صموئيل 16: 14)، أما الظهورات فهي تختص بالكلمة الأزلي سواء في العهد القديم، مثلما تحدث مع منوح (انظر قضاة إصحاح 13عدد 3 بالمقارنة مع عدد 13)، أو في العهد الجديد حيث اتخذ جسدًا، مكتوب: «وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا» (يوحنا 1: 14).
فالحديث عن ظهور الروح القدس لبطرس هو نوع من التلفيق للأحداث، أو التزوير للتاريخ، أو جهل من المؤرخين بالمكتوب.
5- يذكر أن بطرس ومرقس بشرا في رومية نتيجة حديث ملاك الله له في رؤية في المنام، وبعد ذلك أرسل مرقس ليبشر في الأسكندرية طبقًا لتلك الرؤية.
لقد سبق ورأينا علماء الكاثوليك أنفسهم قالوا بأن بطرس لم يذهب إلى رومية إلا في نهاية حياته واستشهد هناك.
إذن ليس هناك سند تاريخي أو دليل يؤكد أن بطرس بشّر في رومية.
ولنا أن نسأل: إن كان بطرس لم يبشر في رومية، وأن ما قيل عن رؤيته للملاك هي ضرب من خيال المؤرخين، فعلى أي أساس أرسل مرقس إلى مصر؟
بعضهم يرى أنه «بعد نياحة برنابا، ذهب مارمرقس بأمر السيد المسيح إلى أفريقيا وبرقة والخمس المدن الغربية.. ».
أيهما نُصدّق، مَنْ قال أن بطرس هو الذي أرسله للكرازة في الإسكندرية، أم أنه ذهب بأمر السيد المسيح؟
أليس مرقس إناءً للوحي؟ كان بالأحرى أن الروح القدس الذي قاده لكتابة الإنجيل، أن يوحي إليه بالذهاب للتبشير في الإسكندرية.
أما ما جاء في كتاب تاريخ الكنيسة ليوسابيوس أسقف قيصرية بخصوص مرقس فهو صادم للمؤرخين الأقباط:
«ويقولون أن مرقس هذا كان أول من أرسل إلى مصر، وأنه نادى بالإنجيل الذي كتبه، وأسس الكنائس في الأسكندرية أولا».
ويبدو أن يوسابيوس القيصري (263 - 339؟) والذي كثيرًا ما يُشار إليه بأنه «أبو التاريخ الكنسي»، لم يكن متأكدًا من قدوم مرقس البشير إلى مصر، ويوافقه في هذا آخرون أيضًا ليسوا مجال هذا البحث.
مرقس من الناحية الكتابية:
من أعمال 12: 12 نعلم أن اسمه هو يوحنا الملقب مرقس، وأن أمه اسمها مريم، وكان المؤمنون يجتمعون في بيتها للصلاة، لا سيما من أجل بطرس الذي كان مسجونًا في ذلك الوقت، وعندما أنقذه الملاك من السجن، مكتوب:
«ثُمَّ جَاءَ وَهُوَ مُنْتَبِهٌ إِلَى بَيْتِ مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا الْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ،
حَيْثُ كَانَ كَثِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ».
ومن كولوسي 4: 10 نعلم أن يوحنا الملقب مرقس هو ابن أخت برنابا، فمكتوب:
«يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَرِسْتَرْخُسُ الْمَأْسُورُ مَعِي، وَمَرْقُسُ ابْنُ أُخْتِ بَرْنَابَا، الَّذِي أَخَذْتُمْ لأَجْلِهِ وَصَايَا. إِنْ أَتَى إِلَيْكُمْ فَاقْبَلُوهُ».
ومن أعمال 12: 25 نعلم أنه كان في رفقة برنابا وشاول (بولس الرسول) في الخدمة، فمكتوب: «وَرَجَعَ بَرْنَابَا وَشَاوُلُ مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَا كَمَّلاَ الْخِدْمَةَ وَأَخَذَا مَعَهُمَا يُوحَنَّا الْمُلَقَّبَ مَرْقُسَ»
ومن أعمال 15: 35-40 نجد أنه قد حدثت مشاجرة بين بولس وبرنابا بسبب يوحنا الذي يدعى مرقس الذي فارقهما من بمفيلية ولم يذهب معهما للخدمة.
ومن 2تيموثاوس 4: 11 نجد أن مرقس قد صار نافعًا للرسول بولس للخدمة، فمكتوب:
«لُوقَا وَحْدَهُ مَعِي. خُذْ مَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ لأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ».
ومن فليمون ع 23، 24 نجد أن مرقس ضمن العاملين مع الرسول بولس، فمكتوب:
«يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَبَفْرَاسُ الْمَأْسُورُ مَعِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَمَرْقُسُ، وَأَرِسْتَرْخُسُ، وَدِيمَاسُ، وَلُوقَا الْعَامِلُونَ مَعِي».
ومن 1بطرس 5: 13 نستنتج أن مرقس كان بمثابة الابن للرسول بطرس، فمكتوب:
«تُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ الَّتِي فِي بَابِلَ الْمُخْتَارَةُ مَعَكُمْ، وَمَرْقُسُ ابْنِي».
وهذا يدعم ما أورده ابن المقفع في كتابه من أن مرقس كان يأوي عند بطرس ويتعلم منه من الكتب المقدسة التعاليم المسيحية، فكان مرقس بمثابة الابن للرسول بطرس.
هذا هو مرقس البشيرمن الناحية الكتابية، خادم أمين للرب، نافع للرسل للخدمة.. لم نقرأ عنه في كل ماسبق من شواهد كتابية أنه لُقِّب بـ «حضرة صاحب القداسة البابا المُعظم الأنبا مرقس البابا الأول للأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية» كما يُلقبه المزورون.
فالمؤرخون المزوّرون يريدون أن يضفوا صفة الرسولية على البشير مرقس، ليؤكدوا الخلافة الرسولية لأسقف الأسكندرية، فلقبو البشير مرقس بـ «قداسة البابا المعظم الأنبا مرقص الأول، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الـ1».
لكن عندما رجعنا إلى الإنجيل كما دونه متى الرسول إصحاح 10: 1-4 وجدنا أسماء رسل المسيح وليس من بينهم مرقس.
هؤلاء الرسل (ماعدا يهوذا الإسخريوطي الخائن) هم الذين كلفهم الرب بالذهاب إلى العالم أجمع والكرازة بالإنجيل للخليقة كلها، وقال لهم:
«دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ. (متى 28: 18-20).
وفي الإنجيل كما دونه مرقس، قال الرب لرسله: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ» (مرقس 16: 15، 16).
لكن المؤرخين الأقباط لكي يهربوا من هذه الإعلانات الواضحة التي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن مرقس ليس من ضمن الرسل المذكورين في متى 10: 1-4 قالوا بأن مرقس كان ضمن السبعين رسولا الوارد ذكرهم في لوقا 10.
إذن لنذهب إلى الإنجيل كما دونه لوقا لنرى هل كان مرقس ضمن السبعين، مكتوب: «وَبَعْدَ ذلِكَ عَيَّنَ الرَّبُّ سَبْعِينَ آخَرِينَ أَيْضًا، وَأَرْسَلَهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعًا أَنْ يَأْتِيَ» (لوقا 10: 1).
من النص السابق نجد:
(1) لم يذكر الكتاب أسماء السبعين، وحين يصمت الكتاب عن ذكر أسماء هؤلاء السبعين، على كل فم أن يستد، وعلى كل فكر أن يتوقف عن التخمين والظنون.
(2) خدمة هؤلاء السبعين كانت في أماكن محددة وذات طابع مؤقت، فمكتوب: «أَرْسَلَهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعًا أَنْ يَأْتِيَ».
فكانت خدمتهم هي تمهيد الطريق أمام الرب في كل المدن والمواضع التي كان مزمعًا أن يأتي إليها.
والحقيقة التي غابت عن أعين المؤرخين المزورين هي أن المسيحية دخلت مصر قبل أن ياتي إليها مرقس عن طريق اليهود الأتقياء الذين جاءوا من كل أمة إلى أورشليم (أعمال 2: 5)، لحضور عيد الخمسين، وهو من الأعياد اليهودية الكبرى، وكان ضمن هؤلاء، يهود قد أتوا من مصر (إعمال 2: 10)، ولما حضر يوم الخمسين وحلّ الروح القدس (أعمال 2: 1-3) وَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ وقال عظته المشهورة والتي كان نتيجتها أن اليهود - وكان ضمنهم اليهود الذين أتوا من مصر - قَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ، وَاعْتَمَدُوا، «وَانْضَمَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ» (أعمال 2: 41).
لذلك نقرأ في أعمال 18: 24 عن يَهُودِيٌّ من الإسكندرية اسْمُهُ أَبُلُّوسُ، آمن بالرب يسوع المسيح ويصفه الكتاب بأنه «رَجُلٌ فَصِيحٌ مُقْتَدِرٌ فِي الْكُتُبِ».
فمما لا شك فيه أن أَبُلُّوس إما أنه كان ضمن اليهود الذين حضروا يوم الخمسين، أو أنه آمن بكرازتهم عند عودتهم إلى مصر.
وبما أن مرقس لم يكن ضمن رسل الرب الوارد ذكرهم في متى 10: 1-4، وليس هناك ما يؤكد أنه كان ضمن السبعين المشار إليهم في لوقا 10: 1، ولم يكن هو أول من أدخل المسيحية إلى مصر.
إذن الإدعاء بأن مرقس رسول، هو إدعاء يفتقر إلى الصحة والمصداقية.
وبناء على ذلك يكون الادعاء بأن أسقف الإسكندرية هو خليفة الرسل إنما هو ادعاء كاذب، والادعاء بأن كرسي الإسكندرية هو كرسي رسولي هو ادعاء كاذب أيضًا.
أسئلة عن الفصل السابع
1- لماذا كان علماء الكاثوليك المعاصرين أشرف من بعض المؤرخين الأقباط؟
2- هات من العهد الجديد ما يؤيد أو ينفي أن يكون مرقس رسولاً؟
3- ممَنْ تعلّم مرقس التعاليم المسيحية؟ وما دلالة ذلك؟
4- علام تدل تضارب الأقوال حول من الذي أرسل مرقس إلى مصر؟
5- هل حقًا أن أول من أدخل المسيحية إلى مصر هو مرقس؟
6- على افتراض أن مرقس جاء للتبشير في مصر، فهل جاء ليجلس على كرسي ويسجد له أتباعه في مذلة وهوان، لابسًا البز والأرجوان، ويمسك بيده عصا من ذهب أوفير، أم جاء ليجول في البلاد يكرز ببشارة الخلاص ويتمزق حذاؤه من كثرة الجولان، بل ويتمزق جسده مسحولاً من أعداء صليب المسيح؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق