السبت، 13 أغسطس 2016

الفصل الأول

تساؤلات منطقية

نظرًا لأهمية موضوع هذا البحث، وقِدم النظام الذي يتناوله بالدراسة كان من الضروري التمهيد له بطرح بعض التساؤلات المنطقية التي من شأنها تحريك العقل الراكد.. الساكن.. ومن ثمّ تحريره من الخرافات التي كبلته، ومن تَعَالِيمَ «هِيَ وَصَايَا النَّاسِ» وتقاليد أبطلت كَلاَمَ اللهِ، وممارسات تعبدية وطقسية جامدة لا روح فيها ولا حياة، ذات جذور يهودية ووثنية، والمسيحية الحقيقية منها براء.

ومما لا شك فيه أن الباحث عن الحقيقة، لا يتوقف عن طرح التساؤلات حول صحّة أو زيف كل تلك الموروثات الدينية، بل عليه أن يلاحظ بدقة كل ما يجري من حوله في العالم المسيحي من أنظمة دينية مختلفة ومتخالفة، وتعاليم وعقائد متضاربة، ومتناقضة، وطقوس ومظاهر دينية متنوعة، مما يجعلنا نتساءل، هل حقيقةً هي من تسليم الرسل كما يعتقد التقليديون؟ وإذا افترضنا جدلاً أنها من تسليم الرسل، فلماذا كل هذه التناقضات؟ وهل لهذه الموروثات الدينية مرجعية في الكتاب المقدس؟ وإن لم يكن لها مرجعية في الكتاب المقدس، فهل لها مرجعية في التاريخ؟
إن إعطاء العقل فرصة للتفكير والفهم، ومحاولة الإجابة عن التساؤلات المطروحة باستخدام المنهج العلمي في التفكير من استقراء واستدلال واستنباط على أسس من المنطق السليم، وبالرجوع إلى الأصول الكتابية والتاريخية، إنما يضع الإنسان على بداية طريق الفهم والمعرفة التي ليست حكرًا على فئة قليلة من البشر تدّعي زورًا وبهتانًا أنها تمتلك مفاتيحها.
فما أصعب أن يمتلك الإنسان أعظم هبات الله لمخلوقاته التي تدب على الأرض ألا وهو العقل، ثم يكون منقادًا، مُساقًا ومنساقًا، وهو مُعصب العينين مُغلق الذهن، مُلقيًا زمام أمر حياته هنا على الأرض، ومستقبله الأبدي، لمن أقاموا أنفسهم أو أقامهم الناس وسطاء بينهم وبين الله، ليقودوه إلى حيث لا يعلم.
إن أكبر وأشرّ جريمة يرتكبها الإنسان في حق نفسه، هي أن يُغيّب عقله، وأن يتوقف عن التفكير والفهم، وأن يتجنب طرح الأسئلة والتساؤلات، خاصة في الأمور التي تختص بإيمانه ومستقبله الأبدي، وأن يتوانى ويتقاعس في البحث عن الإجابة عليها.
إن إنسانًا بلا تفكير.. يُسلّم عقله لغيره، إنما يُسيء إلى الصورة التي خُلق عليها، فمكتوب:
«وَقَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الانْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا.. فَخَلَقَ اللهُ الانْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرا وَانْثَى خَلَقَهُمْ» (تكوين 1: 26، 27).
فكيف لمَن خُلق على صورة الرحمن أن يُلغي عقله، ويعصب عينيه، ويستسلم للمتاجرين بالدين بحجة أنهم من علماء الدين، وأهل الاختصاص؟
وماذا لو قاده هؤلاء إلى حيث المكان المُعدّ أساسًا لإبليس وجنوده.. جهنم النار الأبدية؟
فأي اعتذار يقدمه هذا الإنسان أمام الديان العادل؟ مكتوب:
«أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ..» (رومية 2: 1).
إن لم يُعمل الإنسان عقله ويُفكّر في كل ما يقع عليه بصره، ويمتحن كل ما يأتي على مسامعه من عظات وخطب وتعاليم، وتفاسير..إلخ. ويختبر صحة كل ما تسلّمه من الأجيال السابقة بخلاف الكتاب المقدس، يكون قد أنحط وهوى إلى درجة أقل من الكائنات غير العاقلة التي تسلك بموجب ما استودعها الخالق العظيم من أسرار وغرائز. فالكتاب يقول:
«اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيهِ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ..» (إشعياء 1: 3).
لكن، ماذا قال الكتاب عن إنسان لا يُعمل عقله لكي يفهم؟
مكتوب: «إِنْسَانٌ فِي كَرَامَةٍ وَلاَ يَفْهَمُ يُشْبِهُ الْبَهَائِمَ الَّتِي تُبَادُ» (مزمور 49: 20).
وأي شيء أفضل من العقل كرّم الله به الإنسان؟
إن العقل بمثابة البوصلة أو وسيلة الاسترشاد، التي تُهدي قبطان السفينة التي تمخر عباب البحار والمحيطات إلى الميناء الذي يهدف إليه، وكذلك تُهدي مَنْ يقومون برحلات استكشافية علمية أو أسفار وسط الصحراء الجرداء، إلى المكان الذي يرغبون في الوصول إليه.
فماذا لو فقد قبطان السفينة أو أولئك الرحّالة والمسافرين في الصحراء بوصلتهم، أو تعطلت وسيلة استرشادهم؟

لا عذر لإنسان أمام الله في يوم الدينونة العظيم سلّم عقله لغيره من البشر، وانقاد لهم انقيادًا أعمى، بحجة أنهم من علماء الدين، وأهل الاختصاص الذين يمتلكون مفاتيح العلم والمعرفة في الأمور الدينية دون غيرهم.

كل هذه الأعذار باتت واهية، ذلك لأن:
1- رسالة الله للإنسان المخلوق على صورته، واضحة وصريحة في مجملها، وإن لم تكن كذلك فهي ليست من الله الحيّ الحقيقي، لأنه لا يمكن أن يخاطب الله البشر برسالة يحتاج فيها كل شخص إلى جمهور من أهل الاختصاص والفتوى.. من الفقهاء والمفسرين وعلماء الدين، ليسيروا إلى جواره في كل خطوة، وليجلسوا معه في كل مجلس، ليوضحوا  له أمور دينه ودنياه في كافة مناحي الحياة.
إن أهل الاختصاص والمتاجرين بالدين هم مَن أقاموا أنفسهم وسطاء بين الناس والله، وكأن الله أعطاهم توكيلاً يتحدثون باسمه، ويصدرون الفتاوى والأحكام بالإنابة عنه، مَن يرضون عنه أعطوه صكًا بالغفران، وأدخلوه جنّة الرضوان، وفتحوا له أبواب السماء، ووعدوه بما لا يخطر على قلب بشر من متعٍ ونعيم، ومَن يخالفهم الرأي أنزلوا به الويلات والحرمانات، وفضحوه على صفحات الجرائد والمجلات والفضائيات، وأطلقوا عليه الشائعات التي تنال من مكانته وعلمه، وأغلقوا أمامه باب السماء، وأباحوا دمه على الأرض، وتوعدوه بجهنم ونار السعير في  الآخرة.
إن المتاجرين بالدين حوّلوا رسالة الله البسيطة التي من شأنها إصلاح حال العباد، لتثمر فيهم ثمرًا طيبًا في الأقوال والأفعال والمعاملات، وتقودهم إلى طريق الخلاص من الخطيئة  ودينونتها الأبدية، إلى علوم شتى، ومن ثمّ كان لكل عِلّم  من هذه العلوم عالم متخصص، أحاط نفسه بهالة من القداسة الوهمية، إذ تخفّى في ثياب الواعظين، ولبس قناع المُتّقين ليبدو أنه من أولياء الله الصالحين، وبات من الواجب الاستماع إليه دون غيره، وطاعته طاعة عمياء دون نقاش أو جدال، وإلا أنزل بمن يسأله، أو يخالفه الرأي الويل والثبور وعظائم الأمور.
2- وسائل المعرفة أصبحت كالماء والهواء.. فالفضائيات وشبكة المعلومات الدولية، وغيرها من وسائل المعرفة، كلها أدوات أصبحت تُيسّر المعلومات لطالب المعرفة. 
لذلك قبل الدخول في لبّ موضوع هذا البحث، كان لابد من التمهيد له بطرح بعض التساؤلات المنطقية كما سبق القول، والتي يمكن أن تخطر ببال أي إنسان يحترم عقله، والتي من الضروري الإجابة عنها، وهي كالتالي:

* هل أسس المسيح النظام البابوي؟ 
سؤال مطروح على كل مَنْ هم في دائرة هذا النظام، ولزامًا عليهم أن يجيبوا عنه أمام الله أولاً، وأمام ضمائرهم ثانيًا، وأخيرًا أمام تابعيهم، حيث أن هذا السؤال مبني على حقيقتين:
1- أن المسيح هو باني الكنيسة (متى 16: 18).
2- وأن المسيح هو رأس الكنيسة التي اقتناها بدمه (أعمال 20: 28).
وبناء على هاتين الحقيقتين، لابد أن يكون المسيح هو صاحب القرار في وضع النظام الذي تدار به كنيسته مُقتنَىَ دمه الكريم، مثلما كانت أوامر الله لعبده موسى في بناء خيمة الاجتماع بكل تفاصيلها ومحتوياتها ...إلخ. في العهد القديم (انظر سفر الخروج الإصحاحات من 35 - 40)، فهل أعمال وتعاليم المسيح تشير من قريب أو بعيد إلى هذا النظام؟ أو أن المسيح هو مؤسس النظام البابوي لإدارة كنيسته؟ 
والذين يدّعون بأن المسيح هو مؤسس هذا النظام، لنا أن نسألهم:
ما هي المناسبة التي أسس فيها هذا النظام، وما هو النص الكتابي الذي يشير إلى ذلك؟
وفي أي موضع من الكتاب المقدس ورد؟ ومن هو أول بابا رسمه المسيح، وعلى أي مدينة رسمه؟
أم أن المسيح لم يؤسس هذا النظام؟
وإن لم يكن المسيح هو الذي أسس النظام البابوي، إذن، السؤال المنطقي الذي يجب طرحه:
* هل رسل المسيح هم الذين أسسوا هذا النظام؟
والذين يدّعون بأن رسل المسيح هم مَنْ أسسوا هذا النظام، لنا أن نسألهم:
 ما هو الأساس الكتابي الذي استند عليه الرسل في تأسيس  النظام البابوي؟
هل كان لديهم تفويض من المسيح للقيام بهذا العمل، وأين ورد هذا التفويض؟
أم أنهم قاموا بذلك من تلقاء أنفسهم، أم أنهم لم يؤسسوا هذا النظام على الإطلاق؟ 
وإن لم يكن المسيح هو المؤسس للنظام البابوي، ولا رسله الكرام، فلنا أن نسأل:
* هل الآباء الرسوليون (تلاميذ الرسل)، هم الذين أسسوا هذا النظام؟
والذين يدّعون بأن الآباء الرسوليين هم مَنْ أسسوا هذا النظام، لنا أن نسألهم:
مَنْ هو الشخص الذي قام بتأسيس هذا النظام، وما هو النص الكتابي الذي استند عليه؟
وإن كان قد أخذ تفويضًا من بعض الرسل، فأين هذا التفويض وما هي نصوصه،
ومَنْ هو الرسول الذي منحه هذا التفويض؟
وإن كان هناك شخص قام بذلك، فلابد وأن يكون ورد ذكره في مجموعة كتابات الآباء  Ante-Nicene Fathers, Nicene and Post-Nicene Fathers. أو مذكور في الكتب المعتبرة لتاريخ الكنيسة.
وإن لم يكن الآباء الرسوليون هم الذين أسسوا هذا النظام،
فمن هو أول من أنشأ النظام البابوي في التاريخ؟
وهل ظهر النظام البابوي فجأة في التاريخ، أم كانت هناك عوامل مهدت لظهوره؟

تساؤلات منطقية مطروحة، تبحث عن إجابات للكشف عن مدى صحة أو زيف االنظام البابوي.
إن العقل الذي استسلم للخرافات، وقبلها كمُسلّمات إيمانية، إذ أُحيطت بهالة من القداسة الوهمية، ونُسجت من حولها الخرافات العجائزية، ومن ثمّ تمسّك بها لقرون طويلة، وقبلها كحقائق إيمانية لايجب المساس بها، أو الاقتراب منها،هو عقل قد تقاعس وتكاسل عن القيام بفحصها، والتأكد من صحتها ومطابقتها للمكتوب، لأنها في الحقيقة هي أمور أبعد ما تكون عن الإيمان المُسلّم مرّة للقديسين الذي سُجّل بالروح القدس في الأسفار المقدسة، وكذلك هي أبعد ما تكون عن فكر الرب من نحو كنيسته.



أسئلة عن الفصل الأول

1- ما أهمية إعمال العقل في فحص التقاليد التي توارثتها الأجيال؟
2- هل يتعارض المنهاج العلمي في التفكير مع حقائق الإيمان المسيحي؟
3- هل تعتقد بأن رسالة الله لنا تحتاج إلى جمهور من المُفسرين وأهل الاختصاص؟
4- هل تستخدم أدوات المعرفة المتاحة في عصرنا للوصول إلى معرفة  الحقيقة؟
5- هل ترجع إلى كتابك المقدس، للتأكد من  صحة كل ما تلاحظه في كنيستك، أو الطائفة التي تتبعها؟
6- ما هي الأعذار التي يمكن أن تقدمها أمام  الديان العادل؟
7- ماذا تعني عبارة: «أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ»؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق