السبت، 13 أغسطس 2016

الفصل السابع عشر

حجج الكنائس التقليدية، والرد عليها

تثير الكنائس التقليدية بعض الحجج لإثبات أهمية التقليد، وقد تم الرد على بعضها ضمن فصول هذا البحث، ولكن بقيت بعض الحجج، رأيت من الضروري الرد عليها، حتى تبطُل تلك الحجج، وينفض مَنْ دُعي عليهم اسم المسيح من حول المتاجرين بالدين، ليلتفتوا إلى الرب وحده وكلمته المقدسة (الكتاب المقدس). 

الحجة الأولى:
يقول التقليديون: إن ليس كل ما علَّم المسيح به مدون في الأناجيل، استنادًا على ما جاء في يوحنا 21: 25: «وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ. آمِينَ».
وأيضًا ما جاء في يوحنا 20: 30: «وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ».

الرد:
لنلاحظ القول: «وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُــــوعُ»، لم يقل «تعاليم علَّـــم بها يسوع»، ولكنه قال: « أشياء صَنَعَهَا»، وحقيقة الأمر، أن ما صنعه الرب يسوع بصفته الكلمة الأزلي، الذي «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا 1: 3)، والمكتوب عنه أيضًا: « فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ» (كولوسي 1: 16).. لو تم تسجيل كل ما صنعه الرب يسوع، لكان قول الرسول يوحنا: « فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةََ» هو قول حق وصدق، ولا مبالغة فيه. ويكفي ما تخبرنا به التلسكوبات الفضائية من «وجود أكثر من مائتي وخمسين مليار مجرة، وكل مجرة بها أكثر من ثلاثمائة مليار نجم» فأين الكتب التي تساع  الحديث عن هذه المليارات من المجرات ومليارات المليارات من النجوم؟
«.. بل لو قمنا بتسجيل المعلومات الموجودة في جزيئات الـ DNA وكتابتها على الورق، لاحتجنا إلى مليون صفحة تقريبًا من صفحات دوائر المعارف. وهذا يعادل أربعين ضعفًا من دائرة المعارف البريطانية التي هي من أكبر دوائر المعارف للإنسان. وقد قدر أن جزيئات الـ DNA التي تملأ ملعقة شاي تستطيع أن تتسع لجميع المعلومات التي تحتويها جميع الكتب المطبوعة في العالم حتى الآن».
وأما القول: «وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ» (يوحنا 20: 30). فالحديث هنا عن آيات صنعها الرب يسوع لم يدونها الرسول يوحنا لأنها تفوق الحصر، فمكتوب عن الرب: «الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ» (أعمال 10: 38). فكل يوم من أيام خدمته على الأرض، كان الرب يجول يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، فمن يستطيع أن يُحصي ويُسجل كل أعمال الخير التي صنعها الرب أيام خدمته؟ لذلك كتب الرسول يوحنا على الفور: «وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ» (يوحنا 20: 31)، أي أن ما دونه الرسول يوحنا من آيات صنعها الرب يسوع كانت كافية لإيماننا بأن يسوع هو المسيح ابن الله، وأن هذا الإيمان كاف لمنحنا حياة باسمه. 

الحجة الثانية:
يقول التقليديون إن الرب كان يظهر لتلاميذه مدة أربعين يومًا وسلمهم تعاليم وتقاليد لم تدون استنادًا على ما جاء في سفر الأعمال 1: 3 «اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ».
الرد:
مما لا شك فيه، بل ومن المؤكد، أن كل الأمور المختصة بملكوت الله، والتي سمعها الرسل من الرب، قد وردت في تعاليمهم، ورسائلهم، وكتاباتهم المدونة بوحي من الله، بعد أن حلَّ عليهم الروح القدس في يوم الخمسين.
وهذا التأكيد مبني على قول الرسول يوحنا: «الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ ...» (1يوحنا 1: 3)، وكذلك استنادًا على قول الرسول بطرس: «وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ» (2بطرس 1: 19). ومكتوب: «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ» (2تيموثاوس 3: 16).
أمام هذه الإعلانات الإلهية، الواضحة وضوح الشمس في كبد السماء، التي تتحدث عن كمال وكفاية المكتوب لنا.. أمام هذه الإعلانات «يستد كل فم» (رومية 3: 19). 
أما الذين يتخذون من أعمال 1: 3 تكأة لقبول تعاليم تخالف بل وتسيء إلى كلمة الله، وإضافتها إلى الإيمان الأقدس، إنما لهم دينونة عظيمة، لأنهم لم يتحذروا لقول كاتب الرؤيا: «لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ» (رؤيا 22: 18، 19). كما داسو على تحذير الرسول بولس لأهل غلاطية: «وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا! .. إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا» (غلاطية 1: 8، 9). وتحذير آخر في 1كورنثوس 3: 11: «فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ».
فمن المؤكد أن ما تحدث به الرب لتلاميذه مدة الأربعين يومًا بعد قيامته، قام التلاميذ بتسجيله في كتاباتهم تحت قيادة الروح القدس: «لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (2بطرس 1: 21).
إن القول بأن هناك تعاليم لم تدون في الكتاب المقدس بحجة ما جاء في أعمال 1: 3، فضلاً عن أنه ينسب النقص إلى أقوال الله، وكتاب الله، أيضًا يفتح المجال أمام مَن يدسون بدع الهلاك، وينسبونها إلى التقليد. وهذا ما حدث على مدار التاريخ بإضافة تعليم وتقاليد وطقوس.. إلخ. لم ترد في كلمة الله، ولم يأمر بها الرب، كان من شأنها إبعاد الناس عن مصدر الحياة الأبدية.. الرب وكلمته، والتصاقهم بالأشخاص من ذي الألقاب الرنانة (صاحب القداسة..، صاحب النيافة..، قُدس أبونا... مُعلّم الأجيال.. إلخ.)، وابتعادهم عن الكتاب المقدس.

الحجة الثالثة:
يستند التقليديون على قول الرسول بولس الوارد في رسالة كورنثوس الأولى 11: 34 «.. وَأَمَّا الأُمُورُ الْبَاقِيَةُ فَعِنْدَمَا أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا» بأن هناك أمورًا سوف يرتبها الرسول لأهل كورنثوس لم  تُذكرفي الرسالة.
والسؤال المطروح، لماذا لم يذكر الرسول بولس هذه الأمور التي سوف يرتبها لأهل كورنثوس؟ هل كان الرسول مُقصّرا في عدم ذكر هذه الأمور؟ أم أنه خالف الوحي الإلهي في عدم ذكرها؟ أم أنها كانت أمورًا تختص بكنيسة كورنثوس بصفة خاصة، ولظروف خاصة بالمؤمنين في تلك الكنيسة، وليس للكنيسة العامة في كل زمان ومكان؟
لاشك أن الرسول بولس كان مطيعًا للوحي الإلهي في عدم ذكر تلك الأمور التي تختص بكنيسة كورنثوس وحدها وليس للكنائس كافة.
أليس كلمة الله المكتوبة بالروح القدس فيها كل الكفاية؟ ألم يقل الروح القدس على لسان الرسول بولس في رسالته الثانية لتيموثاوس ٣: ‏١٦ «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ ‍مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ».
 إن استناد التقليديون على ما جاء في رسالة كورنثوس الأولى 11: 34 ليضيفوا ما عنّ لهم من طقوس وتعاليم وتقاليد.. إلخ. هو استناد باطل، يُسيء إلى كمال وكفاية كلمة الله الموحي بها بالروح القدس.

الحجة الرابعة:
يستند التقليديون على ما جاء في رومية ٦:‏١٧ «فَشُكْراً ِللهِ، أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا لِلْخَطِيَّةِ، وَلكِنَّكُمْ أَطَعْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ صُورَةَ التَّعْلِيمِ الَّتِي ‍تَسَلَّمْتُمُوهَا» بأن هناك تعاليم يتسلمها المؤمنون لم تكتب في الكتاب المقدس. وهذا تفسير خاطئ ينسب عدم  كمال وكفاية ما دونه الرسل بالروح القدس في الكتاب المقدس، كما سبق القول. فالرسل كانت كرازتهم لليهود والأمم شفاهة في البداية، وبعد ذلك دونّوا ما علّموا به شفاهة في رسائلهم بإرشاد الروح القدس لكي تكون المرجع والمستند الوحيد للمؤمنين في كل زمان ومكان الذي يبنوا على أساسه حياتهم الروحية وشركتهم مع الآب ومع ابنه ربنا يسوع المسيح له المجد، أيضًا لتكون نورًا وهداية للبعيدين والضالين حتى يهتدوا إلى الطريق والحق والحياة، ربنا يسوع المسيح، فيخلصوا من دينونة الله، وتكون لهم الحياة الأبدية في ربنا يسوع المسيح، فمكتوب:
«وَهذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهذِهِ ‍الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ» (يوحنا الأولى ٥:‏١١).
إن لسان حال المؤمن الحقيقي: «لِيَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا» (رومية 3: 4).
أيضًا: «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ ‍مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ» (2 تيموثاوس 3: 16).

إن تحريض وتحذير الروح القدس للتقليديين الذين لم يجعلوا الكتاب المقدس مرجعهم الوحيد:
«إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ ‍فَجْرٌ!»
(إشعياء ٨:‏٢٠).

أما قصة الخلق التي تسلمها موسى بالتقليد الشفاهي، فقد سجلها بوحي من الروح القدس في الكتاب المقدس.
إن كمال وكفاية الكتاب المقدس تُبطل كل ادعاء بوجود تقليد شفاهي، بعد أن تم تسجيل أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد بالروح القدس.




أسئلة عن الفصل السابع عشر

1- هل قول الرسول يوحنا: «وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ» فيه مبالغة؟ ولماذا؟
2- كيف ترد على الحجة القائلة بأن المسيح بعد القيامة  كان يظهر لتلاميذه ويحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله؟
3-  كيف يهين التقليديون أقوال الله الموحى بها بالروح القدس؟
4- ما هو لسان حال المؤمن الحقيقي؟
5- ما هو تحذير الروح القدس للتقليديين؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق