السبت، 13 أغسطس 2016

الفصل السادس عشر

تحريضات رسولية

لقد عاصر الرسل معظم الفئات الضالة التي تم الحديث عنها في الفصل السابق، وتصدوا لها وردوا على هرطقاتها  في رسائلهم، وأخبرونا بروح النبوة عن فئات أخرى سوف تدخل دائرة المسيحية بعد رحيلهم، ومن ثمّ قاموا بتحذيرنا حتى نحترس ولا نقع في فخاخها ولاسيما أنها ارتدت ثياب التقوى والدين «وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ» (2 كورنثوس 11: 14). 
إن التحذير والاحتراس من تلك الفئات الضالة والمُضلِّلة أمر واجب على كل مؤمن حقيقي يخدم الرب بإخلاص. وقد وضع الرسول بولس قاعدة كتابية ينبغي النهج بها لتجنب الانحراف بعيدًا عن كلمة الله، وهي:
1- امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ
 تلك النصيحة الغالية التي نصح بها الرسول بولس المؤمنين في تسالونيكي إذ قال لهم:
«امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ» (تسالونيكي الأولى 5: 21).
«امتحنوا كل شيء» أي اختبروا كل شيء للتأكد من صحته وسلامته، وهو مبدأ كتابي يصح على مجالات الحياة كافة، فليس هناك شيء مستثنى من الامتحان، وإن كان الأمر كذلك، فبالأحرى كل ما يختص بكتب التراث، والتعاليم، والتقاليد الموروثة.. نختبر صحتها وسلامتها بالرجوع إلى كلمة الله.
ولقد طبق هذا المبدأ أهل بيرية، إذ شهد الكتاب عن أمانتهم للمكتوب إذ قال:
«وَكَانَ هؤُلاَءِ (أهل بيرية) أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ
فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا؟» (أعمال 17: 11).
نتعلّم من أهل بيرية أننا لا نُسلّم بصحة ما نسمعه من تعاليم لكون المتحدث بها شخص يشغل منصبًا دينيًا كبيرًا، فعلى الرغم من أن المتحدث إليهم كان الرسول بولس، إلا إنهم رجعوا إلى جهة الاختصاص التي بيدها إصدار القرار بصحة أو عدم صحة التعليم المقدم لهم، وليس من جهة مختصة سوى الكتاب المقدس، عملاً بقول الكتاب:
«إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ!»
(إشعياء 8: 20).
إن الكثيرين ممن وقعوا في البدع والهرطقات كانوا يشغلون مراكز دينية عليا، فضلاً عن تميّزهم بمظاهر القداسة، فآريوس ونسطور وأوطاخي وغيرهم كانوا قادة كبار في كنائسهم، فعندما أخطأوا في التعليم أضلوا الكثيرين من أتباعهم، والمطيعين لتعاليمهم طاعة عمياء.

2- التمسك بالإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ
كان يهوذا يود أن يكتب للمؤمنين الموجّهة لهم الرسالة عن الخلاص المشترك، لكنه رأى - بإرشاد من الروح القدس - أن يكتب لهم عن الإيمان المسلّم مرة للقديسين لكي يتمسكوا به وسط الأضاليل والهرطقات التي انتشرت وسطهم، وإذا علمنا أن الرسالة كُتبت قبل خراب أورشليم عام 70م لأدركنا أن التعاليم التي تسيء إلى الإيمان المسيحي بدأت مبكرة جدًا. يكتب يهوذا للمؤمنين:
«أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ الْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنِ الْخَلاَصِ الْمُشْتَرَكِ، اضْطُرِرْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ وَاعِظًا أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ، لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهذِهِ الدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ، يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ، وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ: اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ» (يهوذا 3، 4).
حيث أن كلمة «تجتهدوا» في الأصل اليوناني ἐπαγωνίζεσθαι  (إيباجونيزيسثاي) تعني:
    يكافح من أجل، يجتهد، يناضل من أجل
   Struggle for, earnestly, contend for, 
كان يهوذا يريد جاهدًا أن يكتب لهم عن الخلاص المشترك، لكنه رأى بالروح القدس المخاطر المعاصرة له، والمستقبلية، التي تتعرض لها حقائق الإيمان المسيحي، فوجد من الأهمية بمكان أن يُحرّض المؤمنين المعاصرين له، والمؤمنين في كل عصر، على الكفاح والنضال من أجل الحفاظ والتمسك بالإيمان المُسلَّم مرة للقديسين، دون إضافة تعاليم أو مبادئ جديدة، الأمر الذي حذّر منه الرسول بولس المؤمنين في غلاطية إذ قال لهم:
«وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا»
(غلاطية 1: 8).
وكذلك التحذير الذي ورد في سفر الرؤيا:
«لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ،
وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ» (رؤيا 22: 18، 19).
 لذلك قال الرسول يوحنا:
«أَمَّا أَنْتُمْ فَمَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ فَلْيَثْبُتْ إِذًا فِيكُمْ. إِنْ ثَبَتَ فِيكُمْ مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ، فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَثْبُتُونَ فِي الابْنِ وَفِي الآبِ» (يوحنا الأولى 2: 24).
3-  حْفَظِ الْوَدِيعَةَ، والتَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ:
«يَا تِيمُوثَاوُسُ، احْفَظِ الْوَدِيعَةَ، مُعْرِضًا عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ،
وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاسْمِ» (1تيموثاوس 6: 20).
«تَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي، فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا»
(2تيموثاوس 1: 13، 14).
كانت مشغولية قلب الرسول بولس أن يحرض تيموثاوس على حفظ الوديعة أي أقوال الله الصادقة التي سمعها منه، وهو تحريض يصدق على كل المؤمنين في كل زمان ومكان.
فهل حفظ المؤمنون، عبر الأجيال، أقوال الله الصادقة.. الإيمان المُسلَّم مرة للقديسين، دون إضافة أو حذف؟
نشكر الرب من أجل البقية الأمينة التي حافظت على الوديعة.. الإيمان المسلّم مرّة للقديسين.. أقوال الله المقدسة.. الكتاب المقدس، ورفضت كل تقاليد من وضع البشر.
هذه البقية الأمينة القليلة العدد، وُجدت في كل جيل وعصر، لتكون شاهدة أيضًا على الضلال الذي انتاب المسيحية الإسمية.

أسئلة عن الفصل السادس عشر


1- ماذا يقصد الكتاب بعبارة «امتحنوا كل شيء»؟
2- لماذا كان أهل بيرية أشرف من الذين في تسالونيكي؟
3- هل علو مركز الواعظ يعصمه من الوقوع في الهرطقة؟
4- هات أمثلة من التاريخ عن أشخاص شغلوا مناصب دينية عليا، وقعوا في الهرطقة؟
5- ما هو الاضطرار الذي دفع يهوذا أن يُغيّر الموضوع الذي كان يود أن يخاطب به المؤمنين؟
6- ماذا يقصد بالإيمان المُسلّم مرّة للقديسين؟
7- ماذا يعني الرسول بولس بقوله: «وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا»؟
8-  ماذا تعني كلمة «َنَاثِيمَا»؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق