السبت، 13 أغسطس 2016

الفصل الأول

تساؤلات منطقية

نظرًا لأهمية موضوع هذا البحث، وقِدم النظام الذي يتناوله بالدراسة كان من الضروري التمهيد له بطرح بعض التساؤلات المنطقية التي من شأنها تحريك العقل الراكد.. الساكن.. ومن ثمّ تحريره من الخرافات التي كبلته، ومن تَعَالِيمَ «هِيَ وَصَايَا النَّاسِ» وتقاليد أبطلت كَلاَمَ اللهِ، وممارسات تعبدية وطقسية جامدة لا روح فيها ولا حياة، ذات جذور يهودية ووثنية، والمسيحية الحقيقية منها براء.

ومما لا شك فيه أن الباحث عن الحقيقة، لا يتوقف عن طرح التساؤلات حول صحّة أو زيف كل تلك الموروثات الدينية، بل عليه أن يلاحظ بدقة كل ما يجري من حوله في العالم المسيحي من أنظمة دينية مختلفة ومتخالفة، وتعاليم وعقائد متضاربة، ومتناقضة، وطقوس ومظاهر دينية متنوعة، مما يجعلنا نتساءل، هل حقيقةً هي من تسليم الرسل كما يعتقد التقليديون؟ وإذا افترضنا جدلاً أنها من تسليم الرسل، فلماذا كل هذه التناقضات؟ وهل لهذه الموروثات الدينية مرجعية في الكتاب المقدس؟ وإن لم يكن لها مرجعية في الكتاب المقدس، فهل لها مرجعية في التاريخ؟
إن إعطاء العقل فرصة للتفكير والفهم، ومحاولة الإجابة عن التساؤلات المطروحة باستخدام المنهج العلمي في التفكير من استقراء واستدلال واستنباط على أسس من المنطق السليم، وبالرجوع إلى الأصول الكتابية والتاريخية، إنما يضع الإنسان على بداية طريق الفهم والمعرفة التي ليست حكرًا على فئة قليلة من البشر تدّعي زورًا وبهتانًا أنها تمتلك مفاتيحها.
فما أصعب أن يمتلك الإنسان أعظم هبات الله لمخلوقاته التي تدب على الأرض ألا وهو العقل، ثم يكون منقادًا، مُساقًا ومنساقًا، وهو مُعصب العينين مُغلق الذهن، مُلقيًا زمام أمر حياته هنا على الأرض، ومستقبله الأبدي، لمن أقاموا أنفسهم أو أقامهم الناس وسطاء بينهم وبين الله، ليقودوه إلى حيث لا يعلم.
إن أكبر وأشرّ جريمة يرتكبها الإنسان في حق نفسه، هي أن يُغيّب عقله، وأن يتوقف عن التفكير والفهم، وأن يتجنب طرح الأسئلة والتساؤلات، خاصة في الأمور التي تختص بإيمانه ومستقبله الأبدي، وأن يتوانى ويتقاعس في البحث عن الإجابة عليها.
إن إنسانًا بلا تفكير.. يُسلّم عقله لغيره، إنما يُسيء إلى الصورة التي خُلق عليها، فمكتوب:
«وَقَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الانْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا.. فَخَلَقَ اللهُ الانْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرا وَانْثَى خَلَقَهُمْ» (تكوين 1: 26، 27).
فكيف لمَن خُلق على صورة الرحمن أن يُلغي عقله، ويعصب عينيه، ويستسلم للمتاجرين بالدين بحجة أنهم من علماء الدين، وأهل الاختصاص؟
وماذا لو قاده هؤلاء إلى حيث المكان المُعدّ أساسًا لإبليس وجنوده.. جهنم النار الأبدية؟
فأي اعتذار يقدمه هذا الإنسان أمام الديان العادل؟ مكتوب:
«أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ..» (رومية 2: 1).
إن لم يُعمل الإنسان عقله ويُفكّر في كل ما يقع عليه بصره، ويمتحن كل ما يأتي على مسامعه من عظات وخطب وتعاليم، وتفاسير..إلخ. ويختبر صحة كل ما تسلّمه من الأجيال السابقة بخلاف الكتاب المقدس، يكون قد أنحط وهوى إلى درجة أقل من الكائنات غير العاقلة التي تسلك بموجب ما استودعها الخالق العظيم من أسرار وغرائز. فالكتاب يقول:
«اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيهِ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ..» (إشعياء 1: 3).
لكن، ماذا قال الكتاب عن إنسان لا يُعمل عقله لكي يفهم؟
مكتوب: «إِنْسَانٌ فِي كَرَامَةٍ وَلاَ يَفْهَمُ يُشْبِهُ الْبَهَائِمَ الَّتِي تُبَادُ» (مزمور 49: 20).
وأي شيء أفضل من العقل كرّم الله به الإنسان؟
إن العقل بمثابة البوصلة أو وسيلة الاسترشاد، التي تُهدي قبطان السفينة التي تمخر عباب البحار والمحيطات إلى الميناء الذي يهدف إليه، وكذلك تُهدي مَنْ يقومون برحلات استكشافية علمية أو أسفار وسط الصحراء الجرداء، إلى المكان الذي يرغبون في الوصول إليه.
فماذا لو فقد قبطان السفينة أو أولئك الرحّالة والمسافرين في الصحراء بوصلتهم، أو تعطلت وسيلة استرشادهم؟

لا عذر لإنسان أمام الله في يوم الدينونة العظيم سلّم عقله لغيره من البشر، وانقاد لهم انقيادًا أعمى، بحجة أنهم من علماء الدين، وأهل الاختصاص الذين يمتلكون مفاتيح العلم والمعرفة في الأمور الدينية دون غيرهم.

كل هذه الأعذار باتت واهية، ذلك لأن:
1- رسالة الله للإنسان المخلوق على صورته، واضحة وصريحة في مجملها، وإن لم تكن كذلك فهي ليست من الله الحيّ الحقيقي، لأنه لا يمكن أن يخاطب الله البشر برسالة يحتاج فيها كل شخص إلى جمهور من أهل الاختصاص والفتوى.. من الفقهاء والمفسرين وعلماء الدين، ليسيروا إلى جواره في كل خطوة، وليجلسوا معه في كل مجلس، ليوضحوا  له أمور دينه ودنياه في كافة مناحي الحياة.
إن أهل الاختصاص والمتاجرين بالدين هم مَن أقاموا أنفسهم وسطاء بين الناس والله، وكأن الله أعطاهم توكيلاً يتحدثون باسمه، ويصدرون الفتاوى والأحكام بالإنابة عنه، مَن يرضون عنه أعطوه صكًا بالغفران، وأدخلوه جنّة الرضوان، وفتحوا له أبواب السماء، ووعدوه بما لا يخطر على قلب بشر من متعٍ ونعيم، ومَن يخالفهم الرأي أنزلوا به الويلات والحرمانات، وفضحوه على صفحات الجرائد والمجلات والفضائيات، وأطلقوا عليه الشائعات التي تنال من مكانته وعلمه، وأغلقوا أمامه باب السماء، وأباحوا دمه على الأرض، وتوعدوه بجهنم ونار السعير في  الآخرة.
إن المتاجرين بالدين حوّلوا رسالة الله البسيطة التي من شأنها إصلاح حال العباد، لتثمر فيهم ثمرًا طيبًا في الأقوال والأفعال والمعاملات، وتقودهم إلى طريق الخلاص من الخطيئة  ودينونتها الأبدية، إلى علوم شتى، ومن ثمّ كان لكل عِلّم  من هذه العلوم عالم متخصص، أحاط نفسه بهالة من القداسة الوهمية، إذ تخفّى في ثياب الواعظين، ولبس قناع المُتّقين ليبدو أنه من أولياء الله الصالحين، وبات من الواجب الاستماع إليه دون غيره، وطاعته طاعة عمياء دون نقاش أو جدال، وإلا أنزل بمن يسأله، أو يخالفه الرأي الويل والثبور وعظائم الأمور.
2- وسائل المعرفة أصبحت كالماء والهواء.. فالفضائيات وشبكة المعلومات الدولية، وغيرها من وسائل المعرفة، كلها أدوات أصبحت تُيسّر المعلومات لطالب المعرفة. 
لذلك قبل الدخول في لبّ موضوع هذا البحث، كان لابد من التمهيد له بطرح بعض التساؤلات المنطقية كما سبق القول، والتي يمكن أن تخطر ببال أي إنسان يحترم عقله، والتي من الضروري الإجابة عنها، وهي كالتالي:

* هل أسس المسيح النظام البابوي؟ 
سؤال مطروح على كل مَنْ هم في دائرة هذا النظام، ولزامًا عليهم أن يجيبوا عنه أمام الله أولاً، وأمام ضمائرهم ثانيًا، وأخيرًا أمام تابعيهم، حيث أن هذا السؤال مبني على حقيقتين:
1- أن المسيح هو باني الكنيسة (متى 16: 18).
2- وأن المسيح هو رأس الكنيسة التي اقتناها بدمه (أعمال 20: 28).
وبناء على هاتين الحقيقتين، لابد أن يكون المسيح هو صاحب القرار في وضع النظام الذي تدار به كنيسته مُقتنَىَ دمه الكريم، مثلما كانت أوامر الله لعبده موسى في بناء خيمة الاجتماع بكل تفاصيلها ومحتوياتها ...إلخ. في العهد القديم (انظر سفر الخروج الإصحاحات من 35 - 40)، فهل أعمال وتعاليم المسيح تشير من قريب أو بعيد إلى هذا النظام؟ أو أن المسيح هو مؤسس النظام البابوي لإدارة كنيسته؟ 
والذين يدّعون بأن المسيح هو مؤسس هذا النظام، لنا أن نسألهم:
ما هي المناسبة التي أسس فيها هذا النظام، وما هو النص الكتابي الذي يشير إلى ذلك؟
وفي أي موضع من الكتاب المقدس ورد؟ ومن هو أول بابا رسمه المسيح، وعلى أي مدينة رسمه؟
أم أن المسيح لم يؤسس هذا النظام؟
وإن لم يكن المسيح هو الذي أسس النظام البابوي، إذن، السؤال المنطقي الذي يجب طرحه:
* هل رسل المسيح هم الذين أسسوا هذا النظام؟
والذين يدّعون بأن رسل المسيح هم مَنْ أسسوا هذا النظام، لنا أن نسألهم:
 ما هو الأساس الكتابي الذي استند عليه الرسل في تأسيس  النظام البابوي؟
هل كان لديهم تفويض من المسيح للقيام بهذا العمل، وأين ورد هذا التفويض؟
أم أنهم قاموا بذلك من تلقاء أنفسهم، أم أنهم لم يؤسسوا هذا النظام على الإطلاق؟ 
وإن لم يكن المسيح هو المؤسس للنظام البابوي، ولا رسله الكرام، فلنا أن نسأل:
* هل الآباء الرسوليون (تلاميذ الرسل)، هم الذين أسسوا هذا النظام؟
والذين يدّعون بأن الآباء الرسوليين هم مَنْ أسسوا هذا النظام، لنا أن نسألهم:
مَنْ هو الشخص الذي قام بتأسيس هذا النظام، وما هو النص الكتابي الذي استند عليه؟
وإن كان قد أخذ تفويضًا من بعض الرسل، فأين هذا التفويض وما هي نصوصه،
ومَنْ هو الرسول الذي منحه هذا التفويض؟
وإن كان هناك شخص قام بذلك، فلابد وأن يكون ورد ذكره في مجموعة كتابات الآباء  Ante-Nicene Fathers, Nicene and Post-Nicene Fathers. أو مذكور في الكتب المعتبرة لتاريخ الكنيسة.
وإن لم يكن الآباء الرسوليون هم الذين أسسوا هذا النظام،
فمن هو أول من أنشأ النظام البابوي في التاريخ؟
وهل ظهر النظام البابوي فجأة في التاريخ، أم كانت هناك عوامل مهدت لظهوره؟

تساؤلات منطقية مطروحة، تبحث عن إجابات للكشف عن مدى صحة أو زيف االنظام البابوي.
إن العقل الذي استسلم للخرافات، وقبلها كمُسلّمات إيمانية، إذ أُحيطت بهالة من القداسة الوهمية، ونُسجت من حولها الخرافات العجائزية، ومن ثمّ تمسّك بها لقرون طويلة، وقبلها كحقائق إيمانية لايجب المساس بها، أو الاقتراب منها،هو عقل قد تقاعس وتكاسل عن القيام بفحصها، والتأكد من صحتها ومطابقتها للمكتوب، لأنها في الحقيقة هي أمور أبعد ما تكون عن الإيمان المُسلّم مرّة للقديسين الذي سُجّل بالروح القدس في الأسفار المقدسة، وكذلك هي أبعد ما تكون عن فكر الرب من نحو كنيسته.



أسئلة عن الفصل الأول

1- ما أهمية إعمال العقل في فحص التقاليد التي توارثتها الأجيال؟
2- هل يتعارض المنهاج العلمي في التفكير مع حقائق الإيمان المسيحي؟
3- هل تعتقد بأن رسالة الله لنا تحتاج إلى جمهور من المُفسرين وأهل الاختصاص؟
4- هل تستخدم أدوات المعرفة المتاحة في عصرنا للوصول إلى معرفة  الحقيقة؟
5- هل ترجع إلى كتابك المقدس، للتأكد من  صحة كل ما تلاحظه في كنيستك، أو الطائفة التي تتبعها؟
6- ما هي الأعذار التي يمكن أن تقدمها أمام  الديان العادل؟
7- ماذا تعني عبارة: «أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ»؟




 الفصل الثاني


هل أسس المسيح النظام البابوي؟

عنوان هذا الفصل هو سؤال مطروح ليس فقط على كل مَنْ هم في دائرة هذا النظام، ولزامًا عليهم أن يجيبوا عنه أمام الله أولاً، وأمام ضمائرهم ثانيًا، وأخيرًا أمام تابعيهم، كما سبق القول، بل أيضًا على كل مسيحي له ضمير صالح أمام الله، أن يجيب عنه من كلمة الله.
إن كان حقًا الرب هو مؤسس النظام البابوي، فلابد أن يكون ذلك مُعلنًا في الإنجيل  بعبارات واضحة وصريحة ومباشرة، مثلما كان الأمر مع نوح في بناء الفلك، فالرب هو الذي حدّد مواصفات الفلك من حيث نوع الخشب الذي يصنع منه الفلك، وكذلك الأبعاد ونوع الطلاء، وتقسيم الفلك من الداخل.. إلخ. كان أمر الرب لنوح:
«اِصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكًا مِنْ خَشَبِ جُفْرٍ. تَجْعَلُ الْفُلْكَ مَسَاكِنَ،
وَتَطْلِيهِ مِنْ دَاخِل وَمِنْ خَارِجٍ بِالْقَارِ.
وَهكَذَا تَصْنَعُهُ: ثَلاَثَ مِئَةِ ذِرَاعٍ يَكُونُ طُولُ الْفُلْكِ، وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا عَرْضُهُ،
وَثَلاَثِينَ ذِرَاعًا ارْتِفَاعُهُ.
وَتَصْنَعُ كَوًّا لِلْفُلْكِ، وَتُكَمِّلُهُ إِلَى حَدِّ ذِرَاعٍ مِنْ فَوْقُ. وَتَضَعُ بَابَ الْفُلْكِ فِي جَانِبِهِ. مَسَاكِنَ سُفْلِيَّةً وَمُتَوَسِّطَةً وَعُلْوِيَّةً تَجْعَلُهُ» (تكوين 6: 14-16).
هل أطاع نوح الرب، أم استحسن موادًا أخرى، وأبعادًا أخرى، لبناء الفلك؟
إليك تقرير الروح القدس:
«فَفَعَلَ نُوحٌ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ اللهُ. هكَذَا فَعَلَ» (تكوين 6: 22).

وكذلك تعليمات الرب لموسى النبي في تأسيس خيمة الاجتماع لإقامة العبادة والخدمة التي بحسب فكر الله من نحو شعبه في القديم (انظر على سبيل المثال لا الحصر سفر الخروج الإصحاحات من 35 إلى 40، و سفر اللاويين الإصحاحات من 1إلى 4، وسفر العدد إصحاح 19).
هل أطاع موسى الرب، أم أنه أسس نظامًا حسب استحسانه الشخصي؟   يقول الكتاب:
«فَفَعَلَ مُوسَى بِحَسَبِ كُلِّ مَا أَمَرَهُ الرَّبُّ. هكَذَا فَعَلَ» (خروج 40: 16).
وترد عبارة «بِحَسَبِ كُلِّ مَا أَمَرَ الرَّبُّ» أكثر من مرّة (انظر خروج 36: 1؛ 39: 32، 42).
وبناء على ذلك، وجب على كل مؤمن حقيقي، له ضمير صالح أمام الله، وضع في قلبه طاعة الرب وكلمته المقدسة، أن يسأل نفسه: «هل كل ما يجري في كنيستي أو الطائفة التي أتبعها، من تعاليم، وطقوس ونُظم عبادة، هل حقًا هي «بِحَسَبِ كُلِّ مَا أَمَرَ الرَّبُّ»؟ أم هي نُظم وترتيبات وضعها البشر حسب استحسانهم الشخصي؟
إن كل الذين أعطوا لأنفسهم الحق بإدخال نُظم وطقوس وتعاليم وتقاليد لم يأمر بها الرب إلى داخل المسيحية - أيًّا كانت دوافعهم أو حُسن نواياهم - إنما بفعلتهم هذه اغتصبوا حقًا لم يخوّل لهم من صاحب الكنيسة وبانيها ومقتنيها بدمه الكريم، ومن ثمّ ارتفعوا بأفكارهم فوق أفكار الله، ونسبوا النقصان وعدم الكفاية للإعلان الإلهي في الكتاب المقدس، الموحى به من الله، والذي حوى كل مقاصد الله الأزلية من نحو البشر، من حيث خلاصهم، وترتيب عبادتهم له سواء في العهد القديم، أو في العهد الجديد.
إن الذين أرتأوا في أنفسهم أنهم أحكم من الله في إدارة كنيسته، إنما يشبهون «عُزَّة»
الذي قال عنه الكتاب:
«مَدَّ عُزَّةُ يَدَهُ إِلَى تَابُوتِ اللهِ وَأَمْسَكَهُ، لأَنَّ الثِّيرَانَ انْشَمَصَتْ» (2صموئيل 6: 6).
إن الحجة التي يمكن أن يقدمها عُزَّة ومن سلكوا نهجه، أن الثيران انشمصت، وأنه من المستحسن، بل من الواجب إمساك التابوت  لئلا يقع. وإذا تتبعنا الكثير من النظم والتقاليد التي أدخلها مَنْ أقاموا أنفسهم أو أقامهم الناس أوصياء على شعب المسيح، ربما كانت بحجة الإمساك بالتابوت لأن الثيران انشمصت أي وضع نُظم وترتيبات لإحكام القبضة على الشعب المسكين. لكن مَنْ قال أن التابوت يوضع على عربة تجرها ثيران؟ أليس هو الاستحسان البشري؟
هل إمساك التابوت بحجة الثيران المنشمصة عفى «عُزَّة» من العقاب؟
يقول الكتاب:
«فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى عُزَّةَ، وَضَرَبَهُ اللهُ هُنَاكَ لأَجْلِ غَفَلِهِ،
فَمَاتَ هُنَاكَ لَدَى تَابُوتِ اللهِ» (2صموئيل 6: 7).
لماذا أمات الله عُزَّةَ رغم حُسن نيّته، وسلامة مقصده؟
ولنا أن نسأل، هل حسن النوايا كاف للإعفاء من العقوبة؟
إن الحكمة البشرية تقول: «إن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة».
لقد خالف «عُزَّةَ» تعليمات الرب، وهي أن التابوت لا يُمسك بالأيدي، وإنما يُحمل على الأكتاف (قابل الخروج 25: 14 مع سفر العدد 7: 9)، لذلك ضربه الله فمات على الفور.
وهكذا كانت العقوبة التي لحقت بابني هارون إذ خالفا أمر الرب، مكتوب:
«وَأَخَذَ ابْنَا هَارُونَ: نَادَابُ وَأَبِيهُو، كُلٌّ مِنْهُمَا مِجْمَرَتَهُ وَجَعَلاَ فِيهِمَا نَارًا وَوَضَعَا عَلَيْهَا بَخُورًا، وَقَرَّبَا أَمَامَ الرَّبِّ نَارًا غَرِيبَةً لَمْ يَأْمُرْهُمَا بِهَا» (لاويين 10: 1).
إن خطيئة ابني هارون أنهما قربا نارًا غريبة لم يأمر بها الرب.
ماذا كانت النتيجة؟
يقول الكتاب:
«فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ وَأَكَلَتْهُمَا، فَمَاتَا أَمَامَ الرَّبِّ» (لاويين 10: 2).
إن ما فعله «عُزَّة» و«نَادَابُ وَأَبِيهُو» يبدو في نظر الكثيرين أمر لا يستحق العقاب الصارم الذي أنزله الله بهم، ولكن صرامة الله هي درس لكل مَنْ يخوِّل لنفسه التصرف في أمور الله بخلاف ما أمر به الله في الكتاب المقدس.
إن كانت الكنيسة هي كنيسة الله، فكيف للبشر أن يتصرفوا من نحو كنيسته دون تصريح، أو تفويض منه؟ وكيف يضعوا أنظمة لم يأمرهم بها؟ 
* بما أن الرب هو باني الكنيسة حسب قوله: «أَبْني كَنِيسَتِي» (متى 16: 18)،
* وبما أن الرب هو الذي أحب الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها، مكتوب: «أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا» (أفسس 5: 25)،
* وبما أن الرب هو رأسها المبارك «وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ» (كولوسي 1: 18)،
إذن لايمكن أن يُقام نظام يختص بها، إلا بأمر منه، وأي نظام يقام بخلاف ما أمر به الرب، يكون نظامًا متعديًا على الرب، ومغتصبًا لكنيسته التي اقتناها بدمه، والتي أحبها ووضع حياته من أجلها.
لنعود مرة أخرى إلى السؤال عنوان هذا الفصل:
«هل أسس المسيح النظام البابوي؟»  
لنذهب إلى الإنجيل لنبحث عن إجابة في كلمة الله التي هي دستور كل مؤمن حقيقي.
في الإنجيل كما دونه الرسول متى، نرى دعوة الرب لتلاميذه، وأمر تكليفهم، والمهام التي اختارهم من أجلها. مكتوب:
« وَإِذْ كَانَ يَسُوعُ مَاشِيًا عِنْدَ بَحْرِ الْجَلِيلِ أَبْصَرَ أَخَوَيْنِ: سِمْعَانَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ، وَأَنْدَرَاوُسَ أَخَاهُ يُلْقِيَانِ شَبَكَةً فِي الْبَحْرِ، فَإِنَّهُمَا كَانَا صَيَّادَيْنِ. فَقَالَ لَهُمَا:«هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ».
فَلِلْوَقْتِ تَرَكَا الشِّبَاكَ وَتَبِعَاهُ. ثُمَّ اجْتَازَ مِنْ هُنَاكَ فَرَأَى أَخَوَيْنِ آخَرَيْنِ: يَعْقُوبَ بْنَ زَبْدِي وَيُوحَنَّا أَخَاهُ، فِي السَّفِينَةِ مَعَ زَبْدِي أَبِيهِمَا يُصْلِحَانِ شِبَاكَهُمَا، فَدَعَاهُمَا. فَلِلْوَقْتِ تَرَكَا السَّفِينَةَ وَأَبَاهُمَا وَتَبِعَاهُ» (متى 4: 18-22).

من هذا النص المقدس، نجد أن بطرس و أندراوس أخاه هما أول من دعاهم الرب لتبعيته «هَلُمَّ وَرَائِي»، وكان مرسوم تكليفهما للخدمة هو «فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ» أي رابحي نفوس.
وفي متى 10: 1- 10 نرى دعوة التلاميذ وعددهم والسلطان الممنوح لهم وأسمائهم، مكتوب:
«ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ وَأَمَّا أَسْمَاءُ الاثْنَيْ عَشَرَ رَسُولاً فَهِيَ هذِهِ:
اَلأَوَّلُ سِمْعَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ، وَأَنْدَرَاوُسُ أَخُوهُ. يَعْقُوبُ بْنُ زَبْدِي، وَيُوحَنَّا أَخُوهُ. فِيلُبُّسُ، وَبَرْثُولَمَاوُسُ. تُومَا، وَمَتَّى الْعَشَّارُ. يَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى، وَلَبَّاوُسُ الْمُلَقَّبُ تَدَّاوُسَ. سِمْعَانُ الْقَانَوِيُّ، وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيُّ الَّذِي أَسْلَمَهُ هؤُلاَءِ الاثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً: إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ. وَفِيمَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ اكْرِزُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ. اِشْفُوا مَرْضَى. طَهِّرُوا بُرْصًا. أَقِيمُوا مَوْتَى. أَخْرِجُوا شَيَاطِينَ. مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا. لاَ تَقْتَنُوا ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً وَلاَ نُحَاسًا فِي مَنَاطِقِكُمْ،
وَلاَ مِزْوَدًا لِلطَّرِيقِ وَلاَ ثَوْبَيْنِ وَلاَ أَحْذِيَةً وَلاَ عَصًا،
لأَنَّ الْفَاعِلَ مُسْتَحِق طَعَامَهُ» (متى 10: 1-10).
فإذا افترضنا جدلاً أن الرب كان يقصد أن يؤسس نظامًا بابويًا لقال بصريح العبارة:
«ثُمَّ دَعَا البابوات المعظمين، أصحاب القداسة والغبطة الاثْنَيْ عَشَرَ»، بدلاً من:
«ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَر»َ.
أيضًا لقال الكتاب:
«وَأَمَّا أَسْمَاءُ البابوات المعظمين، أصحاب القداسة والغبطة الاثْنَيْ عَشَرَ فَهِيَ..»
بدلاً من: «وَأَمَّا أَسْمَاءُ الاثْنَيْ عَشَرَ رَسُولاً فَهِيَ..»،
ولكان تكليف الرب لهم هو:
«اقيموا كراسي بابوية (كاتدرائيات فخمة) في كل مكان تذهبون إليه، وكرّسوا مذابحها بدهنها بزيت الميرون، لتذبحوني عليها في كل مرّة تقيمون فيها القدّاس،
وتأكلون جسدي الحرفي، وتشربوا دمي الحرفي  وأن تسودوا على الناس، كما يفعل رؤسا ء وملوك هذا العالم، وأن يسجد لكم تابعيكم، وأن يقبلوا أياديكم، .. 
بدلاً من: «اكْرِزُوا»،
أو كما قال لبطرس وأندراوس أخيه «فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ» أي رابحي نفوس الناس.

ليس هناك تصريح أو تلميح نستدل منه على أن إرسالية الرب لتلاميذه، كانت لتأسيس نظام بابوي، والجلوس على كراسي في كاتدرائيات فخمة، وحمل صلبان من ذهب، ووضع التيجان المرصعة بالأحجار الكريمة على رؤوسهم، ولبس الثياب المطرزة والمزركشة ذات الألوان الصادمة للعين، وحمل العصي المغشاة بالذهب، والسكنى في القصور المؤثثة بأفخر الأثاث تحت مسميات مختلفة.. إلخ؟
أين قول الرب لتلاميذه: «لاَ تَقْتَنُوا ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً وَلاَ نُحَاسًا..» مما هو حادث في الأنظمة المسيحية الآن من اقتناء الذهب والفضة والقصور الفاخرة، وسائر مظاهر البذخ والترف..إلخ. بل رئاسة دويلة (الفاتيكان) داخل دولة (إيطاليا)؟
ألم يطع الرسول بطرس هذه الوصايا، بدليل قوله للمقعد الذي طلب صدقة:
«لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلكِنِ الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ:
بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ!» (أعمال 3: 6).
أيضًا في متى 28: 18- 20 نقرأ عن إرسالية الرب الثانية لتلاميذه «الأَحَدَ عَشَرَ» (متى 28: 16) حيث أن يهوذا الخائن كان قد مضى وشنق نفسه، يقول الكتاب: فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ  قَائِلاً:
«دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ.
لقد كان تكليف الرب لتلاميذه في إرساليتهم الأولى هي:
 «إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ. وَفِيمَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ اكْرِزُوا قَائِلِينَ:
إِنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ..» (متى 10: 5 - 7).
وذلك بقصد التمهيد لكرازته وسط شعبه إسرائيل، حتى يكونوا بلا عذر..

أما إرسالية الرب الثانية لتلاميذه فهي إلى «جَمِيع الأُمَمِ»، وكان مرسوم التكليف هو:
«تَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ... وعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ».
وفي إنجيل مرقس 16: 15 يقول الرب لتلاميذه:
«اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا».
أي أن عمل الرسل حسب تكليف الرب لهم أن يكرزوا بالإنجيل، ويتلمذوا جميع الأمم ويعلموهم وصايا الرب، وليس تأسيس كراسي بابوية، وتدشين كاتدرائيات، وتكريس مذابح، وممارسات طقسية أفرغت المسيحية من جوهرها، الأمور التي هي ضد المسيحية الحقيقية.
أيضًا إذا افترضنا جدلاً أن غرض سيدنا العظيم تأسيس نظام بابوي، لكان في العالم اثنا عشر كرسيًا بابويًا حسب عدد تلاميذه الذين ليس من بينهم مرقس، وبناء على هذه الفرضية الجدلية لنا أن نسأل:
أين كرسي أندراوس الرسول أخو بطرس؟  وأين كرسي يعقوب بن زبدي؟
أين كرسي يوحنا أخو يعقوب؟ وأين كرسي فيلبس الرسول؟
أين كرسي برثولماوس الرسول؟ وأين كرسي توما الرسول؟
أين كرسي متى الرسول؟ وأين كرسي يعقوب بن حلفى؟
أين كرسي لباوس الملقب تداوس؟ وأين كرسي سمعان القانوي؟
وأين كرسي متياس الذي اختاره الرسل بدلاً عن يهوذا الخائن؟
ولنا أن نسأل أيضًا:
أين كرسي الرسول بولس الذي تعب كثيرًا في كرازته بإنجيل المسيح، والذي استخدمه الرب في كتابة أكثر من نصف أسفار العهد الجديد؟
أما كرسي بطرس المزعوم، فسوف يأتي الحديث عنه بالتفصيل إن كان حقًا قد أسس هذا الرسول نظامًا بابويًا أم لا؟
وكذلك سوف يأتي الحديث عن البشير مرقس بالتفصيل، إن كان حقًا هو ضمن السبعين الذين أرسلهم الرب «أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعًا أَنْ يَأْتِيَ» (لوقا 10: 1)، أم لا. وإن كان حقًا قد أتى إلى مصر للتبشير فيها، وأسس نظامًا بابويًا في الأسكندرية، أم لا؟
ومن الأمور التي تدعو للأسف والأسى والحزن الشديد، وهي كثيرة في المسيحية الإسمية، أن هناك اثنين من البابوات في مصر يجلسان الآن على كرسي مرقس المزعوم، أحدهما للروم الأرثوذكس والآخر للأقباط الأرثوذكس، فكيف يجلس اثنان من البابوات على كرسي واحد، وكل منهما يدّعي أنه خليفة مرقس الإنجيلي، فترتيب أحدهما 126 من سلسلة البابوات الذين نسبوا أنفسهم للكرسي المزعوم والآخر ترتيبه 118؟ ناهيك عن عدد آخر من البطاركة في مصر لطوائف أرثوذكسية أخرى مثل الأرمن، والسريان.. إلخ. أضف إلى هذا الجمهور من البطاركة، بطاركة الكاثوليك على مختلف مذاهبهم.. الكل ينسبون أنفسهم لكرسي هو من صُنع الخيال والوهم، ومرقس الإنجيلي منه براء.
فهل حقًا أقام مرقس الإنجيلي كل هذا العدد الغفير من البابوات والبطاركة وأجلسهم جميعًا على كرسي واحد؟
أم أن مرقس الإنجيلي لم  يُقم أحدًا منهم على الإطلاق؟
هذه الأسئلة لبعث الحياة في عقول تيبّست وتكلّست وتوقفت عن التفكير، وإيقاظ ضمائر تغط في سبات عميق أقرب إلى الغيبوبة منه إلى النوم.
مما سبق يتضح بكل جلاء أن المسيح له المجد لم يؤسس نظامًا بابويًا لكنيسته التي أحبها واقتناها بدمه الكريم، ولم يأمر تلاميذه بتأسيس هذا النظام، بل حذّر تلاميذه من التمثل بأنظمة العالم، إذ قال لهم:
«أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ.
فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا،
وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا، كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متى 20: 25-28).
إن هذا النص يحمل تحذيرًا من الرب لتلاميذه من التمثل بأنظمة العالم، وهو تحذير يصدم كل من أقاموا أنفسهم، أو أقامهم الناس،  رؤساء على قطيع المسيح، إذ داسوا على قول الرب لتلاميذه: «فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ».
إن مبدأ رئاسة الرب على شعبه مبدأ ثابت سواء في العهد القديم أو في العهد الجديد، فعندما طلب الشعب القديم بإلحاح وإصرار وتصميم من صموئيل النبي أن يقيم لهم ملكًا مثل سائر الأمم، سَاءَ الأَمْرُ فِي عَيْنَيْ صَمُوئِيلَ إِذْ قَالُوا: «أَعْطِنَا مَلِكًا يَقْضِي لَنَا» (1صموئيل 8: 6). لكن الرب قال له:
«اسْمَعْ لِصَوْتِ الشَّعْبِ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَ لَكَ،
لأَنَّهُمْ لَمْ يَ‍رْفُضُوكَ أَنْتَ بَلْ إِيَّايَ رَفَضُوا حَتَّى لاَ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ» (1صموئيل 8: 7).
أليس هذا ما حدث في المسيحية الإسمية؟
ألم يرفض المسيحيون، الذين نحّوا الكتاب المقدس جانبًا وعظّموا التقاليد وقدسوها، رئاسة الرب عليهم، واختاروا أن  يكون لهم رئيسًا من الناس، بدلاً من الرب، يصفقون له، ويهللون من حوله، ويرفعون من شأنه، وينافقونه ويطلقون عليه من الألقاب والصفات ما لاطاقة لمؤمن حقيقي أن يتحملها أو يقبلها، مثلما تفعل أنظمة العالم؟
أليس الذين يشغلون منصب الرئاسة في العالم المسيحي، يحتلون مكان الرب وسط شعبه، ويغتصبون مكانته كالسيد والرئيس؟
لكن ماذا عن الألقاب المنتشرة في العالم المسيحي التي أطلقت على هؤلاء الرؤساء، مثل سيدنا.. أبونا.. معلمنا.. (معلم الأجيال)... إلخ.
قال الرب لتلاميذه في متى 23: 8 - 11:
«وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ، وَأَنْتُمْ جَمِيعًا إِخْوَةٌ. وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَبًا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ. وَأَكْبَرُكُمْ يَكُونُ خَادِمًا لَكُمْ».
لقد نهى الرب تلاميذه أن يدعوهم الناس بـ «سيدي»، كما نهاهم أن يدعوا لهم «أبًا» على الأرض، أيضًا نهاهم أن يدعوهم الناس «معلمين».
وإن كان هذا حديث الرب لتلاميذه، أفلا ينطبق على العاملين في كرم الرب - من المؤمنين (إن كانوا حقًا مؤمنين حقيقيين) - في كل زمان ومكان؟
إن المسيح لم يؤسس نظامًا بابويًا ولا نظامًا رئاسيًا لكنيسته، بل حذّر تلاميذه من ذلك، لأنه رأس الكنيسة الحي، القائم من بين الأموات، والجالس عن يمين العظمة في الأعالي:
 والحاضر مع شعبه في كل زمان ومكان:
«وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ» (متى 28: 20).
والحاضر وسط شعبه حيثما اجتمعوا:
«لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي (إلى اسمي) فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ»
(متى 18: 20).
والسؤال المطروح، إذا كان الرب حاضرًا مع شعبه في كل زمان ومكان، وحيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة إلى اسمه يكون في وسطهم، فمن الذي يجرؤ على رئاسة شعب الرب في حضور الرب نفسه بحسب وعده؟ ومن الذي يجرؤ على الادعاء بأنه خليفة الرب على الأرض؟
وعلى فرض أن الرب جاء ليجتمع بشعبه كما كان في أيام تجسده على الأرض، فأي الكنائس يدخل وهناك آلاف الكنائس والطوائف التي تختلف مع بعضها البعض في العقيدة والطقوس، والصلوات.. إلخ.؟
وإذا ما دخل كنيسة بابوية، فمن الذي سيجلس على كرسي الرئاسة، البابا أم المسيح؟
وإذا حضر الرب وكان البابوات ورؤساء الكنائس والطوائف في العالم أجمع حاضرين مع شعوبهم، فأي من هؤلاء البابوات أو رؤساء الكنائس أوالطوائف يتجرأ بأخذ مكان الرئاسة على تلك الشعوب في حضور الرب؟
ألا يخجل هؤلاء وأولئك بأخذ مكان رئاسة الرب على شعبه. أما الشعب فإلى أي من البابوات أو رؤساء الكنائس والطوائف التابعين لها يلتفت في حضور الرب؟
أي شرّ يرتكبه المسيحيون أن يقبلوا أن يكون لهم رأسَا أو رئيسَا للكنيسة بخلاف الرب له المجد، يلتفتون إليه،  ويلتفون من حوله، ويتبعونه ويخضعون له.
ألا ينطبق على هؤلاء قول الرب عن شعبه في القديم:
«لأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ،
لِيَ‍نْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً» (إرميا ٢: ‏١٣).

ليت كل من تجرأ واغتصب مكان الرب ومكانته كرئيس على شعبه، وقَبِل أن يتبوأ مركز الرئاسة على شعب المسيح، أن تدخل الرعدة والرهبة إلى قلبه، وأن يستيقظ ضميره إن كان ابنًا حقيقيًا لله، فيعطي المجد للرب، ويرفض كل ما خلعه عليه المنافقون المزوّرون من ألقاب وسلطة وسيادة، ويأخذ مكانه كالخادم الحقيقي للرب.. أن يكون خادمًا لا مخدومًا، متمثلاً بسيده الذي قال عن نفسه:
«أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ»
(متى 20: 28).



أسئلة عن الفصل الثاني

1- هل يحق لإنسان أيًا كان أن يتصرف فيما لا يملكه؟
2- هل من صلاحيات الوكيل أن يتخذ قرارات دون الرجوع إلى صاحب الشأن؟
3- هل فعل نوح حسب كل ما أمره به الله، أم أضاف وحذف من تعليمات الله له؟
4- هل فعل موسى بحسب كل ما أمره الرب، أم أنه صنع خيمة من خياله الشخصي؟
5- هل إمساك عزة للتابوت كان يستوجب القضاء عليه بالموت؟ ولماذا؟
6- هل خطيئة ابني هارون كانت تستوجب العقاب الذي أنزله الله بهما؟
7- هل أمر الرب تلاميذه بتأسيس النظام البابوي؟ ما هو الدليل الكتابي سواء أكانت الإجابة بالإيجاب أو بالنفي.



الفصل الثالث

هل أسس رسل المسيح النظام البابوي؟

رأينا في الفصل السابق أن الرب لم يقم بتأسيس النظام البابوي، ولم يُلّمّح، لا من قريب ولا من بعيد، في أقواله أو تعاليمه أو أعماله إلى مثل هذا النظام، بل على العكس حذّر تلاميذه من التمثل بأنظمة العالم (متى 20: 25 - 28).  لكن الكنائس التقليدية تدعي - دون سند كتابي أو تاريخي - بأن رسل المسيح هم مَنْ أسسوا النظام البابوي، فتنسب تأسيس النظام البابوي في روما إلى الرسول بطرس، وسنكتشف بهتان هذا الادعاء بشهادة من علماء الكاثوليك أنفسهم، وتنسب تأسيس النظام البابوي في مصر إلى مرقس الإنجيلي رغم إنه لم يكن من رسل المسيح الوارد ذكرهم في متى 10 الذين أخذوا وصية مباشرة من الرب وتكليف واضح بالكرازة في العالم أجمع «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مرقس 16: 15)، وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد.
ولكن إذا تتبعنا أعمال وتعاليم هؤلاء الرسل في الأناجيل وسفر أعمال الرسل، والرسائل لا نجد أدنى إشارة أن أحدًا منهم ادعى البابوية وتسيّد على المؤمنين، أو أنهم اسسوا النظام البابوي، أو علّموا برئاسة إنسان على باقي المؤمنين، بل على العكس كانت أعمالهم وتعاليمهم تحض على التواضع وإنكار الذات، وخدمة المؤمنين وليس السيادة والتسلط عليهم.
أما عن أعمالهم فنجد في معجزة شفاء الأعرج من بطن أمه، قال الرسول بطرس لليهود الذين ألتفوا من حوله مندهشين:
«أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ تَتَعَجَّبُونَ مِنْ هذَا؟ وَلِمَاذَا تَشْخَصُونَ إِلَيْنَا، كَأَنَّنَا بِقُوَّتِنَا أَوْ تَقْوَانَا قَدْ جَعَلْنَا هذَا يَمْشِي؟» (أعمال 3: 12).
ثم أخبرهم بسرّ شفاء المقعد:
«فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ،
أَنَّهُ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ، الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ،
الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِذَاكَ وَقَفَ هذَا أَمَامَكُمْ صَحِيحًا» (أعمال 4: 10).

 لم يستغل الرسول بطرس هذه المعجزة والتفاف الناس من حوله أن يصنع من نفسه سيدًا على الآخرين، وأن يدعوه الآخرون بسيدنا، أو بصاحب القداسة والغبطة، بل وجّه نظر المُلتفين من حوله إلى صاحب المعجزة الحقيقي لكي بالحري يلتفوا من حوله.

وفي موضع آخر، نراه يعلن بأنه رفيق الشيوخ الذين بين المؤمنين - الذين يوجّه إليهم رسالته - وليس سيدًا عليهم: «أَطْلُبُ إِلَى الشُّيُوخِ الَّذِينَ بَيْنَكُمْ، أَنَا الشَّيْخَ رَفِيقَهُمْ» (1بطرس 5: 1).
لو كان لدى الرسول بطرس مبدأ السيادة والرئاسة لقال: «أنا الشيخ رئيسهم» أو «أنا الشيخ سيدهم» بدلاً من «أَنَا الشَّيْخَ رَفِيقَهُمْ».
إن رسول بهذه الصفات والسمات من غير المقبول ولا المعقول أن يؤسس نظامًأ بابويًا رئاسيًا سياديًا سلطويًا.. فضلاً أنه لم يشر إلى ذلك لا بالتلميح أو بالتصريح أنه بابا، أو أنه أسس نظامًا بابويًا في أي مكان كرز فيه.
وفي أعمال 14: 8 - 18 نرى تواضع الرسول بولس عندما استخدمه الرب في شفاء المقعد من بطن أمه وكان معه برنابا، وأراد كاهن زفس أن يقدم لهما ذبائح بصفتهما آلهة، يقول الكتاب:
«فَلَمَّا سَمِعَ الرَّسُولاَنِ، بَرْنَابَا وَبُولُسُ، مَزَّقَا ثِيَابَهُمَا، وَانْدَفَعَا إِلَى الْجَمْعِ صَارِخَيْنِ وَقَائِلِينَ: أَيُّهَا الرِّجَالُ، لِمَاذَا تَفْعَلُونَ هذَا؟ نَحْنُ أَيْضًا بَشَرٌ تَحْتَ آلاَمٍ مِثْلُكُمْ.. ».
لاحظ ماذا قال الرسولان للجموع: «نَحْنُ أَيْضًا بَشَرٌ تَحْتَ آلاَمٍ مِثْلُكُمْ»، ولم يستغلا الفرصة في أن يقيما من أنفسهما ليس فقط أسيادًا بل أنصاف آلهة، ويقبلا الذبائح المقدّمة لهما ويدّعيا أنهما أصحاب القداسة، وأنه لولا قداستهما ما تمت المعجزة.. إلخ.
لم يفعل الرسولان ذلك، بل رفضا التمجيد المُقدّم لهما، ومَزَّقَا ثِيَابَهُمَا، وقالا للجموع: «نَحْنُ أَيْضًا بَشَرٌ تَحْتَ آلاَمٍ مِثْلُكُمْ»، تلك الحقيقة التي سجلها الوحي أيضًا عن إيليا النبي والذي كان يردد قولته المشهورة «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ،..» (1ملوك 17: 1)، والذي صعد إلى السماء دون أن يذُق الموت، مكتوب عنه: «كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا» (يعقوب 5: 17).

هذه هي أخلاقيات رسل المسيح.
أما ما يحدث في الكنائس التقليدية إنما هو على العكس من ذلك تمامًا، فنجد أن البابا يقبل أن يُقدّم له البخور من المطارنة والأساقفة والكهنة، وكذلك المطران أو الأسقف يقبل أن يُقدم له البخور من الكهنة، وكأن البابوات والمطارنة والأساقفة آلهة يُقدم لها البخور.. بل وصل الضلال أن هؤلاء جميعًا يُقدمون البخور أمام الصور والأيقونات وأجساد القديسين في مشهد هزلي يراه الملايين على الفضائيات، وهو أقرب إلى الوثنية منه إلى المسيحية الحقيقية. 
أما عن تعاليم الرسل وكتاباتهم، فهي تعلن بكل وضوح وجلاء أنهم لم يكونوا أسيادًا على المؤمنين، ولم يدّعو أنهم بابوات.. ولم يلقّبوا بأصحاب القداسة والغبطة، ولم يقبلوا أن يسجد لهم المؤمنون ويقبّلوا أياديهم، بل كانوا خدامًا للمسيح، ووكلاء سرائر الله:
يكتب الرسول بولس لأهل كورنثوس قائلاً:
«هكَذَا فَلْيَحْسِبْنَا الإِنْسَانُ كَخُدَّامِ الْمَسِيحِ، وَ‍وُكَلاَءِ سَرَائِرِ اللهِ»
(1كورنثوس ٤: ‏١).
لقد أدرك الرسل أنهم خدام المسيح، والخدام لا يسودوا ولا يتسلطوا، وكذلك ليسوا أربابًا وأسيادًا حتى يقبلوا أن يُقدم لهم البخور وأن يسجد لهم تابعيهم. 
والخدام أيًّا كانت خدمتهم في الكنيسة وأيّا كانت مواهبهم، لهم دينونة عظيمة إذا تكبروا واختلسوا مكان ومكانة السيد الوحيد ربنا يسوع المسيح وسط شعبه، والويل كل الويل - في يوم الدينونة العظيم - لمن يعظّمون هؤلاء الخدام (إن كانوا حقًا خدامًا للمسيح)، ويخلعون عليهم من الألقاب والصفات، ما يختص به الرب وحده.
كذلك الخدام هم وكلاء أُستئمنوا على وكالة (1كورنثوس 9: 17)، وليسوا مُلّاكًا، والوكيل لا يتصرف فيما أؤتمن عليه، وعليه طاعة أوامر صاحب الشأن، ولا يتصرف حسب استحسانه الشخصي، لأنه يومًا سوف يُقدِّم حسابًا عن وكالته، مكتوب: «أَعْطِ حِسَابَ وَكَالَتِكَ» (لوقا 16: 2).
فالكنيسة هي كنيسة الله وليست كنيسة المدعو بصاحب القداسة، أو المدعو برئيس الكنيسة أو الطائفة حتى يتصرف كما يحلو له، أو كما يُخيّل إليه أنه حسن، ومن ثمّ يضيف أصوامًا وطقوسًا وأنظمة.. إلخ. لم يأمر بها الرب، وليست كنيسة أحد المدعوين قديسين، كما يحلوا للتقليديين بإطلاق أسماء المدعوين قديسين على كنائسهم كشفعاء لها، ورأينا أن الشفعاء لم يهبوا لنجدة كنائسهم التي حُرقت ودُمِّرت، لأنها تعاليم من خيال ذهن الإنسان الفاسد، والتي تهدف إلى إبعاد المسيح عن المشهد.
أيضًا يكتب لهم: 
«فَمَنْ هُوَ بُولُسُ؟ وَمَنْ هُوَ أَبُلُّوسُ؟ بَلْ خَادِمَانِ آمَنْتُمْ بِوَاسِطَتِهِمَا» (1كورنثوس 3: 5).
لاحظ أدب واتضاع الرسول بولس لا يقول فمن هو أبلوس في بداية حديثه، لكنه يشير أولاً إلى نفسه «فمن هو بولس؟»، ثم لاحظ تواضع الرسول إذ يضع أبلوس ندًا له في الخدمة «خادمان آمنتم بواسطتهما»، أي لم يكونا رؤساء كنيستين أو طائفتين متنافسين.. متناحرتين تسعى كل منهما لخطف رعية الأخرى، لم يكونا من البابوات الأحبار، أو البطاركة أصحاب القداسة والغبطة، بل كانا خادمين للمسيح.
ولو أن الرسل كانوا بابوات، لكتب الرسول بولس لأهل كورنثوس: «من صاحب القداسة والغبطة البابا المعظم الأنبا بولس الأول.. العظيم في البطاركة، وثالث عشر الرسل.. بابا وبطريرك الكرازة البولسية في آسيا وأوربا وسائر بلاد الإمبراطورية الرومانية ».
أليست هذه هي الصفات التي خلعها المنافقون على مَنْ يُفترض أنهم خدام المسيح؟
لقد حسب الرسول بولس أنه من التشريف له، والذي لا يدانيه تشريف آخر، ومبعث افتخاره أن يكون خادمًا ليسوع المسيح، وليس ذلك فقط بل «عبدًا ليسوع المسيح» (انظر رومية 1: 1؛ غلاطية 1: 10؛ فيلبي 1: 1؛ تيطس 1: 1).
كما أن الروح القدس يخاطب المُنافقين المُزورين الذين يخلعون على خدام المسيح (أو من المفترض أنهم خدام المسيح) من الألقاب والصفات والميزات ما لا طاقة لمؤمن حقيقي أن يحملها أو يتحملها، فيقول:
«فَمَنْ هُوَ بُولُسُ؟ وَمَنْ هُوَ أَبُلُّوسُ؟ بَلْ خَادِمَانِ آمَنْتُمْ بِوَاسِطَتِهِمَا».
إذن من الناحية الكتابية لم يؤسس رسل المسيح النظام البابوي، وهذا مؤكد من سلوكهم، ورسائلهم وتعاليمهم المدونة في أسفار العهد الجديد بوحي من الروح القدس.
فإذا فحصنا أسفار العهد الجديد لا نجد أدنى إشارة أو تلميح من قريب أو بعيد أو تصريح إلى قيام الرسل بتمجيد وتعظيم أنفسهم، فكيف يقومون بتأسيس نظام رئاسي سيادي سلطوي بابوي؟ لقد كانوا خدامًا ووكلاء وعبيدًا ليسوع المسيح، وكان هذا شرفًا لا يدانيه شرف آخر.                              
كما أن أسفار العهد الجديد لم تسجل لنا أن أحدًا خاطب الرسول بطرس أو أحد الرسل بصاحب القداسة والغبطة البابا المعظم..
ولأن النظام البابوي نظام رئاسي.. رئاسة الكنيسة.. رئاسة الكهنوت..إلخ. بل وصل إلى رئاسة دويلة (عاهل دولة الفاتيكان) داخل دولة إيطاليا، لذلك سبق الرب وحذر تلاميذه من التمثل بنظام العالم من رئاسة وسيادة وتسلط.
وعندما خطرت فكرة السيادة والتسلط على بال أم ابني زبدي إذ تقدمت إلى الرب مَعَ ابْنَيْهَا وقَالَتْ لَهُ:«قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ هذَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنِ الْيَسَارِ فِي مَلَكُوتِكَ» (متى 20: 20، 21).
فما أن سمع الرب مثل هذا الكلام، إلا والتفت إلى تلاميذه ليحذرهم من أساليب العالم من سيادة ورئاسة وتسلط على الرعية، إذا قال لهم:
«أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ.
فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا،
وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا،
كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ»
(متى 20: 25-28).
إن كان الرب في تجسده قد جاء ليجلس على كرسي ويترأس ويحكم ويملك، ويقاضي ويدين، وهذا من حقه كالكلمة الأزلي الذي له الرياسة والأولوية، والتقدم في كل شيء، وهو المعبود والمسجود له من ربوات الملائكة، إلا أنه لم  يفعل ذلك، بل أعلن لتلاميذه عن مبدأ أساسي لكل مَنْ يريد الخدمة، وهو المثال والنموذج الذي يجب أن يُحتذى به، إذ قال لهم:
«.. ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ».
وفي لوقا 22: 27 قال لتلاميذه:
«لأَنْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ: أَلَّذِي يَتَّكِئُ أَمِ الَّذِي يَخْدُمُ؟ أَلَيْسَ الَّذِي يَتَّكِئُ؟
وَلكِنِّي أَنَا بَيْنَكُمْ كَالَّذِي يَخْدُمُ».
لذلك قال عنه الرسول بولس لأهل فيلبي الذين بدأ يدخل بينهم التحزب والعُجب، والانشقاق:
«فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ،
لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ،
 صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ،
وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ» (فيلبي 2: 5-8).
بل إن الرب حذرهم من التمثل بالكتبة والفريسيين - الذين قال عنهم:
«يُحِبُّونَ الْمُتَّكَأَ الأَوَّلَ فِي الْوَلاَئِمِ، وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ، وَالتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ، وَأَنْ يَدْعُوَهُمُ النَّاسُ: سَيِّدِي سَيِّدِي!»  (متى 23: 6، 7).
 قائلاً:
«وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ، وَأَنْتُمْ جَمِيعًا إِخْوَةٌ»
(متى 23: 8).
كيف يقبل خادم حقيقي للرب، أن يدعوه الناس سيدنا .. سيدنا، والرب قد نهى عن ذلك؟
هل المدعو سيدنا هذا، يجهل وصايا المسيح؟ فإذا كان يجهل وصايا المسيح، فهذا عار، أما إذا كان يعلم الوصايا ويقبل على نفسه أن يدعوه الناس سيدنا.. سيدنا.. فالعار والخزي أكثر وأكثر بما لا يقاس؛ لأنه سلب واغتصب لقبًا من ألقاب المسيح له المجد، الذي قال لتلاميذه:
« أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّمًا وَسَيِّدًا، وَحَسَنًا تَقُولُونَ، لأَنِّي أَنَا كَذلِكَ» (يوحنا 13: 13).
بل قال عنه يهوذا في رسالته أنه:
«السَّيِّدَ الْوَحِيدَ: اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ» (يهوذا 4).
فإذا كان الكتاب يعلن أن الرب هو السيد الوحيد، فهل يقبل المسيحيون سيدًا آخر غيره؟
أليس مبدأ الرئاسة يتعارض مع مبادئ الرب نفسه، الذي «صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَل، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِرًا بِهَا» (يوحنا 13: 5)؟
انظر بماذا يشهد الروح القدس عنه قبل أن يغسل أرجل تلاميذه:
«يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الآبَ قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى يَدَيْهِ،
وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَرَجَ، وَإِلَى اللهِ يَمْضِي» (يوحنا 13: 3).
فرغم علم الرب بأن الآب قد دفع كل شيء إلى يديه، ورغم علمه أنه من عند الله خرج وإلى الله يمضى، ماذا يقول الكتاب:
«قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ، وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا، ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَل، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِرًا بِهَا» (يوحنا 13 : 4، 5).
انظر ماذا قال الرب لتلاميذه بعد أن غسل أرجلهم:
«فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ»
(يوحنا 13: 14- 16).
فهل بعد كل ما عمله المسيح وعلَّم به، يمكن أن يخطر ببال رسله أن يؤسسوا نظامًا بابويًا رئاسيًا سياديًا تسلطيًا؟
إن الذين ينسبون النظام البابوي إلى رسل المسيح، ويدّعون زورًا وبهتانًا، أن رسل المسيح هم من أسسوا النظام البابوي، عليهم أن يأتوا بالدليل الكتابي.
لقد هرب أحدهم  عندما حوصر بالمطالبة بالإتيان بنص كتابي يثبت صحة عقيدته المنحرفة عن حق الإنجيل بالقول: «لا تقل لي أريد نصًا كتابيًا لأنه يوجد إنجيل آخر».
وآخر قال: «إن للكنيسة جناحين، أحدهما الكتاب المقدس، والآخر التقليد».
فهل يوجد أشرّ من الادعاء بأنه يوجد إنجيل آخر، أو أن يكون التقليد الذي هو تعاليم من نتاج عقل الإنسان الفاسد، ندًّا للكتاب المقدس، ويكون دستورًا لكنيسة المسيح؟
ألم يقل الرب عن التقليد أنه «تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ» (مرقس 7: 7).
ألم يوبخ الرب الفريسيين على تمسكهم بالتقليد وتركهم لوصية الله، قائلاً لهم:
«لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ» (مرقس 7: 8).
أيضًا، وبخهم الرب لأنهم لم يتركوا وصية الله فقط بل رفضوها في سبيل تمسكهم بالتقليد:
«حَسَنًا! رَفَضْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ لِتَحْفَظُوا تَقْلِيدَكُمْ» (مرقس 7: 9).
وكذلك وبخهم لأنهم لم يتركوا وصية الله، ولم يرفضوها فقط، بل أيضًا أبطلوها:
«مُبْطِلِينَ كَلاَمَ اللهِ بِتَقْلِيدِكُمُ الَّذِي سَلَّمْتُمُوهُ» (مرقس 7: 13).
هل في سبيل الدفاع عن تقاليد باطلة يُهان الكتاب المقدس، وتداس تعاليمه. يا للحسرة.
يرد الرسول بولس على مَنْ يدّعون بوجود  إنجيل آخر، قائلاً:
«إِنِّي أَتَعَجَّبُ أَنَّكُمْ تَنْتَقِلُونَ هكَذَا سَرِيعًا عَنِ الَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ الْمَسِيحِ إِلَى إِنْجِيل آخَرَ!
لَيْسَ هُوَ آخَرَ (أي ليس إنجيلاً بالمرّة بل هو شيء مختلف تمامًا عن الإنجيل)، غَيْرَ أَنَّهُ يُوجَدُ قَوْمٌ يُزْعِجُونَكُمْ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ.
وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا
كَمَا سَبَقْنَا فَقُلْنَا أَقُولُ الآنَ أَيْضًا: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا»
(غلاطية 1: 6-9).
إن الكتاب المقدس يحذّر الذين يزعجون المؤمنين بالإنجيل الآخر أي التقليد:
«وَلكِنَّ الَّذِي يُزْعِجُكُمْ سَيَحْمِلُ الدَّيْنُونَةَ أَيَّ مَنْ كَانَ» (غلاطية 5: 10).
فالتقيلد يحوي تعاليم تهين كمال وكفاية ذبيحة المسيح على الصليب لغفران الخطايا، ويستبدلها بذبيحة القداس كما يدعون، ولهؤلاء يقول الكتاب:
«فَكَمْ عِقَابًا أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقًّا مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ،
وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِسًا، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ» (عبرانيين 10: 29).
كما يحوي تعاليم تزعج المؤمنين من جهة ضمان مستقبلهم الأبدي، ويدوس على قول الرب:
«خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي.
وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي»
(يوحنا 10: 27، 28).

 هناك تعاليم كثيرة في التقليد تهين شخص الرب يسوع المسيح، وتهين الكتاب المقدس، سوف نفرد لها أبحاثًا مستقلة بمشيئة الرب.

أسئلة عن الفصل الثالث

1- هل أسس رسل المسيح النظام البابوي؟ ما هو دليلك الكتابي، إن كانت إجابتك بالإيجاب أو بالنفي؟
2- هل تعاليم المسيح لرسله كانت تنُم عن بث روح التسلط والسيادة في نفوسهم، أم روح التواضع؟
3- ماذا تفهم من غسل المسيح لأرجل تلاميذه؟ وما هو التعليم وراء ذلك؟
4- ما هو رد فعل الرسل عند التفاف الناس من حولهم بعد أن أجرى الرب معجزات على يدهم؟
أ- هل نسبوا المعجزات لقداستهم الشخصية؟
ب- هل قبلوا التفاف الناس من حولهم وانتفخوا وتكبروا وتعظموا بذلك؟
جـ-  أم أنهم أشاروا إلى المسيح صاحب الفضل في إجراء المعجزات؟




الفصل الرابع


هل أسس الآباء الرسوليون النظام البابوي؟

رأينا في الفصول السابقة أن المسيح له المجد لم يؤسس النظام البابوي، ولا رسله الكرام، لكن، قد يعتقد البعض أن الآباء الرسوليين هم الذين أسسوا هذا النظام، ولكن إذا فحصنا كتابات أكليمنضس الروماني، وبوليكاربوس، وأغناطيوس، ويوستينوس الشهيد، وإريناؤس. لا نجد أي ذكر أو إشارة، لا من قريب أو بعيد إلى  النظام البابوي.
هؤلاء الآباء يُدعون بالآباء الرسوليين لأن البعض منهم كان معاصرًا للرسل مثل أكليمنضس الروماني (30- 100م.) الذي كان عاملاً مع الرسول بولس والوارد ذكره في رسالة فيلبي 4: 3، والبعض الآخر كان تلميذًا لأحد تلاميذ الرسل مثل إيريناؤس (120- 202م.) الذي كان تلميذًا لـ «بوليكاربس» تلميذ الرسول يوحنا .
ويمكن العودة إلى كتابات هؤلاء الآباء في مجموعة كتابات آباء ما قبل نيقية والمعروفة باسم:
Ante-Nicene Fathers
 ارجع إلى (على سبيل المثال لا الحصر):

1- The First Epistle of Clement to the Corinthians.
2- The Epistle of Mathetes to Diognetus.
3- The Epistle of Polycarp to the Philippians.
4- Introductory Note to the Epistle Concerning the Martyrdom of Polycarp.
5- The Encyclical Epistle of the Church at Smyrnam
Concerning the Martyrdom of the Holy Polycarp.
6- The Epistle of Ignatius to the Magnesians.
7- The Epistle of Ignatius to the Ephesians.
8- The Epistle of Ignatius to the Trallians.
9- The Epistle of Ignatius to the Romans.
10- The Epistle of Ignatius to the Philadelphians.
11- The Epistle of Ignatius to the Smyrnaeans.
12- The Epistle of Ignatius to Polycarp.
13- The Epistle of Ignatius to the Tarsians.
14- The Epistle of Ignatius to the Antiochians.
15- The Epistle of Ignatius to Hero, a Deacon of Antioch.
16- The Epistle of Ignatius to the Philippians.
17- The Epistle of Ignatius to St. John the Apostle.
18- A Second Epistle of Ignatius to St. John.
19- The Epistle of Barnabas.
20- Fragments of Papias.
21- The First Apology of Justin.
22- The Second Apology of Justin.
23- Dialogue of Justin.
24- Justin’s Hortatory Address to the Greeks.
25- Justin on the Sole Government of God.
26- Fragments of the Lost Work of Justin on the Resurrection.
27- Other Fragments from the Lost Writings of Justin.
28- Irenaeus Against Heresies, Book I.
29- Irenaeus Against Heresies, Book II.
30- The Lord’s Teaching Through the Twelve Apostles to the Nations

إذا افترضنا جدلاً أن المسيح هو مؤسس النظام البابوي أو رسله الكرام، أو تلاميذهم، لكانت الكتابات السابقة لا تخلو من إشارة إلى النظام البابوي، لكن إذا بحثت  search عن كلمة papacy (بابوية) في الكتابات السابقة وغيرها من كتابات لن تجد آباء القرون الأولى تحدثوا عن البابوية.
والغرض من ذكر المراجع السابقة على سبيل المثال هو إبطال أي حجة أو ادعاء بأن البابوية لها سند في كتابات الآباء، حتى يستد فم المتشدقين والمتباهين والمولعين بكتابات الآباء، الذين أزاحوا الكتاب المقدس جانبًا، ووضعوا كتابات الآباء مرجعًا لهم فقط.
ولكن السؤال المطروح هو:
إن لم يكن الرب هو مؤسس النظام البابوي، ولا تلاميذه الكرام، ولم ترد الإشارة عنه في كتابات الآباء الرسوليين وغيرهم من الآباء:
* فمن هو مؤسس هذا النظام؟
* ومن هو أول شخص أطلق على نفسه لقب بابا؟  ومتى بدأ التعليم بالخلافة الرسولية؟
في هذه الحالة يكون الذهاب إلى التاريخ ضرورة حتمية، وذلك بالرجوع إلى أمهات الكتب، وليس إلى مؤلفات المؤرخين، الذين أعمى التعصب أعينهم عن رؤية الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في كبد السماء، وكتبوا ما عنّ لهم، وبما يتمشى مع تقاليدهم البالية، وموروثاتهم المملؤة بالخرافات العجائزية، لذلك مراجع الفصل التالي هي:
ENCYCLOPEDIA OF RELIGION
وهي دائرة معارف متخصصة في الدين، وستُختصر بـ (ER) وكذلك:
ENCYCLOPEDIA BRITANNICA
وهي من أشهر دوائر المعارف المعروفة في العالم، وستُختصر بـ (EB).
ودائرة معارف أخرى هي:
The New Encyclopedia Britannica
وستُختصر بـ (NEB).

أسئلة عن الفصل الرابع

1- هل أسس الآباء الرسوليون النظام البابوي؟ ما هو دليلك من كتباتهم، إن كانت إجابتك بالإيجاب؟
2- هل يمكنك عمل بحث  search عن كلمة papacy (بابوية) في مجموعة كتابات الآباء Ante-Nicene Fathers, Nicene and Post-Nicene Fathers؟  ما هي نتيجة البحث؟ وعلام تدل تلك النتيجة؟
3- هل تيقنت من زيف النظام البابوي من خلال عدم الإشارة في كتابات الآباء إلى هذا النظام؟
 إن لم تكن قد تيقنت بعد، تابع الفصل التالي حيث تتضح لك أصول هذا النظام.




الفصل الخامس
النظام البابوي في ضوء التاريخ

  بعد التأكد من الناحية الكتابية ومن خلال كتابات الآباء أن المسيح لم يؤسس هذا النظام، ولا رسله الكرام، ولا الآباء تلاميذ الرسل، كان من الأهمية بمكان الرجوع إلى مصادر أخرى لمعرفة مَنْ  الذي أسس هذا النظام.. مراجع تتسم بدقة البحث ومُعتمدة من الأوساط العلمية عالميًا، الأمر الذي يصدق على دوائر المعارف التي تمت الإشارة إليها في نهاية الفصل السابق.
ونظرًا للحقائق الصادمة التي سيكتشفها المُطّلع على هذا البحث، سيوضع النص كما جاء في دوائر المعارف باللغة الإنجليزية، ثم نقله إلى اللغة العربية، ثم التعليق عليه. والقصد من ذلك أن يكون النص الأساسي حاضرًا أمام الدارسين والباحثين.
النص في ER


PAPACY. The papacy is the central governing institution of the Roman Catholic church under the leadership of the pope, the bishop of Rome. The word papacy (Lat., papatus) is medieval in origin and derives from the Latin papa, an affectionate term for “father.”

الترجمة

البابوية. البابوية هي المؤسسة المركزية التي تحكم الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بقيادة البابا، أسقف روما. إن كلمة بابوية (في اللاتينية  papatus)، ترجع أصولها إلى القرون الوسطى ومشتقّة في الأصل من الكلمة  اللاتينيِة  papa، وهي تعبير رقيق لكلمة father «أبِّ».

النص في EB


The word papacy (Latin papatia, derived from papa, «pope»; i.e., father) is of medieval origin. In its primary usage it denotes the office of the pope (of Rome) and, hence, the system of ecclesiastical and temporal government over which he directly presides.
الترجمة

كلمة البابوية (في اللاتينية papatia ، مشتقة من papa، بابا «pope»، أب father) ويرجع أصل الكلمة إلى القرون الوسطى. واستعمال الكلمة الرئيسي يدل على منصب البابا (بابا روما)، وبالتالي، يدل على نظام الحكم الكنسي والزمني اللذين يترأسهما مباشرة.

التعليق
من النصين السابقين نجد أن النظام البابوي يختص بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية فقط، ولو كان هناك نظام بابوي في أي مكان آخر في العالم  لتمت الإشارة إليه، لأن العلماء الذين دونوا هذه المعلومات هم على دراية تامة بالأنظمة التي تحكم الكنائس في العالم. [الكنائس التقليدية في العالم يرأسها بطاركة وليس بابوات، حتى إلى وقت قريب كان بطريرك الأقباط في مصر يُدعى بأسقف المدينة العظمى الإسكندرية، ولكن المزورين  المنافقين بدّلوا هذه العبارة بـ «بابا الأسكندرية..»].
أيضًا نجد فيهما حقيقة أخرى في منتهى الأهمية هي أن كلمة بابوية ترجع أصولها إلى القرون الوسطى، وليس إلى العصر الرسولي، ولا عصر الآباء الرسوليين، الأمر الذي يستد أمامه كل فم.
ولذلك فإن أي إدعاء بوجود النظام البابوي قبل القرون الوسطى هو إدعاء باطل وعارٍ من الصحة، والقول بأن الرسول بطرس كان هو البابا الأول الجالس على كرسي روما، ومرقس الإنجيلي هو البابا الأول الجالس على كرسي الإسكندرية، هو قول لا سند له، لا من الأسفار الإلهية كما رأينا في الفصول السابقة، ولا من التاريخ كما هو واضح من دوائر المعارف، والمراد به تضليل جماهير المسيحيين من البسطاء وغير الدارسين.

النص في ER



THE EARLY PERIOD. This era, extending from the biblical origins of Christianity to the fifth century, was marked by the ever-increasing power and prestige of the bishop of Rome within the universal church and the Roman empire.
الترجمة

الفترة الباكرة. هذه الفترة، الممتدة من الأصول الكتابية للمسيحيةِ إلى القرن الخامسِ، قد تميزت بتزايد سلطة ونفوذ أسقف روما على نحو مستمر داخل نطاق الكنيسة ِالمسكونية، والإمبراطورية الرومانية.
التعليق
مما لاشك فيه كان يوجد أساقفة في زمن الرسل. بل إن كنيسة واحدة مثل كنيسة فيلبي - ولم يكن مر وقت طويل على تأسيسها - كان بها عدد من الأساقفة وليس أسقفًا واحدًا، مكتوب: «بُولُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِينَ فِي فِيلِبِّي، مَعَ أَسَاقِفَةٍ وَشَمَامِسَةٍ» (فيلبي 1: 1).
ولكن في الفترة الممتدة من العصر الرسولي إلى القرن الخامس، تزايدت سلطة ونفوذ أسقف روما على نحو مستمر، ليس فقط في حدود أسقفيته، بل تعدت إلى كنائس العالم كافة الواقعة تحت سلطة الإمبراطورية الرومانية. إن ذلك  التزايد في سلطة ونفوذ أسقف روما كان يُنذر بقدوم نظام سلطوي.. سيادي.. أي النظام البابوي.

النص في ER



Scriptural foundation. Traditional Roman Catholic teaching holds that Jesus Christ directly bestowed upon the apostle Peter the fullness of ruling and teaching authority. He made Peter the first holder of supreme power in the universal church, a power passed on to his successors, the bishops of Rome... Two biblical texts are cited to substantiate this claim. In Matthew 16:18 there is the promise of Jesus: “You are Peter, and on this rock I will build my church, and the gates of Hades shall not prevail against it.” In John 21:15–16, this promise is fulfilled in the admonition of Jesus to Peter: “Feed my lambs. . . . Look after my sheep.”

الترجمة

الأساس الكتابي. التعليم التقليدي للكاثوليكية الرومانية يعتقد بأن يسوع المسيح منح الرسول بطرس، بصورة مباشرة، كامل السلطة في الحكم والتعليم. لقد جعل بطرس أول صاحب سلطة عليا في الكنيسة على المستوى المسكوني، تلك السلطة تنتقل إلى خلفاؤه، من أساقفة روما. نصان من النصوص المذكورة في الكتاب المقدس لإثبات هذا الادعاء. في متى 16: 18 حيث وعد المسيح: «أَنْتَ بُطْرُسُ وَعَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا». وفي يوحنا 21: 15-16، هذا الوعد تم في عتاب يسوع لبطرس: «ارْعَ خِرَافِي.. ارْعَ غَنَمِي».

التعليق
تستعرض دائرة المعارف الأساس الكتابي الذي بنت عليه الكنيسة الكاثوليكية اعتقادها الخاطئ بأن أسقف روما له السلطة العليا على كنائس العالم كافة، ذلك لأنه خليفة الرسول بطرس الذي منحه المسيح كامل السلطة في الحكم والتعليم حسب الاعتقاد الخاطئ للكنيسة الكاثوليكية المبني على متى 16: 18 ويوحنا 21: 15-16.
مما لا شك فيه أن الهراطقة في كل العصور وجدوا في اقتطاع بعض نصوص الكتاب المقدس من سياقها سندًا لتعاليمهم المنحرفة، وتحقيقًا لمآربهم الشيطانية. والسؤال هنا: إن كانت الكنيسة الكاثوليكية وجدت حجة - وهي باطلة - في نصين لأقوال الرب، لإثبات سلطة أسقف روما على كنائس العالم كافة، فأسقف الإسكندرية على أي حجة يستند أنه بابا؟ هل قال الرب لمرقس الإنجيلي - الذي يدّعي أسقف الأسكندرية خلافته - «أعطيك مفاتيح الملكوت»؟ وهل قال الرب له: «ارْعَ خِرَافِي.. ارْعَ غَنَمِي» مثلما قال لبطرس الرسول؟ أسئلة يجب أن يجيب عنها النظام البابوي، وكل مَنْ هم يسبحون في فلكه؟

النص في ER

Modern Roman Catholic biblical scholars affirm the genuine authority of Peter among the Twelve but make the following observations: there is no New Testament evidence that Peter was ever a bishop or local administrator of any church (including Rome and Antioch); there is no direct biblical proof that Jesus established the papacy as a permanent office within the church; but there is other cogent evidence that Peter arrived in Rome late in his life and was martyred and buried there.

الترجمة
يُؤكّدُ علماءُ الكتاب المقدس الكاثوليك الرومانُ المعاصرين، السلطةُ الأصيلةُ لبطرس بين الاثني عشرَ لكنهم يبدون الملاحظاتَ التاليةَ: لا يوجد دليل في العهد الجديد أن بطرس كان في أي وقت أسقفًا أو مسئولاً محليّا يتولى إدارة أي كنيسة (بما في ذلك روما وأنطاكيا)؛ ليس هناك دليل كتابي مباشر أن يسوع أسس البابوية كمنصب دائم داخل الكنيسة؛ لكن هناك دليل مُقنع آخر وهو أن بطرس وَصلَ إلى روما في آخر حياته، واستشهد ودُفِنَ هناك.

النص في NEB

 ..There is no historical evidence that St. Peter was the first leader of the church of Rome

الترجمة

ليس هناك دليل تاريخي بأن القديس بطرس كان أول قائد لكنيسة روما..

التعليق


يُفجّر علماء الكاثوليك مفاجأة صادمة للتقليديين، ويوجهون ضربة قاضية للنظام البابوي الذي بُنيّ على الزيف، وعلى تحريف كلام الله عَنْ مَوَاضِعِهِ.
من ER  نرى في شهادة علماء الكنيسة الكاثوليكية أمانة البحث، وعدم التدليس، والتزوير في كتابة التاريخ. فأمانة البحث أوصلتهم إلى نتائج عكس ما يؤمنون به من أن بابا روما هو وريث وخليفة الرسول بطرس، محطمين بذلك كل إدعاءات تنادي بالتمسك بالتقاليد الموروثة.
إن شهادتهم الأمينة أسقطت الإدعاء بأن بابا روما هو خليفة بطرس الرسول، لأن الرسول بطرس لم يكن في أي وقت أسقفًا على روما أو أنطاكية، وهذا ماورد في  NEB.
كما فجر علماء الكاثوليك مفاجأة صادمة لكل من يؤمن بالنظام البابوي وهي أنه لا يوجد دليل كتابي مباشر أن يسوع أسس البابوية كمنصب دائم داخل الكنيسة.
وهذا ما سبق توضيحه في الفصل الثاني أنه لا يوجد دليل مباشر أو غير مباشر أن الرب يسوع أسس النظام البابوي، بل حذّر الرب تلاميذه من التمثل بأنظمة العالم.
وقبل مواصلة استعراض باقي النصوص نلخص ما سبق في النقاط التالية:
1- إن كلمة بابوية، ترجع أصولها إلى القرون الوسطى (بدأت في القرن الخامس وانتهت في بداية القرن السادس عشر).
2- إن الفترة الممتدة من الأصول الكتابية للمسيحيةِ إلى القرن الخامسِ، قد تميزت بتزايد سلطة ونفوذ أسقف روما على نحو مستمر داخل نطاق الكنيسةِ الجامعة، والإمبراطورية الرومانية.
3- لا يوجد دليل في العهد الجديد أن بطرس كان في أي وقت أسقفًا أو مسئولاً محليّا يتولى إدارة أي كنيسة (بما في ذلك روما وأنطاكيا).
4- ليس هناك دليل كتابي مباشر أن يسوع أسس البابوية كمنصب دائم داخل الكنيسة.

النص في ER

First three centuries. The early Christian churches were not organized internationally. Yet Rome, almost from the beginning, was accorded a unique position, and understandably so: Rome was the only apostolic see in the West; it was the place where Peter and Paul were martyred; and it was the capital of the empire.
 Ignatius of Antioch, in his letter to the Romans (c. 110), called the Roman church the church “presiding in love” (4.3), and Irenaeus, in his Against Heresies (c. 180), referred to its “more imposing foundation” (3.3.2). Although these controverted texts may not be a proof of Roman primacy, they at least indicate the lofty stature of the see of Rome.

الترجمة

الثلاثة قرون الأولى. لَمْ تُنظم الكنائس المسيحية الباكرة بصفة مسكونية. إلا أن روما أحتلت موقعًا فريدًا من البداية، ولذا كان من السهل فهَمَ أن روما كَانتْ الكرسي الرسوليَ الوحيدَ في الغربِ. لقد كانت المكان الذي استشهد فيه بطرس وبولس، وكانت عاصمة الأمبراطورية.
أغناطيوس الأنطاكي في رسالته إلى أهل رومية (110 م.)، دعى كنيسة روما بكنيسة «الرئاسة في المحبة» (4: 3)، وإيريناؤس في رسالته ضد الهراطقة (180 م.)، أشار أنها «المؤسسة الأكثر بروزًا» (3: 3: 2). ورغم أن هذه النصوص قد لا تكون دليلاً على الأولوية الرومانية، إلا أنها على الأقل تشير إلى المكانة السامية لكرسي روما.
التعليق

في استعراض دائرة المعارف لحالة الكنائس المسيحية في القرون الثلاثة الأولى، يتكشف لنا أن الكنائس كانت محلية [على سبيل المثال: كنيسة كورنثوس، وكنيسة فيلبي، وكنائس غلاطية (غلاطية 1: 2)، وكنيسة التسالونيكيين (2تسالونيكي 1: 1)، والسَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا المذكورة في سفر الرؤيا إصحاح 2، 3)]، وكل كنيسة محلية من هذه الكنائس كانت لها ظروفها الخاصة بها، وكل كنيسة كان بها رعاتها ومدبريها، ولم تُنظم الكنائس بشكل مسكوني، لكن أسقف روما كونه أسقف عاصمة الإمبراطورية الرومانية التي كانت تحكم العالم آنذاك، وأيضًا أسقف العاصمة التي اُستشهد فيها الرسولان بطرس وبولس، هذا منحه مركزًا متميزًا على أساقفة العالم كافة، وفي هذا الصدد يقول الأنبا إغريغوريوس: «يمكن أن يقال أنه نظرًا لمكانة المدينة السياسية والثقافية والاجتماعية والدولية يعظم شأن الأسقف القائم بمسئوليتها الرعوية».

لذلك نجد في القرن الثالث عشر للميلاد أحد علماء الكنيسة القبطية وهو الشيخ صفي أبي الفضائل بن العسال  يقر برئاسة بابا روما على سائر البطاركة.
أيضًا رأينا أغناطيوس الأنطاكي في رسالته إلى أهل رومية (110 م.)، دعى كنيسة روما بكنيسة «الرئاسة في المحبة» (4: 3)، وإيريناؤس في رسالته ضد الهراطقة (180 م.)، أشار إلى أنها «المؤسسة الأكثر بروزًا» (3: 3: 2)، ومن المؤكد أن لهذه التعبيرات دلائل تشير إلى تنامي شعور العظمة والنفوذ لدى أسقف روما.

النص في ER

 The exact structure of the very early Roman church is not known, but it seems that by the middle of the second century monepiscopacy (the rule of one bishop) was well established.
The memory of Peter was kept alive in Rome, and its bishops were often involved in the affairs of churches outside their own area. Clement I (c. 90–c. 99), for example, sent a letter from the church of Rome to the church of Corinth to settle a dispute over the removal of several church officials. Victor I (c. 189–c. 198) sought, under threat of excommunication, to impose on the churches of Asia Minor the Roman custom for the celebration of Easter. Finally, Stephen I (254–257) reinstated two Spanish bishops who had been deposed by their colleagues and also decided, contrary to the custom in Syria and North Africa, that repentant heretics did not have to be rebaptized. Although Cyprian, bishop of Carthage (d. 258), objected to Stephen’s decisions, he was able to call Rome the “principal church” (letter 59, addressed to Cornelius, bishop of Rome) and to insist that for bishops to be legitimate they must be in communion with Rome.

الترجمة

التنظيم الدقيق للكنيسة الرومانية لم يكن معروفًا في وقت مبكر جدًا، ولكن يبدو أنه بحلول منتصف القرن الثاني قد تأسست سيادة الأسقف الواحد monepiscopacy (سيطرة الأسقف الواحد) بشكل جيد.
وبقِيت ذاكرة بطرس حيّة في روما، وفي أغلب الأحيان تدخَّل أساقفتها في شئونِ الكنائسِ  التي تقع خارج منطقتِهم.
 إكليمنضس الأول  (90م - 99م)، على سبيل المثال، أرسل رسالة من كنيسة روما إلى كنيسة كورنثوس لتسوية نزاع على استبعاد عدد من مسئولي الكنيسة.
 فيكتور الأول ( 189م - 198م) سعى - مهددًا بالحرمان الكنسي - فرض العادات الرومانية للاحتفال بعيد الفصح على كنائس آسيا الصغرى.
أخيرًا، أعادَ ستيفن الأول (254م - 257م) تنصيب الأسقفين الأسبانيين اللذين كَانا قَدْ عُزلا مِن قِبل زملائِهما وقرّر أيضًا - على نقيض العادة في سوريا وشمال أفريقيا - أن الهراطقة التائبينِ ليس لِزامًا عليهُمْ أَنْ تُعاد معموديتهم ثانيةً.
ومع أن كبريانوس، أسقف قرطاجة (توفى عام 258 م.)، إعترضَ على قراراتِ ستيفن، كَانَ قادرًا على دعوة روما بـ «الكنيسة الرئاسية» والاصرار على أنه من أجل أن يكون للأساقفةِ الشرعية يَجِبُ أَنْ يَكُونوا في الشركة مَع روما.
التعليق
إن البناء التنظيمي للبابوية لم يكن معروفًا من بداية المسيحية، مما يدل على أنه ليس من تسليم المسيح لرسله، وليس من تسليم رسل المسيح لغيرهم، الأمر الذي يُبطل حجة الذين يؤمنون بالتقليد الكنسي وبالخلافة الرسولية، وبحلول منتصف القرن الثاني تأسست سيادة (سيطرة) الأسقف الواحد monepiscopacy بشكل جيد، وتَدخُّل أساقفة روما في شئون الكنائس الأخرى، ..
وهنا بدأت بذرة النظام البابوي التي طرحها الشيطان وسط الحنطة لتشويه صورة المسيحية الحقيقية تنبت نبتتها الأولى.
«إن زاوية الانحراف بين ضلعين تبدو صغيرة في البداية، ولكن كلما امتدا الضلعان كلما كَبُرت زواية الانحراف»، هكذا الهرطقات والتعاليم المنحرفة عن أقوال الله، تبدو صغيرة في البداية، وربما لا يُلاحظها الكثيرون، ولكن بمرور الوقت تتبلور وتتشكّل، وتُمسي عقائد وتعاليم، وكأنها مُسلّمة من المسيح نفسه، أو من رسله الكرام.
 ورغم اعتراض كبريانوس، أسقف قرطاجة (توفى عام 258 م.) على قراراتِ ستيفن، إلا أنه دعى روما بـ «الكنيسة الرئاسية» أي الكنيسة صاحبة الرئاسة على الكنائس كافة، وأصرّ على أن الأساقفة يستمدون شرعيتهم من شراكتهم مَع أسقف روما.

النص في ER

The bishops of Rome in the third century claimed a universal primacy, even though it would be another 150 years before this idea was doctrinally formulated. Rome attracted both orthodox and heterodox teachers—some to have their views heard, others to seek confirmation. More and more, the bishop of Rome, either on his own initiative or by request, settled doctrinal and disciplinary disputes in other churches. Roman influence was felt as far away as Spain, Gaul, North Africa, and Asia Minor. The see of Peter was looked upon as the guarantor of doctrinal purity even by those who found fault with its leadership.


ترجمة بعض الفقرات

ادعى أساقفة روما في القرن الثالثِ الأولوية العالمية، بالرغم من أنَّه سَتَكُونُ 150 سنةَ أخرى أمام هذه الفكرةِ حتى تصاغ بشكل عقائدي... تدخل أسقف روما أكثر فأكثر... لتسوية النزاعاتَ المذهبيةَ والتأديبيةَ في الكنائس الأخرى. امتد نفوذ كنيسة روما أبعد بكثير حتى وصل إلى أسبانيا، والغال، وشمال أفريقيا، وآسيا الصغرى.

التعليق
رأينا بحلول منتصف القرن الثاني أن سيادة أو سيطرة الأسقف الواحد monepiscopacy قد تأسست بشكل جيد، وهنا نرى إدعاء أساقفة روما الأولوية على سائر كنائس العالم في القرن الثالث للميلاد، وتدخلهم في شئون الكنائس الأخرى، وامتداد نفوذ كنيسة روما حتى وصل إلى أسبانيا، وفرنسا وبلجيكا وهولندا وألمانيا، وشمال أفريقيا، وآسيا الصغرى.

النص في ER

Fourth and fifth centuries. With the Edict of Milan (313) the empire granted toleration of all religions and allowed Christians to worship freely. This policy ended the era of persecution, increased the number of Christians, and shaped the institutional development of the papacy. Once Emperor Constantine decided to move the seat of the empire to Constantinople in 324, the papacy began to play a larger role in the West. By the time Christianity became the official religion of the empire in 381, several popes were already affirming papal primatial authority. The critical period in the doctrinal systematization of Roman primacy took place in the years between Damasus I (366–384) and Leo I (440–461). In that period, the popes explicitly claimed that the bishop of Rome was the head of the entire church and that his authority derived from Peter.

الترجمة

القرن الرابع والخامس. بمرسومِ ميلان (313) منحت الإمبراطوريةَ التسامح الديني مع الأديان كافة، والسماح بحرية العبادة للمسيحيين. أنهتْ هذه السياسةِ عصرَ الإضطهادِ، وزيادة عددَ المسيحيين، وشكّلتْ التطويرَ المؤسساتيَ للبابويةِ. وعندما قرر الإمبراطور قسطنطين نقل عرش الإمبراطوريةِ إلى القسطنطينية في 324، بَدأَت البابوية بلعب دور أكبر في الغربِ. وبمرور الوقت اصبحت المسيحية الدين الرسمي للإمبراطورية في 381، والكثيرون من الباباوات كانوا قد أكدوا سلطة الرئاسة البابوية.
الفترة الحرجة في التنظيمِ العقائدي للأولوية الرومانيةِ حَدثَت في السَنَواتِ بين البابا دامسوس الأول (366-384) والبابا ليو الأول (440-461). في تلك الفترة، إدّعى الباباوات صراحة أن أسقف روما هو رأس الكنيسة برمتها وأنّ سلطتِه مستمدة مِنْ بطرس.

التعليق

في الفترة ما بين 366 و 461، إدّعى الباباوات صراحة أن أسقف روما هو رأس الكنيسة برمتها، وأنّ سلطتِه مستمدة مِنْ بطرس.
هل هناك وضوح أكثر من ذلك أن النظام البابوي لم يكن موجودًا قبل القرن الرابع للميلاد؟
أليست هذه الحقائق تكشف تدليس وكذب المؤرخين الذين يدعون بأن بطرس ومرقس كان ترتيبهم الأول في النظام البابوي، في روما والإسكندرية؟
أليس المسيح ورسله وتلاميذهم براء من الادعاء بأنهم مؤسسوا النظام البابوي البغيض، الذي أساء إلى المسيحية وصورتها أمام العالم؟

النص في ER

Damasus I, the first pope to call Rome the apostolic see, made Latin the principal liturgical language in Rome and commissioned Jerome to revise the old Latin version of the New Testament. At the Council of Rome (382), he declared that the primacy of the bishop of Rome is based on continuity with Peter. He deposed several Arian bishops. His successor,
Siricius (384–399), whose decretal letters are the earliest extant, promoted Rome’s primatial position and imposed his decisions on many bishops outside Italy.


الترجمة

دامسوس الأول، هو أول بابا دعى روما بالكرسي الرسولي، وجعل اللاتينية هي لغة العبادة الأساسية في روما وكلّفَ چيروم لمُرَاجَعَة النسخةِ اللاتينيةِ القديمةِ للعهد الجديدِ. وفي مجمع روما (382) أعلن بأن أولوية أسقف روما تستند على الاستمرارية مع بطرس. وقام بعزل عدة أساقفة أريوسيين.
خليفته، سيريسيوس Siricius (384-399)، الذي تعتبر مراسيمة التي أصدرها بشكل مبكر جدًا،  قد عززت  رئاسة أسقف روما، وفُرضَت قراراتَه على العديد مِنْ الأساقفةِ خارج إيطاليا.

التعليق

أين ضمائر الذين يزورون التاريخ من هذه الحقائق، ويخدعون قلوب البسطاء، ويدّعون بوجود كرسي رسولي في روما وآخر في الإسكندرية؟
أليس المدعو دامسوس هو أول من دعى روما بالكرسي الرسولي في نهاية القرن الرابع للميلاد؟ 

النص في ER


It was Leo I, the first of three popes to be called the Great, who laid the theoretical foundation of papal primacy. Leo took the title Pontifex Maximus, which the emperors no longer used, and claimed to possess the fullness of power (plenitudo potestatis). Governing the church through a tumultuous period of barbarian invasions and internal disputes, he relentlessly defended the rights of the Roman see. He rejected Canon 28 of the Council of Chalcedon (451), which gave the bishop of New Rome (Constantinople) privileges equal to those of the bishop of Old Rome and a rank second only to that of the pope. A favorite theme for Leo was the relationship between Peter and the pope. This idea had been advanced by earlier popes, but Leo elaborated it, in his sermons calling himself “Peter in Peter’s see” (2.2) and his “unworthy heir” (3.4). Thus, as he noted, a particular pope may be sinful, but the papacy as such still retains its Petrine character. The Leonine distinction between person and office has proved to be of immense value and has helped the papacy survive unsuitable popes. Leo believed that Peter’s successors have “the care of all the churches” (Sermons 3.4), and he exercised his authority over Christian churches in Italy, Africa, and Gaul.
The Western Roman empire ended in 476. The successors of Leo, especially Felix III (483–492) and Gelasius I (492–496), applied his principles, but the imperial government in Constantinople exerted continual pressure on the papacy.


ترجمة بعض الفقرات

 لقد كان ليو الأول هو أول ثلاث بابوات دعوا بـ «المعظم»، والذي وضع الأساس النظري للسلطة البابوية العليا.
أخذ ليو لقب  Pontifex Maximus، الذي لَمْ يَعُد الأباطرة يستعملونه، وادّعى إمتِلاك كامل السلطة (plenitudo potestatis) ... ودافعَ باستمرارعن حقوقِ الكرسي الروماني. رفض القانون 28 من مجمع خليقدونية (451)، الذي أعطى لأسقف روما الجديدة (القسطنطينية) امتيازات مساوية لتلك التي لأسقف روما القديمة..
وكان الموضوع المفضّل الخاص بـ «ليو» هو العلاقةَ بين بطرس والبابا. كانت هذه الفكرة التي تقدم بها البابوات في وقت سابق، ولكن ليو تناولها بالتفصيل، حيث دعى في خطبه أنه «بطرس الجالس على كرسي بطرس» (2.2) و «وريثه غير الجدير» (3.4). وهكذا، كما أشار أن الشخص المعين بابا قد يكون شريرًا،  لكن البابويةَ في حد ذاتها ما زالَتْ تَحتفظُ بشخصِيتها البطرسية. التفريق الليئاوي بين الشخصِ والمنصب أثبت قيمةً هائلةً في مساعدة البابويةَ على البقاء من الباباوات غير المناسبينِ. اعتقدَ ليو بأنّ خلافة بطرس تعني «العناية بكُلّ الكنائس» (عظة 3.4)، وهو مارسَ سلطتَه على الكنائسِ المسيحية في إيطاليا، وأفريقيا، وغرب أوربا  (فرنسا، وبلجيكا، وهولندا، وألمانيا ..).
انتهت الإمبراطورية الرومانية الغربية في 476. خلفاء ليو، لا سيما فيليكس الثالث (483-492)،  وجلاسيوس الأول (492-496)، طبقوا مبادئه، ولكن الحكومة الإمبراطورية في القسطنطينية مارست ضغوطًا مستمرة على البابوية.
التعليق
البابا ليو الأول في القرن الخامس هو:
* أول ثلاث بابوات لُقِبوا بالمعظم.
هذه هي شهادة التاريخ أن لقب «البابا المعظم» يرجع إلى القرن الخامس، وليس من تسليم المسيح لرسله.. المسيح الذي نهى تلاميذه عن التمثل بأنظمة العالم من سيادة وتسلط، وليس من تسليم الرسل الذين أنكروا ذواتهم عندما أجرى الرب معجزات فوق الطبيعة بواسطتهم، وليس من تسليم الآباء الرسوليين (آباء القرن الثاني، والثالث).. ولا نجد لهذا اللقب أثرًا في كتابات آباء ما قبل نيقية، وآباء نيقية، وآباء ما بعد نيقية.
والسؤال المطروح هنا، كيف يقبل شخص على نفسه لقب «المعظم» ويكون خادمًا للمسيح؟
وأي صورة للمسيح المتضع يمكن أن يقدمها للعالم هذا الشخص المُلقب بالمعظم؟
المسيح الذي قال عنه الكتاب: «الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ» (فيلبي 2: 6- 8).
 المسيح الذي قال عن نفسه:
«.. أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ»
(متى 20: 28).
ألا يرتعب هؤلاء الذين قبلوا هذا اللقب «المعظم»؟
ألا يخافون الله؟
هل نسوا أصلهم أنهم جُبلوا من تراب؟
ألم يسمعوا قول الرب لآدم: «لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ» (تكوين 3: 19)؟
أم «لَيْسَ خَوْفُ اللهِ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ» (رومية 3: 18)؟
أليس المعظم هو الله وحده لا شريك له؟
الم يقل الكتاب في تثنية 32: 3 «أَعْطُوا عَظَمَةً لإِلهِنَا»؟
ألم يُبارك داود الملك الرب أمام كل الجماعة قائلاً: «لَكَ يَا رَبُّ الْعَظَمَةُ وَالْجَبَرُوتُ وَالْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ وَالْمَجْدُ، لأَنَّ لَكَ كُلَّ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. لَكَ يَا رَبُّ الْمُلْكُ، وَقَدِ ارْتَفَعْتَ رَأْسًا عَلَى الْجَمِيعِ» (1 أخ 29: 11)؟
داود الملك الممسوح من الرب يقول للرب: «ارْتَفَعْتَ رَأْسًا عَلَى الْجَمِيعِ»، لم يقل أنا الملك الممسوح من الرب، وأنا الرأس والرئيس لهذا الشعب، بل أعطى العظمة والإجلال للرب وحده.
أليس إنسان من تراب يقبل على نفسه لقب «المعظم» يكون مجدفًا ومتعديًا على الله، ومغتصبًا صفة من صفات الله وحده؟
أليس شعب في ضلال، وبعيد كل البعد عن الكتاب المقدس، من يتبع شخص يُلقّب بـ «المعظم»؟
أليست هناك دينونة عظيمة على مَنْ يطلقون هذا اللقب على إنسان من المفروض أنه خادم للمسيح؟
ألم يقل الرب عن هذا الشعب في إشعياء ٥: ‏١٣ «سُبِيَ شَعْبِي لِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ»؟ ومكتوب أيضًا: «قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ» (هوشع 4: 6).
من الطبيعي أن شخصًا يُلقب بـ «المعظم» يقبل أن تابعيه يسجدون له، وأن يقبلوا يديه بدعوى أنه نوع من الاحترام. أي احترام هذا؟ هل الاحترام يعني السجود للبشر، وتقبيل أياديهم، أم أنها عبودية؟ أم أن هذا المُلقّب بالمعظم قد ارتفع إلى مصاف الآلهة؟   
إن هذا المشهد.. مشهد السجود للمدعو بالمعظم.. يُعرض مرارًا وتكرارًا في مناسبات عدة على الفضائيات أمام الملايين من المشاهدين، الذين يتعثرون لرؤية هذه الأمور تحدث في دائرة المسيحية. فيرفضون المسيحية شكلاً وموضوعًا، وجملة وتفصيلاً. والسؤال هنا: هؤلاء المتعثرون، دماؤهم ممَنْ تُطلب؟
ثم نجد أن «ليو»:
* أول مَنْ وضع الأساس النظري للسلطة البابوية.
أي أن البابوية قبل «ليو» لم يكن لها أساس، وهذا يرد على نفاق بعض المؤرخين الذين أدعوا أن بطرس الرسول هو البابا الأول لروما، وأن مرقس الإنجيلي هو البابا الأول لمصر، أي خداع وتزوير للتاريخ هذا؟
ولنا أن نسأل: بأي سلطان يضع «ليو» أو غيره أساسًا لنظام لم يأمر به الرب باني الكنيسة ومقتنيها بدمه الكريم؟  أليس مكتوب: «مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ» (أفسس 2: 20).
وفي كورنثوس الاولى ٣:‏١١ مكتوب: «فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ».
والسؤال المطروح هنا: أين الرب يسوع المسيح في النظام البابوي؟
والإجابة هي في رؤيا 3: 20 «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ..». الرب باني الكنيسة ومقتنيها بدمه الكريم يقف خارج المسيحية الإسمية التي اختلست ألقابه كالسيد الوحيد والمعلم، ووظائفه كرئيس الكهنة والوسيط الوحيد بين الله والناس، وسيادته على شعبه. يا للحسرة.
ثم نجد أن «ليو»:
* أول مَنْ أتخذ لقب Pontifex Maximus  «الحبر (الكاهن) الأعظم أي رئيس الكهنة»، الذي لَمْ يَعُد الأباطرة الوثنيون يستعملونه بصفتهم رؤساء كهنة الأوثان.
لقد تخلى الأباطرة الوثنيون عن رئاسة الكهنوت، وتمسك بها البابوات. يا للعار.
نجد أيضًا أن «ليو»:
* أول مَنْ أدعى كامل السلطة (plenitudo potestatis)، أي أنه صاحب السلطة العليا فوق كل سلطة أخرى. وهذا تصرف منطقي لشخص مُلقّب بـ «المعظم»، ومُلقّب بـ «الحبر (الكاهن) الأعظم أو رئيس الكهنة»، فكيف لا تكون له السلطة العليا فوق كل سلطة أخرى؟
إن التاريخ يشهد بأن بعض البابوات كانوا يتحكمون في الملوك والأباطرة في أوربا، يرفعون إلى الحكم من يشاؤن، وينزلون من الحكم من يشاؤن.
ثم نجد أن «ليو»:
* أول مَنْ أعلن الخلافة الرسولية صراحة، فهو القائل عن نفسه في خطبه أنه «بطرس الجالس على كرسي بطرس..».
واعتقدَ «ليو» بأنّ خلافة بطرس تعني «الاهتمام بكُلّ الكنائس» (عظة 3.4)، لذلك مارسَ سلطتَه على الكنائسِ المسيحية في إيطاليا، وأفريقيا، وغرب أوربا  (فرنسا، وبلجيكا، وهولندا، وألمانيا، ..)، والبابوات الذين أتوا من بعده طبقوا مبادئه.
ومن هنا ندرك أن السلطة البابوية لم تكن موجودة في الأصل، وأنها ليست من تسليم المسيح لتلاميذه، وليست من تسليم رسل المسيح لغيرهم، ولكنها دخلت إلى المسيحية في غفلة من الزمن، وقت أن كان المسيحيون يغطون في سبات عميق كما أنبأ الرب بذلك في مثل العذارى: «وَفِيمَا أَبْطَأَ الْعَرِيسُ نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ» (متى 25: 5).
وفي فترة نعاس المؤمنين، يقول الكتاب: «وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْحِنْطَةِ وَمَضَى» (متى 13: 25). والزوان نبات سام لايمكن تمييزه عن الحنطة إلا عند تكوين السنابل ويشير إلى المسيحيين بالاسم، الذين زرعهم الشيطان وسط المؤمنين الحقيقيين والمشار إليهم بالحنطة. ومن هؤلاء المسيحيين بالاسم خرج الهراطقة، والمعلمين الكذبة الذين لهم صورة التقوى، وغيرهم ممن أساؤا إلى المسيحية الحقيقية وشوّهوا صورتها أمام العالم. 
لكن ما يُعزي المؤمنين الحقيقيين أنه في نصف ليل المسيحية صار صراخ يُعلن عن مجيء العريس، ويُنهض النائمين من نعاسهم وسباتهم لملاقاته، مكتوب: «فَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ» (متى 25: 6). وهذا البحث بمثابة صرخة مدوية بجانب صرخات رجال الإصلاح، لإيقاظ النائمين لملاقاة العريس، رأس الكنيسة الحقيقي ورئيسها.


أسئلة عن  الفصل الخامس

1- هل وردت كلمة «بابوية» في العهد الجديد؟
2- متى يرجع أصل كلمة بابوية؟
3- متى تزايدت سلطة ونفوذ أسقف روما داخل نطاق الكنيسةِ على المستوى المسكوني، والإمبراطورية الرومانية؟
4- وضّح بطلان الأساس الذي بنت عليه الكنيسة الكاثوليكية اعتقادها بأن أسقف روما له السلطة العليا على كنائس العالم كافة؟
5- ما هو رأي علماءُ الكتاب المقدس الكاثوليك الرومانُ المعاصرين، أولاً فيما يختص برئاسة بطرس، ثانيًا، في نظام البابوية؟
6- متى تأسست سيادة الأسقف الواحد monepiscopacy (سيطرة الأسقف الواحد)؟
7- من هو أول من دعى روما بالكرسي الرسولي؟ ومتى؟
8- مَنْ هم أول ثلاث بابوات دعوا بـ «المعظم»؟
9- من هو أول مَنْ وضع الأساس النظري للسلطة البابوية؟ وأول مَنْ أعلن الخلافة الرسولية صراحة؟ وأول مَنْ أدعى كامل السلطة (plenitudo potestatis)، أي أنه صاحب السلطة العليا فوق كل سلطة أخرى؟




الفصل السادس

دِيُوتْرِيفِس وبذار الرئاسة الكنسية

بعد الاستعراض التاريخي الذي كشف القناع عن حقيقة النظام البابوي أن الرب لم يأمر به، ولا رسله الكرام، ولم يرد ذكره في كتابات الآباء الرسوليين، بل هو نتاج عقل الإنسان الفاسد، نرجع مرة أخرى إلى كلمة الله، التي هي النبراس الذي ينير أذهاننا بمقاصد الله الأزلية من نحونا، ويكشف لنا الأضاليل والهرطقات التي ظهرت في بداية المسيحية، منذ عصر الرسل ومستمرة حتى الآن، ومنها محبة الرئاسة الكنسية وكيف أنها أمر بغيض، حذّرالرب تلاميذه منها، وكذلك رفضها تلاميذه وقاوموها.
في رسالته الثالثة نجد الرسول يوحنا يتحدث عن شخص يُدعى «دِيُوتْرِيفِس» ملأ الشيطان قلبه بمحبة الرئاسة والتسلط والسيادة على جماعة المؤمين، يقول عنه:
    «وَلَكِنَّ دِيُوتْرِيفِسَ - الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الأَّوَلَ بَيْنَهُمْ - لاَ يَقْبَلُنَا. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ إِذَا جِئْتُ فَسَأُذَكِّرُهُ بِأَعْمَالِهِ الَّتِي يَعْمَلُهَا، هَاذِراً عَلَيْنَا بِأَقْوَالٍ خَبِيثَةٍ. وَإِذْ هُوَ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِهَذِهِ، لاَ يَقْبَلُ الإِخْوَةَ، وَيَمْنَعُ أَيْضاً الَّذِينَ يُرِيدُونَ، وَيَطْرُدُهُمْ مِنَ الْكَنِيسَةِ»
(رسالة يوحنا الثالثة 9، 10).

ديوتريفوس يحب أن يكون الأول بين الجماعة المسيحية، ومن شدة تعطشه للرئاسة فإنه لا يقبل، ليس فقط الإخوة الخدام الذين يزورون الاجتماعات ويكرزون بالكلمة، بل أيضًا لا يقبل الرسول يوحنا نفسه.
انظر النص السابق وما فعله دِيُوتْرِيفِس بالرسول يوحنا وبالمؤمنين وبالخدام.
ماذا فعل ديوتريفس بالرسول يوحنا؟
«وَلَكِنَّ دِيُوتْرِيفِسَ - الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الأَّوَلَ بَيْنَهُمْ - لاَ يَقْبَلُنَا».
لاحظ عبارة «يحب أن يكون الأول بينهم، (ومن ثمّ) - لاَ يَقْبَلُنَا»
لقد ظن دِيُوتْرِيفِس أن الخدمة هي رئاسة وسيادة وتسلط، وإلا ما معنى أن يكون الأول؟
وحقيقة الأمر أن دِيُوتْرِيفِس بمحبته أن يكون الأول يكون قد خالف الدستور الذي وضعه الرب لتلاميذه عندما قال لهم:
«أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ.
فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا،
وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا،
كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ»
(متى 20: 25-28).
لقد نفى الرب مبدأ السيادة والتسلط، ممن يعملون في كرمه، وفي خدمة قطيعه، لأنه هو السيد الوحيد (يهوذا 4). ولكن بكل أسف نرى دِيُوتْرِيفِس قد داس على هذا المبدأ، وليس دِيُوتْرِيفِس فقط، بل وكل من اتبعوا أسلوب دِيُوتْرِيفِس عبر التاريخ ممن أقاموا أنفسهم سادة على قطيع المسيح، وتسلطوا على الرعية.
بل وصل فجور دِيُوتْرِيفِس أنه لا يقبل الرسول يوحنا «وَلَكِنَّ دِيُوتْرِيفِسَ - الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الأَّوَلَ بَيْنَهُمْ - لاَ يَقْبَلُنَا».
أيضًا وصل فجور المسيحية الإسمية التي طغت فيها الرئاسات الكنسية، والتسلط، والسيادة، والاستبداد بالرعية، إلى طرد المسيح نفسه خارجًا إذ لم يعد له مكانًا وسطها، انظر ماذا يقول الرب لملاك كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ: «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ» (رؤيا 3: 20).
الرب يقف على الباب خارج المسيحية الإسمية.
لقد سلب رؤساء الدين مكان الرب وسط شعبه ومكانته ووظائفه من رئاسة الكنيسة، ورئاسة الكهنوت...إلخ. ولم يبقوا للرب شيئًا، لا مكانًا وسط شعبه، ولا مكانة أيضًا.
انظر ماذا يقول الرسول يوحنا عن دِيُوتْرِيفِس: «هَاذِراً عَلَيْنَا بِأَقْوَالٍ خَبِيثَةٍ».
هَاذِراً: إنه رجل مهذار، يمكنك أن تسمع منه آخر نكته، كما يدهشك بقفشاته المضحكة. فهو من عاداته الضحك، والهذار. هذا دِيُوتْرِيفِس ومن هم على أمثاله.
أما الأقوال الخبيثة، فهي لا تفرق شيئًا عن الأقوال الملتوية التي تحدث عنها الرسول بولس في أعمال 20: 30 « وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ (أساقفة كنيسة أفسس) سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلاَمِيذَ وَرَاءَهُمْ».
لقد نهى الرب تلاميذه عن مبدأ الرياسة، والتسلط والسيادة وسط جماعات المؤمنين، ومن هذه الرسالة نجد أن بذار التسلط كانت موجودة أيام الرسل أنفسهم، لكنها نمت وترعرت من بعدهم.
ومع أن يوحنا رسول إلا أنه في آية 8 من هذه الرسالة يضع نفسه مع المؤمنين دون تعال فيقول: «فنحن ينبغي لنا أن نقبل أمثال هؤلاء» واضعًا نفسه بين المؤمنين. وكذلك الرسول بطرس يقول في 1بطرس 5: 2 «ارعوا رعية الله التي بينكم» (الرعية بين الرعاة والرعاة بين الرعية)، والرسول بولس يقول في أعمال 20: 28 «احترزوا إذًا لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها (وليس عليها) أساقفة لترعوا كنيسة الله». والرب له المجد يقول لتلاميذه:
«ملوك الأمم يسودونهم والمتسلطون عليهم يدعون محسنين وأما أنتم فليس هكذا بل الكبير فيكم ليكن كالأصغر والمتقدم كالخادم»
(لوقا 22: 24-26).
فبعد الصورة الجميلة لتلاميذ الرب الأمناء، الذين يخدمون بالحق، رافضين مبدأ الرياسة والتسلط على قطيع المسيح، تأتي الصورة البشعة صورة التسلط والسيادة ممثلة في ديوتريفس الذي يحب أن يكون الأول.
لقد نسى دِيُوتْرِيفِس، من هو الشخص الذي يجب أن يكون الأول؟
إن ولهه وولعه وتعطشه ليكون الأول أنساه الرب يسوع الذي قال: «أنا هو الأول والآخر» (رؤ 1: 17).
لقد أراد دِيُوتْرِيفِس أن يكون في المقدمة، ونسي من هو الشخص الذي يجب أن يكون متقدمًا؟ إنه الرب يسوع، الذي يقول عنه الرسول بولس: «لكي يكون هو متقدماً في كل شيء» (كولوسي 1: 18).
إن كل شخص يضع نفسه في مكان الرئاسة على قطيع المسيح، أو يقبل ذلك، يكون  مغتصبًا لمكان ومكانة الرب الذي قال:
«لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم»
(متى 18: 20).
إن المتعطشين لحب الرئاسة، نسوا أو تناسوا أن الرب هو الرئيس وسط شعبه.   يقول الوحي: 
«وتكون الرياسة على كتفه»
(إشعياء 9: 6).
هل يكون الرب موجودًا في الوسط والرياسة على كتف شخص آخر؟ حاشا. فهذا الآخر هو مغتصب مكان الرب، ومكانته.
ماذا يعمل هذا المغتصب المتسلط – دِيُوتْرِيفِس؟
يقول الرسول يوحنا: «لا يقبلنا».
وهذا سلوك كل الذين اتّبعوا منهاج ديوتريفوس وساروا على دربه، أنهم لا يقبلون أولاد الله، ولكنهم يقبلون الخانعين.. المرآئين.. المنافقين.. إلخ.
دوّن يا تاريخ في صفحة سوداء أنه يوجد دِيُوتْرِيفِس في كل زمان، وإلى نهاية الزمان.


أسئلة عن الفصل السادس

1- تحدث الرسول يوحنا في رسالته الثالثة عن ثلاثة أشخاص، غَايُس ودِيُوتْرِيفِس ودِيمِتْرِيُوس، اذكر ثلاث صفات لكل شخصية؟
2- لماذا كان دِيُوتْرِيفِسَ يمثل البذرة الأولى للنظام البابوي؟
3- ما هو موقف دِيُوتْرِيفِس من الرسول يوحنا ومن الخدام المتجولين؟
4- ما هو موقف الرسول يوحنا من دِيُوتْرِيفِس؟

الفصل السابع

مرقس ليس رسولاً

رأينا في الفصل الخامس أن علماءُ الكتاب المقدس الكاثوليك يبدون الملاحظاتَ التاليةَ:
1- لا يوجد دليل في العهد الجديد  أن بطرس كان في أي وقت أسقفًا أو مسئولاً محليّا يتولى إدارة أي كنيسة (بما في ذلك روما وأنطاكيا)؛
2- ليس هناك دليل كتابي مباشر أن يسوع أسس البابوية كمنصب دائم داخل الكنيسة؛ 
وبهاتين الملاحظتين يكون علماء الكتاب المقدس الكاثوليك قد هدموا النظام البابوي من أساسه، وبالتالي هدموا التعليم بالخلافة الرسولية.
إن هؤلاء العلماء أشرف من المؤرخين والدارسين الأقباط الذين زوّروا التاريخ وقالوا عن مرقس الإنجيلي:  [«البابا مرقس الأول»، و لقبوه بـ «قداسة البابا المعظم الأنبا مرقص الأول، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الـ1»، وأنه «جلس على كرسي البابوية مدة 7 سنوات»] .
أين جاءت هذه الألقاب في تعاليم الرب يسوع المسيح، وأين جاءت في تعاليم رسله الكرام؟  وأيُّ كرسي جلس عليه مرقس الإنجيلي وقد تمزق حذاؤه من كثرة التجوال في شوارع الإسكندرية يكرز بالإنجيل، وليس حذاؤه فقط بل جسده أيضًا تمزق حين سحله الوثنيون في شوارع الإسكندرية كما تذكرون في كتبكم؟
ومَنْ الذي خوّل لكم سلطة إطلاق مثل هذه الألقاب على خادم أمين للرب نظير مرقس الإنجيلي؟ أليس هذا نوع من التزوير والتدليس وخداع البسطاء من غير الدارسين؟
ومن الذي أوحى إليكم بفكرة «الكرسي البابوي»؟
هل جاء مرقس الإنجيلي إلى الإسكندرية ليؤسس نظامًا بابويًا، ويبني كاتدرائيات؟
أم جاء ليكرز بالإنجيل؟
أم أن المؤرخين الأقباط ينسبون البابوية لمرقس، زورًا وبهتانًا، ويخلعون عليه ألقاب القداسة والتعظيم حتى يعطوا شرعية لإطلاق مثل هذه الألقاب على من يظنون أنه خليفته؟
هل مرقس الإنجيلي، إناء الوحي، الذي دوّن الإنجيل تحت قيادة وإرشاد الروح القدس، في حاجة إلى كل هذه الألقاب التي تُعظّم الإنسان، والتي هي ضد تعاليم الرب ورسله الكرام؟
هل جاء مرقس الإنجيلي إلى الإسكندرية ليجلس على كرسي فخم، يصعد عليه بدرج مغطى ببساط أحمر، ليكون أعلى من باقي الشعب، في كاتدرائية ضخمة باهظة التكاليف، مرتديًا ثيابًا مزركشة غالية الثمن، ذات ألوان صادمة للعين، مُمسكًا بصولجان وصليب مصنوع من الذهب، أم جاء ليجول وسط الناس ليخبرهم بالخلاص العظيم الذي صنعه الرب من أجلهم على الصليب؟  ألم تقل الترنيمة القبطية:
في أول العصور لمولد المســيح     ***   مرقــس أتي بنـور إيمـانه الصــــــحيح
وجال في البلاد ينادي بالخلاص    ***    باسم المسيح الفادي مَنْ يرفع القصاص
هل جاء مرقس ليبني كاتدرائيات، ويُكرّس مذابح، ويقيم قداسات، أم جاء لينادي بالخلاص باسم المسيح الفادي مَنْ يرفع عقاب ودينونة الخطية؟
لقد أساء المؤرخون الأقباط إلى مرقس الإنجيلي وهم يظنون أنهم يمتدحونه ويجلّونه ويرفعون من شأنه وقدره.
إن التعصب أعمى أعينهم عن رؤية الحقيقة، أن مرقس الإنجيلي كان خادمًا أمينًا لسيده، وأنه كان إناءً للوحي، فهو أول من كتب سيرة الرب يسوع ودونها في الإنجيل المعروف باسمه «إنجيل مرقس»، فهل هناك تشريف لهذا الخادم المبارك أكثر من كونه إناءً للوحي؟ بل إنه سينال التكريم الحقيقي من الرب نفسه حينما يمنحه الرب الأكاليل مكافأة على جهاده وتعبه وصبره.
مرقس من الناحية التاريخية:
جاء في كتاب تاريخ البطاركة للأنبا ساويرس ابن المقفع ما يلي:
«والد مرقس اسمه أرسطوبولس وهذا كان أخو برنابس وكانا ساكنين في مدينة من أعمال الخمس مدن التي في المغرب (الخمس مدن الغربية في ليبيا) تدعى كيرنا بولوس ونتيجة نهب أموالهما من قبيلتي البربر والحبش رحلا إلى فلسطين بالقرب من مدينة أورشليم وكان يوحنا الطفل (مرقس البشير) ينمو وكان لهذين الأخوين ابنة عم وهي زوجة سمعان بطرس الذي صار رئيس تلاميذ السيد المسيح . وكان يوحنا المذكور قد سموه مرقس، وكان يأوي عند بطرس ويتعلم منه من الكتب المقدسة التعاليم المسيحية .. ومريم أمه هي أخت برنابا تلميذ الرسل... مضى مرقس مع بطرس إلى يروشليم (أورشليم) وبشرا الجموع بكلام الله وظهر الروح القدس لبطرس وأمره أن يمضي إلى المدن والقرى التي هناك فمضى ومعه مرقس إلى عمل بيت عنيا وبشرا بكلام الله وأقام بطرس هناك أياما فنظر في المنام ملاك الله يقول له في كورتين غلاء عظيم فقال بطرس للملاك أي الكور تعني قال له مدينة الأسكندرية وكورة مصر وكورة رومية وليس هو غلاء من خبز وماء بل هو غلاء من قلة معرفة كلام الله الذي تبشر به فلما استيقظ بطرس من نومه قال لمرقس ما شاهده في منامه ومن بعد ذلك مضى بطرس ومرقس إلى أعمال رومية وبشرا هناك بكلام الله ولما كان في السنة الخامسة عشر من بعد صعود المسيح أنفذ (أرسل) القديس بطرس مار مرقس الأب الإنجيلي إلى مدينة الأسكندرية ليبشر فيها ويكرز بكلام الله وإنجيل السيد يسوع المسيح الذي له ينبغي المجد والكرامة والسجود وللآب والروح القدس الله الواحد إلى الأبد آمين».

ملاحظات على رواية ابن المقفع:
1- لم يُحدّد ابن المقفع وقت رجوع أسرة مرقس إلى فلسطين، ولكنه ذكر أن مرقس كان طفلاً في ذلك الوقت، لذلك لا نستطيع أن نجزم بأن مرقس قد رأى الرب، وإن كان قد رأى الرب، فليس هناك ما يُشير إلى عمره حين رآه؟
2- يذكر ابن المقفع أن «بطرس صار رئيس تلاميذ السيد المسيح»، ولم يذكر متى صار رئيسًا للتلاميذ، ومَنْ الذي خوّلّ له الرئاسة على التلاميذ؟ لم يذكر الكتاب أن المسيح أقام بطرس رئيسًا على التلاميذ، ولم يذكر الكتاب أن التلاميذ انتخبوا بطرس رئيسًا عليهم. ولنا أن نسأل: متى صار بطرس رئيسًا على تلاميذ المسيح؟ 
ألا يستند الكاثوليك على مثل هذه المقولة في إثبات أولوية أسقف روما على أساقفة العالم كافة؟ فكيف لأسقف ومؤرخ قبطي مثل الأنبا ساويرس ابن المقفع أسقف الأشمونيين (القرن التاسع للميلاد)، أن يقع في مثل هذا الخطأ الفادح وينادي برئاسة بطرس على تلاميذ المسيح؟!
أم أن الأقباط في ذلك الوقت كانوا يقرّون برئاسة أسقف (بابا) روما على باقي أساقفة العالم، وبذلك يكون أسقف الأسكندرية مختلسًا للقب «بابا»؟
في هذا الصدد نجد في القرن الثالث عشر للميلاد أن أحد علماء الكنيسة القبطية وهو الشيخ صفي أبي الفضائل بن العسال  يقر برئاسة بابا روما على سائر البطاركة. فهل يخضع أسقف الأسكندرية المُلقّب أخيرًا بـ «البابا» لـ «بابا روما»؟
3- يذكر ابن المقفع أن مرقس كان يأوي عند بطرس ويتعلّم منه من الكتب المقدسة التعاليم المسيحية. والسؤال الذي يستحضره المنطق السليم لكل مَنْ يمتلك عقلاً سليمًا: لماذا يتعلّم مرقس التعاليم المسيحية من بطرس ولم يتعلمها من الرب مباشرة إذا كان تلميذًا للرب؟
أليس هذا دليل قاطع وبرهان ساطع على أن مرقس لم يكن لا من تلاميذ الرب «الاثْنَيْ عَشَرَ» المذكورين في متى 10: 1-4، ولا من السبعين الذين أرسلهم الرب والمذكورين في إنجيل لوقا 10: 1.
4- يقول «وظهر الروح القدس لبطرس». ولنا أن نسأل كيف ظهر الروح القدس لبطرس، وبأي هيئة ظهر؟
إن من سمات الروح القدس في العهد الجديد أنه يحل (لوقا 1: 35)، وأنه يملأ (أعمال 2: 4)، وفي العهد القديم كان يحل (1صموئيل 10: 10)، ويفارق (1صموئيل 16: 14)، أما الظهورات فهي تختص بالكلمة الأزلي سواء في العهد القديم، مثلما تحدث مع منوح (انظر قضاة إصحاح 13عدد 3 بالمقارنة مع عدد 13)، أو في العهد الجديد حيث اتخذ جسدًا، مكتوب: «وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا» (يوحنا 1: 14).
فالحديث عن ظهور الروح القدس لبطرس هو نوع من التلفيق للأحداث، أو التزوير للتاريخ، أو جهل من المؤرخين بالمكتوب.
5- يذكر أن بطرس ومرقس بشرا في رومية نتيجة  حديث ملاك الله له في رؤية في المنام، وبعد ذلك أرسل مرقس ليبشر في الأسكندرية طبقًا لتلك الرؤية.
لقد سبق ورأينا علماء الكاثوليك أنفسهم قالوا بأن بطرس لم يذهب إلى رومية إلا في نهاية حياته واستشهد هناك.
إذن ليس هناك سند تاريخي أو دليل يؤكد أن بطرس بشّر في رومية.
ولنا أن نسأل: إن كان بطرس لم يبشر في رومية، وأن ما قيل عن رؤيته للملاك هي ضرب من خيال المؤرخين، فعلى أي أساس أرسل مرقس إلى مصر؟
بعضهم يرى أنه «بعد نياحة برنابا، ذهب مارمرقس بأمر السيد المسيح إلى أفريقيا وبرقة والخمس المدن الغربية.. ».
أيهما نُصدّق، مَنْ قال أن بطرس هو الذي أرسله للكرازة في الإسكندرية، أم أنه ذهب بأمر السيد المسيح؟
أليس مرقس إناءً للوحي؟ كان بالأحرى أن الروح القدس الذي قاده لكتابة الإنجيل، أن يوحي إليه بالذهاب للتبشير في الإسكندرية.
أما ما جاء في كتاب تاريخ الكنيسة ليوسابيوس أسقف قيصرية بخصوص مرقس فهو صادم للمؤرخين  الأقباط:
«ويقولون أن مرقس هذا كان أول من أرسل إلى مصر، وأنه نادى بالإنجيل الذي كتبه، وأسس الكنائس في الأسكندرية أولا».
ويبدو أن يوسابيوس القيصري (263 - 339؟) والذي كثيرًا ما يُشار إليه بأنه «أبو التاريخ الكنسي»، لم يكن متأكدًا من قدوم مرقس البشير إلى مصر، ويوافقه في هذا آخرون أيضًا ليسوا مجال هذا البحث.
مرقس من الناحية الكتابية:
من أعمال 12: 12 نعلم أن اسمه هو يوحنا الملقب مرقس، وأن أمه اسمها مريم، وكان المؤمنون يجتمعون في بيتها للصلاة، لا سيما من أجل بطرس الذي كان مسجونًا في ذلك الوقت، وعندما أنقذه الملاك من السجن، مكتوب:
«ثُمَّ جَاءَ وَهُوَ مُنْتَبِهٌ إِلَى بَيْتِ مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا الْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ،
حَيْثُ كَانَ كَثِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ».
ومن كولوسي 4: 10 نعلم أن يوحنا الملقب مرقس هو ابن أخت برنابا، فمكتوب:
«يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَرِسْتَرْخُسُ الْمَأْسُورُ مَعِي، وَمَرْقُسُ ابْنُ أُخْتِ بَرْنَابَا، الَّذِي أَخَذْتُمْ لأَجْلِهِ وَصَايَا. إِنْ أَتَى إِلَيْكُمْ فَاقْبَلُوهُ».
ومن أعمال 12: 25 نعلم أنه كان في رفقة برنابا وشاول (بولس الرسول) في الخدمة، فمكتوب: «وَرَجَعَ بَرْنَابَا وَشَاوُلُ مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَا كَمَّلاَ الْخِدْمَةَ وَأَخَذَا مَعَهُمَا يُوحَنَّا الْمُلَقَّبَ مَرْقُسَ»
ومن أعمال 15: 35-40 نجد أنه قد حدثت مشاجرة بين بولس وبرنابا بسبب يوحنا الذي يدعى مرقس الذي فارقهما من بمفيلية ولم يذهب معهما للخدمة.
ومن 2تيموثاوس 4: 11 نجد أن مرقس قد صار نافعًا للرسول بولس للخدمة،  فمكتوب:
«لُوقَا وَحْدَهُ مَعِي. خُذْ مَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ لأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ».
ومن فليمون ع 23، 24 نجد أن مرقس ضمن العاملين مع الرسول بولس، فمكتوب:
«يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَبَفْرَاسُ الْمَأْسُورُ مَعِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَمَرْقُسُ، وَأَرِسْتَرْخُسُ، وَدِيمَاسُ، وَلُوقَا الْعَامِلُونَ مَعِي».
ومن 1بطرس 5: 13 نستنتج أن مرقس كان بمثابة الابن للرسول بطرس، فمكتوب:
«تُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ الَّتِي فِي بَابِلَ الْمُخْتَارَةُ مَعَكُمْ، وَمَرْقُسُ ابْنِي».
وهذا يدعم ما أورده ابن المقفع في كتابه من أن مرقس كان يأوي عند بطرس ويتعلم منه من الكتب المقدسة التعاليم المسيحية، فكان مرقس بمثابة الابن للرسول بطرس.
هذا هو مرقس البشيرمن الناحية الكتابية، خادم أمين للرب، نافع للرسل للخدمة.. لم نقرأ عنه في كل ماسبق من شواهد كتابية أنه لُقِّب بـ «حضرة صاحب القداسة البابا المُعظم الأنبا مرقس البابا الأول للأسكندرية وبطريرك  الكرازة المرقسية» كما يُلقبه المزورون.
فالمؤرخون المزوّرون يريدون أن يضفوا صفة الرسولية على البشير مرقس، ليؤكدوا الخلافة الرسولية لأسقف الأسكندرية، فلقبو البشير مرقس بـ «قداسة البابا المعظم الأنبا مرقص الأول، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الـ1».
 لكن عندما رجعنا إلى الإنجيل كما دونه متى الرسول إصحاح 10: 1-4 وجدنا أسماء رسل المسيح وليس من بينهم مرقس.
هؤلاء الرسل (ماعدا يهوذا الإسخريوطي الخائن) هم الذين كلفهم الرب بالذهاب إلى العالم أجمع والكرازة بالإنجيل للخليقة كلها، وقال لهم:
«دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ. (متى 28: 18-20).
وفي الإنجيل كما دونه مرقس، قال الرب لرسله: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ» (مرقس 16: 15، 16).
لكن المؤرخين الأقباط لكي يهربوا من هذه الإعلانات الواضحة التي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن مرقس ليس من ضمن الرسل المذكورين في متى 10: 1-4 قالوا بأن مرقس كان ضمن السبعين رسولا الوارد ذكرهم في لوقا 10.
إذن لنذهب إلى الإنجيل كما دونه لوقا لنرى هل كان مرقس ضمن السبعين، مكتوب: «وَبَعْدَ ذلِكَ عَيَّنَ الرَّبُّ سَبْعِينَ آخَرِينَ أَيْضًا، وَأَرْسَلَهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعًا أَنْ يَأْتِيَ» (لوقا 10: 1).
من النص السابق نجد:
(1) لم يذكر الكتاب أسماء السبعين، وحين يصمت الكتاب عن ذكر أسماء هؤلاء السبعين، على كل فم أن يستد، وعلى كل فكر أن يتوقف عن التخمين والظنون.
(2) خدمة هؤلاء السبعين كانت في أماكن محددة وذات طابع مؤقت، فمكتوب: «أَرْسَلَهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعًا أَنْ يَأْتِيَ».
فكانت خدمتهم هي تمهيد الطريق أمام الرب في كل المدن والمواضع التي كان مزمعًا أن يأتي إليها. 
والحقيقة التي غابت عن أعين المؤرخين المزورين هي أن المسيحية دخلت مصر قبل أن ياتي إليها مرقس عن طريق اليهود الأتقياء الذين جاءوا من كل أمة إلى أورشليم (أعمال 2: 5)، لحضور عيد الخمسين، وهو من الأعياد اليهودية الكبرى، وكان ضمن هؤلاء، يهود قد أتوا من مصر (إعمال 2: 10)، ولما حضر يوم الخمسين وحلّ الروح القدس (أعمال 2: 1-3) وَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ وقال عظته المشهورة والتي كان نتيجتها أن اليهود - وكان ضمنهم اليهود الذين أتوا من مصر - قَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ، وَاعْتَمَدُوا، «وَانْضَمَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ» (أعمال 2: 41).
لذلك نقرأ في أعمال 18: 24 عن يَهُودِيٌّ من الإسكندرية اسْمُهُ أَبُلُّوسُ، آمن بالرب يسوع المسيح ويصفه الكتاب بأنه «رَجُلٌ فَصِيحٌ مُقْتَدِرٌ فِي الْكُتُبِ».
فمما لا شك فيه أن أَبُلُّوس إما أنه كان ضمن اليهود الذين حضروا يوم الخمسين، أو أنه آمن بكرازتهم عند عودتهم إلى مصر.
وبما أن مرقس لم يكن ضمن رسل الرب الوارد ذكرهم في  متى 10: 1-4، وليس هناك ما يؤكد أنه كان ضمن السبعين المشار إليهم في لوقا 10: 1، ولم يكن هو أول من أدخل المسيحية إلى مصر.
إذن الإدعاء بأن مرقس رسول، هو إدعاء يفتقر إلى الصحة والمصداقية.
وبناء على ذلك يكون الادعاء بأن أسقف الإسكندرية هو خليفة الرسل إنما هو ادعاء كاذب، والادعاء بأن كرسي الإسكندرية هو كرسي رسولي هو ادعاء كاذب أيضًا.




أسئلة عن الفصل السابع

1- لماذا كان علماء الكاثوليك المعاصرين أشرف من بعض المؤرخين الأقباط؟
2- هات من العهد الجديد ما يؤيد أو ينفي أن يكون مرقس رسولاً؟
3- ممَنْ تعلّم مرقس التعاليم المسيحية؟ وما دلالة ذلك؟
4- علام تدل تضارب الأقوال حول من الذي أرسل مرقس إلى مصر؟
5- هل حقًا أن أول من أدخل المسيحية إلى مصر هو مرقس؟
6- على افتراض أن مرقس جاء للتبشير في مصر، فهل جاء ليجلس على كرسي ويسجد له أتباعه في مذلة وهوان، لابسًا البز والأرجوان، ويمسك بيده عصا من ذهب أوفير، أم جاء ليجول في البلاد يكرز ببشارة الخلاص ويتمزق حذاؤه من كثرة الجولان، بل ويتمزق جسده مسحولاً من أعداء صليب المسيح؟



الفصل الثامن


الخدمة تكليف وليست تشريف

إن الخادم الحقيقي لا يبحث عن ألقاب، ولا يسعى إلى نوال كرامة ومجد من الناس، بل من الواجب عليه أن يرفض مديح المنافقين، والألقاب التي يخلعها عليه المرائين، ومثالنا في ذلك الرب نفسه الذي قال: «مَجْدًا مِنَ النَّاسِ لَسْتُ أَقْبَلُ» (يوحنا 5: 41).
 إن الخادم الحقيقي يضع في اعتباره أن الخدمة تكليف من الرب الذي قال لتلاميذه في كلمات محددة غير قابلة للتأويل أو التفسير:
«اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا.
مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ» (مرقس 16: 15، 16).
 أيضًا:
«..اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ.
وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ.
وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ. (متى 28: 19، 20).
إن قول الرب: «وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ» يؤكد أن التكليف ليس فقط لتلاميذه بل لكل الخدام الأمناء المدعوين من الرب للكرازة بالإنجيل، في كل العصور والأجيال.
 الخدمة في العهد الجديد هي ضرورة موضوعة على الخادم الحقيقي، وليس له رفاهية رفضها، يقول الرسول بولس:
«لأَنَّهُ إِنْ كُنْتُ أُبَشِّرُ فَلَيْسَ لِي فَخْرٌ، إِذِ الضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَيَّ،
فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ» (1كورنثوس 9: 16).
لذلك كانت نصيحة الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس:
«احْتَمِلِ الْمَشَقَّاتِ. اعْمَلْ عَمَلَ الْمُبَشِّرِ. تَمِّمْ خِدْمَتَكَ» (2تيموثاوس 4: 5).
لاحظ قوله: «احْتَمِلِ الْمَشَقَّاتِ»، مما يعنى أن هناك مشقات كثيرة تواجه المبشر في خدمته.
ولكن بكل أسف تحوّل التكليف إلى مناصب وألقاب، فرفع كل أتباع طائفة أو كنيسة من شأن رئيسهم ليتباهوا به أمام العالم، فخلعوا عليه من الألقاب ما لا طاقة لإنسان يخاف الله أن يقبلها، وأحاطوه بهالة من الرهبة والقداسة حتى يكون موضع إجلال وهيبة من الآخرين. وبذلك صنعوا من البشر أنصاف آلهة يسجدون لها، ويقبّلون أياديها في مشهد مُنفّر، مُستفز لمشاعر الملايين، والويل كل الويل لمن لا يبدى الخضوع، بل الخنوع المُذّل لهؤلاء المغتصبين لألقاب الرب ووظائفه.
وبكل حزن وأسى قد صدّق هؤلاء الرؤساء الدينيين تلك الأكذوبة أنهم فوق البشر، حتى ولو تظاهروا بغير ذلك، فعزلوا أنفسهم عن الشعب في مقرّات هي في حقيقتها قصور يستقبلون فيها مَنْ يشاؤن، ويقف على بابها بالساعات الطوال في مذلة ومهانة، نفوس جاءت تتسول بركة موهومة أو تلتمس - بلا جدوى - مناصًا من جور الزمان، وإذا ما فُتح الباب وحاول أحد أبناء الكنيسة أو كما يتوهم هو ذلك، الدخول دفعه البواب بقوة بل وقسوة أيضًا، حتى يكاد أن ينطرح ذلك المسكين على ظهره من فوق درجات السلم. فكيف لبشر أن يقتربوا من أنصاف الآلهة دون إذن وميعاد مُسبق من طاقم السكرتارية.
ياللذل والمهانة التي لحقت بشعب دُعي عليه اسم المسيح.
أين أصحاب العظمة والقداسة والسيادة، مما قاله الكتاب عن الرب: «الَّذِي جَالَ  يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ..» (أعمال 10: 38). الذي كانت الجموع تزحمه (مرقس 5: 31؛ لوقا 8: 45) ولم ينتهر أحدًا منهم، ولم يطرد أحدًا من حضرته. وعندما «قُدِّمَ إِلَيْهِ أَوْلاَدٌ لِكَيْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَيُصَلِّيَ» وقام التلاميذ بانتهارهم، ماذا قال الرب لتلاميذه؟ «أَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ: دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ، وَمَضَى مِنْ هُنَاكَ» (متى 19: 13-15).
بل إن أحدهم لا يلقى خطابه إلا بإطلاله من نافذة بأعلى القصر الذي يقيم فيه، وجموع الشعب في الساحة من أسفل، أعناقهم مشرئبة، وأبصارهم مُسلطة على تلك النافذة، تتطلع بلهفة وشوق إلى تلك اللحظة التي فيها يطل عليهم وريث بطرس، وكأن الرسول بطرس هو الذي اقتنى الكنيسة بدمه وليس الرب. 
الخدمة في العهد الجديد هي تكليف تصحبه المشقات والأتعاب، وليست مجالاً لنوال التشريفات من حمل جوازات سفر دبلوماسية، والاستقبال في قاعة كبار الزوار...إلخ. هي ضرورة موضوعة على الخادم.
وهذا التكليف له كُلفته الغالية التي تُحتم على الخادم الحقيقي أن يتحملها بصبر وإيمان، ومن هذه الكلفة:
1- إنكار الذات واحتمال الآلام:
قال الرب لتلاميذه: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي» (متى 16: 24).
ما معنى «ينكر نفسه»؟ الكلمة اليونانية ἀπαρνέομαι تعني شخص ينسى نفسه، يَتغاضى عن نفسه ومصالحه الخاصة.  فهل من سامع؟
قال الرب: «مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ» (متى 11: 15).
2- الخدمة وسط بشر لهم طبيعة وحشية:
قال الرب لتلاميذه: «اِذْهَبُوا! هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ مِثْلَ حُمْلاَنٍ بَيْنَ ذِئَابٍ»  (لوقا 10: 3).
هل يهنأ الراعي بالطعام والشراب، وتغمُض عيناه، ويغط  في نوم عميق، والذئاب تحيط به من كل جهة؟
3- احتمال الضيقات:
قال الرب لتلاميذه: «فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ»  (يوحنا 16: 33).
لم يَعِد الرب تلاميذه بامتلاك القصور والڤيلات، والفراديس والجنات، والحياة اليسيرة، والبحبوحة من العيش، بل قال لهم: «فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ».
4- العزل والشلح والاستعداد للشهادة:
قال الرب لتلاميذه:
«سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً ِللهِ»
(يوحنا 16: 2).
لقد فهم الرسول بولس دروس الرب، لذلك تحمّل كل ما أصابه من شرور بصبر وإيمان إذ قال:
  «إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ نَجُوعُ وَنَعْطَشُ وَنَعْرَى وَنُلْكَمُ وَلَيْسَ لَنَا إِقَامَةٌ، وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا. نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ. يُفْتَرَى عَلَيْنَا فَنَعِظُ. 
صِرْنَا كَأَقْذَارِ الْعَالَمِ وَوَسَخِ كُلِّ شَيْءٍ إِلَى الآنَ» (1كورنثوس 4: 11-13).
 «فِي الأَتْعَابِ أَكْثَرُ، فِي الضَّرَبَاتِ أَوْفَرُ، فِي السُّجُونِ أَكْثَرُ، فِي الْمِيتَاتِ مِرَارًا كَثِيرَةً. مِنَ الْيَهُودِ خَمْسَ مَرَّاتٍ قَبِلْتُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً إِلاَّ وَاحِدَةً.
ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ضُرِبْتُ بِالْعِصِيِّ، مَرَّةً رُجِمْتُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ انْكَسَرَتْ بِيَ السَّفِينَةُ،
لَيْلاً وَنَهَارًا قَضَيْتُ فِي الْعُمْقِ. بِأَسْفَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، بِأَخْطَارِ سُيُول، بِأَخْطَارِ لُصُوصٍ، بِأَخْطَارٍ مِنْ جِنْسِي، بِأَخْطَارٍ مِنَ الأُمَمِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْمَدِينَةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَرِّيَّةِ،
بِأَخْطَارٍ فِي الْبَحْرِ، بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ. فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ، فِي أَسْهَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً،
فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ، فِي أَصْوَامٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي بَرْدٍ وَعُرْيٍ. عَدَا مَا هُوَ دُونَ ذلِكَ: التَّرَاكُمُ عَلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ، الاهْتِمَامُ بِجَمِيعِ الْكَنَائِسِ.
مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟» (2كورنثوس 11: 23-28).
ألا ينطبق ما ذكره آساف المرنم في مزمور 73: 4 - 7 على الكثيرين ممَنْ يحملون ألقابًا رنانة في المسيحية الإسمية: «.. جِسْمُهُمْ سَمِينٌ. لَيْسُوا فِي تَعَبِ النَّاسِ، وَمَعَ الْبَشَرِ لاَ يُصَابُونَ. لِذلِكَ تَقَلَّدُوا الْكِبْرِيَاءَ.. جَحَظَتْ عُيُونُهُمْ مِنَ الشَّحْمِ..». أين هؤلاء من قول الرسول بولس: «فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ، فِي أَسْهَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ، فِي أَصْوَامٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي بَرْدٍ وَعُرْيٍ..»؟
أين الزهد والنسك، وإماتة الجسد، أيها الرهبان، يا مَنْ تركتم مسكنكم، ونزلتم إلى العالم لتنالوا كل هذا المجد الباطل؟ أليست هذه هي تعاليمكم عن الرهبنة؟
كيف تغمض أعين هؤلاء الرؤساء الدينيين، الذين يتنعمون بأطيب المأكولات وأفخر المشروبات، وفي رعيتهم مَنْ لا يجد قوت يومه، فيسافر إلى بلاد بعيده طلبًا للرزق، فيذبح على أيدي الأشرار؟
أين المسوح والرماد والتذلل أمام الرب أيها المتنعمون، وهناك في رعيتكم من يفترش الأرض بساطًا ويلتحف بالسماء غطاءً، ويفتش في النفايات علّه يجد كسرة خبز يسد بها رمقه؟
هل أنتم أفضل من ملك إسرائيل الذي لبس المسوح على جسده وقت المجاعة، لكي يرسل الرب الفرج على شعبه؟ مكتوب: «فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلاَمَ الْمَرْأَةِ مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَهُوَ مُجْتَازٌ عَلَى السُّورِ، فَنَظَرَ الشَّعْبُ وَإِذَا مِسْحٌ مِنْ دَاخِل عَلَى جَسَدِهِ» (2ملوك 6: 30).
إن الخادم الحقيقي عليه:
1- أن يحمل عار المسيح:
«فَلْنَخْرُجْ إِذًا إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ»  (عبرانيين 13: 13).
والمحلة هنا تشير إلى الأنظمة الدينية التي انحرفت بعيدًا عن كلمة الله، وتمسكت بالتقاليد.
2- أن يُبَلّغ الرسالة بكل أمانة:
يقول الرسول بولس لشيوخ كنيسة أفسس الذين من المفترض أن يكونوا أمناء بعد رحيله:
«أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ دَخَلْتُ أَسِيَّا، كَيْفَ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ الزَّمَانِ، أَخْدِمُ الرَّبَّ بِكُلِّ تَوَاضُعٍ وَدُمُوعٍ كَثِيرَةٍ، وَبِتَجَارِبَ أَصَابَتْنِي بِمَكَايِدِ الْيَهُودِ. كَيْفَ لَمْ أُؤَخِّرْ شَيْئًا مِنَ الْفَوَائِدِ إِلاَّ وَأَخْبَرْتُكُمْ وَعَلَّمْتُكُمْ بِهِ جَهْرًا وَفِي كُلِّ بَيْتٍ، شَاهِدًا لِلْيَهُودِ وَالْيُونَانِيِّينَ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللهِ وَالإِيمَانِ الَّذِي بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (أعمال 20: 18-21).
لاحظ قول الرسول: «أَخْدِمُ الرَّبَّ بِكُلِّ تَوَاضُعٍ وَدُمُوعٍ كَثِيرَةٍ.. كَيْفَ لَمْ أُؤَخِّرْ شَيْئًا مِنَ الْفَوَائِدِ إِلاَّ وَأَخْبَرْتُكُمْ وَعَلَّمْتُكُمْ بِهِ جَهْرًا وَفِي كُلِّ بَيْتٍ»، والسؤال هو:
أين زيارات وافتقادات المفروض أنهم رعاة، وفتح الكتاب المقدس في بيوت المسيحيين التي دب فيها الانقسام والخراب؟ أم أن الزيارات مقتصرة على رجال المال والأعمال، ووجهاء القوم؟
3- أن يحفظ الوديعة:
 «يَا تِيمُوثَاوُسُ، احْفَظِ الْوَدِيعَةَ، مُعْرِضًا عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ،
 وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاسْمِ» (1تيموثاوس 6: 20).
والوديعة هنا تشير إلى كلمة الله الصادقة، دون زيادة أو نقصان.
4- ألا يغش كلمة الله:
«لأَنَّنَا لَسْنَا كَالْكَثِيرِينَ غَاشِّينَ كَلِمَةَ اللهِ، لكِنْ كَمَا مِنْ إِخْلاَصٍ،
بَلْ كَمَا مِنَ اللهِ نَتَكَلَّمُ أَمَامَ اللهِ فِي الْمَسِيحِ» (2كورنثوس 2: 17).
«بَلْ قَدْ رَفَضْنَا خَفَايَا الْخِزْيِ، غَيْرَ سَالِكِينَ فِي مَكْرٍ، وَلاَ غَاشِّينَ كَلِمَةَ اللهِ،
بَلْ بِإِظْهَارِ الْحَقِّ، مَادِحِينَ أَنْفُسَنَا لَدَى ضَمِيرِ كُلِّ إِنْسَانٍ قُدَّامَ اللهِ» (2كورنثوس 4: 2).
هل هناك مَنْ يغش كلمة الله؟     الإجابة:  نعم
مَنْ هم الكثيرون الذين يغشون كلمة الله؟
إنهم المعلمون الكذبة الذين تخفّوا في ثياب التقوى، وأضافوا تعاليم، وتقاليد من نتاج ذهنهم الفاسد إلى كلمة الله النقية، حتى أن الكثيرين تمسّكوا بهذه التعاليم والتقاليد ورفضوا كلمة الله، بل وأبطلوها، ولم تعد كلمة الله لها سلطان على سلوكهم وضمائرهم.
5- أن يكون شعاره:
«وَلكِنَّنِي لَسْتُ أَحْتَسِبُ لِشَيْءٍ، وَلاَ نَفْسِي ثَمِينَةٌ عِنْدِي، حَتَّى أُتَمِّمَ بِفَرَحٍ سَعْيِي وَالْخِدْمَةَ الَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ الرَّبِّ يَسُوعَ، لأَشْهَدَ بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ اللهِ» (أعمال 20: 24).
إن صاحب هذا الشعار المبارك استطاع أن يقول في نهاية حياته:
«قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا» (2تيموثاوس 4: 7، 8).
يا مَنْ تعظمتم وتسيدتم وتسلطتم وقبلتم أن يسجد تابعيكم لكم، وأن يقدموا لكم البخور وكأنكم آلهة، انظروا ماذا يقول الكتاب لكم:
«فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا:
الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ» (فيلبي 2: 5-8).

أسئلة عن الفصل الثامن

1- مَنْ هو الخادم الحقيقي للرب.. ما هي صفاته؟
2- ما هي طبيعة البشر التي يواجهها الخادم الحقيقي؟
3- ما هي طبيعة الأحوال المعيشية التي يواجهها الخادم الحقيقي للرب؟
4- اكتب انطباعاتك الشخصية في سطور قليلة على ما جاء في 1كورنثوس 4: 11 - 13؛ 2كورنثوس 11: 23 - 28؟
5-  ما هي الواجبات الموضوعة على الخادم الحقيقي للرب؟




الفصل التاسع


سيادة الأسقف الواحد

رأينا في الفصل الخامس أن كلمة بابوية ترجع أصولها إلى القرون الوسطى، وليس إلى العصر الرسولي، ولا إلى عصر الآباء الرسوليين، مما أبطل أي إدعاء بوجود النظام البابوي قبل القرون الوسطى، والادعاء بأن بطرس كان هو البابا الأول الجالس على كرسي روما، ومرقس هو البابا الأول الجالس على كرسي الإسكندرية، هو ادعاء كاذب لا سند له، لا من الأسفار الإلهية كما اتضح ذلك في الفصل الثاني والثالث والرابع، ولا من التاريخ كما اتضح ذلك في الفصل الخامس، والمراد بهذا الادعاء هو تضليل جماهير المسيحيين من البسطاء وغير الدارسين.
وأكد بطلان هذا الادعاء علماءُ الكتاب المقدس الكاثوليك الرومانُ المعاصرين الذين قالوا أنه لا يوجد دليل في العهد الجديد أن بطرس كان في أي وقت أسقفًا أو مسئولاً محليّا يتولى إدارة أي كنيسة (بما في ذلك روما وأنطاكيا)؛ أيضًا أكدوا بأن ليس هناك دليل كتابي مباشر أن يسوع أسس البابوية كمنصب دائم داخل الكنيسة.
ولكن بعد العصر الرسولي تزايدت سلطة ونفوذ أسقف روما على نحو مستمر، ليس فقط في حدود أسقفيته، بل تعدت إلى كنائس العالم كافة الواقعة تحت سلطة الإمبراطورية الرومانية. فروما هي عاصمة الأمبراطورية، ومن الطبيعي أن  أسقف روما كونه أسقف عاصمة الإمبراطورية التي كانت تحكم العالم آنذاك، وأيضًا أسقف العاصمة التي اُستشهد فيها الرسولان بطرس وبولس، فهذا منحه مركزًا متميزًا على كافة أساقفة العالم، وفي هذا الصدد يقول الأنبا إغريغوريوس: «يمكن أن يقال أنه نظرًا لمكانة المدينة السياسية والثقافية والاجتماعية والدولية يعظم شأن الأسقف القائم بمسئوليتها الرعوية».
وإذا رجعنا إلى القرن الثالث عشر للميلاد نجد أحد علماء الكنيسة القبطية وهو الشيخ صفي أبي الفضائل بن العسال  يقر برئاسة بابا روما على سائر البطاركة .
لقد تأسست سيادة الأسقف الواحد أو سيطرة الأسقف الواحد monepiscopacy بشكل جيد بحلول منتصف القرن الثاني. وفي القرن الثالثِ ادعى أساقفة روما الأولوية العالمية، بالرغم من أنَّه سَتَكُونُ 150 سنةَ أخرى أمام هذه الفكرةِ حتى تصاغ بشكل عقائدي.. حيث أن التنظيمِ العقائدي للأولوية الرومانيةِ حَدثَ في السَنَواتِ بين البابا دامسوس الأول (366-384) والبابا ليو الأول (440-461). في تلك الفترة، إدّعى الباباوات صراحة أن أسقف روما هو رأس الكنيسة برمتها وأنّ سلطتِه مستمدة مِنْ بطرس.
هل هناك وضوح أكثر من ذلك على أن النظام البابوي لم يكن موجودًا قبل القرن الرابع للميلاد؟
أليست هذه الحقائق تكشف تدليس وكذب المؤرخين الذين يدعون بأن بطرس ومرقس كانا أول البابوات؟
أليس المسيح له المجد، ورسله الكرام وتلاميذهم، براء من الادعاء بأنهم مؤسسوا النظام البابوي البغيض، الذي أساء إلى المسيحية وصورتها أمام العالم؟

ألم يكن دامسوس الأول، هو أول مَنْ دعى روما بالكرسي الرسولي، أي أنه أول مَنْ نادى بالخلافة الرسولية. وفي مجمع روما (382) أعلن بأن أولوية أسقف روما تستند على الاستمرارية مع بطرس.
أليس خليفته، سيريسيوس Siricius (384-399)، الذي تعتبر مراسيمة التي أصدرها بشكل مبكر جدًا،  قد عززت  رئاسة أسقف روما، وفُرضَت قراراتَه على العديد مِنْ الأساقفةِ خارج إيطاليا.
أين ضمائر الذين يزورون التاريخ من هذه الحقائق، ويخدعون قلوب البسطاء، ويدّعون بوجود كرسي رسولي في روما وآخر في الإسكندرية؟
أليس المدعو دامسوس هو أول من دعى روما بالكرسي الرسولي في نهاية القرن الرابع للميلاد؟ 
ألم يكن ليو الأول هو أول ثلاث بابوات دعوا بـ «المعظم»، والذي وضع الأساس النظري للسلطة البابوية العليا.
على المزورين للتاريخ أن يتعلموا متى دخلت الألقاب التي يطلقونها على بشر، دون وازع من ضمير، أو خوف من الله. 
بل أخذ ليو لقب  Pontifex Maximus «الحبر (الكاهن) الأعظم» أي رئيس الكهنة، الذي لَمْ يَعُد الأباطرة يستعملونه، وادّعى أنه يمتلك كامل السلطة (plenitudo potestatis).
ولنا أن نسأل: مَنْ الذي يمتلك كامل السلطة أو يمتلك السلطة المُطلقة؟
أليس الله وحده هو صاحب السلطة المُطلقة.
ومَنْ هو رئيس الكهنة أو الكاهن العظيم؟
أليس هو الرب يسوع المسيح؟
 أليس من العار أن يقبل مَنْ يدعون أنهم بابوات الألقاب التي لم يعد الأباطرة الوثنيون يستعملونها؟
سجل يا تاريخ في صفحة حالكة السواد، أن مَنْ يدعون أنهم خدام المسيح يقبلون الألقاب الوثنية، ويتسيدون ويتسلطون على الرعية، وما على الرعية إلا أن تُقبّل الأيادي وأن تسجد عند الأقدام، في خنوع وإذلال مخزي ومهين لصورة الله التي خلق عليها الإنسان.
لقد تحدث الكتاب عن الأساقفة، ولكن هل تحدث عن سيادة وتسلط الأسقف الواحد،  وعن الألقاب التي تُطلق عليه، والتي منها كان يُطلق على الأباطرة الوثنيين؟
من المعلوم أن في زمن الرسل كان هناك أساقفة . بل إن كنيسة واحدة مثل كنيسة فيلبي - ولم يكن مر وقت طويل على تأسيسها - كان بها عدد من الأساقفة وليس أسقفًا واحدًا، وعدد من الشمامسة، فمكتوب: «بُولُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِينَ فِي فِيلِبِّي، مَعَ أَسَاقِفَةٍ وَشَمَامِسَةٍ» (فيلبي 1: 1).
فما هي صفات الأسقف ووظيفته التي أعلنها لنا الروح القدس في الكتاب المقدس؟
وهل هناك فرق بين الأساقفة والقسوس؟
هذا هو موضوع الفصل التالي.


أسئلة عن الفصل التاسع

1- إلى أي قرن ترجع كلمة البابوية؟ وعلام يدل ذلك؟
2- ما هي العوامل التي ساعدت على تزايد سلطة أسقف روما؟
3- علق على إقرار أحد علماء الكنيسة القبطية في القرن الثالث عشر برئاسة بابا روما على سائر البطاركة.
4- متى ادعى البابوات أن أسقف روما سلطته مستمدة من الرسول بطرس؟
5- مَنْ أول من نادى بالخلافة الرسولية، ومتى؟
6- مَنْ هم أول ثلاث بابوات أُطلق عليهم لقب «المُعظّم»؟
7- مَنْ هو المُعظّم الحقيقي؟


الفصل العاشر

الأسقف، مَنْ هو؟

رأينا في الفصل الخامس أن الكثير من المعتقدات والتعاليم والأنظمة الكنسية الفاسدة دخلت إلى المسيحية في وقت مبكر، ومن ضمنها أن هناك فرقًا بين المدعوين أساقفة والذين لُقبوا فيما بعد - في العصور المظلمة التي سادت المسيحية - بالبطاركة والبابوات، حيث خُلعت عليهم ألقاب القداسة والغبطة والسيادة، من المنافقين المحيطين بهم،  وبين المدعوين قسوس (أو قمامصة).. المساكين.. الخاضعين.. الطائعين.. الخانعين.. لأسيادهم الأساقفة أو البطاركة أو البابوات، وبين الشيوخ الذين لا ذكر لهم في الكنيسة الأرثوذكسية  المصرية، والتي ربما أشارت إليهم بمصطلح آخر وهو «الأراخنة».  
ومن ثمّ جاءت الترجمة البيروتية (المعروفة بترجمة ڤـان دايك) والمنتشرة بين أيدينا متمشية أو متأثرة بهذه التفرقة الجائرة، والمبنية على غير أساس كتابي، فارتكب مترجموها  - رغم ما بذلوه من جهد مشكور - خطأً فادحًا  في عدم ترجمة الكلمة اليونانية ἐπίσκοπος (إيبيسكوبوس) في 1تيموثاوس 3: 1، 2؛ تيطس 1: 7؛ 1بطرس 2: 25 واكتفوا باشتقاق حروفها transliteration من اليونانية إلى العربية ونقلوها «أسقف، أساقفة، أسقفها»، والتي تتمشى أيضًا مع الترجمة السريانية البسيطة والمعروفة بـ (البشيطا) حيث أن المرادف لـكلمة ἐπίσκοπος اليونانية هي كلمة ܐܦܣܩܘܦܐ (أَفِسْقُوفُو) السريانية، وكذلك عدم ترجمة كلمة  πρεσβυτέρος (بريسبوتيروس) في أعمال 14: 23؛ 20: 17، واكتفوا باشتقاق حروفها من الترجمة السريانية ܩܫܝܫܐ (قشيشا) ونقلوها «قسوس»، وكذلك عدم ترجمة كلمة διακόνος (دياكونوس) في فيلبي 1: 1؛ 1تيموثاوس 3: 8، 12واكتفوا باشتقاق حروفها من الترجمة السريانية ܡܫܡܫܢܐ (مشمشنا) ونقلوها «شمامسة»، وهي قريبة من كلمة «شماس» في الترجمة القبطية «refsemsi» (ريفشمشي) والتي تعني «خادم»، والفعـل semsi (شمشي) بمعنى يخـدم to serve.  
وهكذا تحدثت الترجمة البيروتية عن الأساقفة في أعمال 20: 28؛ فيلبي 1: 1؛ 1تيموثاوس 3: 2؛ تيطس 1: 7؛ 1بطرس 2: 25، وكأنهم بخلاف القسوس الوارد ذكرهم في أعمال 14: 23؛ 20: 17، وبخلاف الشيوخ الوارد ذكرهم في تيطس 1: 5، مما يوحي للقارئ أو الدارس للعهد الجديد أن لكل منهم رتبة كنسية تختلف عن الآخر، رغم أن نفس الترجمة تتحدث عن شخص واحد تحت كل هذه المُسميّات، ونستدل على هذا من سفر الأعمال إصحاح 20 حيث نجد في عدد 17 تتحدث الترجمة عن «قُسُوسَ الْكَنِيسَةِ»، و في عدد 28 تتحدث أن هؤلاء القسوس هم «أساقفة»، أيضًا بالرجوع إلى تيطس الإصحاح الأول في عدد 5 نجدها تتحدث عن الشيوخ πρεσβυτέρος، وفي عدد 7 نجد أن هؤلاء الشيوخ هم ذاتهم الأساقفة ἐπίσκοπος. فالأسقف هو ذاته القسيس هو ذاته الشيخ.
وهكذا أوقعت الترجمة البيروتية القارئ والدارس للعهد الجديد في حيرة وارتباك وتشويش هل الأساقفة بخلاف القسوس بخلاف الشيوخ أم هم شخص واحد؟
كان يمكن تلافي هذا التشويش لو تم ترجمة كلمة ἐπίσκοπος، وكلمة πρεσβυτέρος، وكلمة διακόνος في المواضع المشار إليها سابقًا إلى اللغة  العربية.
ومترجمو البيروتية بعدم  ترجمتهم الكلمات المشار إليها، أثاروا مشكلة أخرى في ترجمة  فيلبي 1: 1 حيث تتحدث الترجمة عن أَسَاقِفَةٍ وَشَمَامِسَةٍ، مكتوب: «بُولُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِينَ فِي فِيلِبِّي، مَعَ أَسَاقِفَةٍ وَشَمَامِسَةٍ». ولنا أن نسأل: 
لماذا لم يرسل الرسول بولس السلام إلى القسوس والقمامصة في كنيسة فيلبي واكتفى بإرسال السلام إلى الأساقفة والشمامسة طالما كان هناك تمييز في الرتب بين الأساقفة والقسوس أو القمامصة والشمامسة بحسب المعتقدات التقليدية؟
هل أغفل الرسول بولس ذِكر القسوس في كنيسة فيلبي؟ أم أن الأساقفة طردوا القسوس من الكنيسة؟ أم أن القسوس هربوا من قسوة الأساقفة؟ أم أن كنيسة  فيلبي لم يكن بها قسوس؟
وكيف يكون في كنيسة بادئة هذا العدد من الأساقفة؟
أليس من المفروض - بحسب الكنائس التقليدية - أن يترأس الأسقف عدد من الكنائس؟ أم أن التقليديين داسو على كلمة الله، وأبطلوها؟
إن وجود هذا العدد من الأساقفة في كنيسة واحدة بادئة، يتعارض كلية مع تعاليم الكنائس التقليدية التي قسمت الرتب الكهنوتية - بحسب اعتقادها - إلى أساقفة وقسوس وشمامسة،  وطبقًا لذلك من المستحيل أن توجد كنيسة بها هذا العدد من الأساقفة والشمامسة ولا يوجد بها قسوس.
كان يمكن أن يُحل لغز عدم إرسال الرسول بولس سلامه إلى قسوس كنيسة فيلبي لو تم ترجمة عبارة «مَعَ أَسَاقِفَةٍ وَشَمَامِسَةٍ» إلى اللغة العربية «مع رعاة وخدام».
وعلى العكس من الترجمة البيروتية نجد أن مترجمو «البشيطا» كانوا مدركين أن الـ ἐπισκόπος هو ذاته الـ πρεσβυτέρος، لذلك  لم يجدو مشكلة في  ترجمت ἐπισκόπος بـ ܩܫܝܫܐ (قشيشا = قسوس) في فيلبي 1: 1 «ܥܡ ܩܫܝܫܐ ܘܡܫܡܫܢܐ» [عم (مع)  قشيشا (قسوس) ومشمشنا (وشمامسة)]، أي مع الشيوخ والخدام، أما الترجمة الدقيقة للنص اليوناني باللغة العربية هي: «مع الرعاة والخدام» والتي تجيب على التساؤل المطروح: أين القسوس، والذي أثارته الترجمة البيروتية، حيث أن الترجمة العربية للنص اليوناني، تهدم التسلسل الكهنوتي الذي اخترعته الكنائس التقليدية.
مرة أخرى نقول إن الترجمة البيروتية أحدثت بلبلة في أذهان الكثيرين؛ لأنها تارة تُميّز بين الأساقفة والقسوس والشيوخ في بعض المواضع، وتارة أخرى تجمعهم في شخص واحد في مواضع أخرى، وتارة ثالثة تتحدث عن أساقفة وشمامسة في  كنيسة واحدة دون ذِكر للقسوس.
لذلك على كل مستخدم للترجمة البيروتية الـ (ڤـان دايك)  أن يعي ويدرك:
أن كلمة «أساقفة» مشتقة من الكلمة  اليونانية «ἐπισκόπος» (إيبيسكوبوس) وليست ترجمة لها، وأن كلمة «قسوس» كلمة سريانية وليست ترجمة لكلمة πρεσβυτερος (بريسبوتيروس) اليونانية، وأن كلمة «شمامسة» كلمة سريانية وليست ترجمة لكلمة διακόνος (دياكونوس) اليونانية.
ومن ثمّ رأيت أنه من الأمانة العلمية البحث عن الاستخدامات المتعددة لهذه الكلمات في الكتاب المقدس في أصوله العبرية للعهد القديم، واليونانية للعهد الجديد، مع الرجوع إلى الترجمة السبعينية للعهد القديم  وهي ترجمة مرجعية لدي الكنائس التقليدية - رغم تحفظي على بعض ما جاء بها من كتابات - لنكشف بوضوح وجلاء المعنى الصحيح لهذه المُسمّيات وأنها ليست لرتب كنسية، كما يعتقد التقليديون.
1- الـ ἐπίσκοπος في العهد القديم:
أولاً، إن كلمة ἐπίσκοπος تتكون من مقطعين ἐπί (إيبي) وتعني فوق over   و σκοπο (سكوبو) وتعني ينظر أو يراقب to look or watch.
إي أن كلمة ἐπίσκοπος تعني: النَّاظر، أو المراقب.
ويقابلها في الترجمة القبطية كلمة epickopoc (إيبيسكوبس) وتعني: المراقب، النَّاظر، المشرف، الحارس..
ثانيًا، المرادف لها في النص العبري للعهد القديم كلمة פקדת (بيكودات) وتعني الشخص الذي يقوم بعمل المراقبة، الإشراف، الافتقاد، الزيارات، الرعاية.
فمن الواضح والجلي من المعاني السابقة للكلمة اليونانية والمرادف لها في العبرية أن الـ ἐπίσκοπος أو פקדת هو شخص يقوم بعمل النِظارة، أو المراقبة، أو الإشراف، أو الافتقاد، أو الزيارات، أو الرعاية، أو الحراسة، وأن هذا الشخص لايحمل أي رتبة كنسية، كما يظن التقليديون، مما يُبطل الادعاء بأن الأسقفية هي رتبة كنسية.
فإذا رجعنا إلى الترجمة السبعينية نجد أن:
كلمة ἐπίσκοπος  (إيبيسكوبوس) وردت 5 مرات [على وجه  التحديد دون تصريفاتها الأخرى] (انظر سفر العدد 4: 16؛ قضاة 9: 28؛ نحميا 11: 9، 14، 22).
فمثلاً في سفر العدد 4: 16 نجد أن أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ كان أسقفًا وقام بعمل الأسقفية،
وفي قضاة 9: 28 نجد أن زَبُول كان أسقفًا،
وفي نحميا 11 عدد 9 نجد أن يُوئِيلُ بْنُ زِكْرِي كان أسقفًا،
وعدد 14 نجد أن زَبْدِيئِيلُ بْنُ هَجْدُولِيمَ كان أسقفًا،
وعدد 22 نجد أن عُزِّي بْنُ بَانِيَ بْنِ حَشَبْيَا بْنِ مَتَّنْيَا بْنِ مِيخَا كان أسقفًا.
كل هؤلاء كانوا أساقفة بحسب النص اليوناني للترجمة السبعينية، والأصل العبري للعهد القديم.
فهل كل هؤلاء كانت لهم أبرشيات وكاتدرائيات بها كراسي خاصة بهم تليق بمقامهم الرفيع، وتحت رئاستهم جمهور من القسوس والشمامسة، يستقبلونهم بالألحان..  ويخضع لهم شعب يأتمر بأمرهم، ولا يستطيع أن يتحرك قيد أنملة إلا بمشورتهم؟
لا شك أن حقيقة وجود أشخاص في العهد القديم أساقفة ويقومون بعمل الأسقفية، هي حقيقة صادمة للتقليديين الذين لديهم معتقدات وتصوّرات خاصة عن الأسقف.
ومما ساعد على جهل الكثيرين بهذه الحقيقة أن مترجمو الـ «ڤـان دايك» قاموا بترجمة كلمة פקדת المرادفة لكلمة ἐπίσκοπος  في النصوص التي وردت بها في العهد القديم بمفردات بعيدة كل البعد عن المعنى الحقيقي لها، فمثلاً في سفر العدد 4: 16 قاموا بترجمتها بكلمة «وكالة»:
«وَوِكَالَةُ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ هِيَ زَيْتُ الضَّوْءِ وَالْبَخُورُ الْعَطِرُ وَالتَّقْدِمَةُ الدَّائِمَةُ وَدُهْنُ الْمَسْحَةِ، وَوِكَالَةُ كُلِّ الْمَسْكَنِ وَكُلِّ مَا فِيهِ بِالْقُدْسِ وَأَمْتِعَتِهِ»، رغم أن كلمة «وكيل ووكالة» ليست دقيقة لأنها ليست ضمن معاني الكلمة العبرية פקדת وليست ضمن معاني الكلمة اليونانية المرادفة لها ἐπίσκοπος، لأن كلمة وكيل في اليونانية هي οικονομος (إيكونوموس) (انظر لوقا 12: 42)، والترجمة الدقيقة للنص السابق هي:
«ويكون أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ هو المشرف على زَيْتُ الضَّوْءِ وَالْبَخُورُ الْعَطِرُ وَالتَّقْدِمَةُ الدَّائِمَةُ وَدُهْنُ الْمَسْحَةِ، وكذلك حراسة كُلِّ الْمَسْكَنِ وَكُلِّ مَا فِيهِ بِالْقُدْسِ وَأَمْتِعَتِهِ».
إن عدم قيام مترجمو الـ «ڤـان دايك» بترجمة كلمة ἐπίσκοπος في المواضع المشار إليها سابقًا في العهد الجديد يثير الكثير من علامات الاستفهام؟
فمن المفروض أن أي ترجمة للكتاب المقدس بأي لغة من لغات العالم، تقدم لنا ترجمة للنص الموحى به، بحيادية تامة، دون أن تتأثر بطائفية المترجمين، ولا تخدم طائفة بعينها، أو معتقد معين.
لذلك نجد ترجمة KJV , NAB (على سبيل المثال) ترجمت كلمة أسقف ἐπίσκοπος  بـ  overseer (المراقب - المُناظر - المشرف) وعلى العكس من ذلك نجد ترجمة ASV (على سبيل المثال) لم تترجم كلمة أسقف واكتفت باشتقاقها من اليونانية بـ  bishop وقصدت من هذه الأمثلة أن أوضح، للدارس والباحث، أن ليس كل مترجمو الترجمات الأجنبية، قاموا بترجمة كلمة ἐπίσκοπος.
2- الـ ἐπίσκοπος في العهد الجديد:
وردت  كلمة ἐπίσκοπος 5 مرات في العهد الجديد (انظر أعمال 20: 28؛ فيلبي 1: 1؛ تيطس 1: 7؛ 1تيموثاوس 3: 2؛ 1بطرس 2: 25).
ومن العجيب أن الترجمة البيروتية لم تترجم أيضًا كلمة «أسقف» التي وردت في 1بطرس 2: 25 «لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ الآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَأُسْقُفِهَا».
فالقارئ للترجمة البيروتية يقع في حيرة وتشويش، كيف يكون المسيح أسقفًا؟ وسبب الحيرة والتشويش أن لدى العامة من التقليديين تصور خاص عن الأسقف،  كما سبقت الإشارة، وعن وظيفته، وملابسه، وعمامته، وأبرشيته..إلخ.
ثم السؤال المطروح للتقليديين أيهما أكبر منزلة، الأسقف، أم البابا؟
سؤال يبدو بديهي، لأنه من المعروف أن البابا هو رئيس الأساقفة.
فإذا كان المسيح قام بعمل الأسقف، ألا يكون البابا الذي هو رئيس الأساقفة، أعلى مركزًا وسموًا من المسيح ذاته؟ يا للحسرة.
إذن، بسبب التقليد والتعاليم الموروثة، يُهان شخص المسيح، ويُرذل، ويُرفض، ويُطرد من المسيحية الإسمية، وهذا ما عبّر عنه الرب في رؤيا 3: 20  «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ..» (رؤيا 3: 20).
أما الترجمة اليسوعية رغم التحفظ على الكثير مما ورد بها، إلا أنها ترجمت هذا العدد هكذا: «فَقَدْ كُنْتُمْ ضَالِّينَ كَخِرَافٍ ضَائِعَةٍ، وَلَكِنَّكُمْ قَدْ رَجَعْتُمُ الآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَحَارِسِهَا!».
لقد ترجمت كلمة «أُسْقُفِهَا» بـ «حارسها» التي هي إحدى المعاني لكلمة epickopoc (إيبيسكوبس) القبطية كما سبقت الإشارة.
فالرب له المجد هو راعي نفوسنا وهو حارسها. مكتوب: «أَنَا الرَّبُّ حَارِسُهَا..» (إشعياء 27: 3).
ومن الاستخدامات المتعددة لكلمة פקדת العبرية والتي يقابلها كلمة ἐπίσκοπος اليونانية، سواء في النص العبري للعهد القديم أو في ترجمته اليونانية والمعروفة بالترجمة السبعينية، وكذلك في الأصل اليوناني للعهد الجديد، كان من المفروض ترجمتها بكلمة «النَّاظر»، أو «المراقب»، أو «الحارس» أو «الراعي» [الذي يقوم بالزيارة أو الافتقاد، أو الرعاية، الأمرالذي يتمشى مع قول الرسول بولس لشيوخ (أساقفة) كنيسة أفسس «لِتَرْعُوا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ» (أعمال 20: 28)].
لذلك نجد النص الوارد في 1تيموثاوس 3: 1، 2 جاء في ترجمة الحياة  هكذا: «مَا أَصْدَقَ الْقَوْلَ إِنَّ مَنْ يَرْغَبُ فِي الرِّعَايَةِ فَإِنَّمَا يَتُوقُ إِلَى عَمَلٍ صَالِحٍ. إِذَنْ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الرَّاعِي بِلاَ عَيْبٍ...» وهي ترجمة أقرب إلى الأصل اليوناني، حيث تم ترجمة كلمة ἐπίσκοπος بالراعي وأن عمله  هو الرعاية، وهذا أحد معاني كلمة ἐπίσκοπος.
ومن المفاجئ للتقليديين، أن كلمة الأسقفية επισκοπης (إيبسكوبيس) الواردة في عبارة: «إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ (επισκοπης) فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحاً» (1تيموثاوس 3: 1 الترجمة البيروتية)، وردت في العهد الجديد مرتين، مرة في لوقا 19: 44؛ والأخرى في 1بطرس 2: 12 وتُرجمت (في الترجمة البيروتية) بكلمة «الافتقاد» المرادفة لكلمة «الأُسْقُفِيَّةَ».
وإذا بحثنا عن معنى كلمة επισκοπης فإنها تعني التفتيش لأجل الإغاثة وتقديم المعونة والنجدة للإنقاذ من خطر. لذلك عندما قال الكتاب: «إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ (الرعاية) επισκοπης فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحاً». ذلك لأن επισκοπης تعنى التفتيش عن النفوس البعيدة عن الله وافتقادها بغرض إنقاذها من المصير الأبدي الذي ينتظر إبليس وجنوده واتباعه من البشر - جهنم البحيرة المتقدة بالنار والكبريت - وتقديم المعونة الروحية من كلمة الله التي هي روح وحياة، وتسديد الأعواز المادية أيضًا. هذه هي الرعاية الحقيقية، وهذا هو عمل الراعي المُقام من الله وليس من الناس.
وبالعودة إلى عبارة «إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ»، نجد أن كلمة «ابتغي» في الأصل اليوناني هي επιθυμει (إيبيثومي) وتعني: رغبة قوية، توق شديد. وتُرجمت في غلاطية 5: 17 بـ «يَشْتَهِي» «لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ»، هذه الرغبة القوية والتوق الشديد للتفتيش عن النفوس يقول عنها الكتاب: «يَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحًا». فإذا كانت الأسقفية رئاسة وتسلط وسيادة كما يفهما ويمارسها التقليديون، لما قال الكتاب: «يَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحًا»، لأن الرئاسة والتسلط والسيادة ضد تعاليم الرب (متى 20: 25؛ مرقس 10: 42).
ولأن επισκοπης «الأسقفية» في الكنائس التقليدية هي رئاسة وتسلط وسيادة..إلخ. لذلك لايمكن أن يعلن شخص عن رغبته الشديدة في هذه الخدمة (επισκοπης)، وإلا اتهم بالكبرياء، ويتم وأد رغبته فورًا، بل وربما يُعزل من الخدمة إذا كان خادمًا في الكنيسة، أو يُطرد من الدير إذا كان راهبًا، ويُشلح من الكهنوت إذا كان كاهنًا، لأن الكنائس التقليدية فهمت الأسقفية أنها مركز رئاسي .. تسلطي.. سيادي.. وغاب عن بصرها المعصوب بالتقاليد تلك المعاني العظيمة لكلمة επισκοπης.
إن قول الكتاب: «إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ (επισκοπης) فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحاً»، يتحدى الكنائس التقليدية كافة أن يطبقوه عمليُا، أو أن يُفسروا هذا النص الكتابي لتابعيهم. ذلك لأنه لا يجرؤ شخص أيّ مَنْ كان، أن يبدي رغبته في شغل هذه الوظيفة، أو نوال هذه الرتبة الكهنوتية كما يعتقد التقليديون، بل على العكس لو عُرضت الأسقفية على راهب، لابد وأن يُبدي تمنّعه في البداية، حتى ولو كان يتحرق شوقًا لنوالها.
وكما سبق القول إننا نضع علامة استفهام كبيرة، لماذا أصرّ الذين قاموا بالترجمة البيروتية، على عدم ترجمة كلمة ἐπίσκοπος، واكتفوا باشتقاقها سواء من النص اليوناني أو من الترجمة السريانية؟!
كان ينبغي ترجمة كلمة «أسقف» في الآيات التي لم تترجم فيها في العهد الجديد، هكذا:
أعمال 20: 28 اِحْتَرِزُوا اِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا حرّاسًا، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ.
فيلبي 1: 1 بُولُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِينَ فِي فِيلِبِّي، مَعَ الرعاة والخدّام.
1تيموثاوس 3: 1، 2 صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ: إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الرعاية، فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحًا. فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الراعي بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، صَاحِيًا، عَاقِلاً، مُحْتَشِمًا، مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ.
تيطس 1: 7 لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الراعي بِلاَ لَوْمٍ كَوَكِيلِ اللهِ.
1بطرس 2: 25 لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ الآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وحارسها.
هذا هو الأسقف بحسب الكتاب، وهذه هي الأسقفية كما جاءت في كلمة الله، لكن مَنْ هو الأسقف الذي ابتدعته الكنائس التقليدية؟
هذا هو النص الذي أوردته ويكيبيديا الموسوعة الحرةعن مَنْ هو الأسقف، وما هي رتبته:

[من هو الأسقف
هو الاب المسئول عن عدد من الكنائس داخل إقليم معين ويترأس القسوس والقمامصة القائمين على تلك الكنائس، ويتخذ الاسقف عادة الكنيسة الكبرى في الإقليم مقرا له وتعرف في هذه الحالة بال(كاتدرائية) و يوضع في جميع الكنائس كرسى خاص بالأسقف تقديرا لقامته الدينية، ولأهمية تلك الرتبة الدينية فإنه يتم اختيار الاسقف من بين الرهبان (القساوسة والقمامصة المتبتلين ساكنى الاديرة).
رتبة الأسقف
هي أعلى الرتب الكهنوتية المسيحية (الاكليروس) وتليها كلا من رتبة (القسيسية - قس) ورتبة (الشموسية - شماس)، ولكل اسقف نطاق لخدمته وتسمى المناطق الواقعة ضمن نطاق خدمة الاسقف بالأبرشية وتعني (ولاية أو مقاطعة)، وتنقسم الرتبة نفسها إلى ثلاث درجات مرتبة حسب حجم ونطاق خدمته والذي يعرف كالتالى :
1.    الاسقف :رئيس قساوسسة وقمامصة الكنائس الواقعة داخل أبرشية جديدة أو صغيرة (مدن صغيرة وقرى).
2.    المطران: هو اسقف كبير وذو أقدمية ويكون عادة اسقفا على الأبرشية المهمة (من حيث الحجم، أو التاريخ، أو كلاهما) وفي هذه الحالة يطلق على أبرشيته «مطرانية»، وكلمة مطران مشتقة من الكلمة اليونانية (متروبوليتيس)و التي تتكون من مقطعين (مترو:الام - بوليتيس: مدينة) فيكون معناها (صاحب المدينة الام أو الكبيرة).
3.    البطريرك أو البابا: رئيس جميع المطارنة والاساقفة وصاحب أعلى درجة كهنوتية بالكنيسة، وكلمة بطريرك مشتقة من الكلمة اليونانية (باترى ارش) والتي تتكون من مقطعين (باترى: اب - ارش: رياسة) فيكون معناها كبير أو رئيس الاباء]. (انتهى الاقتباس).
من النص المُقتبس نرى:
 * إن الكنائس التقليدية تؤمن وتُعلّم وتمارس عمليًا أن الأسقف «هو الأب المسئول عن عدد من الكنائس داخل إقليم معين».

ولكن، بماذا يُعلّمنا الكتاب؟
يُعلّمنا الكتاب أنه في كنيسة محلية ناشئة حديثًا، كان هناك أساقفة وشمامسة، مكتوب: «بُولُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِينَ فِي فِيلِبِّي، مَعَ أَسَاقِفَةٍ وَشَمَامِسَةٍ» (فيلبي 1: 1) (الترجمة البيروتية).
نرى أيضًا:
* إن الكنائس التقليدية تؤمن وتُعلّم وتمارس عمليًا أن الأسقف [يترأس القسوس والقمامصة القائمين على تلك الكنائس].
ولنا أن نسأل مرة أخرى: أين القسوس والقمامصة في كنيسة فيلبي؟       
لماذا اقتصر سلام الرسول بولس على الأساقفة والشمامسة دون ذِكر للقسوس والقمامصة؟
رأينا أن الكتاب يُعلّمنا أن الأسقف (الناظر، المراقب، الراعي..إلخ) هو القسيس (الشيخ أي الرجل المتقدم في العمر والخبرة الروحية) وذلك من سفر أعمال الرسل إصحاح 20 بمقارنة عدد 17 [الذي يتحدث عن القسوس (الشيوخ) «وَمِنْ مِيلِيتُسَ أَرْسَلَ إِلَى أَفَسُسَ وَاسْتَدْعَى قُسُوسَ الْكَنِيسَةِ»] مع عدد 28 الذي يدعو هؤلاء القسوس بالأساقفة (النظّار، الرعاة...إلخ) «اِحْتَرِزُوا اِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً..». أما رتبة القمامصة فهي رتبة ابتدعها التقليديون، مثلما ابتدعوا أمورًا كثيرة من تعاليم وطقوس..إلخ. لم ترد في كلمة الله.
نرى أيضًا:
 * إن الكنائس التقليدية تؤمن وتُعلّم وتمارس عمليًا أن الأسقف [يتخذ .. عادة الكنيسة الكبرى في الإقليم مقرا له وتعرف في هذه الحالة بال(كاتدرائية) و يوضع في جميع الكنائس كرسى خاص بالأسقف تقديرا لقامته الدينية].
ولكن، بماذا يُعلّمنا الكتاب؟
قال الرب لتلاميذه: :«اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مرقس 16: 15). لم يقل الرب لتلاميذه اقيموا كاتدرائيات مقرًا لكم، بل اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها.
أيضًا قال الرب لتلاميذه: «اِذْهَبُوا! هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ مِثْلَ حُمْلاَنٍ بَيْنَ ذِئَابٍ» (لوقا 10: 3). فكيف يهنأ بال الحملان بالجلوس على كراسي والذئاب تحيط بهم من كل جهة. أم أن الذئاب الخاطفة - التي تحدث عنها الرسول بولس في أعمال 20: 29 «لأَنِّي أَعْلَمُ هذَا: أَنَّهُ بَعْدَ ذِهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لاَ تُشْفِقُ عَلَى الرَّعِيَّةِ» - قد لبست ثياب الحملان وجلست على كراسي الأسقفية؟ وأين التعليم بأن للأسقف قامة دينية؟ هل هو إناء للوحي؟ أم هو من رسل المسيح؟ إن أواني الوحي ورسل المسيح أهينوا واضطهدوا وأكثرهم استشهد من أجل المسيح. فهل الأسقف أعظم من هؤلاء؟ بل قيل عن الرب بروح النبوة: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ فَادِي إِسْرَائِيلَ، قُدُّوسُهُ، لِلْمُهَانِ النَّفْسِ، لِمَكْرُوهِ الأُمَّةِ، لِعَبْدِ الْمُتَسَلِّطِينَ..» (إشعياء 49: 7). فإذا كان سيدنا العظيم ربنا يسوع المسيح أهين من العبيد، مكتوب: «فَابْتَدَأَ قَوْمٌ يَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، وَيُغَطُّونَ وَجْهَهُ وَيَلْكُمُونَهُ وَيَقُولُونَ لَهُ: تَنَبَّأْ. وَكَانَ الْخُدَّامُ يَلْطِمُونَهُ» (مرقس 14: 65). فكيف لخدام المسيح - إن كانوا حقًا خدامًا للمسيح - أن يبحثوا عن المجد العالمي الباطل؟ أو أن يقبلوا نفاق ومديح المحيطين بهم واتباعهم الذين لهم دينونة عظيمة أمام العرش العظيم الأبيض (رؤيا 20: 11)؟
نرى أيضًا:
 * إن الكنائس التقليدية تؤمن وتُعلّم وتمارس عمليًا أن الأسقف يتم اختياره [من بين الرهبان (القساوسة والقمامصة المتبتلين ساكنى الاديرة).
ولكن، بماذا يُعلّمنا الكتاب؟
يقول الكتاب: «فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ..» (1تيموثاوس 3: 2). لقد داس التقليديون على كلمة «بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ». أن يكون الأسقف متزوجًا، هذا  تعليم الروح القدس. ألم يقل الرب الإله عندما خلق الإنسان الأول «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (تكوين 2: 18). أما إذا رأى التقليديون أنهم أعلى مرتبة، وأسمى مقامًا، وأكثر حكمة من الروح القدس، فهذا شأنهم الذي سوف يدانون عليه أمام الديان العادل. ثم اشترط التقليديون أن يكون الأسقف من المتبتلين ساكني الأديرة.
ولنا أن نسأل: ألا يكفي أن يكون من الخدام المتبتلين الذبن يخدمون في العالم؟
أين ذُكِرَت الأديرة في الكتاب المقدس؟ وهل الرهبنة نظام إلهي؟
قد يحتج البعض أن إيليا النبي - في العهد القديم - لم يكن متزوجًا، وأن يوحنا المعمدان - في العهد الجديد - لم يكن متزوجًا، وكذلك الرسول بولس، نعم، ولكن هل أحدًا منهم أسس نظامًا رهبانيًا، وسكن الأديرة، أم أنهم كانوا يخدمون في العالم وسط الناس؟
أين ذُكِرَالنظام الرهباني في الكتاب المقدس؟ أم أنها بدعة من نتاج عقل الإنسان الفاسد، ابتدعها بوذا (560 - 480 قبل الميلاد) الذي هجر زوجته وهو لا يزال شابًا في السادسة والعشرين من عمره، منصرفاً إلى الزهد والتقشُّف والخشونة في المعيشة.
هذه هي الأصول الوثنية للرهبنة، وهي الوصول إلى حالة النرڤانا بأعمال إماتة الجسد، والنسك الشديد، فهل يجب أن ينتمي الأسقف في الكنائس التقليدية إلى هذه الجذور الوثنية؟
قد يحتج البعض أن الأنبا أنطونيوس (وُلد عام 251 للميلاد) هو مؤسس الرهبنة المسيحية في العالم. ولنا أن نسأل: مَنْ قال أن ما فعله الشاب أنطونيوس عام 269 وكان عمره 18 سنة، كان تصرفًا صحيحًا، لما هجر أخته الوحيدة، حين سمع في الكنيسة  قول الرب للشاب الغني: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي» (متى 19: 21)؟ هل كان الرب يقصد أن كل من عنده أملاك يذهب يبيعها ويترهبن بعد ذلك؟ أم أن قول الرب «اذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ» كان يختص بذلك الشاب الغني لتعلق قلبه بالمال ؟ ثم قال الرب للشاب الغني: «َتَعَالَ اتْبَعْنِي»، فهل كان المسيح في الدير في الصحراء منعزلاً عن الناس حتى ينعزل أنطونيوس عن الناس؟ أم أن الرب كان يخدم بين الناس؟ لم يفهم الشاب أنطونيوس قول الرب فهمًا صحيحًا، لذلك سلك مسلكًا خاطئًا بإنعزاله عن الناس، وتمثل آخرين به، وهكذا تأسس نظام داخل المسيحية الإسمية بوحي من الشيطان، لأنه بعيد كل البعد عن أفكار ومقاصد الله الصالحة من نحو البشر.
ثم، هل من المصادفة توافق ما فعله بوذا حين هجر زوجته الشابة وهو بعمر 26 سنة، مع ما فعله أنطونيوس حين هجر أخته الوحيدة وهو بعمر 18 سنة؟ أم أن كليهما كان مدفوعًا بوحي من الشيطان؟
ولنا أن نسأل بوذا، هل من الشهامة والرجولة أن تترك زوجتك الشابة، لتهرب وراء فكرة شيطانية؟
ونفس السؤال للشاب أنطونيوس، هل من الشهامة والرجولة أن تترك أختك الوحيدة، لتهرب وراء فكرة هي من وحي الشيطان؟ أليس من الأنانية أن يفكر الإنسان في نفسه، ويهمل أهل بيته؟ ألم يقرأ أنطونيوس قول الكتاب: «وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْتَنِي بِخَاصَّتِهِ، وَلاَ سِيَّمَا أَهْلُ بَيْتِهِ، فَقَدْ أَنْكَرَ الإِيمَانَ، وَهُوَ شَرٌّ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ» (1تيموثاوس 5: 8).
أليس الذي أوحى لكليهما هو الشيطان في تأسيس نظام ضد فكر الله الذي قال: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (تكوين 2: 18).  
ثم، ألم يتعهد العلماني عند ذهابه إلى الدير ليترهبن ألا ينزل إلى العالم مرة أخرى؟ (أتحدث بلغة الرهبنة كما يعتقدها التقليديون)؟
ألم تُصلى عليه صلاة الموتى، إعلانًا عن موته عن العالم؟ ألا يتمثل الراهب، بمؤسس الرهبنة أنطونيوس الذي لم تكن له أي رتبة كنسية؟
فلماذا الحنين إلى العالم، والعودة إليه بحجة الخدمة؟
أليس لسان حال الراهب: «أنا في البيداء وحدي ...  ليس لي شأن بغيري». 
فكيف لمن لا شأن له بغيره أن يترك وحدته وخلوته وقلايته أو مغارته، وينزل إلى العالم الذي هرب منه، ليدير أحوال الملايين من المسيحيين؟
وكيف لمن اعتاد هدوء الصحراء، أن يتحمل ضوضاء وضجيج العالم؟
يا مَنْ تركتم أديرتكم وقلاليكم، أيّا كانت رتبتكم أو وظائفكم التي تشغلونها الآن، والتي هي أساسًا مخالفة لكلمة الله، ونزلتم إلى العالم، اعلموا أنكم نقضتم العهد الذي قطعتموه على أنفسكم، فكيف لمن خانوا العهد أن يحملوا الأمانة؟ أليس بالحري بكم أن تعودوا إلى أديرتكم، وأن تذرفوا بدل الدمع دمًا لنقضكم للعهد الذي قطعتموه على أنفسكم، وتحيوا ما بقى لكم من العمر (أطال الله عمركم) في توبة، وتسمعوا لنصيحة مَنْ قال:
اغلق الباب وحاجج  ...  في دجى الليل يسوعا
واملأ الليل صـــلاةً  ...  وصراعًا ودموعــــا
أليس شعب المسيح في حاجة إلى صلواتكم وأصوامكم وتذللكم أمام الله... إن كنتم حقًا مؤمنين حقيقيين؟
أيضًا، الكنائس التقليدية تؤمن وتُعلّم أن رتبة الأسقف [هي أعلى الرتب الكهنوتية المسيحية (الاكليروس) وتليها كل من رتبة (القسيسية - قس) ورتبة (الشموسية - شماس)].
ولكن، أليست الكنيسة هي جسد المسيح؟ فهل قسّم المسيح جسده إلى مَنْ يحملون الرتب الكهنوتية (الإكليروس) و إلى مَنْ لا يحملون الرتب الكهنوتية (الشعب)؟ ثم، أين ورد هذا التعليم - في العهد الجديد - بأنه يوجد رتب كهنوتية؟ أو يوجد أكليروس وشعب؟ هل الرب علّم تلاميذه بأن هناك رتب كهنوتية، وأن الأسقفية هي أعلى هذه الرتب؟ هل الرب علّم تلاميذه بأن هناك كهنوت في العهد الجديد بمفهوم العهد القديم؟ أم أن العهد الجديد علّمنا أن جميع المؤمنين كهنة يقدمون ذبائح روحية، مكتوب: «كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ ­كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ­ بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1بطرس 2: 5). إلى مَنْ يوجّه الرسول حديثه؟ هل إلى رجال الكهنوت؟ أم لكل المؤمنين؟ وما هي هذه الذبائح الروحية التي يتحدث عنها الرسول بطرس؟
مكتوب: «فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ ِللهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ، وَلكِنْ لاَ تَنْسَوْا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالتَّوْزِيعَ، لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هذِهِ يُسَرُّ اللهُ» (عبرانيين 13: 15، 16).    
إن مؤمني العهد الجديد كهنة لا يقدمون ذبائح روحية فقط، ولكن أيضًا يخبرون بفضائل الذي دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب، مكتوب: «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ» (1بطرس 2: 9).
إن كهنوت جميع المؤمنين الحقيقيين واضح أيضًا من سفر الرؤيا إصحاح 1: 5، 6 «وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ: الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ، وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ». ومكتوب أيضًا: «وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: مُسْتَحِقٌ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لإِلهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ» (رؤيا 5: 9، 10).
وإن كان المؤمنون في العهد الجديد كهنة يقدمون ذبائح روحية، فمن هو رئيس الكهنة؟
مكتوب: «فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِالإِقْرَارِ» (عبرانيين 4: 14، انظر أيضًا عبرانيين  5: 5، 10؛ 6: 20؛ 7: 21، 26؛ 8: 1؛ 9: 11).
أما الذين يستندون على ما جاء في الإنجيل كما دونه يوحنا إصحاح 20: 22، 23 «وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ»، حجة بأن المسيح هو مؤسس سر الكهنوت، نقول لهم إن المسيح «بنفخه» إنما أراد أن يعلن عن حقيقة ذاته لتلاميذه، وللمؤمنين في كل زمان ومكان، بأنه هو الرب الإله (יהוה אלהים يهوه إيلوهيم) الذي نفخ في آدم نسمة الحياة، مكتوب: «وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ יהוה אלהים آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً» (تكوين 2: 7). لذلك كل إنسان أيًا كان مركزه الديني ينفخ في وجه الآخرين بحجة أن لديه سلطان منح الروح القدس، وأنه يهبهم بهذه النفخة مواهب الروح القدس، إنما يرتكب حماقة وشر عظيم لأنه جعل نفسه مساويًا لله، ويكون بذلك متمثلاً بـضد المسيح «إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ، الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلهًا أَوْ مَعْبُودًا، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلهٍ، مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلهٌ» (2تسالونيكي 2: 3، 4).
فهل يقبل حضرات البابوات والأساقفة أصحاب القداسة والغبطة أن يرتكبوا هذه الحماقة والشر العظيم، أن يعملوا بروح ضد المسيح؟
أما قول الرب لتلاميذه «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ» يجب أن يُفهم ويُفسر في ضوء المكتوب أن الروح القدس لم يكن قد أعطي بعد، قال الرب: «مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ. قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ» (يوحنا 7: 38، 39). وكذلك يجب أن يُفهم ويُفسر في ضوء وصية الرب لتلاميذه أن ينتظروا موعد الآب، مكتوب: «وَفِيمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ مَعَهُمْ أَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا مَوْعِدَ الآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي، لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ، لَيْسَ بَعْدَ هذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِيرٍ» (أعمال 1: 4، 5). لذلك عندما تمجد الرب بصلبه وموته وقيامته في اليوم الثالث وصعوده إلى السماء، وجلوسه عن يمين العظمة في الأعالي أرسل الروح القدس الذي وعدّ به تلاميذه - [«وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي» (يوحنا 15: 26)، «لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ» (يوحنا 16: 7)] - وهذا الوعد تحقق في يوم الخمسين، فمكتوب: «وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا» (أعمال 2: 1-4).
إذن قول الرب لتلاميذه «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ» يعني قبول مؤقت للروح القدس لنوال قوة للشهادة والكرازة وإعلان الحق لحين الحلول الدائم والسكنى الدائمة للروح القدس فيهم في يوم الخمسين. ومن المعروف في العهد القديم أي قبل أن يتمجد المسيح أن الروح القدس كان يحلّ على بعض الأشخاص بصفة مؤقتة ثم يفارقهم «لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ»، فمكتوب: «فَحَلَّ رُوحُ اللَّهِ عَلَى شَاوُلَ ..» (1صموئيل 11: 6)، ومكتوب أيضًا: «وَذَهَبَ رُوحُ الرَّبِّ مِنْ عِنْدِ شَاوُلَ, ..» (1صموئيل 16: 14).
أما قول الرب لهم: «مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ»، يجب أن يُفهم ويُفسّر في ضوء الإعلان الإلهي أن الرب وحده هو غافر الخطايا، فمكتوب: «الرَّبُّ طَوِيلُ الرُّوحِ كَثِيرُ الإِحْسَانِ، يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَالسَّيِّئَةَ..» (سفر العدد 14: 18)، ومكتوب أيضًا: «الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ..» (مزمور 103: 3)، وأيضًا: «فَاجْتَازَ الرَّبُّ قُدَّامَهُ، وَنَادَى الرَّبُّ: الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ. حَافِظُ الإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيَّةِ..» (خروج 34: 6، 7).
من الإعلانات الإلهية السابقة نجد أن الله وحده هو غافر الخطايا، ولأن المسيح هو كلمة الله الظاهر في الجسد، لذلك قال للمفلوج: «ثِقْ يَا بُنَيَّ. مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ» (متى 9: 2)، ولما سمع الكتبة هذا القول، فكروا في قلوبهم قائلين: «لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هذَا هكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ؟» (مرقس 2: 6، 7؛ لوقا 5: 21).
إذن، قول الرب لتلاميذه: «مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ» يُفهم منه أن الرب منح التلاميذ - في كرازتهم بالإنجيل - سلطة إعلان (وليس منح) غفران الخطايا باسمه لكل من يؤمن به ربًا ومخلصًا، وسلطة إعلان الدينونة لكل مَنْ لا يؤمن به. 
كما أن التلاميذ لم يفهموا قول الرب «وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ» بأنهم باتوا أصحاب سلطان الحلّ والربط [أي بيدهم أن يدخلوا مَنْ شاءوا إلى السماء، وأن يحرموا مَنْ شاءوا من دخول السماء]، وأن بيدهم غفران الخطايا، وإلا لسجل لنا الوحي الإلهي أن الرسل غفروا خطايا الناس، بل على العكس من ذلك، كانوا يعلنون أن المسيح هو غافر الخطايا وحده، والدليل على ذلك قول الرسول بطرس لرئيس الكهنة في المجمع عن الرب يسوع: «هذَا رَفَّعَهُ اللهُ بِيَمِينِهِ رَئِيسًا وَمُخَلِّصًا، لِيُعْطِيَ إِسْرَائِيلَ التَّوْبَةَ وَغُفْرَانَ الْخَطَايَا» (أعمال 5: 31). أيضًا ما جاء في حديث الرسول بطرس في بيت كرنيليوس: «لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا» (أعمال 10: 43). أيضًا قول الرسول بولس لليهود في مجمع أَنْطَاكِيَةِ بِيسِيدِيَّةَ: «فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، أَنَّهُ بِهذَا (أي بالرب يسوع) يُنَادَى لَكُمْ بِغُفْرَانِ الْخَطَايَا» (أعمال 13: 38).
إذن كل مَنْ يدّعون بأن لديهم سلطان الحلّ والربط، إنما يُجدّفون على الاسم الكريم الذي بالإيمان به وحده ينال الإنسان باسمه غفران الخطايا، مكتوب:
«كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا» (أعمال 10: 43)
الشروط الكتابية الواجب توافرها في ἐπίσκοπος الناظر، المراقب، الراعي.. إلخ.(الأسقف، حسب الترجمة البيروتية) حسب ما جاء في 1تيموثاوس 3: 2-7:
1- بلا لوم ανεπιληπτον (أنيبيليبتون) «فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ» حيث كلمة «بِلاَ لَوْمٍ» تعني لم يتورط في جريمة.. لم يُلقى القبض عليه في ذنب ارتكبه.. لم  يوبخ على فعلة مُشينة.. بريء.
2- متزوج «بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ» أي لا يجمع أكثر من زوجة في وقت واحد (كان بعض الوثنيين يجمعون أكثر من زوجة قبل إيمانهم بالمسيح)، لكنه لابد وأن يكون متزوجًا تطبيقًا لقول الرب: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (تكوين 2: 18). كما أن خدمة الزيارات والافتقاد التي هي من أساسيات عمل الراعي، والتي تستوجب أن يكون متزوجًا، وأن تكون زوجته مرافقة له في تلك الزيارات، مثل الرسل وإخوة الرب وصفا، مكتوب:
«أَلَعَلَّنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ نَجُولَ بِأُخْتٍ زَوْجَةً كَبَاقِي الرُّسُلِ وَإِخْوَةِ الرَّبِّ وَصَفَا؟» (1كورنثوس 9: 5).
من العار والخزي، أن يدخل ما يُدعى بالكاهن بيوت المسيحيين للزيارة دون أن تكون زوجته معه. أيضًا، الأسقف الذي أساس عمله هو الرعاية «.. لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ» (أعمال 20: 28)، نقول له أين زوجتك في الزيارات، ودخول بيوت المسيحيين؟ أم أنك أفضل من «الرُّسُلِ وَإِخْوَةِ الرَّبِّ وَصَفَا؟» أم أنك تطيع التقليد أكثر من أقوال الله المقدسة؟ أم أنك تقبع في قصرك المُسمى مطرانية، ولا دخل لك  بالرعية؟
أما من يتخذون الرسول بولس (غير المتزوج) حجة لتبرير أن يكون الراعي (الأسقف من المتبتلين ساكني الأديرة)، نقول: إن الرسول بولس لم يكن من المتبتلين ساكني الأديرة، فلم يذكر التاريخ أن الرسول بولس ترهبن لا في أديرة وادي النطرون ولا في أديرة الشام ولا في غيرها، ولم تكن أديرة المسيحية الإسمية قد نشأت أساسًا زمن الرسول بولس، ولم تكن رهبنة المسيحية الإسمية معروفة في ذلك الوقت، الرهبنة البوذية هي التي كانت منتشرة في العالم الوثني زمن الرسول بولس، الأمر الآخر، أين جاء في الكتاب أن يكون الراعي (الأسقف حسب الترجمة البيروتية) من ساكني الأديرة؟
أي ضلال يمكن أن ينجرف إليه الإنسان في الابتعاد عن كلمة الله؟ 
«إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ»
(إشعياء 8: 20).
3- «صَاحِيًا» νηφαλεον (نيفاليون)، غير ثمل (غير مخمور أو سكران)، يقظ.
فكيف لراعٍ (الأسقف بحسب الترجمة البيروتية) الذي هو من  الرهبان ساكني الأديرة، أو حتى من المتزوجين أن يقدم مشورة وتعاليم لرعيته وهو ثمل.. مخمور.. سكران؟ أو كيف يدخل بيوت الأرامل والأيتام لافتقادهم وهو في هذه الحالة المُذرية؟
4- «عَاقِلاً» أي أن قواه العقلية سليمة، يتحكم في نفسه، غير متسرع (سواء في إبداء الرأي أو في المشاعر)، رصين. أي ليس أقل كلمة تبكيه، أو أي تفاهة تضحكه.
5- «مُحْتَشِمًا» في مظهره وسلوكه.
6- «مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ»، يرحب بالغرباء، ويقدم لهم كرم الضيافة. وليس مثل ديوتريفوس (رسالة يوحنا الثالثة عدد 10).
7- «صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ» أي قادر على تعليم الآخرين.
8- «غَيْرَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ» μὴ πάροινον (مى باروينون) = ليس سكّيرًا.
9- «وَلاَ ضَرَّابٍ» μὴ πλήκτην (مي بليكتين) = غير مولع بالقتال.
10- «وَلاَ طَامِعٍ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ» μὴ αίσχροκερδῆ (مى إيسخروكيردي) = غير طامع في الربح الفاحش.
11- «بَلْ حَلِيماً» επιεικη (إيبيكي) = لطيف، وديع، هادئ.
12- «غَيْرَ مُخَاصِمٍ» αμαχον (أماخون) = غير مشاجر.
13- «وَلاَ مُحِبٍّ لِلْمَالِ» αφιλαργυρον (أفيلارجيرون) = لا يشتهي الربح الفاحش. ويبدو من هذا الشرط، وكذلك شرط ألا يكون طامعًا بالربح القبيح، أن الشخص الذي يقوم بعمل المناظرة أو الرعاية (الأسقف بحسب الترجمة البيروتية) لابد وأن يكون لديه عمل زمني يرتزق منه (وظيفة أو تجارة..إلخ. وليس عاطلاً، أو فاشلاً، متخذًا من التفرغ للخدمة تكأة للإرتزاق) حسب المكتوب: «أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلاَ يَأْكُلْ أَيْضًا» (2تسالونيكي 3: 10)، وفي عمله ألا يكون محبًا للمال، فمكتوب: «لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ» (1تيموثاوس 6: 10)، وفي عمله أيضًا لا يشتهي الربح الفاحش، مكتوب: «وَأَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ، تُغَرِّقُ النَّاسَ فِي الْعَطَبِ وَالْهَلاَكِ» (1تيموثاوس 6: 9).  وكان الرسول بولس نفسه مثالاً للذين يعملون ويخدمون، لذلك استطاع أن يضع أمام شيوخ كنيسة أفسس (قسوس، أساقفة حسب الترجمة البيروتية) حياته وخدمته كمثال، قال لهم: «فِضَّةَ أَوْ ذَهَبَ أَوْ لِبَاسَ أَحَدٍ لَمْ أَشْتَهِ، أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حَاجَاتِي وَحَاجَاتِ الَّذِينَ مَعِي خَدَمَتْهَا هَاتَانِ الْيَدَانِ» (أعمال 20: 33، 34). رغم مشغوليات الرسول الكثيرة في الخدمة «الاهْتِمَامُ بِجَمِيعِ الْكَنَائِسِ» (2كورنثوس 11: 28)، إلا أنه كان يعمل في صناعة الخيام (أعمال 18: 3)، وكان يتعب في عمله «وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا» (1كورنثوس 4: 12)، ليسد احتياجاته واحتياجات الذين معه، وليس ذلك فقط بل أيضًا ليعضد الضعفاء «فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ وَتَعْضُدُونَ الضُّعَفَاءَ، مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ: مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أعمال 20: 35). لم يكن الرسول بولس متفرغًا للخدمة حسب ما يجرى في المسيحية الإسمية، حيث اتخذّ البعض من التفرغ للخدمة وسيلة لأكل العيش (سبوبة) ، وليس ذلك فقط بل للغنى الفاحش.
14- «يُدَبِّرُ بَيْتَهُ حَسَناً» = يدبر بيته بأمانة وصدق.
15- «لَهُ أَوْلاَدٌ (أو بنات) فِي الْخُضُوعِ بِكُلِّ وَقَارٍ». يجب أن يكون قد أحسن تربية أولاده وبناته. مما يدل على أنه شخص كبير في السن (شيخ)، كما أنه ليس من المتبتلين ساكني الأديرة كما يشترط التقليديون.
والروح القدس يضع أمامنا حقيقة هامة: «وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْرِفُ أَنْ يُدَبِّرَ بَيْتَهُ، فَكَيْفَ يَعْتَنِي بِكَنِيسَةِ اللهِ؟» لم يقل الروح القدس إن كان أحد لا يعرف أن يدبر قلايته أو مغارته، بل قال: «بيته» أي يجب أن تكون له زوجة وأولاد، وأن يحسن تدبير بيته، وإلا كيف يعتني بكنيسة الله؟
16- «غَيْرَ حَدِيثِ الإِيمَانِ لِئَلاَّ يَتَصَلَّفَ فَيَسْقُطَ فِي دَيْنُونَةِ إِبْلِيسَ». بكل أسف وحزن شديد نجد بعض حديثي الإيمان يتجرأون على الخدمة والرعاية (بدافع من ذواتهم، أو يدفعهم الجهلاء من المسئولين عن الخدمة إلى ذلك)، فيدخل الكبرياء والتصلف إلى قلوبهم، الأمر الذي أسقط إبليس من مركزه، وطرده من محضر الله.
17- «وَيَجِبُ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ حَسَنَةٌ مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، لِئَلاَّ يَسْقُطَ فِي تَعْيِيرٍ وَفَخِّ إِبْلِيسَ». يجب أن تكون سيرته حسنة ويشهد بذلك جيرانه والمتعاملين معه، سواء من داخل دائرة المسيحية أو من خارجها. لأنه إذا لم تكن أفعاله مطابقة لأقواله وتعاليمه، فذلك يوقعه في فخ إبليس حيث يتعرض إلى الهزء والعار، فكيف لمن يحيا في النجاسة أن يدعو الناس إلى حياة القداسة، وكيف لمن ينعم نفسه بملذات وأطايب العالم، أن يقول للآخرين: «‏لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم..» (1يوحنا 2: 15).
من الملاحظ أنه بمجرد أن ينتهي الوحي من ذِكر الشروط الواجب توافرها في النّاظر، أو المراقب..إلخ. (الأسقف حسب الترجمة البيروتية) يتحدث عن الشروط الواجب توافرها في الخُدّام [«الشَّمَامِسَةُ» (حسب الترجمة البيروتية)] (عدد 8)، دون ذكر للقسوس والقمامصة وباقي الرتب الكهنوتية التي تنادي بها الكنيسة الإسمية. مما يدل على أن الشيوخ (القسوس) هم ذاتهم النظّار (الأساقفة) عكس ما يُعلم به النظام البابوي الكهنوتي.


أسئلة عن الفصل العاشر

1- أين ورد في تعاليم المسيح أو في تعاليم  رسله الكرام، أن هناك رتبًا كهنوتية؟
2- ما هي ترجمة كلمة أسقف؟
3- اذكر من العهد القديم وظيفة الأسقف؟
4- إن وظيفة الأسقف في العهد القديم تشكل حقيقة صادمة للتقليديين، لماذا؟
5- كيف أربكت الترجمة البيروتية القارئ والباحث، بعدم ترجمة كلمة أساقفة، وقسوس، وشمامسة؟
6- في رسالة فيلبي أرسل بولس الرسول السلام إلى الأساقفة والشمامسة، لماذا لم يذكر القسوس؟
7- علل وجود عدد من الأساقفة والشمامسة في كنيسة فيلبي الناشئة حديثًا؟
8- إن قول الرسول بولس «إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ، فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحًا» يمثل تحديًا للكنائس التقليدية، لماذا؟
9- لماذا أوجب الكتاب أن تكون للأسقف زوجة واحدة؟
10- ما مدى انحراف الكنائس التقليدية في مفهومها عن الأسقف؟
11- هل ذُكرالنظام الرهباني في الكتاب المقدس؟
12- ما أوجه الشبه بين الشاب «بوذا» (560-480 قبل الميلاد)، والشاب أنطونيوس (ولد عام 251 للميلاد)؟
13- هل يفهم من قول الرب للشاب الغني «اذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ»، أن كل شخص لديه أملاك يذهب يبيعها، ويرحل بعد ذلك إلى الصحراء؟
14- هل الرهبان الذين نزلوا إلى العالم ورُسموا أساقفة، احترموا تعهداتهم الرهبانية؟
15- هل إنسان خان العهد يمكن أن يحمل الأمانة؟
16- ما رأيك في الأشخاص وأيضًا من يُدعون بالكهنة وهم يسجدون إلى الأرض أمام ما يُسمى بالأسقف، أو ما يُسمى بالبابا؟ هل روح الإنجيل تتوافق مع هذا السلوك المذري المُشين سواء من الذين قاموا بالسجود، أو من الذي قبل هذا السجود؟
17- اذكر ثلاثة أسباب يتعارض فيها النظام البابوي مع تعاليم المسيح وتعاليم رسله الكرام؟
18- اذكر ثلاثة صفات اغتصب فيها النظام البابوي صفات المسيح له المجد؟
19- اذكر ثلاثة وظاشف اغتصب فيها النظام البابوي وظائف الرب يسوع المسيح له المجد؟
20- فسّر كيف أن خضوعك للنظام البابوي فيه إهانة لشخص الرب، ودوس على تعاليمه المقدسة؟





الفصل الحادي عشر


القس، مَنْ هو؟

الكلمة الثانية التي لم تُترجم في الـترجمة البيروتية في أعمال 14: 23؛ 20: 17وتم اشتقاقها من الترجمة السريانية بـ «قسوس» هي كلمة  πρεσβυτέρος (بريسبوتيروس) وكما سبق القول إن عدم ترجمتها في الموضعين المشار إليهما، يثير الريبة والشك، ويضع علامة استفهام كبيرة.
والسؤال المطروح، ماذا تعني كلمة πρεσβυτέρος؟
هل تعني شخص يحمل رتبة كهنوتية ويقوم بالشفاعة كما يظن التقليديون؟ أم هي وظيفة كنسية كما هو حادث في  طوائف البروتستانت، أم هي شيء آخر؟
لقد فسّر التقليديون  كلمة precbuterwc (بريسڤـيتيروس) التي وردت في الترجمة القبطية للعهد الجديد في أعمال 20: 17، وهي ذات الكلمة  πρεσβυτέρος اليونانية، ولكن بحروف قبطية، بـ «شفيع أو شيخ»، ثم أردفوا أن الكاهن يسمى شيخًا نظرًا لأهمية وظيفته، وتوقيرًا له حتى ولو لم يكن قد وصل إلى سن الشيخوخة. 
أراد التقليديون تحميل الكلمة أكثر مما تعني. نعم الكلمة تعني «شيخ» أي: «شخص متقدم في السن سواء كان رجلاً أو امرأة»، ولكن أن تُطلق على شاب كونه  رُسم كاهنًا (حسب اعتقاد الكنائس التقليدية) أو رُسم شيخًا أو قسًا (حسب اعتقاد الطوائف البروتستانتية)، فهذا كذب، ومن المعروف أن نصيب الكذبة هو البحيرة المتقدة  بالنار والكبريت «وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ، فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي» (رؤيا 21: 8).
وهل كلمة precbuterwc تعني «شفيع»؟ من أين جاءوا بهذا المعنى وكلمة πρεσβυτέρος في كل الكتاب المقدس بعهدية القديم والجديد لا تحمل معنى الشفاعة، لا من قريب، ولا من بعيد، كما سنرى؟
أم أنهم اختلسوا عمل الروح القدس كالشفيع ونسبوه للبشر؟ ألم يقرأوا: «وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ υπερεντυγχανει (أبيرينتونخاني) فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا... لأَنَّهُ (الروح القدس) بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ εντυγχανει (إينتونخاني) فِي الْقِدِّيسِينَ» (رومية 8: 26، 27)؟
أم أنهم اختلسوا عمل الرب يسوع المسيح له المجد كالشفيع ونسبوه للبشر؟ ألم يقرأوا: «يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ παρακλητον  (باراكليتون وبالقبطية paraklhton) عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ» (1يوحنا 2: 1).
فهل الشخص المدعو كاهنًا (حسب اعتقاد الكنائس التقليدية) هو الشفيع الذي حلّ محل الروح القدس، وحلّ محل الرب يسوع المسيح؟
وبالرجوع إلى قاموس قبطي إنجليزي، BOHAIRIC - ENGLISH DICTIONARY  صفحة 85  نجد أن كلمة precbuterwc (بريسڤـيتيروس) لا تعني «شفيع».
ثم، هل حقًا الكاهن القبطي يُسمى شيخًا؟ لقد رأينا في الفصل السابق أن الأسقف (حسب الترجمة البيروتية) ἐπίσκοπος والشيخ πρεσβυτέρος هما شخص واحد، فهل يقبل الأقباط (حسب معتقداتهم) أن يكون الكاهن (القس أو القمص) في رتبة الأسقف؟
1- القس πρεσβυτέρος في  العهد القديم:
ربما عبارة «القس في العهد القديم» تكون صادمة للكثيرين، وتثير التساؤل:
هل يوجد قسوس في العهد القديم؟ 
لنرجع إلى الترجمة السبعينية للعهد القديم، ونبحث عن استخدمات كلمة πρεσβυτέρος، ثم البحث عن المرادف لها في الأصل العبري للعهد القديم لنرى ماذا تعني في العبرية، ثم البحث عن استخداماتها في العهد الجديد.
أولاً، كلمة   πρεσβυτέρος في الترجمة السبعينية:  
وردت كلمة  πρεσβυτέρος 14 مرة في العهد القديم (انظر تكوين 18: 12؛ 19: 31؛ 24: 1؛ 35: 29؛ 43: 27؛ 44: 20؛ يشوع 13: 1؛ 23: 1؛ 2صموئيل 19: 32؛ 1ملوك 1: 1؛ 12: 24؛ أيوب 42: 17؛ إرميا 6: 11؛ 32: 8).
وجاءت بصيغة المثنى والجمع (πρεσβυτέροι) 46 مرة (انظر تكوين 18: 11؛ 50: 7 (وردت مرتين)؛ خروج 18: 12؛ 34: 30؛ لاويين 4: 15؛ سفر العدد 11: 16، 30؛ 16: 25؛ يشوع 7: 6؛ 8: 10، 33؛ 9: 2، 11؛ قضاة 11: 5، 8، 10؛ 12: 16؛ راعوث 4: 11؛ 1صموئيل 4: 3؛ 16: 4؛ 2صموئيل 5: 3؛ 12: 17؛ 1ملوك 12: 24؛ 20: 8؛ 21: 11؛ 2ملوك 6: 32؛ 10: 5؛ 1أخبار 11: 3؛ 15: 25؛ 21: 16؛ 2أخبار 5: 4؛ عزرا 3: 12؛ 6: 7، 14؛ 10: 14؛ أيوب 32: 4؛ مراثي إرميا 2: 10؛ 5: 12؛ حزقيال 8: 1، 12؛ 27: 9؛ دانيال 12: 13؛ يوئيل 1: 2؛ 2: 28؛ زكريا 8: 4).
في كل المواضع السابقة نجد أن كلمة πρεσβυτέρος لا تعني بأي حال من الأحوال رتبة كهنوتية أو وظيفة كنسية، أو شفيع، ولكنها تتحدث عن كِبر السن «الشيخوخة»، أو شخص كبير في السن «شيخ» أو أشخاص كبار في السن «شيوخ».  فمثلا:
في تكوين 18: 12 مكتوب: «فَضَحِكَتْ سَارَةُ فِي بَاطِنِهَا قَائِلَةً: أَبَعْدَ فَنَائِي يَكُونُ لِي تَنَعُّمٌ، وَسَيِّدِي قَدْ شَاخَ πρεσβύτερος؟»
وفي تكوين 18: 11 مكتوب: «وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ شَيْخَيْنِ πρεσβύτεροι مُتَقَدِّمَيْنِ فِي الأَيَّامِ،..».
وفي يشوع 8: 10 مكتوب: «فَبَكَّرَ يَشُوعُ .. وَصَعِدَ هُوَ وَشُيُوخُ πρεσβύτεροι إِسْرَائِيلَ..».
فهل يُفهم من تكوين 18: 12 أن إبراهيم كان قسيسًا بمفهوم الكنائس التقليدية، أو بحسب معتقدات الطوائف البروتستانتية لكلمة قسيس؟ وإن كان الأمر كذلك، لنا أن نسأل: مَن هو الأسقف أو المطران، أو البطريرك، أو البابا أو ..إلخ. الذي هو أعلى رتبة وأسمى مقامًا من أبينا إبراهيم حتى يرسمه قسيسًا؟ وعلى أي كنيسة رسمه؟
وهل يُفهم من تكوين 18: 11 أن إبراهيم وسارة كانا قسيسيّن؟
من العار أن نجد الكنيسة الأنجليكانية قد رسمت امرأة أسقفًا، ومن الأشد عارًا وخزيًا أن نجد الكنيسة المشيخية في أمريكا ليس فقط رسمت المرأة قسيسًا، بل أيضًا رسمت المثليين (الشواذ جنسيًا) سواء من الرجال أو النساء قساوسة على منابر الكنيسة فى أمريكا.
فهل تقبل الكنيسة الأرثوذكسية أن ترسم المرأة قسيسًا ثم تترقى إلى درجة القمصية، فيقال أمنا القس.. أو أمنا القمص..؟
وهل يُفهم من يشوع 8: 10 أن يشوع صعد هو وقسوس إسرائيل؟
ولنا أن نسأل: ما هي رتبة يشوع الكنسية وسط هذا الجمع الغفير من القسوس؟ وأين الشمامسة؟
هذه التساؤلات هي لإثارة العقول المتبلدة الساكنة، والمتوقفة عن الحركة والتفكير، وايقاظ الضمائر التي تغط في سبات عميق، وعودة الوعي الروحي المبني على كلمة الله، ورجوع المخلصين من المُضَلّلين إلى التمسك بالكتاب المقدس ورفض التقاليد التي أبطلت سلطان كلمة الله على النفوس، أما المُضلّين فلهم دينونة عظيمة أمام  الديان العادل.

فكلمة πρεσβυτέρος التي لم تترجم في الڤـاندايك في أعمال 14: 23؛ 20: 17 واكتفوا باشتقاقها من السريانية «قسوس»، وفهمتها الكنائس التقليدية أنها رتبة كنسية، وفهمها البروتستانت أنه وظيفة كنسية، إنما تعني شيوخ سواء في الترجمة السريانية أو في النص اليوناني، أي أناس متقدمين في العمر، لا دخل لهم بأي رتبة أو وظيفة كنسية أو كهنوتية، أو تشفعية.
تبقى علامة استفهام كبيرة، لماذا لم يقم  مترجمو الـ (ڤاندايك) بترجمة الكلمة اليونانية إلى شيوخ، واكتفوا باقتباسها من السريانية «قسوس» رغم علمهم أن الكلمة السريانية أيضًا تعني شيوخ؟
ثانيًا، البحث عن الكلمة المرادفة لكلمة (πρεσβυτέρος) في النص العبري للعهد القديم:
ربما يحتج البعض بأن العهد القديم كُتب بالعبرية فلماذا الرجوع إلى الترجمة السبعينية، ولكي نُبطل هذه الحجة رغم مصداقية الترجمة السبعينية عند الكنائس كافة (رغم تحفظي على بعض ما جاء بها من كتابات)، وجدنا أن الكلمة العبرية المرادفة لكلمة πρεσβύτερος هي كلمة: זקנ (زِكن)  بمعنى شاخ، شيخ، وقد وردت 40 مرة في النص العبري للعهد القديم (انظر تكوين 18: 12؛ 19: 4، 31؛ 24: 1، 2؛ 25: 8؛ 27: 1؛ 35: 29؛ 44: 20؛ لاويين 19: 32؛ يشوع 6: 21؛ 13: 1؛ 23: 1؛ قضاة 19: 16؛ 1صموئيل 2: 22، 31، 32؛ 4: 18؛ 8: 1؛ 17: 12؛ 28: 14؛ 2صموئيل 19: 32؛ 1ملوك 1: 1، 15؛ 13: 11؛ 2ملوك 4: 14؛ 1أخبار 23: 1؛ 2أخبار 36: 17؛ أستير 3: 13؛ أيوب 42: 17؛ مزمور 133: 2؛ جامعة 4: 13؛ إشعياء 9: 15؛ 15: 2؛ 47: 6، إرميا 6: 11؛ 41: 5؛ 48: 37؛ 51: 22؛ حزقيال 8: 12).
وكلمة זקני (زكني) old men, women «شيوخ» وردت 62 مرة في النص العبري للعهد القديم (انظر تكوين 50: 7 (مرتين)؛ خروج 3: 16؛ 4: 29؛ 12: 21؛ 17: 6؛ 18: 12؛ لاويين 4: 15؛ سفر العدد 11: 16؛ 16: 25؛ 22: 4، 7؛ تثنية 19: 12؛ 21: 3، 4، 6، 19، 20؛ 22: 15، 17، 18؛ 25: 8؛ 31: 9، 28؛ يشوع 20: 4؛ قضاة 8: 16؛ 11: 5، 8، 9، 10، 11؛ 21: 16؛ راعوث 4: 4؛ 1صموئيل 4: 3؛ 8: 4؛ 11: 3؛ 15: 30؛ 16: 4؛ 2صموئيل 3: 17؛ 5: 3؛ 12: 17؛ 17: 4، 15؛ 19: 11؛ 1ملوك 8: 1، 3؛ 20: 7؛ 2ملوك 19: 2؛ 23: 1؛ 1أخبار 11: 3؛ 2أخبار 5: 2، 4؛ 34: 29؛ عزرا 10: 14؛ أمثال 31: 23؛ إشعياء 3: 14؛ 37: 2؛ إرميا 29: 1؛ مراثي 2: 10؛ حزقيال 8: 12؛ 20: 3؛ 27: 9). 
وكلمة וזקני (وزكني) «وشيوخ» وردت في النص العبري للعهد القديم 10 مرات (انظر خروج 3: 18؛ سفر العدد 11: 30؛ 22: 7؛ تثنية 27: 1؛ يشوع 7: 6؛ 8: 10؛ 1أخبار 15: 25؛ عزرا 9: 3؛ مراثي 1: 19؛ حزقيال 8: 1).
وعلى سبيل المثال نرجع إلى تكوين 19: 4 مكتوب: «.. أَحَاطَ بِالْبَيْتِ رِجَالُ الْمَدِينَةِ، رِجَالُ سَدُومَ، مِنَ الْحَدَثِ إِلَى الشَّيْخِ،..» حيث كلمة  «الشَّيْخِ» في النص العبري هي זקנ (زِكن) المرادفة لكلمة πρεσβύτερος اليونانية والتي جاءت في الترجمة البيروتية (الڤاندايك) للعهد الجديد «قسوس» في المواضع المشار إليها سابقًا .
والسؤال المطروح الذي يصدم كل الذين يعتقدون بالرتب الكهنوتية والوظائف الكنسية: هل كان رجال سادوم - الشواذ جنسيًا - قسوسًا أم كهنة أم شفعاء؟ (وكما رأينا يُفسر الأقباط الأرثوذكس كلمة precbuteroc  بـ (شفيع أو شيخ).
وهل كان لدى شيوخ سادوم (الشواذ جنسيًا) أساقفة وشمامسة؟
وما هي الشفاعة التي كان يقدمها رجال سادوم (الشواذ جنسيًا)، ولأجل مَنْ، ولمن يقدمونها؟
من هنا يتضح الخطأ الفادح في عدم ترجمة كلمة πρεσβύτερος في الترجمة البيروتية للعهد الجديد في أعمال 14: 23؛ 20: 17 والاكتفاء باشتقاقها من السريانية «قسوس»، رغم ترجمتها في مواضع أخرى «شيوخ...».
2- القس πρεσβυτέρος في  العهد الجديد:
وردت كلمة πρεσβυτέρος وتصريفاتها 67 مرة في العهد الجديد (انظر متى 15: 2؛ 16: 21؛ 21: 23؛ 26: 3، 47، 57، 59؛  27: 1، 3، 12، 20، 41؛ 28: 12؛ مرقس 7: 3، 5؛ 8: 31؛ 11: 27؛ 14: 43، 53؛ 15: 1؛ لوقا 1: 18؛ 7: 3؛ 9: 22؛ 15: 25؛ 20: 1؛ 22:  52؛ يوحنا 8: 9؛ أعمال 2: 17؛ 4: 5، 8، 23؛ 6: 12؛ 11: 30؛ 14: 23؛ 15: 2، 4، 6، 22، 23؛ 16: 4؛ 20: 17؛ 21: 18؛ 23: 14؛ 24: 1؛ 25: 15؛ 1تيموثاوس 5: 2، 17؛  تيطس 1: 5؛ فيلمون آية 9؛ عبرانيين 11: 2؛ يعقوب 5: 14؛ 1بطرس 5: 1، 5؛ 2يوحنا آية 1؛ 3يوحنا آية 1؛ رؤيا 4: 4، 10؛ 5: 5، 6، 8، 11، 14؛ 7: 11، 13؛ 11: 16؛ 14: 3؛  19: 4). بمعنى شيخ، شيوخ، ..إلخ. أي أناس متقدمين في العمر، ولم تتحدث عن أي رتبة كنسية أو كهنوتية، كما يعتقد التقليديون والبروتستانت، ولم تُشر لا من قريب أو بعيد إلى أي عمل  تشفعي.
ومن الشواهد السابقة - على سبيل المثال - نجد أن كلمة πρεσβύτερος تتحدث عن:
1- أشخاص كبار في السن: مثلاً في لوقا 15: 25 تتحدث عن شخص أكبر سنًا من آخر هو «الابن الأكبر» في المثل المعروف بـ «الابن الضال» أو «الابن التائب»، فهل كان الابن الأكبر قسيسًا بالمفهوم التقليدي أو البروتستانتي؟
وفي يوحنا 8: 9 تتحدث عن أشخاص أكبر سنًا من آخرين، مكتوب: «... خَرَجُوا وَاحِدًا فَوَاحِدًا، مُبْتَدِئِينَ مِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الآخِرِينَ»، فهل الشيوخ الذين أتوا ليرجموا المرأة التي أُمسكت في الزنا كانوا قسوسًا؟ (انظر أيضًا أعمال 2: 17).
وفي عبرانيين 11: 2 تتحدث عن الأسلاف أو الجدود في إسرائيل، مكتوب: «فَإِنَّهُ فِي هذَا شُهِدَ لِلْقُدَمَاءِ»، (انظر أيضًا متى 15: 2). فهل كان القدماء قسوسًا؟
وفي 1تيموثاوس 5: 2 تتحدث عن العجائز، مكتوب: «وَالْعَجَائِزَ كَأُمَّهَاتٍ،..». والسؤال المطروح هو: هل العجائز كن قسيسات؟ أم أن كلمة πρεσβύτερος هنا تتحدث عن سيدات كبار في السن؟
2- أشخاص كبار في السن يقومون بمسئولية معينة:
أ) بين الأمم: مثلاً في تكوين 50: 7 نقرأ عن شيوخ فرعون، مكتوب: «فَصَعِدَ يُوسُفُ لِيَدْفِنَ أَبَاهُ، وَصَعِدَ مَعَهُ جَمِيعُ عَبِيدِ فِرْعَوْنَ، شُيُوخُ بَيْتِهِ وَجَمِيعُ شُيُوخِ أَرْضِ مِصْرَ،..»؛  وفي سفر العدد 22: 7 نقرأ عن شيوخ موآب وشيوخ مديان، مكتوب: «فَانْطَلَقَ شُيُوخُ مُوآبَ وَشُيُوخُ مِدْيَانَ،..».
ب) بين الأمة اليهودية:
أولاً، في العهد القديم نقرأ عن رؤوس الأسباط والعائلات، على سبيل المثال، في سفر العدد 11: 16 نقرأ عن السبعين شيخًا المساعدين لموسى، مكتوب: «فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: اجْمَعْ إِلَيَّ سَبْعِينَ رَجُلاً مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ شُيُوخُ الشَّعْبِ وَعُرَفَاؤُهُ، وَأَقْبِلْ بِهِمْ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ فَيَقِفُوا هُنَاكَ مَعَكَ»، (انظر أيضًا تثنية 27: 1)، وهؤلاء الذين جمعهم سليمان: «حِينَئِذٍ جَمَعَ سُلَيْمَانُ شُيُوخَ إِسْرَائِيلَ وَكُلَّ رُؤُوسِ الأَسْبَاطِ، رُؤَسَاءَ الآبَاءِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.. وَجَاءَ جَمِيعُ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ،..» (1ملوك 8: 1، 3).
ثانيًا، في العهد الجديد نقرأ عن شيوخ إسرائيل الذين هم ضمن أعضاء السنهدريم (يتكون السنهدريم من شيوخ إسرائيل ورؤساء الكهنة والكتبة)، على سبيل المثال، في متى 16: 21 نقرأ: «مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ»؛ أيضًا، متى 26: 47 «وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، إِذَا يَهُوذَا أَحَدُ الاثْنَيْ عَشَرَ قَدْ جَاءَ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخِ الشَّعْبِ».
ثالثًا، أولئك الذين يديرون الشئون العامة في المدن المختلفة، على سبيل المثال، في لوقا 7: 3 «فَلَمَّا سَمِعَ (قائد المئة) عَنْ يَسُوعَ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ شُيُوخَ الْيَهُودِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَشْفِيَ عَبْدَهُ».
 3- الشيوخ (القسوس حسب الترجمة البيروتية) في الكنائس المسيحية:
هؤلاء هم النظّار («الأساقفة» حسب الترجمة البيروتية) الذين تحدث عنهم الرسول بولس في أعمال 20: 17 أنهم شيوخ (قسوس حسب الترجمة البيروتية) من جهة السن، وفي عدد 28 نرى أن عمل هؤلاء الشيوخ هو الرعاية «لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ»، (انظر أيضًا تيطس 1: 5 بالمقابلة مع عدد 7). وعمل هؤلاء الشيوخ هو رعاية المؤمنين، والتي تتطلب أن يكون الشيخ ناضجًا روحيًا، ليس حديث الإيمان لئلا يتصلف (1تيموثاوس 3: 6)، وأن يكون ملازمًا للكلمة (تيطس 1: 9)، أي ملتصقًا αντεχομενον (أنتيخومينون) وملتحمًا بالكلمة «فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ،..» (مزمور 1: 3)، ومن ثمّ يستطيع أن يقدم طعامًا روحيًا وإرشادًا من كلمة الله للمؤمنين، وأيضًا يوبخ المناقضين، ويقوّم المخطئين.
ولكن ربما يستند البعض على ما جاء في أعمال 14: 23 «وَانْتَخَبَا (برنابا وبولس) لَهُمْ قُسُوسًا فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ،..»، وفي تيطس 1: 5  حيث أوصى الرسول بولس تلميذه تيطس بأن يقيم في كل مدينة شيوخًا، مكتوب: «مِنْ أَجْلِ هذَا تَرَكْتُكَ فِي كِرِيتَ لِكَيْ تُكَمِّلَ تَرْتِيبَ الأُمُورِ النَّاقِصَةِ، وَتُقِيمَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ شُيُوخًا πρεσβυτερους كَمَا أَوْصَيْتُكَ» أن هناك إقامة للشيوخ في الكنائس، أو كما يحلو للتقليديين والبروتستانت تعبير «رسامة» بدلاً من إقامة.
وللرد على حجج التقليديين والبروتستانت يجب ملاحظة الآتي:
1- مَنْ قام بإقامة الشيوخ (القسوس حسب الترجمة البيروتية) هما الرسولان بولس وبرنابا كما في أعمال 14: 23، أو من أنابهم الرسول بولس مثل تيطس (تيطس 1: 5)، وتيموثاوس (1تيموثاوس 5: 22).
2- إن الشيوخ الذين أقامهما الرسولان بولس وبرنابا أو الذين أقامهما تيطس وتيموثاوس لم يكن مُخوّل لهم إقامة شيوخ آخرين، وإلا لكان الكتاب ذكر لنا ذلك، مما يدل على أن إقامة شيوخ هي من اختصاص الرسل أو مَنْ أنابهم الرسل.
3- أن إقامة الشيوخ لم يكن في الكنائس كافة، فكنائس اليهودية لم تكن في حاجة إلى إقامة شيوخ، حيث أن الشيوخ في تلك الكنائس كانوا يقومون بخدماتهم التدبيرية والرعوية خير قيام دون أن يقيمهم أحد، بدليل قول الكتاب: «وَأَمَّا الْكَنَائِسُ فِي جَمِيعِ الْيَهُودِيَّةِ وَالْجَلِيلِ وَالسَّامِرَةِ فَكَانَ لَهَا سَلاَمٌ، وَكَانَتْ تُبْنَى وَتَسِيرُ فِي خَوْفِ الرَّبِّ، وَبِتَعْزِيَةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ كَانَتْ تَتَكَاثَرُ» (أعمال 9: 31). ويجب ملاحظة:
أولاً، إن الحديث عن الكنائس في العهد الجديد ليس عن مبان من حجارة صماء وكاتدرائيات، ولكن عن جماعة المؤمنين الحقيقيين الذين قال عنهم الرسول بطرس: «كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ ­كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ­ بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1بطرس 2: 5)، فليس في المسيحية الحقيقية مبان تسمى «بيوت الله»، مكتوب: «.. الْعَلِيَّ لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَةٍ بِالأَيَادِي..» (أعمال 7: 48)، ومكتوب أيضًا: «الإِلَهُ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ هَذَا إِذْ هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَةٍ بِالأَيَادِي» (أعمال 17: 24)، وفي صلاة الملك سليمان عند تكريس الهيكل قال: «لأَنَّهُ هَلْ يَسْكُنُ اللهُ حَقًّا عَلَى الأَرْضِ؟ هُوَذَا السَّمَاوَاتُ وَسَمَاءُ السَّمَاوَاتِ لاَ تَسَعُكَ، فَكَمْ بِالأَقَلِّ هذَا الْبَيْتُ الَّذِي بَنَيْتُ؟» (1ملوك 8: 27)، وفي إشعياء 66: 1، 2 يتساءل الرب: «السَّمَاوَاتُ كُرْسِيِّي، وَالأَرْضُ مَوْطِئُ قَدَمَيَّ. أَيْنَ الْبَيْتُ الَّذِي تَبْنُونَ لِي؟ وَأَيْنَ مَكَانُ رَاحَتِي؟ وَكُلُّ هذِهِ صَنَعَتْهَا يَدِي،..»، وفي الرسالة إلى العبرانيين يجيب الوحي على تساؤل الرب «أين البيت...» بقوله: «وَبَيْتُهُ نَحْنُ..» (عبرانيين 3: 6)، أي أن المؤمنين الحقيقيين هم بيت الله الحقيقي، أليس مكتوب: «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟.. لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ» (1كورنثوس 3: 16، 17). ويجب ملاحظة دقة الوحي أنه تحدث عن جماعة المؤمنين بصفتهم «هيكل الله»  بصيغة المفرد وليس «هياكل الله» بصيغة الجمع، وذلك للتأكيد أن للرب هيكل واحد.   وبناء على هذا لنا أن نسأل التقليديين، كيف يكون للرب هيكلان في آن واحد، هيكل داخل المبنى الأصم الأبكم الذي تسمونه كنيسة، والذي به المذبح - الذي تعتقدون بأنكم تذبحون المسيح عليه - والذي لم يأمر به الرب، وكيف يكون المؤمنون الحقيقيون هم هيكل الله؟ ألم ينشق حجاب الهيكل في أورشليم عندما أسلم الرب يسوع الروح على الصليب؟ مكتوب: «فَصَرَخَ يَسُوعُ أَيْضاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. وَإِذَا حِجَابُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ إِلَى اثْنَيْنِ مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ. وَالأَرْضُ تَزَلْزَلَتْ وَالصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ» (متى 27: 50، 51)، إعلانًا عن بطلان العبادة اليهودية، قبل حلول الروح القدس يوم الخمسين وسكناه في المؤمنين الحقيقيين، ليكونوا هيكل الله في العهد الجديد. أيضًا، الرب سبق وأنبأ تلاميذه بخراب الهيكل، مكتوب: «ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَمَضَى مِنَ الْهَيْكَلِ فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ لِكَيْ يُرُوهُ أَبْنِيَةَ الْهَيْكَلِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هَذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ هَهُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ!» (متى 24: 1، 2)، وهذه النبوة تحققت حرفيًا سنة 70 ميلادية على يد تيطس القائد الروماني.  وأخيرًا نقول للتقليديين، كان في العهد القديم هيكل واحد تُقدم فيه العبادة للإله الحقيقي، أما أنتم فقد صنعتم هياكل، ففي كل مبنى تسمونه كنيسة تبنون هيكلا أو أكثر، وحقيقة الأمر أن صناعة الهياكل هي سمة من سمات الوثنية وليست من المسيحية الحقيقية في شيء، ألم تقرأوا في أعمال 19: 24 عن إِنْسَان اسْمُهُ دِيمِتْرِيُوسُ  «صَائِغٌ صَانِعُ هَيَاكِلِ..». 
ثانيًا، لم تنحصر إقامة الشيوخ على الرسل، أو من أنابهم الرسل، فرب الكنيسة في وسطها - في كل زمان ومكان - يقيم بالروح القدس مَنْ يراه مؤهلاً لهذه الخدمة، بدليل أن الروح القدس هو الذي أقام شيوخ كنيسة أفسس لرعاية المؤمين «الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا (وليس عليها) رعاة (أَسَاقِفَةً حسب الترجمة البيروتية)، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ» (أعمال 20: 28).
4- بعض كنائس الأمم لم تكن في حاجة إلى إقامة شيوخ للتدبير أو الرعاية، مثل كنيسة رومية التي كان بها مدبرون (رومية 12: 8)، وكنيسة كورنثوس حيث نقرأ عن بيت استفاناس: مكتوب: «وَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ: أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ بَيْتَ اسْتِفَانَاسَ أَنَّهُمْ بَاكُورَةُ أَخَائِيَةَ، وَقَدْ رَتَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِخِدْمَةِ الْقِدِّيسِينَ» (1كورنثوس 16: 15). وكذلك كنيسة أفسس كان بها شيوخ مقامين من الروح القدس (أعمال 20: 28)، وأيضًا كنيسة فيلبي التي كان بها عدد من الشيوخ (أساقفة حسب الترجمة البيروتية) في كنيسة واحدة، وهذا هو الترتيب الإلهي للكنيسة، أن يوجد عدد من الشيوخ (القسوس، الأساقفة حسب الترجمة البيروتية) في الكنيسة الواحدة، عكس كنائس المسيحية الإسمية  التقليدية حيث أن الشيخ (الأسقف) يرأس عدة كنائس (هذا هو الفرق بين المسيحية الحقيقية والمسيحية الإسمية التي هي نتاج عقل الإنسان الفاسد). ثم كنيسة تسالونيكي حيث نقرأ: «ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَعْرِفُوا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ فِي الرَّبِّ وَيُنْذِرُونَكُمْ» (1تسالونيكي 5: 12)، فالمدبرون موجودون بين المؤمنين ويقومون بخدمتهم دون إقامة، وهم معروفون لدى المؤمنين.
5- بعض كنائس الأمم كانت في حاجة إلى تدخل الرسل أنفسهم أو من يرسلهم الرسل لينوبوا عنهم (تيطس وتيموثاوس) في إقامة الشيوخ، مثل الكنائس التي في مدن كريت،  فالكريتيون - بصفة عامة - يقول عنهم الكتاب: «الْكِرِيتِيُّونَ دَائِمًا كَذَّابُونَ. وُحُوشٌ رَدِيَّةٌ. بُطُونٌ بَطَّالَةٌ» (تيطس 1: 12)، ولاشك أن اجتماعات المؤمنين وسط أناس بهذه الصفات الشريرة، ودخول أناس بهذه الصفات وسط جماعات المؤمنين، مثل اللفيف (جماعة من المصريين) الذي خرج مع بني إسرائيل من مصر، وكانوا سببًا في تذمرات بني إسرائيل وغضب الرب عليهم، فمكتوب: «وَاللَّفِيفُ الَّذِي فِي وَسَطِهِمِ اشْتَهَى شَهْوَةً. فَعَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَيْضًا وَبَكَوْا وَقَالُوا: مَنْ يُطْعِمُنَا لَحْمًا؟» (سفر العدد 11: 4)، ومثل الزوان الذي زرعه العدو وسط الحنطة، مكتوب: «وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْحِنْطَةِ وَمَضَى» (متى 13: 25)  كانوا في حاجة إلى شخص مثل تيطس، ممتلئًا ومنقادًا بالروح القدس.. لديه موهبة التمييز ولديه معرفة بتعاليم الرب ورسله الكرام، أن يقيم لهم شيوخًأ من المؤمنيين الحقيقيين وليس من اللفيف الذي بينهم. ولكي يكمل لهم ترتيب الأمور الناقصة في اجتماعاتهم.
التقليديون يتخذون من عبارة «لِكَيْ تُكَمِّلَ تَرْتِيبَ الأُمُورِ النَّاقِصَةِ» أن هناك أمورًا ناقصة لا يمكن معرفتها إلا عن طريق التقليد. ونقول لهؤلاء إن الإمور الناقصة كانت في اجتماعات المؤمنين في كريت، وليست في الإعلان الإلهي، وكانت تختص بكنائسهم دون سواهم، ولا تختص بالكنيسة العامة، بدليل عدم ذكرها وتدوينها بالروح القدس في أسفار العهد الجديد.
إن الذين يتخذون عبارة «لِكَيْ تُكَمِّلَ تَرْتِيبَ الأُمُورِ النَّاقِصَةِ» تكأة لإثبات أهمية التقاليد، إنما ينسبون النقص للوحي الإلهي وللكتاب المقدس، المكتوب عنه: «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ» (2تيموثاوس 3: 16).

بعد البحث الكتابي السابق عن المقصود بكلمة شيخ (قس حسب الترجمة البيروتية) نأتي إلى  ما يُعلّمه التقليديون، وما يعتقدون به عن القس أو القمص لنرى مدى الانحراف بعيدًا عن كلمة الله، وما أحدثه التقليد من خراب في عقول التقليديين. 
مَنْ هو القس (أو القمص) في الكنائس التقليدية؟

[هو كاهن الكنيسة والاب الروحى لشعب المؤمنين ووجوده هو تطبيق لسر (الكهنوت) وهو أحد اسرار الكنيسة السبعة (المعترف بها لدى الطوائف الأرثوذكسية والكاثوليكية)، تتركز مهام القس فيما يلى:
1.    اقامة الصلوات والطقوس الدينية : مثل صلاة القداس الالهى وتقديم سر التناول (سر الافخارستيا) ,طقوس المعمودية (سر المعمودية) ,صلاة الاكليل أو الزواج الدينى، صلاة التجنيز على الموتى، صلوات المرضى وتبريك المنازل.
2.    التعليم : الوعظ الدينى والتعليم وتفسير للكتب الدينية.
3.    الإرشاد الروحى : تلقى الاعترافات (سر الاعتراف)، افتقاد المؤمنين وتقديم الإرشاد الروحى لهم.
رتبة القسيسية هي ثاني الرتب في الـرتب الكهنوتية المسيحية(اكليروس) وهي تعلو رتبة (الشموسية-شماس) وتعلوها رتبة (الاسقفية-أسقف)، وتنقسم إلى ثلاث درجات حسب حجم ونطاق الخدمة التي يقدمها القس، وهي مرتبة تصاعديا كالتالى :
1.    القس : وهو أحد كهنة الكنيسة.
2.    القمص : كبير القسوس في الكنيسة، وكلمة (قمص) مشتقة من كلمة يونانية بمعنى مدير أو مقدم.
3.    الخورى ابسكوبس: معاون الاسقف (خاصة في القرى)، وكلمة (خورى ابسكوبس) كلمة يونانية معناها اسقف القرى أو الحقول]. (انتهى الاقتباس).
بعض الملاحظات:
يعتقد التقليديون أن القس (أو القمص) هو كاهن الكنيسة، وإذا سألنا القس أو القمص من الذي أقامك كاهنًا فسيجيب على الفور سيدنا الأسقف أو المطران (فلان) أو البابا ...
إذن هو مقام من أشخاص أقيموا من غيرهم على غير أساس كتابي، كما سبق التوضيح. وما بُنيّ على باطل فهو باطل.
ثم إذا سألنا الكاهن، ما هي الذبيحة التي تقدمها؟
سيجيب على الفور ذبيحة المسيح، فأنا ليّ السلطان أن أستدعي الروح القدس (وكأن الروح القدس يعمل تحت أمر هذا الكاهن ويخضع لسلطانه المزعوم) ليحل على الخبز (القربانة) فيحوله إلى جسد المسيح الحقيقي، ويحل على الخمر (عصير الكرمة) ليحوله إلى دم المسيح الحقيقي.
وإذا سألناه هل يا ترى الخبز الذي تحول إلى جسد المسيح، والخمر الذي تحول إلى دم المسيح، هل هو متحد باللاهوت أم جسد ودم غير متحد باللاهوت؟
سيجيب على الفور طبعًا جسد ودم متحد باللاهوت، لأن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. وهنا السؤال المنطقي: هل اللاهوت يؤكل مع الجسد ويشرب مع الخمر؟ وهل مصيرهما في المعدة مثل مصير باقي المأكولات والمشروبات؟
أليس هذا ما يفعله المدعو كاهن عندما يمسك القربانة بيده ويرفعها فوق رأسه وينادي: «الجسد المقدس» Picwma `e;ouab (بي سوما إثئواب) ويسجد لها مع الشعب، بزعم أنها تحولت إلى جسد المسيح، وكذلك الكأس أيضًا يرفعها فوق رأسه وينادي «والدم الكريم» Nem pi`cnof ettaihout (نيم بي إسنوف إتايوت) ويسجد لها مع الشعب بدعوى أن الخمر تحول إلى دم المسيح. ثم يصلي: «جسد مقدس ودم كريم حقيقي ليسوع المسيح ابن إلهنا. آمين». ثم يقول صلاة الاعتراف: «آمين. آمين. آمين. أؤمن أؤمن أومن واعترف إلى النفس الأخير. أن هذا (يشير إلى الخبز «القربانة») هو الجسد المحيي لابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح. أخذه من سيدتنا وملكتنا كلنا والدة الإله القديسة مريم. وجعله واحدًا مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير. واعترف الاعتراف الحسن أمام بيلاطس البنطي. وأسلمه عنا على خشبة الصليب المقدس بإرادته وحده عنا كلنا. بالحقيقة أؤمن أن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. يعطى عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لكل من يتناول منه. أؤمن أؤمن أؤمن أن هذا هو بالحقيقة. آمين».
هل يوجد ضلال أكثر من ذلك؟ لقد أوهم الشيطان التقليديين أن الكاهن له سلطان أن يحوّل القربانة إلى إله يُؤكل جسده ويُشرب دمه؟
ألم يصدق قول الكتاب: «الَّذِينَ يَأْتُونَ بِإِلَهِهِمْ فِي يَدِهِمْ!» (إيوب 12: 6).
هل القربانة تتحول إلى إله يمضغ في الفم وينزل إلى الأمعاء ويهضم ثم يخرج مع الفضلات.
وهل يُؤكل الجسد المتحد باللاهوت، أم من غير لاهوت؟ وهل اللاهوت يُؤكل بالفم؟ وهل لاهوته فارق ناسوته في القربانة التي يزعمون أنها تحولت إلى جسد حقيقي؟ أليست هذه كلها بدع وهرطقات أدخلها الشيطان ليضل بها اتباع المسيح بعيدًا عن كلمة الله، وأفكاره ومقاصده الأزلية من نحو البشر؟
حقًا قال عنهم الكتاب:
«يَتَلَمَّسُونَ فِي الظَّلاَمِ وَلَيْسَ نُورٌ»
(أيوب 12: 25).
أيضًا يعتقد التقليديون بأن وجود الكاهن هو تطبيق لسر (الكهنوت) وهو أحد اسرار الكنيسة السبعة (المعترف بها لدى الطوائف الأرثوذكسية والكاثوليكية)، ولنا أن نسأل، أين وردت أسرار الكنيسة السبعة في تعاليم الرب يسوع المسيح، أو في تعاليم رسله الكرام؟
لقد سبق الحديث أن مؤمني العهد الجديد كهنة يقدمون ذبائح روحية ذكرها الكتاب وليس من ضمنها تقديم المسيح ذبيحة بيد المدعو كاهن، لأن الرب يسوع المسيح هو الذي قدم نفسه ذبيحة على الصليب مرة واحدة وإلى الأبد، مكتوب: «.. نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً» (عبرانيين 10: 10)، وأيضًا: «وَأَمَّا هذَا فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ» (عبرانيين 10: 12)، ثم يعلن لنا الكتاب حقيقة تُبطل كل ادعاءات التقليديين في تقديم القرابين كل يوم أحد، وفي الأعياد والمناسبات وأن هذه القرابين تهب الخلاص وغفران الخطايا والحياة الأبدية لكل من يأكل منها، مكتوب:
 «لأَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِينَ»
(عبرانيين 10: 14).
فالأفخارستيا، أو عشاء الرب، أو التناول..إلخ. هو تذكار وليس ذبيحة، مكتوب:
«اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي»
(لوقا 22: 19)
أما عن مهام القس (الكاهن) في الكنائس التقليدية فهي:

1.    اقامة الصلوات والطقوس الدينية : مثل صلاة القداس الالهى وتقديم سر التناول (سر الافخارستيا) ,طقوس المعمودية (سر المعمودية) ,صلاة الاكليل أو الزواج الدينى، صلاة التجنيز على الموتى، صلوات المرضى وتبريك المنازل.
التعليق:
من المعلوم لدى التقليديين أنه لا يمكن إقامة صلوات القداس بدون الكاهن التقليدي، وكأن كل الشعب التابع لهذا النظام هو جمهور من المتفرجين على مسرحية متكررة.. كلماتها إما أن تقال بلغة مفهومه أو تقال بلغة قد اندثرت من مئات السنين، الجمهور يسمعها ولا يفهمها، وكذلك الكاهن الذي يتلوها أيضًا.
ولأن الكاهن التقليدي أعلى مرتبة من الشعب المسكين فهو الذي يستلم هذا الشعب من المهد إلى اللحد (القبر). فهو الوحيد الذي له سلطان أن يعمد الأطفال تحت ادعاء ممارسة سر المعمودية، ثم يرشمهم بزيت الميرون تحت ادعاء حلول الروح القدس فيهم من خلال هذا الزيت المزعوم، ثم يقوم بصلاة الإكليل أي الزواج، تحت ادعاء أنه يستدعي الروح القدس ليتحد العروسين ليصيرا جسدًا واحدًا، ثم يأخذ الاعترافات تحت إدعاء أن له سلطان أن يغفر خطايا الناس، فيأتي إليه الأفراد من الذكور والإناث، كل على انفراد، وفي سرية تامة يأخذ اعترافاتهم من خطايا وشرور، وأن [بعض الكهنة والآباء «يعصرونهم» لأخذ اعترافاتهم]  وبعض المنحرفين من المدعوين آباء وكهنة (وهم بشر في كل الأحوال بهم ضعف) يستغل هذه الاعترافات التفصيلية في أمور ذكرها قبيح.
ثم يُصلي صلاة التجنيز على الموتي لكي يفتح لهم الرب أبواب السماء، وكأن الرب يأتمر بأمر هذا المدعو كاهن.
إن شخصًا بهذا السلطان الوهمي يستلم الناس من المهد إلى اللحد، ألا يُستعبد الشعب له؟
أين رب الكنيسة ومقتنيها بدمه وسط هذه التعاليم الشيطانية؟
ألم يكتب الرب إِلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَرْغَامُسَ «أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، وَأَيْنَ تَسْكُنُ حَيْثُ كُرْسِيُّ الشَّيْطَانِ» (رؤيا 2: 13).
لقد فشل الشيطان في إبادة المسيحيين في عصور الاضطهاد والاستشهاد، ولكنه نجح (فيما الناس نيام) في غرس تعاليمه الشيطانية وسط المسيحية، والتي هي ضد تعاليم الكتاب المقدس، فإين جاء في كلمة الله أن رتبة القسيسية هي ثاني الرتب في الـرتب الكهنوتية المسيحية (اكليروس) وهي تعلو رتبة (الشموسية - شماس) وتعلوها رتبة (الاسقفية - أسقف)، وتنقسم إلى ثلاث درجات حسب حجم ونطاق الخدمة التي يقدمها القس، وهي مرتبة تصاعديا كالتالى:
1.    القس : وهو أحد كهنة الكنيسة.
2.    القمص : كبير القسوس في الكنيسة، وكلمة (قمص) مشتقة من كلمة يونانية بمعنى مدير أو مقدم.
3.    الخورى ابسكوبس: معاون الاسقف (خاصة في القرى)، وكلمة (خورى ابسكوبس) كلمة يونانية معناها اسقف القرى أو الحقول.
أين جاءت هذه الرتب وهذا التقسيم في كلمة الله؟
وأين جاء في كلمة الله أن  شعب المسيح منقسم إلى إكليروس وعلمانيين؟
«قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ»
(هوشع 4: 6).


أسئلة عن الفصل الحادي عشر

1- ما معنى كلمة قس، وما هو أصل الكلمة ؟
2- ما هي الترجمة العربية لكلمة قس؟
3- هل يوجد قسوس في العهد القديم؟
4- علل، لماذا كنائس اليهودية لم تكن في حاجة إلى إقامة شيوخ؟
5- اذكر بعض كنائس الأمم التي لم تكن في حاجة إلى إقامة شيوخ؟
6- لماذا كنائس (جماعات المؤمنين) في كريت كانوا في حاجة إلى إقامة شيوخ بينهم؟
7- ماذا تعني عبارة «لِكَيْ تُكَمِّلَ تَرْتِيبَ الأُمُورِ النَّاقِصَةِ»؟
8- هل يوجد نقص في كلمة الله؟
9- ما هي خطورة القول بأن هناك أمورًا ناقصة في كلمة الله؟
10- مَنْ هو القس في الطوائف البروتستانتية؟
11-  مَنْ هو القس في الكنائس التقليدية؟
12- وضح الانحرافات التعليمية في مفهوم القس في كلا الفريقين؟
13- وضح كيف أن القس في الكنائس التقليدية يستلم تابعيه من المهد إلى اللحد؟
14- وضح مدى التجديف في القول بأن القس (أو الأسقف، أو البابا) الأرثوذكسي له سلطان تحويل الخبز إلى جسد حقيقي للرب يسوع وتحويل الخمر (عصير الكرمة) إلى دم حقيقي للرب يسوع؟
15- أين ورد في الكتاب المقدس أن الروح القدس يحل على الخبز ويحوله إلى جسد المسيح، ويحل على الخمر (عصير الكرمة) ويحوله إلى دم المسيح؟
16- هل أوصى الرب رسله بالذهاب إلى العالم لتدشين مذابح، أم الكرازة بالإنجيل؟
17- هل العشاء الأخير للرب مع تلاميذه، كان على مائدة أم على مذبح؟
18- هل في 1كورنثوس 10: 21 يتحدث الرسول بولس عن مائدة الرب أم عن مذبح الرب؟





الفصل الثاني عشر


الشماس، مَنْ هو؟

هذه هي الكلمة الثالثة - بعد كلمة أسأقفة وقسوس - التي أصرّ مترجمو الترجمة البيروتية والمعروفة بترجمة الـ (ڤاندايك) على عدم ترجمتها إلى العربية في فيلبي 1: 1 و 1تيموثاوس 3: 8، 12 واشتقاقها «شماس» من الترجمة السريانية (البشيطا)، وكذلك كلمتي «يتشمس، تشمسوا» الواردتين في 1تيموثاوس3: 10، 13؟
مرة أخرى نضع علامة استفهام كبيرة لماذا هذا الإصرار على عدم ترجمة هذه الكلمات إلى العربية؟
إن كلمة شماس في اليونانية هي διακόνος (دياكونوس) وقد وردت 96مرة في العهد الجديد مع تصريفاتها الأخرى، وجاءت بمعنى يخدم، خادم، خدمة وهذا ما أوردته الترجمة البيروتية (ماعدا الشواهد المذكورة سابقًا) في متى 4: 11؛ 8: 15؛ 20: 26، 28؛ 22: 13؛ 23: 11؛ 25: 44؛ 27: 55؛ مرقس 1: 13، 31؛ 9: 35؛ 10: 43، 45؛ 15: 41؛ لوقا 4: 39؛ 8: 3؛ 10: 40 (مرتين)؛ 12: 37؛ 17: 8؛ 22: 26، 27 (مرتين)؛ يوحنا 2: 5، 9؛ 12: 2، 26 (3 مرات)؛ أعمال 1: 17، 25؛ 6: 1، 2، 4؛ 11: 29؛ 12: 25؛ 19: 22 ؛ 20: 24؛ 21: 19؛ رومية 11: 13؛ 12: 7؛ 13: 4 (مرتين)؛ 15: 8، 25، 31؛ 16: 1؛ 1كورنثوس 3: 5؛ 12: 5؛ 16: 15؛ 2كورنثوس 3: 3، 6، 7، 8، 9 (مرتين)؛ 4: 1؛ 5: 18؛ 6: 3، 4؛ 8: 4، 19، 20؛ 9: 1، 12، 13؛ 11: 8، 15، 23؛ غلاطية 2: 17؛ أفسس 3: 7؛ 4: 12؛ 6: 21؛ فيلبي 1: 1؛ كولوسي 1: 7، 23، 25؛ 4: 7، 17؛ 1تسالونيكي 3: 2؛ 1تيموثاوس 1: 12؛ 3: 8، 10، 12، 13؛ 4: 6؛ 2تيموثاوس 1: 18؛ 4: 5، 11؛ فليمون 13؛ عبرانيين 1: 14؛ 6: 10؛ 1بطرس 1: 12؛ 4: 10، 11؛ رؤيا 2: 19.
نقرأ في متى 4: 11 «ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ وَإِذَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ).
فهل كانت الملائكة تقوم بخدمة الشموسية بمفهوم الكنائس التقليدية أي تقوم بمردات القداس؟
وقد يُصدَم التقليديون عندما يكتشفون أن كلمة διακόνος وردت في الترجمة السبعينية 3 مرات في أستير 2: 2؛ 6: 3، 5. 
فمثلاً، في أستير 2: 2 مكتوب: «فَقَالَ غِلْمَانُ الْمَلِكِ الَّذِينَ يَخْدِمُونَهُ διάκονοι..»، وكلمة «يخدمونه» تكررت في إصحاح 6: 3، 5.
والسؤال هنا: هل كان الْمَلِك أَحْشَوِيرُوشَ قسيسًا (كاهنًا) يتلو القداس، وهؤلاء الغِلْمَان شمامسة يقومون بالمردات؟
وقد يحتج البعض بأن العهد القديم كُتب بالعبرية، فلماذا الاقتباس من الترجمة السبعينية اليونانية، ونقول لهؤلاء أن الكلمة المرادفة لـ  διακόνος هي שׁרת (شاراث) في العبرية، وقد وردت 8 مرات في 1ملوك 10: 5؛ 2أخبار 9: 4؛ 24: 14؛ أستير 2: 2؛ 6: 3؛ مزمور 103: 21؛ 104: 4؛ أمثال 29: 12.
نقرأ في مزمور 104: 4 «الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحاً وَخُدَّامَهُ نَاراً مُلْتَهِبَةً».
والسؤال المطروح هو: هل ملائكة الرب شمامسة يتلون مردات القداس؟
هذه الأسئلة هي لإثارة العقل الراكد .. المتيبس، وتحفيزه على التفكير، ليتحرر من تلك الموروثات التي أبطلت كلمة الله وانحرفت بعيدًا عن الإعلان الإلهي.
في كل الشواهد السابقة لا نجد ما يشير إلى كاهن يتلو القداس ولا إلى شمامسة يتلون المردات.
ومن ثمّ فإن تعريف الكنيسة التقليدية للشماس بأنه «هو خادم الكنيسة وهو مَنْ يقوم بمعاونة الكاهن في أداء الخدمات الدينية والصلوات الكنسية» هو تعريف باطل لا أساس له في كلمة الله.
وفي أعمال 6: 1- 4 نستطيع أن نفهم جانبًا من عمل الخدام (الشمامسة حسب الترجمة البيروتية) διακόνος، مكتوب: «وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ تَكَاثَرَ التَّلاَمِيذُ، حَدَثَ تَذَمُّرٌ مِنَ الْيُونَانِيِّينَ عَلَى الْعِبْرَانِيِّينَ أَنَّ أَرَامِلَهُمْ كُنَّ يُغْفَلُ عَنْهُنَّ فِي الْخِدْمَةِ الْيَوْمِيَّةِ. فَدَعَا الاثْنَا عَشَرَ جُمْهُورَ التَّلاَمِيذِ وَقَالُوا: لاَ يُرْضِي أَنْ نَتْرُكَ نَحْنُ كَلِمَةَ اللهِ وَنَخْدِمَ مَوَائِدَ. فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَال مِنْكُمْ، مَشْهُودًا لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ، فَنُقِيمَهُمْ عَلَى هذِهِ الْحَاجَةِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنُواظِبُ عَلَى الصَّلاَةِ وَخِدْمَةِ الْكَلِمَةِ».
من النص السابق نجد نوعين من الخدام، خدام يقومون بأعمال تدبيرية وسط الجماعة المسيحية، مشار إليها بـ «خدمة موائد»، وهناك خدام يقومون بخدمة الوعظ والتعليم والتبشير مشار إليها بـ «خدمة الكلمة».

ومن الشواهد السابقة في العهد القديم والعهد الجديد نجد أن كلمة خادم διακόνος وفي العبرية שׁרת هي كلمة عامة تنطبق على أي شخص يقوم بعمل الخدمة أيًا كان نوع هذه الخدمة.
وفي دائرة المسيحية تنطبق على مَنْ يقومون بالخدمات التدبيرية، وأيضًا على مَنْ يقومون بخدمة الكلمة، ولا تنطبق من قريب أو بعيد على عمل الشماس في الكنائس التقليدية وذلك من خلال الشواهد السابقة كافة.

 وحسنًا ما فعلته ترجمة «كتاب الحياة» في ترجمة النصوص التي جاءت فيها الكلمات «شمامسة، يتشمسوا، تشمسوا»:
صفات الذين يقومون بخدمة التدبير (الشمامسة) بحسب كلمة  الله:
في 1تيموثاوس 3 تأتي صفات الشمامسة بعد صفات الأساقفة مباشرة، ولا ذكر للقسوس، حيث سبق التوضيح بأن القسوس (الشيوخ) هم ذاتهم الأساقفة (النُظّار).
يقول الكتاب: «يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الشَّمَامِسَةُ ذَوِي وَقَارٍ، لاَ ذَوِي لِسَانَيْنِ، غَيْرَ مُولَعِينَ بِالْخَمْرِ الْكَثِيرِ، وَلاَ طَامِعِينَ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ، وَلَهُمْ سِرُّ الإِيمَانِ بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ وَإِنَّمَا هؤُلاَءِ أَيْضًا لِيُخْتَبَرُوا أَوَّلاً، ثُمَّ يَتَشَمَّسُوا إِنْ كَانُوا بِلاَ لَوْمٍ» (1تيموثاوس 3: 8 - 10).
يبدو أن هناك صفات مشتركة تجمع بين النُّظّار (الأساقفة) والخدام (الشمامسة) «غَيْرَ مُولَعِينَ بِالْخَمْرِ الْكَثِيرِ، وَلاَ طَامِعِينَ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ»، ولكن الفرق بينهما هو أن النُّظّار (الأساقفة) يُقيمهم الروح القدس لرعاية المؤمنين، كما سبق توضيح ذلك، أما الخدام (الشمامسة) فينتخبهم الشعب، مكتوب: «فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَال مِنْكُمْ، مَشْهُودًا لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ..» (أعمال 6: 3).

أسئلة عن الفصل الثاني عشر

1- ما معنى كلمة شماس؟
2- ما هي الترجمة العربية لكلمة شماس؟
3- هل كان هناك شمامسة في العهد القديم؟
4- كم مرة أُطلقت كلمة شماس في العهد القديم، وفي أي سفر؟
5- بأي مفهوم اعتبار الملائكة شمامسة؟
6- ما مدى انحراف الكنائس التقليدية بعيدًا عن كلمة الله في توصيف عمل الشماس؟
7- في أي مناسبة أقام الرسل شمامسة؟ وفي أي سفر ذُكر ذلك؟
8- اذكر اثنين من الشمامسة كانت لهم خدمة الوعظ والتبشير؟
9- مَنْ هو الشماس الذي عمّد الخصي  الحبشي؟ وهل يحق للشماس أن يُعمّد أحدًا؟
10- ما هي الشروط  الكتابية الواجب توافرها في الشماس؟ 


الفصل الثالث عشر
البطريرك، مَنْ هو؟

إطلاق الألقاب على رؤساء الكنائس التقليدية وغيرها من الطوائف التي تنتسب إلى المسيحية، لا حد له، من المنافقين الكذّابين، ولا عجب في ذلك فإذا كان النظام من وحي الشيطان، فلابد أن يكثر به الكذب والخداع، فالرب قال عن إبليس: «.. لَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ» (يوحنا 8: 44).
فالتقليديون اعتادوا أن يُطلقوا لقب «بطريرك» على رؤساء كنائسهم في مختلف أقطار العالم، فهل ورد ذِكر البطريرك في الكتاب المقدس، ومَنْ هو البطريرك بحسب كلمة الله؟
أولاً، كلمة بطريرك πατριαρχης (بطريرشيس)، هي كلمة يونانية تتألف من مقطعين πατήρ (باتير) وتعني «أب» و ἄρχων   (أرخُن) وتعني: رئيس، قائد، حاكم، ملك، ... إلخ. أي تعني رئيس آباء ...إلخ.
ثانيًا، وردت كلمة بطريرك 4 مرات في النص اليوناني للعهد الجديد في أعمال 2: 29؛ 7: 8، 9؛ عبرانيين 7: 4.
وإذا رجعنا إلى الشواهد السابقة نجد كلمة «بطريرك = رئيس الآباء» في أعمال 2: 29 قيلت عن داود، مكتوب: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ لَكُمْ جِهَاراً عَنْ رَئِيسِ الآبَاءِ (البطريرك) دَاوُدَ إِنَّهُ مَاتَ وَدُفِنَ وَقَبْرُهُ عِنْدَنَا حَتَّى هَذَا الْيَوْمِ».
والسؤال المنطقي هل كان داود بطريركًا بمفهوم الكنائس التقليدية؟ وهل كان يرأس عددًا من الأساقفة والقسوس والشمامسة؟ وهل كانت له كاتدرائيات وله كرسي في كل كاتدرائية يليق بمقامه الرفيع؟ وهل كان يستقبله الشمامسة بلحن Pouro  (أبؤورو) الذي كلماته  تقول: «ياملك السلام أعطنا سلامك قرر لنا سلامك واغفر لنا خطايانا»، أو ولحن K`cmarwut (إكإزمارؤت) الذي كلماته تقول: «مبارك أنت بالحقيقة، مع أبيك الصالح، والروح القدس، لأنك أتيت وخلصتنا».
كلمات هذه الألحان لا تليق إلا بالرب وحده، ملك السلام الذين منحنا السلام بتقديم ذاته ذبيحة لأجلنا على الصليب، وهو المُبارك الذين أتى وخلصنا.
من التجديف أن تطلق كلمات مثل هذه الألحان على شخص من البشر أيً مَنْ كان.
وكلمة بطريرك قيلت أيضًا عن أبينا إبراهيم في عبرانيين 7: 4 مكتوب: «ثُمَّ انْظُرُوا مَا أَعْظَمَ هذَا الَّذِي أَعْطَاهُ إِبْرَاهِيمُ رَئِيسُ الآبَاءِ (البطريرك)، عُشْرًا أَيْضًا مِنْ رَأْسِ الْغَنَائِمِ».
فهل كان أبونا إبراهيم بطريركًا بمفهوم الكنائس التقليدية؟
ثم في أعمال 7: 8 مكتوب: «.. وَإِسْحَاقُ وَلَدَ يَعْقُوبَ وَيَعْقُوبُ وَلَدَ رُؤَسَاءَ الآبَاءِ (البطاركة) الاِثْنَيْ عَشَرَ».
والسؤال للتقليديين، هل يعقوب أنجب اثنى عشر بطريركًا بحسب مفهومكم التقليدي؟
هل كان «رَأُوبَيْنَ» بطريركًا؟ وعلى أي كنيسة أو طائفة أو مذهب كان بطريركًا؟
وأين كرسي «رَأُوبَيْنَ» هل في روما أم في الإسكندرية، أم في القسطنطينية، أم في أروشليم، أم في أنطاكية؟
وهل كان «شِمْعُونَ»، و«لاَوِيَ»، و«يَهُوذَا»، و«دَان»، و«نَفْتَالِي»، و«جَاد»، و«أَشِيرَ»، و«يَسَّاكَرَ»، و«زَبُولُونَ»، و«يُوسُفَ»، و«بِنْيَامِينَ» بطاركة بمفهموكم التقليدي؟ أين كاتدرائياتهم وكراسيهم؟ وهل قال الكتاب عنهم أنهم أصحاب القداسة والغبطة؟
ماذا فعل شِمْعُونَ وَلاَوِيَ البطاركة انتقامًا لأختهم دِينَةَ؟ (ارجع إلى تكوين 34).
ماذا فعل البطريرك يهوذا بامرأة لا يعلم أنها كنته (تكوين 38: 15 - 18).
وماذا فعل رَئِيسِ الآبَاءِ (البطريرك) دَاوُدَ بامرأة أوريا الحثي (2صموئيل 11)؟ وماذا فعل بزوجها؟ 
حقيقة إننا نسعى إلى حياة القداسة، ولكن ليس من البشر من هو صاحب القداسة غير الرب وحده، فهو القدوس وهو مصدر ونبع كل قداسة.
وفي أعمال 7: 9 مكتوب: «وَرُؤَسَاءُ الآبَاءِ (البطاركة) حَسَدُوا يُوسُفَ وَبَاعُوهُ إِلَى مِصْرَ وَكَانَ اللهُ مَعَهُ».
والسؤال: هل يليق بالآباء البطاركة أن يحسدوا أخاهم ويبيعوه؟
ليس بمستغرب أن يحسد الآباء البطاركة أخاهم ويبيعوه، إذا كانت هناك اشتباكات بالأسلحة البيضاء و«الشوم» بين الرهبان، ويُكتب هذا الخبر تحت عنوان: [دماء بـ «أسلحة صديقة» على أسوار «دير وادى الريان»]. والسؤال، ماذا لو - بعد مرور مدة من الزمن -  أُنتخب أحد هؤلاء الرهبان الذين استخدموا الأسلحة البيضاء والشوم في إسالة دماء زملائهم، بطريركًا؟
ليت الضمائر تستيقظ، والعقول المغيبة تنهض وتفكر، وترجع إلى الرب وكلمته.
من كلمة الله نرى أن من أُطلق عليهم بطاركة هم الآباء: إبراهيم وإسحق ويعقوب، وأبناء يعقوب (أسباط إسرائيل الاثنى عشر)، وداود.
قد يقول بعض التقليديين، أن البطريرك، هو أيضًا رئيس آباء. أليس هو رئيس الأساقفة، ورئيس كافة الرتب الكهنوتية الأخرى، ورئيس الشعب؟
ونقول للتقليديين، إذا كان البطريرك رئيس كل هؤلاء، فماذا بقيّ للمسيح؟
ألا يكون البطريرك قد حلّ محل المسيح في كل شيء يختص بالكنيسة؟
ليس ذلك بمستغرب أيضًا، فعند رسامة بطريرك (بابا) في الكنيسة التقليدية المصرية يقولون في الصلاة:
«عندما تيتمنا وترملت كنيسة الرب المقدسة التى يرعاها بتعاليمه ، تضرعنا إلى العلى أن يرشدنا إلى من هو جدير برياسة الكهنوت العظمى ليرعاها في طريق الرب ويهدينا ميناء الخلاص.. ولم يشأ أن يتركنا طويلاً يتامى ، بعد أنتقال أبينا الحبيب المثلث الطوبى والرحمات ، جزيل الوقار والكرامة البابا ..».
أليست هذه الصلاة تحوي تجاديف على شخص الرب باني الكنيسة ومقتنيها بدمه والحي إلى أبد الآبدين؟ ألم يعلن الرب له المجد عن نفسه أنه «.. حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ» (رؤيا 1: 18؛ انظر أيضًا رؤيا 4: 9، 10؛ 5: 14؛ 10: 6).
هل شعب المسيح يتيتّم وكنيسته تترمل بوفاة شخص أيًّ من كان هذا الشخص، وأيّ كانت رتبته الدينية غير الكتابية، والألقاب التي منحها له المنافقون؟
إن شعب المسيح يتيتّم وكنيسته تترمل حقًا في حالة أن المسيح الذي صلب ومات لفداء كنيسته، لم يقم من بين الأموات؟
فهل أمسك الموت والقبر الرب يسوع المسيح؟ أم أنه صعد إلى العلاء (أفسس 4: 8، 9) منتصرًا على الموت؟
أليس مكتوب عنه:
«الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي»
(عبرانيين 1: 3).
أليست هذه الصلاة التجديفية تقرّ بأن المسيح غائب  عن أبصار وأعين التقليديين،  الذين لا يرون سوى شخص أقامه الناس رئيسًا بالمخالفة لكل تعاليم الرب ورسله الكرام، فإذا مات هذا الشخص يتيتم الشعب وتترمل  الكنيسة، ويدهس الناس بعضهم بعضًا وتُزهق الأرواح في وداعه الأخير؟ يا للحسرة.
يقول التقليديون إن الأسقف أو البطريرك أو البابا هو مقترن بالكنيسة فإذا مات تترمل الكنيسة، فهل الكنيسة هي كنيسة المسيح الحي، أم كنيسة البابا أو الأسقف الميت؟
هل الكنيسة هي عروس المسيح أم عروس البابا؟
أليس مكتوب: «مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ» (يوحنا 3: 29).
هل يجرؤ إنسان أيّ مَنْ كان أن يغتصب مكان المسيح ومكانته بالنسبة لعلاقته بالكنيسة؟
وهل تجرؤ كنيسة ما أيّ كانت شهرتها وسطوتها، أن تدعي اقترانها بشخص غير الرب يسوع المسيح؟
إن كنيسة تقترن بشخص غير الرب يسوع المسيح، هي كنيسة زانية، وشخص يدّعي أنه مقترن بالكنيسة هو شخص مغتصب لعروس المسيح.
إن الكنيسة الحقيقية الآن مشبهة بعذراء مخطوبة لم يحن وقت زفافها إلى العريس الحقيقي الرب يسوع المسيح، مكتوب: «فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ» (2كورنثوس 11: 2).
وقريبًا جدًا سوف يحين وقت زفافها إلى عريسها الرب يسوع المسيح له المجد، مكتوب: «وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا» (رؤيا 21: 2).
كيف تتيتّم الكنيسة ورب الكنيسة وعدها: «وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ» (متى 28: 20).
كيف تتيتّم الكنيسة والرب وعد بأن يكون حاضرًا وسط اثنين أو ثلاثة يجتمعون باسمه (إلى اسمه)؟ ألم يقل الرب: «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ» (متى 18: 20).
مَنْ من البشر يجرؤ على أخذ مكان الرب وسط شعبه؟ أو أن يكون مع شعب الرب مدى الأيام إلى انقضاء الدهر؟
إن البطاركة الحقيقيين هم رؤساء الآباء الذين تحدث عنهم الكتاب والذين تمت الإشارة إليهم فيما سبق، أما مَنْ أُطلق عليهم بطاركة سواهم فهم بطاركة مزيفون.


أسئلة عن الفصل الثالث عشر

1- ما معنى كلمة بطريرك، وما هو أصل الكلمة ؟
2- مَنْ هو البطريرك بحسب كلمة الله؟
3- مَنْ هم البطاركة الذين تحدث عنهم الكتاب المقدس؟
4- هل البطاركة الذين ذكرهم الكتاب المقدس كانوا معصومين من الخطأ؟
5-  ما الحكمة أن يذكر الكتاب أخطاء هؤلاء رغم مكانتهم الرفيعة؟
6- ما هو التجديف المنطوي على لقب «صاحب القداسة»؟
7- مَنْ هو صاحب القداسة الحقيقي؟
8- ما مدى انحراف الكنائس التقليدية بعيدًا عن كلمة الله في توصيف عمل البطاركة التقليديين؟
9- هل تتيتم الكنيسة بموت المدعو بطريرك أو بابا؟
10- وضّح مدى التجديف في قول التقليديين بأن الأسقف أو البطريرك أو البابا هو مُقترن بالكنيسة، فإذا مات تترمل الكنيسة؟
11- بأي معنى تعتبر الكنيسة التقليدية زانية؟





  الفصل الرابع عشر

النظام الإلهي لكنيسة الله الحيّ

بعد أن تبين لنا زيف النظام البابوي الرئاسي.. السلطوي.. السيادي من الناحيتين الكتابية والتاريخية، تأتي التساؤلات المنطقية التالية:
ما هو إذن النظام الإلهي لكنيسة الله الحيّ؟
هل ترك  الرب كنيسته بلا نظام؟
هل ترك الرب للبشر اختيار النظام الذي تدار به كنيسته؟
بداية، لابد أن نبحث عن معنى كلمة كنيسة، لأن البعض يعتقد بأن الكنيسة هي المبنى المُشيّد من الحجارة الصماء البكماء، وكلما كان البناء شاهقًا وجاذبًا للأنظار، كلما كان دليلاً على عظمة الكنيسة، وكم من الأموال أُنفقت على تشييد هذه المباني والكاتدرائيات التي مصيرها الفناء، مكتوب: «وَلَكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا» (2بطرس 3: 10).
وكما سيتضح من الشواهد التالية لم يرد نص في الكتاب المقدس يشير إلى أن الكنيسة هي بناء من حجارة صماء بكماء، ولكنه بناء من حجارة حية أي شعب الله المفدي بالدم الكريم، مكتوب: «كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ ­كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ­ بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1بطرس 2: 5)، كما لم يشر أي نص في العهد الجديد إلى بناء مُشيّد من حجارة صماء بكماء أنه بيت الله، لأنه مكتوب: «.. وَبَيْتُهُ نَحْنُ» (عبرانيين 3: 6).
إن كلمة كنيسة في النص اليوناني هي ἐκκλησία (إككليسيا) وقد وردت 114 مرة في العهد الجديد في متى 16: 18؛ 18: 17؛ أعمال 2: 47؛ 5: 11؛ 7: 38؛ 8: 1، 3؛ 9: 31؛ 11: 22، 26؛ 12: 1، 5؛ 13: 1؛ 14: 23، 27؛ 15: 3، 4، 22، 41؛ 16: 5؛ 18: 22؛ 19: 32، 39، 41؛ 20: 17، 28؛ رومية 16: 1، 4، 5، 16، 23؛ 1كورنثوس 1: 2؛ 4: 17؛ 6: 4؛ 7: 17؛ 10: 32؛ 11: 16، 18، 22؛ 12: 28؛ 14: 4، 5، 12، 19، 23، 28، 33، 34، 35؛ 15: 9؛ 16: 1، 19 (مرتان)؛ 2كورنثوس 1: 1؛ 8: 1، 18، 19، 23، 24؛ 11: 8، 28، 12: 13؛ غلاطية 1: 2، 13، 22؛ أفسس 1: 22؛ 3: 10، 21؛ 5: 23، 24، 25، 27، 29، 32؛ فيلبي 3: 6؛ 4: 15؛ كولوسي 1: 18، 24؛ 4: 15، 16؛ 1تسالونيكي 1: 1؛ 2: 14؛ 2تسالونيكي 1: 1، 4؛ 1تيموثاوس 3: 5، 15؛ 5: 16؛ فليمون 2؛ عبرانيين 2: 12؛ 12: 23؛ يعقوب 5: 14؛ 3يوحنا 6، 9، 10؛ رؤيا 1: 4، 11، 20 (مرتان)؛ 2: 1، 7، 8، 11، 12، 17، 18، 23، 29؛ 3: 1، 6، 7، 13، 14، 22؛ 22: 16.
وكلمة ἐκκλησία تشير عمومًا إلى:
أ- جماعة من المواطنين دُعو للخروج مِنْ بيوتِهم إلى بَعْض الأماكن العامِّة،  جماعة مجتمعة. مثلما جاء في أعمال 19 : 32 «..لأَنَّ الْمَحْفَلَ ἐκκλησία كَانَ مُضْطَرِباً وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَدْرُونَ لأَيِّ شَيْءٍ كَانُوا قَدِ اجْتَمَعُوا!». وبهذا المفهوم - أن الكنيسة جماعة مدعوة للخروج - قيل عن إسرائيل بعد خروجهم من أرض مصر، وترحالهم في البرية (برية سيناء) «الْكَنِيسَةِ فِي الْبَرِّيَّةِ» (أعمال 7: 38). 
ب- جماعة مدعوة للاجتماع في مكان عام بغرض التشاور.
مثلما جاء في أعمال 19: 39 «وَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَ شَيْئاً مِنْ جِهَةِ أُمُورٍ أُخَرَ فَإِنَّهُ يُقْضَى فِي مَحْفِلٍ ἐκκλησία شَرْعِيٍّ».
أما المفهوم المسيحي لكلمة ἐκκλησία في العهد الجديد فيشير إلى:
جماعة من المسيحيين (المؤمنين الحقيقيين) تجتمع معًا للعبادة. مثلما جاء في 1كورنثوس 14: 26 «.. مَتَى اجْتَمَعْتُمْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَهُ مَزْمُورٌ لَهُ تَعْلِيمٌ لَهُ لِسَانٌ لَهُ إِعْلاَنٌ لَهُ تَرْجَمَةٌ: فَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ لِلْبُنْيَانِ».
وفي إطار المعاني السابقة لكلمة ἐκκλησία نلاحظ التالي:
1-  أن الكنيسة هي جماعة المؤمنين الحقيقيين، وليس مكانًا مُشيّد من الحجارة الصماء البكماء.
2- أن هذه الجماعة مدعوة للخروج. والمؤمنون الحقيقيون مدعوون للخروج من الأنظمة الدينية الفاسدة التي نشأوا وتربوا فيها، لتبعية الرب وحده، مكتوب: «فَلْنَخْرُجْ إِذاً إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ» (عبرانيين 13: 13).
قد يحتج البعض بما ورد في أعمال 11: 26 «فَحَدَثَ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي الْكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً وَعَلَّمَا جَمْعاً غَفِيراً»، بأن الكنيسة مكان، فيقولون مكتوب: «اجْتَمَعَا فِي الْكَنِيسَةِ». وهنا نجد خطأً آخر وقع فيه مترجمو الترجمة البيروتية (الڤـاندايك) إذ كان ينبغي ترجمة العبارة السابقة كالتالي: «اجْتَمَعَا مع الْكَنِيسَةِ»، 
«they assembled themselves with the church»
وهذا يتوافق مع ما جاء في الترجمات التالية (على سبيل المثال لا الحصر):
 (KJV). (NAB), (ASV), (RV), (ESV), (ALT), (CEV), (MSG), (RSVA).
 وكذلك يتوافق مع معنى الكنيسة ἐκκλησία أنها جماعة المؤمنين المجتمعين معًا.
ونقول للمحتجين، من غير المعقول ولا المقبول أن تصاغ العبارة بالشكل التالي: «يجتمعا في الجماعة المجتمعة معًا»، لأن الأصح هو «يجتمعا مع الجماعة المجتمعة معًا (الكنيسة)».
هناك نص آخر قد يثيره التقليديون في 1كورنثوس 11: 18 «.. حِينَ تَجْتَمِعُونَ فِي الْكَنِيسَةِ،..»، بأن الكنيسة مكان يجتمع فيه المسيحيون. ونرد على هؤلاء بما جاء في ترجمة (NAB):
«when you meet as a church».
فالترجمة الدقيقة للنص السابق: «حِينَ تَجْتَمِعُونَ بصفتكم الْكَنِيسَةِ،..»، وهذه الترجمة تتوافق مع معنى كلمة «كنيسة»، أنها جماعة المؤمنين الحقيقيين.
يوجد نص آخر قد يستند عليه التقليديون في أن الكنيسة هي مبنى من حجارة صماء بكماء، ورد في 1تيموثاوس 3: 15 «وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أُبْطِئُ، فَلِكَيْ تَعْلَمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِ اللهِ، الَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ». فيقولون مكتوب: «فِي بَيْتِ اللهِ»، أي أن الكنيسة بناء مُشيد من حجارة صماء بكماء.
ونقول لهؤلاء: ما معنى بيت الله في العهد الجديد؟
هناك نص صريح لا يقبل التأويل أو التفسير في عبرانيين 3: 6 «وَأَمَّا الْمَسِيحُ فَكَابْنٍ عَلَى بَيْتِهِ. وَبَيْتُهُ نَحْنُ..»، لاحظ عبارة «وَبَيْتُهُ نَحْنُ»، والسؤال هنا: هل للمسيح بيتان، بيت من حجارة حية بيتًا روحيًّا (1بطرس 2: 5)، وبيت آخر من حجارة صماء بكماء؟
إن عبارة «فِي بَيْتِ اللهِ» في النص اليوناني هي: ἐν οἴκῳ Θεοῦ (إن إيكو ثيو) كلمة «ἐν» تترجم in, at, by about, after, against  ثم كلمة «οἴκῳ» تتضمن معنى العائلة وتترجم home, house, household, temple أما كلمة «Θεου» تترجم God.
من خلال المفردات السابقة يمكن للمترجم المُغرض أن يختار المفردات التي تطوّع النص لصالح طائفته أو مذهبه، أو معتقده، أو الكنيسة التي يدين لها بالولاء، أو إذا كان حسن النيّة، ربما يكون جاهلاً بالسياق العام للعهد الجديد فيختار مفردات تؤدي في النهاية إلى تعارض بل وتضاد نصوص العهد الجديد بعضها البعض.
إن العهد الجديد يتحدث عن الكنيسة جماعة المؤمنين الحقيقيين المجتمعين معًا للعبادة، وهي بناء من حجارة حية روحية، وأن بيت الله هو «نحن» المؤمنون الحقيقيون. لذلك عند ترجمة العبارة اليونانية ἐν οἴκῳ Θεοῦ يجب اختيار المفردات التي تتمشى مع السياق العام للعهد الجديد، لذلك كان يجب أن يترجم النص السابق هكذا:
«وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أُبْطِئُ، فَلِكَيْ تَعْلَمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَتَصَرَّفَ من نحو عائلة اللهِ، التي هي كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ».
إذن، الكنيسة هي جماعة المؤمنين الحقيقيين الذين خرجوا من الأنظمة الدينية الفاسدة ليتبعوا الرب وحده، وأن العهد الجديد كله لم يتحدث عن الكنيسة كمكان مُشيد من حجارة صماء بكماء، وإلا لكان الوحي ذكر لنا أوصاف هذا المكان وأبعاده والمواد التي يصنع منها.. إلخ. كما كان الحال في بناء خيمة الاجتماع في العهد القديم.
ولنا في حديث الرب مع تلاميذه ما يقطع كل شك، وأمامه يستد كل فم، يقول الرب: «وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ فَخُذْ مَعَكَ أَيْضاً وَاحِداً أَوِ اثْنَيْنِ لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ» (متى 18: 15 - 17). 
لاحظ قول الرب: «فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ» و«إِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ»، هل كان الرب يقصد بالكنيسة هنا المبنى المُشيد بالحجارة الصماء البكماء، أم جماعة المؤمنين الحقيقيين؟
هل هناك عاقل يتحدث إلى حجارة صماء بكماء أو يسمع من حجارة صماء بكماء، إلا إذا كانت هذه الحجارة أصنامًا يتعبد لها؟
أليس مكتوب: «أَصْنَامُهُمْ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ عَمَلُ أَيْدِي النَّاسِ. لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ. لَهَا آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُ. لَهَا مَنَاخِرُ وَلاَ تَشُمُّ. لَهَا أَيْدٍ وَلاَ تَلْمِسُ. لَهَا أَرْجُلٌ وَلاَ تَمْشِي وَلاَ تَنْطِقُ بِحَنَاجِرِهَا» (مزمور 115: 4 - 7).
إذن، الرب يقصد بقوله: «فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ» و«إِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ»، أن الكنيسة هنا هي جماعة ا لمؤمنين الحقيقيين المجتمعين معًا للعبادة.
لذلك نقرأ في أعمال 2: 47 «وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ». وفي أعمال 5: 11 نقرأ «فَصَارَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى جَمِيعِ الْكَنِيسَةِ..».
وفي أعمال 11: 22 نقرأ أيضًا «فَسُمِعَ الْخَبَرُ عَنْهُمْ فِي آذَانِ الْكَنِيسَةِ..».
والسؤال المطروح على التقليديين، هل الكنيسة المصنوعة من حجارة صماء بكماء لها آذان تسمع بها؟ أم أن المقصود هنا جماعة المؤمنين الحقيقيين؟
إن عبارة «آذَانِ الْكَنِيسَةِ» تنفي نفيًا قاطعًا أيضًا، أن تكون الكنيسة بناء من حجارة صماء بكماء. (انظر على سبيل المثال لا الحصر أعمال 12: 5؛ 14: 27؛ 15: 3، 4، 22؛ 18: 22؛ 1كورنثوس 14: 3، 4، 5، 12؛ أفسس 5: 23، 24، 25، 32؛ فيلبي 3: 6؛ كولوسي 1: 18، 24؛ 1تيموثاوس 5: 16). كل هذه الشواهد وغيرها تؤكد أن الكنيسة ليست بناءً من حجارة صماء بكماء، ولكنها جماعة المؤمنين الحقيقيين.
ويجب ملاحظة أن تدبير الكنيسة في العهد الجديد كان سرًّا مكتوما في الأزمنة الأزلية، مكتوب: «وَلِلْقَادِرِ أَنْ يُثَبِّتَكُمْ، حَسَبَ إِنْجِيلِي وَالْكِرَازَةِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، حَسَبَ إِعْلاَنِ السِّرِّ الَّذِي كَانَ مَكْتُومًا فِي الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ» (رومية 16: 15)، وقد أعلن هذا السرّ للرسول بولس بصفة خاصة، مكتوب: «أَنَّهُ بِإِعْلاَنٍ عَرَّفَنِي بِالسِّرِّ» (أفسس 3: 3). لذلك لم يعد تدبير كنيسة العهد الجديد سرّا بالنسبة للمؤمنين الحقيقيين، مكتوب: «السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ وَمُنْذُ الأَجْيَالِ، لكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ لِقِدِّيسِيهِ» (كولوسي 1: 26).
لذلك من الخطأ التعليم بأن الكنيسة في العهد الجديد هي امتداد لإسرائيل في العهد القديم،  ومن الخطأ تطبيق النبوات التي قيلت عن إسرائيل في العهد القديم على كنيسة العهد الجديد، فيجب التمييز بين المفهوم العام لكلمة ἐκκλησία والذي قيل عن إسرائيل «الْكَنِيسَةِ فِي الْبَرِّيَّةِ» (أعمال 7: 38). وبين تدبير كنيسة العهد الجديد. ومن الخطأ تطبيق ما جاء في غلاطية 6: 16 «إِسْرَائِيلِ اللهِ» على مؤمني العهد الجديد، لأن «إِسْرَائِيلِ اللهِ» المراد بهم هنا المؤمنون الحقيقيون من اليهود الذين يسلكون بموجب قانون الخليقة الجديدة.
بعد استعراض مفهوم الكنيسة، وأنها ليست بناءًا من حجارة صماء بكماء، ولكنها جماعة المؤمنين الحقيقيين في العهد الجديد، يمكن أن تثار عدة تساؤلات منطقية من الواجب الإجابة عنها، وهي:  
* أين تجتمع الكنيسة (جماعة المؤمنين الحقيقيين)؟
* متى تجتمع الكنيسة (جماعة المؤمنين الحقيقيين) للعبادة؟
* كيفية العبادة المقدمة من الكنيسة (جماعة المؤمنين الحقيقيين)؟
* مَنْ الذي يترأس المجتمعين للعبادة؟
* مَنْ الذي يقود المجتمعين في عبادتهم؟
* ما هي أنواع الخدمات والمواهب الموجودة بين جماعة المؤمنين الحقيقيين؟
* مًنْ الذي يقوم بـ: المعمودية، الزواج، عشاء الرب (التناول)، الصلاة على الموتى..إلخ؟
1-  أين تجتمع الكنيسة (جماعة المؤمنين الحقيقيين)؟
إذا بحثنا في كل العهد الجديد لا نجد مكانًا حدّده الرب لاجتماع المؤمنين، بخلاف العهد القديم، إذ كانت خيمة الاجتماع، هي المكان الذي حدّده الرب للعبادة، وتقديم الذبائح التي أمر بها...إلخ. (ارجع إلى سفر الخروج الإصحاحات من 35 إلى 40)، ثم الهيكل الذي بناه سليمان والذي حلّ محل الخيمة (ارجع إلى 1ملوك الإصحاحات من 7 إلى 9).
ولنا في حديث الرب مع المرأة السامرية ما ينفى نفيًا قاطعًا وجود مكان محدد للعبادة في العهد الجديد.
قالت المرأة للرب: «آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هَذَا الْجَبَلِ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ فِي أُورُشَلِيمَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ فِيهِ» (يوحنا 4: 20).
قال لها الرب: «يَا امْرَأَةُ صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ لاَ فِي هَذَا الْجَبَلِ وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ... وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هَؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. اَللَّهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يوحنا 4: 21 - 24).
أيضًا قول الرب: «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ» (متى 18: 20) يؤكد عدم تحديد للمكان.
فكلمة «حَيْثُمَا where» لا تعنى مكانًا محددًا.
فأينما اجتمع المؤمنون، في أي مكان، حتى لو وصل عددهم «اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ» فَهُنَاكَ يكون الرب فِي وَسْطِهِمْ.
لذلك يذكر لنا العهد الجديد أن المؤمنين الأولين كانوا يعقدون اجتماعاتهم في أي مكان، دون أن يحدد لنا الشروط الواجب توافرها في هذا المكان، مكتوب: «فَإِنِ اجْتَمَعَتِ الْكَنِيسَةُ كُلُّهَا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ..» (1كورنثوس 14: 23). فضلاً عن أن هذا النص يتحدث عن شيئين مختلفين، الكنيسة كجماعة المؤمنين الحقيقيين، والمكان الذي تجتمع فيه، فهو أيضًا لم يحدد لنا شكل هذا المكان.
لذلك نجد أن المؤمنين الأوائل كانوا يجتمعون في البيوت لكسر الخبز، مكتوب: «وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الْخُبْزَ فِي الْ‍بُيُوتِ، كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ» (أعمال 2: 46).
ثم كان الرسل يدخولون البيوت للتعليم والتبشير، مكتوب: «وَكَانُوا لاَ يَزَالُونَ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْهَيْكَلِ وَفِي الْبُيُوتِ مُعَلِّمِينَ وَمُبَشِّرِينَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (أعمال 5: 42).
لذلك نجد أن الرسول بولس يخاطب شيوخ كنيسة أفسس قائلاً: «كَيْفَ لَمْ أُؤَخِّرْ شَيْئًا مِنَ الْفَوَائِدِ إِلاَّ وَأَخْبَرْتُكُمْ وَعَلَّمْتُكُمْ بِهِ جَهْرًا وَفِي كُلِّ بَيْتٍ، شَاهِدًا لِلْيَهُودِ وَالْيُونَانِيِّينَ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللهِ وَالإِيمَانِ الَّذِي بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (أعمال 20: 20، 21).
ويرسل سلامه إلى الكنيسة التي في بيت فليمون: «بُولُسُ،... إِلَى فِلِيمُونَ الْمَحْبُوبِ وَالْعَامِلِ مَعَنَا،... وَإِلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِكَ» (فليمون 1، 2).
ويسلم على بِرِيسْكِلاَّ وَأَكِيلاَ وعلى الكنيسة التي في بيتهما «سَلِّمُوا عَلَى بِرِيسْكِلاَّ وَأَكِيلاَ الْعَامِلَيْنِ مَعِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ ... وَعَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِهِمَا» (رومية 16: 4، 5).
ويرسل سلامة إلى الإخوة في لاودكية، وإلى الكنيسة التي في بيت نمفاس: «سَلِّمُوا عَلَى الإِخْوَةِ الَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ، وَعَلَى نِمْفَاسَ وَعَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِهِ» (كولوسي 4: 15).
إذن ليس هناك مكان محدد  بأوصاف وأبعاد وشكل معين لاجتماعات المؤمنين في العهد الجديد، ويظل قول الرب للمرأة السامرية هو المبدأ الأساسي للعبادة المسيحية: «لاَ فِي هَذَا الْجَبَلِ وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ... وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هَؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ».
2- متى تجتمع الكنيسة (جماعة المؤمنين الحقيقيين) للعبادة؟
لم يحدد العهد الجديد مواقيتًا لاجتماع الكنيسة للعبادة، مكتوب: «.. مَتَى اجْتَمَعْتُمْ ..» (1كورنثوس 14: 26).
إن كلمة «متى» لا تعطينا وقتًا محددًا، فيمكن للمؤمنين أن يجتمعوا في الصباح أو في المساء أو في أي وقت آخر من اليوم، كما لا تعطينا يومًا محددًا، فيمكن للمؤمنين أن يجتمعوا في أي يوم من أيام الأسبوع، أو في كل أيام الأسبوع،  ولكن من سفر أعمال الرسل نستطيع أن نتبين أن اجتماع «كسر الخبز (عشاء الرب)» على وجه الخصوص، كان يتم في أول الأسبوع، مكتوب: «وَفِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ إِذْ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِيَكْسِرُوا خُبْزًا،..» (أعمال 20: 7). ومن 1كورنثوس 11: 20 - 25 نجد أن اجتماع المؤمنين لكسر الخبز كان يتم وقت العشاء. كما أن الرب صنع الفصح مع تلاميذه وقت المساء (متى 26: 20 - 29).
إذن، ليس هناك أوقات أو أيام محددة لاجتماعات المؤمنين، باستثناء اجتماع كسر الخبز الذي يتم أول كل أسبوع في وقت المساء.
3- كيفية العبادة المقدمة من الكنيسة (جماعة المؤمنين الحقيقيين)؟
مكتوب: «فَمَا هُوَ إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ؟ مَتَى اجْتَمَعْتُمْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَهُ مَزْمُورٌ، لَهُ تَعْلِيمٌ، لَهُ لِسَانٌ، لَهُ إِعْلاَنٌ، لَهُ تَرْجَمَةٌ. فَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ لِلْبُنْيَانِ» (1كورنثوس 14: 26).
أولاً، يخاطب الرسول المؤمنين كافة المجتمعين معًا للعبادة بصفتهم إخوة «فَمَا هُوَ إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ؟»  أي ليس فيهم أساقفة بالمعنى التقليدي أو بابوات (أسياد)، وكهنة أو قسوس وشمامسة وشعب (عبيد)، وكذلك ليس فيهم فئة تسمى الأكليروس، وفئة تسمى الشعب، وكذلك ليس فيهم قسيس يقود الاجتماع كما في الطوائف البروتستانتية، إذ يستحيل أن يُقام عشاء الرب بدون قسيس.
ثانيًا، عبارة: «فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ»، تنفي نفيًا قاطعًا أن يكون من بينهم مَنْ يترأس الاجتماع، أو مَنْ يقود الاجتماع، كما تبين المشاركة التامة للمجتمعين للعبادة. أما في الكنائس التقليدية فيستحيل أن تقام العبادة (القداس) بدون المدعو كاهن أو أسقف أو بابا حتى ولو حضر الآلاف من المسيحيين، وكأن المسيح ليس له وجود وسط شعبه، أو إذا كان موجودًا فوجوده بلا فاعلية بدون المدعوين «رجال الكهنوت». 
يلاحظ القارئ والباحث أن ما يجرى في العالم المسيحي عكس ما هو مرسوم بالروح القدس في كلمة الله.
4- مَنْ الذي يترأس المجتمعين للعبادة؟
الرب هو رأس ورئيس المجتمعين إلى اسمه للعبادة:
مكتوب: «وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، ..» (إشعياء 9: 6).
ومكتوب أيضًا: «وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ،..» (أفسس 1: 22، 23).
ويقول الرب وهو الصادق الأمين: «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ» (متى 18: 20). فإذا كان رأس الكنيسة ورئيسها في الوسط، فمن الذي يجرؤ أن يزيحه من الوسط؟ لكن المسيحية الإسمية كذّبت الصادق الأمين، وداست على أقواله، وأقامت من البشر من يحل محل الرب في الوسط، وأزاحت الرب من المشهد. فالمسيحيون بالاسم لا يرون سوى شخص البابا أو الأسقف أو الكاهن أو القس.
ونسأل الصادق الأمين، أين أنت يارب من المسيحية الإسمية؟
والرب يجيب: «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ..» (رؤيا 3: 20).
ألا يرتعب هؤلاء الذين اغتصبوا مكان الرب وسط شعبه، وأزاحوه عن المشهد، وطرودوه خارج الباب؟
5- مَنْ الذي يقود المجتمعين في عبادتهم؟
إن الرب الذي في وسط المؤمنين المجتمعين باسمه (أو إلى اسمه)، والذي هو رأس الجسد (الكنيسة)، هو الذي يقود المؤمنين في عبادتهم بالروح القدس الساكن فيهم، مكتوب: «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟» (1كورنثوس 3: 16).  لذلك قال للمرأة السامرية: «.. السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يوحنا 4: 23، 24).
أما الكنائس التقليدية فهي تصلي من كتابات مدونة تُسمى «قداسات»، يتلونها في كل مرة، وكأنهم يُسمّعون محفوظات أمام الله، وكأنهم يتلونها على الله لأول مرة، أو كأن الله أمرهم بأن يتلونها أمامه، أو قل أنها مسرحية ما يقال اليوم يقال غدًا، وما يقال اليوم، سبق وقيل من مئات السنين، فأين السجود بالروح والحق؟ وأين قول الكتاب: «الَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا». أليست إحدى الكنائس السبع المذكورة في سفر الرؤيا كانت في «ثياتيرا θυατειρα» (رؤيا 1: 11؛ 2: 18)، ومن منطوق الاسم نستدل على أن ثياتيرا من  Theater (ثييتر، مسرح) وفي زمن ليس ببعيد كان المسرح يُسمى «تياترو» فـ (ثياتيرا وثييتر Theater، وتياترو كلها واحد). إذن، العبادة في هذه الكنيسة عبادة مسرحية، الأدوار فيها موزعة بعضها يؤديه الكاهن أو الأسقف أو البابا، والبعض الآخر يؤديه المدعون شمامسة، أما الشعب فهو جمهور المتفرجين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في تلك المسرحية التي يشاهدونها ربما للمرة الألف، وبعد أن تنتهي المسرحية يخرجون وأنفسهم هانئة مستريحة لأنهم كانوا في رحاب بيت من بيوت الله، أو بالحري كانوا في رحاب القديس أو الشهيد المُسمى باسمه الكنيسة. 
أين قول الكتاب: «مَتَى اجْتَمَعْتُمْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَهُ مَزْمُورٌ، لَهُ تَعْلِيمٌ، لَهُ لِسَانٌ، لَهُ إِعْلاَنٌ، لَهُ تَرْجَمَةٌ. فَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ لِلْبُنْيَانِ» (1كورنثوس 14: 26)؟
حسنًا قال الرب عن المتمسكين بالتقاليد: «.. رَفَضْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ لِتَحْفَظُوا تَقْلِيدَكُمْ» (مرقس 7: 9).
6- ما هي أنواع الخدمات والمواهب الموجودة بين جماعة المؤمنين الحقيقيين؟
بداية، قد يتسأل البعض، إذا لم يكن هناك نظام بابوي، أو أي نظام رئاسي آخر - كما هو مُتّبع في آلاف الطوائف المنتشرة في العالم المسيحي - فكيف تدار الكنيسة؟
ونقول لهؤلاء، ألم تقرأوا في الكتاب المقدس عن حشرة «الجراد»؟
أليس مكتوب: «الْجَرَادُ لَيْسَ لَهُ مَلِكٌ، وَلكِنَّهُ يَخْرُجُ كُلُّهُ فِرَقًا فِرَقًا» (أمثال 30: 27).
مَنْ الذي يُخرج الجراد، ويقسمه فرقًا فرقًا؟ أليس الخالق العظيم، مُنظم هذا الكون، والذي له السيادة والسلطان المُطلق على مخلوقاته، والمكتوب عنه: «حَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ» (عبرانيين 1:  3).
إن الذين يتمسكون برئاسة البشر على شعب الرب إنما ينكرون ليس فقط سيادة وسلطان الخالق العظيم على مخلوقاته، بل ينكرون وجود رب الكنيسة وبانيها ومقتنيها بدمه الكريم وسط شعبه، والذي وعد المؤمنين في كل زمان ومكان قائلاً: «.. هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ» (متى 28: 20). و«حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ» (متى 18: 20).
إن رب الكنيسة هو الذي يديرها بالروح القدس، بواسطة أواني بشرية أقامها للخدمة وليس للرئاسة والسيادة والتسلط على شعبه، مكتوب عنه:
«إِذْ صَعِدَ إِلَى الْعَلاَءِ سَبَى سَبْيًا وَأَعْطَى النَّاسَ عَطَايَا.. وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ،..» (أفسس 4: 8، 11، 12).
من المعلوم - من كلمة الله - أن الرسل والأنبياء هم الذين الذين استخدمهم الرب في تأسيس الكنيسة، مكتوب: «مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ،..» (أفسس 2: 20). ودورالرسل والأنبياء قد انتهى بنشر المسيحية في أرجاء المسكونة، أيضًا بكتابة الأسفار المقدسة تحت قيادة وإرشاد الروح القدس.
ورأينا فيما سبق بطلان الادعاء بوجود خلافاء للرسل، ورأينا أيضًا أن التعليم بوجود خلافة رسولية هو تعليم فاسد غير مبني على أساس كتابي.
أما عمل المبشرين والرعاة والمعلمين فهو «لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ»، وبنيان جسد المسيح (الكنيسة جماعة المؤمنين الحقيقيين) يتم على الأساس الذي وضعه الرسل والأنبياء، وليس من حق أي إنسان أيّ مَنْ كان، أن يضع أساسًا آخر، فالرسول بولس يقول: «.. فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ» (1كورنثوس 3: 10، 11).
لا شك أن النُظم المنتشرة في العالم المسيحي ومنها النظام البابوي، هي أساس آخر، لم يضعه الرب له المجد، ولم يضعه رسله الكرام كما رأينا فيما سبق.
إن رب الكنيسة (جماعة المؤمنين الحقيقيين) لم يترك شعبه لحال سبيلهم، لينطبق عليهم القول: «كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ» (قضاة 17: 6)، بل أعطى الكنيسة «مُبَشِّرِينَ» ليكرزوا بالإنجيل في عالم تسوده الوثنية والإلحاد لِيُضِيءَ نور الإنجيل عَلَى الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ،.. ولكي يهدوا الضالين في طريق السلام، ومن ثمّ يعرفوا المسيح المخلص والفادي العظيم فينعموا بغفران الخطايا والحياة الأبدية.
أيضًا أعطى الكنيسة «رُعَاةً»، تحقيقًا لقوله في القديم: «وَأُعْطِيكُمْ رُعَاةً حَسَبَ قَلْبِي فَيَرْعُونَكُمْ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْفَهْمِ» (إرميا 3: 15).
«رُعَاةً» يقودون القطيع إلى المراعي الخضراء، مثلما قيل عن راعي الخراف العظيم: «فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي» (مزمور 23: 2).
«رُعَاةً» غير طامعين في الربح القبيح، مكتوب: «ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّارًا، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ، وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى الأَنْصِبَةِ، بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ» (1بطرس 5: 2).
«رُعَاةً» لا يضربون الفقراء من الرعية، ويمنعون عنهم الصدقات. بكل أسف وأسى وحزن شديد، هكذا يفعل الرعاة المُقامين من الناس وليس من الله، وتنشر تلك الفضائح على صفحات الجرائد.
ألا يوجد رعاة داخل دائرة المسيحية ينطبق عليهم قول الرب: «الْمَرِيضُ لَمْ تُقَوُّوهُ، وَالْمَجْرُوحُ لَمْ تَعْصِبُوهُ، وَالْمَكْسُورُ لَمْ تَجْبُرُوهُ، وَالْمَطْرُودُ لَمْ تَسْتَرِدُّوهُ، وَالضَّالُّ لَمْ تَطْلُبُوهُ، بَلْ بِشِدَّةٍ وَبِعُنْفٍ تَسَلَّطْتُمْ عَلَيْهِمْ» (حزقيال 34: 4)؟ لقد كان نتيجة إهمال هؤلاء الرعاة في رعاية شعب المسيح تشتيت الرعية: «فَتَشَتَّتَتْ بِلاَ رَاعٍ وَصَارَتْ مَأْكَلاً لِجَمِيعِ وُحُوشِ الْحَقْلِ، وَتَشَتَّتَتْ» (حزقيال 34: 5). أليس الرعاة مسئولون عن الشباب  الذي  يهجر قريته ووطنه ليسافر إلى بلاد بعيدة سعيًا في الحصول على لقمة العيش، ويذبح هناك. ألا ينطبق على هؤلاء الشباب: «صَارَتْ مَأْكَلاً لِجَمِيعِ وُحُوشِ الْحَقْلِ»؟ دم هؤلاء الشباب ممَنْ يُطلب؟
كيف يهنأ المدعوون رعاة بالكراسي الرئاسية التي يجلسون عليها، والتمتع بما لذ وطاب من أفخر المأكولات والمشروبات، وأغلى الملابس والسيارات، وتغمض أعينهم وضمائرهم مستريحة، ويوجد في رعيتهم مَنْ لا يجد قوت يومه؟ 
وليس ذلك فقط، بل أين هؤلاء الرعاة من الذين يتركون المسيح، ويجحدونه، ويُلحدون؟
سوف يأتي الوقت وهو قريب حين يتحقق قول الرب:
«وَأُقِيمُ عَلَيْهَا رُعَاةً يَرْعَوْنَهَا فَلاَ تَخَافُ بَعْدُ وَلاَ تَرْتَعِدُ وَلاَ تُفْقَدُ، يَقُولُ الرَّبُّ» 
(إرميا 23: 4).
أيضًا أعطى الكنيسة (جماعة المؤمنين الحقيقيين) «مُعَلِّمِينَ» أمناء، يقولون مع الرسول بولس: «لأَنَّنَا لَسْنَا كَالْكَثِيرِينَ غَاشِّينَ كَلِمَةَ اللهِ، لَكِنْ كَمَا مِنْ إِخْلاَصٍ، بَلْ كَمَا مِنَ اللهِ نَتَكَلَّمُ أَمَامَ اللهِ فِي الْمَسِيحِ» (2كورنثوس 2: 17)، وأيضًا: «بَلْ قَدْ رَفَضْنَا خَفَايَا الْخِزْيِ، غَيْرَ سَالِكِينَ فِي مَكْرٍ، وَلاَ غَاشِّينَ كَلِمَةَ اللهِ، بَلْ بِإِظْهَارِ الْحَقِّ، مَادِحِينَ أَنْفُسَنَا لَدَى ضَمِيرِ كُلِّ إِنْسَانٍ قُدَّامَ اللهِ» (2كورنثوس 4: 2).
 يوجد كثيرون من المُعلّمين الكذبة الذين يسلكون بمكر، ويغشون كلمة  الله، ويأولونها بما يتمشى مع عقيدتهم وطائفتهم، وإشباع نهمهم من محبة المال، والأمور الخفية الحادثة منهم سرًا ذكرها أيضاً قبيح (أفسس 5: 12)..
ولكن هناك مَنْ يفصلون كلمة الحق بالاستقامة، وها هي نصيحة الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس: «اجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ ِللهِ مُزَكُى، عَامِلاً لاَ يُخْزَى، مُفَصِّلاً كَلِمَةَ الْحَقِّ بِالاسْتِقَامَةِ» (2تيموثاوس 2: 15).
بالإضافة إلى عطايا الرب لبنيان جسده (جماعة المؤمنين الحقيقيين) المذكورة في أفسس 4: 8، 11، 12، كما رأينا، أعطى الرب أيضًا مواهب روحية لأعضاء جسده، (ارجع إلى رومية 12: 6 - 8؛ 1كورنثوس 12: 8 - 11؛ 14: 1 - 5؛ أفسس 4: 10 12)، وكذلك أعطى للبعض أن يقوموا بالخدمات التدبيرية مثل النظّار (الأساقفة) والخدام (الشمامسة)، وهناك موهبة خاصة بالتدبير، مكتوب: «.. الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ..» (رومية 12: 8). والرسول بولس يوصي تيموثاوس بخصوص إكرام «الشُّيُوخُ الْمُدَبِّرُونَ حَسَنًا»، يقول له: «أَمَّا الشُّيُوخُ الْمُدَبِّرُونَ حَسَنًا فَلْيُحْسَبُوا أَهْلاً لِكَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ، وَلاَ سِيَّمَا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ فِي الْكَلِمَةِ وَالتَّعْلِيمِ» (1تيموثاوس 5: 17).
فماذا بقى لكنيسة الله الحي لبنائها روحيًا وإدارتها تدبيريًا والرب لم يفعله؟
«مَاذَا يُصْنَعُ أَيْضًا لِكَرْمِي وَأَنَا لَمْ أَصْنَعْهُ لَهُ؟» (إشعياء 5: 4).
إن الذين أدخلوا نُظمًا لإدارة «كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ» (1تيموثاوس 3: 15) يكونوا بفعلتهم هذه قد «َقَرَّبَا أَمَامَ الرَّبِّ نَارًا غَرِيبَةً لَمْ يَأْمُرْهُمَا بِهَا» (لاويين 10: 1). مثلما فعلا ابنا هارون، وماذا كانت النتيجة؟
يقول الكتاب: «فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ وَأَكَلَتْهُمَا، فَمَاتَا أَمَامَ الرَّبِّ» (لاويين 10: 2). كان ذلك في عصر الناموس، حيث كان قضاء الله ينصب فورًا على المخطئ، أما في زمان النعمة فأناة الله تنتظر عودة الذين ضلوا بعيدًا عن كلمته، وتوبتهم ورجوعهم إلى الرب وإلى كلمته المقدسة. أما المستهينون بإمهال الله، مكتوب عنهم:
«أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ  غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ وَلَكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَباً فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ» (رومية 2: 4، 5).
7- أخيرًا، قد يحتج البعض بأنه إن لم يكن بالكنيسة كهنة بالمفهوم التقليدي، وقسوس بالمفهوم البروتستانتي، فمًنْ الذي يقوم (على سبيل المثال) بـ :
1- المعمودية
2- الزواج
3- عشاء الرب
4- الصلاة على الموتى.. إلخ.
لم يذكر العهد الجديد أشخاصًا بعينهم يقومون بهذه الأعمال، ولكن لكي يحكم رجال الكهنوت والأكليروس، بمختلف رتبهم المزعومة، قبضتهم على الرعية وإخضاعهم لسلطانهم الوهمي غير المؤسس على كلمة الله، وأن بيدهم سلطان الحل والربط، وسلطان غفران الخطايا، وأنهم  خلفاء الرسل، استلموا تابعيهم من المهد إلى اللحد.
إن كلمة الله موجودة بين أيدينا، وعلى المحتجين أن يأتوا منها بما يدل على أن هناك شخصًا محددًا ذو رتبة كهنوتية، أو كنسية، عليه القيام بتعميد الآخرين، وتزويجهم، ومناولتهم من عشاء الرب (الأفخارستيا).. إلخ.
إن المعمودية قام بها فيلبس خادم الموائد (أعمال 6: 1- 6)، والذي كانت لديه موهبة التبشير، يذكر الكتاب أنه كرز في السامرة وآمن أهل السامرة بكرازته واعتمدوا (أعمال 8: 5 - 12)، وكذلك عمّد الخصي الحبشي وزير كنداكة ملكة الحبشة ( أعمال 8: 26 - 39). 
فالذي يقوم بعماد الذين قبلوا الإيمان هو الشخص الذي بشرهم بالمسيح وآمنوا بكرازته، مثل فيلبس الخادم والمُبشّر، أو أي شيخ مُعلّم أو مُبشّر نظير فيلبس مشهودًا له بالتقوى وسط جماعة المؤمنين. والإيمان يسبق العماد طبقًا لقول الرب: «مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ» (مرقس 16: 16).
أما بخصوص الزواج، فلنا أن نسأل:
مَنْ الذي قام بمراسم زواج موسى النبي من صفورة؟ (خروج 2: 21).
ومَنْ الذي قام بمراسم زواج يوسف ابن يعقوب من أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون؟ (تكوين 41: 45).
ربما يحتج البعض بأن هذه الأمثلة هي من العهد  القديم، ونقول لهؤلاء، إذن، من الذي قام بمراسم زواج إخوة الرب وصفا وباقي الرسل؟ (1كورنثوس 9: 5).
ربما يستند التقليديون على أن  الزواج سرّ، ويستدلون على ذلك من حضور الرب في عرس قانا الجليل (يوحنا 2). ونقول لهؤلاء إن الرب حاضر في كل زمان ومكان، ولكن مَنْ الذي قام بمراسم الزواج في عرس قانا الجليل؟ بالقطع، لم يقم الرب بمراسم الزواج في عرس قانا الجليل، ولم يقم أحد من تلاميذ الرب بتلك المراسم في ذلك العرس، وإلا لذكر لنا الكتاب، وإنما عُقد العُرس بحسب التشريعات والقوانين اليهودية المعروفة في ذلك الوقت.
فالزواج ليس سرًّا فيه الروح القدس يحل على العروسين باستدعاء المدعو كاهن، ليُتحدهم ببعض، لأن العلاقة الجسدية هي التي تُتحد الاثنين معًا كجسد واحد، وليس شرطًا أن تكون هذه العلاقة شرعية، بدليل قول الكتاب عن الزاني:
«أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنِ الْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ؟ لأَنَّهُ يَقُولُ:
يَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا» (1كورنثوس 6: 16).
فالزواج، بصفة عامة، هو عقد اجتماعي يربط رجل بامرأة (حسب الشريعة التي ينتميان إليها)، وثمرة هذا الزواج هو نسل شرعي، وفي المسيحية، َقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (تكوين 2: 18). «مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ» (متى 19: 5، 6؛ انظر أيضًا مرقس 10: 7- 9). فالله هو الذي يُجمّع الرجل والمرأة معًا، مثلما أحضر حواء إلى آدم (تكوين 2: 22)، وإذا كان الله هو الذي يقوم بهذا، فمَنْ الذي يجرؤ ويغتصب عمل الله،  ويدّعي أن له سلطة القيام بمراسم الزواج؟
الكتاب يُعلمنا أنه لا دخل لما يسمون أنفسهم برجال الدين أيّ كانت مراكزهم الدينية، وأيّ كانت كنائسهم أو طوائفهم التي ينتسبون إليها في القيام بمراسم الزواج، طالما كان الله هو الذي يجمع الاثنين معًا. 
ومن المتعارف عليه بين البشر أن يتم الزواج في محفل عام، كما في عرس قانا الجليل حيث دُعي الرب وتلاميذه لحضور هذا الحفل (يوحنا 2: 2)، حتى يكون الحضور شهودًا على اتمام الزواج، وحتى إذا كان أحد الحاضرين له اعتراض شرعي على أحد العروسين يمنع إتمام العقد، يبدي اعتراضه.
وبحسب التشريعات المعاصرة يتم تسجيل عقد الزواج في الجهات الحكومية المختصة، ليكون سندًا شرعيًا يُقدم لمن يهمه الأمر. فعقد الزواج لا يكون سندًا شرعيًا أيًّ كانت الكنيسة أو الطائفة التي عُقد فيها، وأيًّ كان الشخص الذي قام بمراسمه، إلا بتسجيله أمام الجهات الحكومية ذات الشأن.
 أما «عشاء الرب» أو «كسر الخبز» أو «التناول» أو «الأفخارستيا».. إلخ.
فيمارسه المؤمنون دون حاجة إلى وجود ما يُسمى بالكاهن، أو ما يُسمى بالقس البروتستانتي، مكتوب: «لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا..» (1كورنثوس 11: 23). فالرسول هنا يخاطب المؤمنين، ولا يخاطب فئة معينة منهم، لأنه في بداية الرسالة يوجه خطابه إلى المؤمنين كافة، في كل زمان ومكان، مكتوب: «إِلَى كَنِيسَةِ اللهِ الَّتِي فِي كُورِنْثُوسَ، الْمُقَدَّسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الْمَدْعُوِّينَ قِدِّيسِين مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي كُلِّ مَكَانٍ» (1كورنثوس 1: 2).
لاحظ عبارة «مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي كُلِّ مَكَانٍ».
فالرسول لم يحدد فئة معينة من المؤمنين عندما قال: «لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا..».
إن عشاء الرب أو التناول.. إلخ. يقوم به المؤمنون الحقيقيون ولا يقتصر على مَنْ يمارسون مواهب معينة، أو يقومون بخدمات معينة وسط كنيسة الله.
أما الصلاة على الموتى، فهي بدعة شيطانية، فيها يدّعي رجال الدين أنهم يصلّون على الميت ليخففوا عنه عذاب المطهر (بحسب تعاليم الكنيسة الكاثوليكية) أو يطلبون له نياحًا (راحة) «نيحهم في فردوس النعيم».. في أحضان إبراهيم وإسحق ويعقوب.. إلخ. (بحسب الكنيسة الأرثوذكسية)، ويطلبون أن يفتح له الرب أبواب الفردوس، وكأن الرب سوف يلبي طلبهم على الفور حتى ولو كان الميت شريرًا، أما إذا كان الميت مؤمنًأ حقيقيًا فالرب ليس في انتظار أن يطلب منه أحد لأجل راحة روح هذا المؤمن.
لم يأمر الرب بالصلاة على الموتى، بل هي ضد كلمة الله. فالكتاب يُعلمنا أنه عندما يغمض الإنسان عينيه على الأرض يفتحهما في إحدى مكانين، إما في الجحيم (مكان انتظار أرواح الأشرار)، وإما في الفردوس (مكان انتظار أرواح الأبرار). قال الرب على الصليب للصّ الذي آمن به: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ».
وفي قصة الغني ولعازر قال الرب: «فَمَاتَ الْمِسْكِينُ (لعازر) وَحَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَمَاتَ الْغَنِيُّ أَيْضًا وَدُفِنَ، فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي الجَحِيمِ وَهُوَ فِي الْعَذَابِ..» (لوقا 16: 22، 23).
وهذه القصة تظهر ضلال تعليم الكنائس التقليدية والطوائف البروتستانتية التي تُعلّم بأن المسيح نزل إلى الجحيم (مكان عذاب الأشرار)، وأن أبانا إبراهيم وكل قديسي العهد القديم كان مقبوضًا عليهم من إبليس في السجن في الجحيم، ونزل المسيح إليهم إلى الجحيم ليحررهم من السجن. فهل قديسي العهد القديم كانوا في مكان عذاب الأشرار؟ وهل يترك الرب قديسيه ليقبض عليهم إبليس ويسجنهم في الجحيم؟
هل بعد ما أظهروه من إيمان وأمانه يُلقي بهم الرب في يد إبليس ليسجنهم في الجحيم؟ أي تعليم شرير هذا؟

أسئلة عن الفصل الرابع عشر

1- ما معنى كلمة كنيسة في العهد الجديد؟
2-  ما المقصود بـ «بيت الله» في العهد الجديد؟
3- ما هي حجج التقليديين بأن الكنيسة بناء من حجارة صماء بكماء، وما هو الرد على هذه الحجج؟
4- هل ترك الرب كنيسته دون نظام يديرها؟
5- هل ترك الرب إدارة كنيسته حسب استحسان كل إنسان؟
6- هل وضع الرب نظامًا لإدارة كنيسته؟
7- في مقابلة الرب مع المرأة السامرية، هل حدد مكانًا للعبادة؟
8- أين كان يجتمع المؤمنون الأوائل، وأين كانوا يكسرون الخبز؟
9- هل حدد العهد الجديد أوقاتًا معينة لاجتماعات الكنيسة بخلاف اجتماع كسر الخبز؟
10- ماذا قال الكتاب عن كيفية عبادة المؤمنين؟
11- مَنْ الذي يترأس اجتماع المؤمنين؟
12-  مَنْ الذي يقود المؤمنين في عبادتهم؟
13- ما هي المواهب والخدمات التي منحها الرب لكنيسته (جماعة المؤمنين الحقيقيين)؟
14- هل من حق أيًّ مَنْ كان أن يضع أساسًا آخر لكنيسة المسيح؟
15- ما هي صفات الرعاة الكذبة؟ اذكر ثلاث صفات لهؤلاء الرعاة.
16- ما هي  صفات الراعي الذي بحسب فكر الرب؟ اذكر ثلاث صفات لهذا الراعي.
17- هل ذكر الكتاب  شخصًا محددًا يقوم بتعميد الآخرين، وتزويجهم، ومناولتهم عشاء الرب (الأفخارستيا)، والصلاة على موتاهم.. إلخ؟
18- هل الزواج سرّ؟
19- هل سرّ الزواج هو الذي يتحد العروسين معًا كجسد واحد؟
20- كيف ترد من كلمة الله أن الزواج ليس سرًّا؟
19- مَنْ الذي يجمع العروسين معًا؟
20- هل قام الرب بمراسم الزواج في عرس قانا الجليل؟
21- هل قام أحد تلاميذ الرب بمراسم الزواج في عرس قانا الجليل؟
22- ما الحكمة في عُرف الناس بإقامة الزواج في حفل عام؟
23- ما الذي يعطي الزواج شرعيته في وقتنا الحاضر؟
24- ما رأيك في المتاجرين بالدين، الذين يستلمون الناس من المهد إلى اللحد؟
25- كيف ترد على إدعاءات هؤلاء الكذبة؟
26- هل ورد في الكتاب المقدس، ما يُسمى بالصلاة على الموتى؟
27- أين تذهب أرواح الموتى، بحسب تعاليم الكتاب؟
28- هل حقًا قبض إبليس على أرواح قديسي العهد القديم وسجنها في الجحيم؟
29- ما هو الشر المُنطوي  على هذا التعليم؟
30- ما الشرّ والتجديف المُنطوي على التعليم القائل بأن المسيح نزل إلى  الجحيم؟




الفصل الخامس عشر

تحذيرات كتابية

الحقيقة التي لا مفر منها أن المسيحية  أُبتليت منذ عصرها الباكر، بالانقسامات،  فالرسول بولس يكتب إلى أهل كورنثوس قائلاً: «لاَ يَكُونَ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٌ.. لأَنِّي أُخْبِرْتُ عَنْكُمْ يَا إِخْوَتِي مِنْ أَهْلِ خُلُوِي أَنَّ بَيْنَكُمْ خُصُومَاتٍ، فَأَنَا أَعْنِي هَذَا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَقُولُ: أَنَا لِبُولُسَ وَأَنَا لأَبُلُّوسَ وَأَنَا لِصَفَا وَأَنَا لِلْمَسِيحِ، هَلِ انْقَسَمَ الْمَسِيحُ؟» (1كورنثوس 1: 11-13). 
كما ابتليت بتضافر جحافل الظلمة للنيل من نقاء تعاليمها الإلهية، وتشويهها، بل وإبعادها عن مسارها الإلهي، الذي رسمه الرب لها، ورسله الكرام من بعده. وهذا ليس بغريب، أو عجيب، لأن المسيحية في نقاء تعاليمها تمثل خطورة على مملكة الظلمة، وكذلك تمثل تهديدًا لقوى الشر. لذلك اتبع عدو الخير.. إبليس، استراتيچية جهنمية من وجهتين في صراعه ضد المسيحية:
الوجهة الأولى اضطهاد المسيحيين من الذين هم من خارج دائرة المسيحية لإبادتهم، فهيج ضدهم عشرة أباطرة رومان لمحوهم من الوجود، وهو ما عُرف في التاريخ بـ «عصور الاستشهاد في المسيحية»، وهذا ما سبق وأخبر به الرب ملاك كنيسة سميرنا: «لاَ تَخَفِ الْبَتَّةَ مِمَّا أَنْتَ عَتِيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ. هُوَذَا إِبْلِيسُ مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضًا مِنْكُمْ فِي السِّجْنِ لِكَيْ تُجَرَّبُوا، وَيَكُونَ لَكُمْ ضِيْقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ..» (رؤيا 2: 10)، حيث تشير العشرة أيام إلى عشرة عصور حكم فيها الأباطرة الرومان  والتي بدأت بعصر نيرون (حكم من 54م - 68م) وأنتهت بعصر دقلديانوس (حكم من 284م - 305م)، لذلك بدأ الأقباط تقويمهم للشهداء من بداية حكم الإمبراطور دقلديانوس، الإمبراطور العاشر، وأيقنوا أن نهاية حكمه هي نهاية عصور إبادة المسيحيين على أيدي الأباطرة الرومان.
إن الاضطهاد لم يكن شيئًا عارضًا في حياة المسيحيين، لقد سبق وأخبرنا الرب في متى 24: 9 «حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ‍ضِيق وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي». وكذلك في لوقا 10: 3 «ِاِذْهَبُوا! هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ مِثْلَ حُمْلاَنٍ بَيْنَ ذِئَابٍ».

أما الوجهة الثانية لإبليس في تدمير المسيحية، فهي دس رسل كذبة، وأنبياء كذبة، ومعلمين كذبة، وإخوة كذبة، داخل دائرة المسيحية لتخريبها وتقويض أركانها من الداخل، وهذا ما أشار إليه الرب في متى 13: 24، 25 «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا زَرَعَ زَرْعًا جَيِّدًا فِي حَقْلِهِ. وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْحِنْطَةِ وَمَضَى».
والرسول بولس أخبرنا بأن المسيحية تحولت إلى بيت كبير به أواني للكرامة وأخرى للهوان، فمكتوب: «وَلكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضًا، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهذِهِ لِلْهَوَانِ» (2 تيموثاوس 2: 20).

فهل نجح الشيطان في مسعاه؟

لا شك، أن الشيطان فشل في إبادة المسيحيين، وهناك قول مشهور للعلامة ترتليانوس (160-220م): “The blood of Christians is the seed of the Church” «إن دماء المسيحيين (الشهداء) هي بذار الكنيسة»، ولكن إبليس نجح إلى حد بعيد في تشويه صورة المسيحية الحقيقية، وإدخال تعاليم غريبة عن حق الإنجيل، فالرسول بولس حذر أهل كورنثوس قائلاً: «لأَنَّهُ لاَ بُدَّ (δει «ديي» = ضرورة حتمية) أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ بِدَعٌ (αιρεσεις «هيرسيس» = هرطقات)..» (1كورنثوس 11: 19).
إن دخول الهراطقة وسط المسيحيين، ونشر هرطقاتهم أمر كان حتمي، وعلل الرسول ذلك بقوله: «لِيَكُونَ الْمُزَكَّوْنَ ظَاهِرِينَ بَيْنَكُمْ» (1كورنثوس 11: 19).

كذلك جاءتنا تحذيرات من الرب نفسه إذ قال: «انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ» (متى 24: 4).
إن كلمة «انظروا»   βλέπετε (بليبيتي) تعني أيضًا: احذروا، احترسوا 
  beware,  take heed,
«لاَ يُضِلَّكُمْ»   πλανήσῃ (بلانيسي) وتعني أيضًا: الانحراف عن الطريق
 be out of the way
«أَحَدٌ». كان الرب يعلم بأن هناك مَنْ سيأتي ليُضل المسيحيين، لذلك منذ البداية سبق وحذرنا من المُضلّين، حتى لا يعتذر إنسان بالجهل، وعدم المعرفة.
ولا شك أن تحذير الرب لتلاميذه: «انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ»، هو تحذير لازم وضروري لكل المؤمنين في كل زمان ومكان أن يحترسوا على الدوام من أضاليل الشيطان وتقليده ومحاكاته لأمور الله، وذلك بفحص كل كتب التراث، وكل التعاليم، والعظات، والشروحات، والتفاسير بالرجوع إلى أقوال الله.
إن لسان حل المؤمن الحقيقي هو: ماذا يقول الرب، وماذا يقول الكتاب؟ أيضًا المبدأ الأساسي الذي يحكم ضمير المؤمن الحقيقي هو:
«لِيَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا» (رومية 3: 4).
بكل أسف وحزن شديد نجد أشخاصًا، وهم  كُثر، من داخل دائرة المسيحية الإسمية يكذبون الله، ويصدقون الإنسان، ولسان حالهم  هو: أبونا قال.. أو سيدنا قال.. فإذا أتيت له بالنص الكتابي الواضح وضوح الشمس في كبد السماء والذي لا يحتاج إلى تأويل أو تفسير، يرفض عن إصرار وعمد الالتفات إلى النص الكتابي. ولماذا يلتفت إلى النص الكتابي، والمدعو أبونا أو ا لمدعو سيدنا قدم له تعليمًا بحسب التقليد، وليس بحسب الكتاب، بل وأكثر من ذلك يُقدم  له المسيح مذبوحًا على المذبح، لنوال الغفران والحياة الأبدية؟ فهل هذا المسيحي بالاسم في حاجة إلى كلمة الله، بعد ذلك؟ يا للحسرة.  

وإذا كان لنا تحذير من الرب، فلنا تحذير آخر من الرسول بطرس:
«فَأَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ قَدْ سَبَقْتُمْ فَعَرَفْتُمُ، احْتَرِسُوا مِنْ أَنْ تَنْقَادُوا بِضَلاَلِ الأَرْدِيَاءِ،
فَتَسْقُطُوا مِنْ ثَبَاتِكُمْ» (2بطرس 3 : 17).
يكتب الرسول بطرس في القرن الأول الميلادي مُحذرًا من المُضلّين الأردياء الذين يبثون ضلالهم، وينفثون سموم تعاليمهم وسط المؤمنين ليسقطوهم من ثباتهم.
وتحذير ثالث من الرسول بولس:
«اُنْظُرُوا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِل، حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ،
حَسَبَ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ» (كولوسي 2 : 8).
لقد نسجت الكنائس التقليدية من الفلسفة الباطلة، التي هي نتاج عقل الإنسان الفاسد، قصص خرافية حول كل التعاليم النقية التي بحسب فكر الله ومقاصده، بحيث سُبي الناس بعيدًا عن كلمة الله، وانقادوا لتقاليد الناس التي تتمشى مع أنظمة العالم وليس حسب المسيح.
وهناك تحذيرات أخرى كثيرة، لا مجال لحصرها، في كلمة الله.

لقد فشل إبليس في إبادة المؤمنين، كما سبقت الإشارة، ولكنه نجح في استخدم أواني بشرية من داخل دائرة المسيحية، شغلت وظائف هامة داخل الكنيسة، أمكنها غرس بذور الضلال وسط المؤمنين منذ فجر المسيحية، تلك البذور التي انتجت على مر الأزمان مسيحية مشوهة، ممسوخة، كانت عثرة للذين هم من خارج، لأنها أبعد ما تكون عن المسيحية الحقيقية، ولقد أوضح الكتاب المقدس بعض هذه الفئات التي لها ألقاب دينية رنانة مثل رسل، أنبياء، معلمين، أساقفة...إلخ. ممن كانوا، ولا يزالوا أدوات في يد الشيطان لتخريب المسيحية من الداخل. وهم كالتالي:
1- رسل كذبة في شكل خدام للبر:
هؤلاء أشار إليهم الرسول بولس في 2كورنثوس 11: 13- 15 «لأَنَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ هُمْ رُسُلٌ كَذَبَةٌ، فَعَلَةٌ مَاكِرُونَ، مُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ إِلَى شِبْهِ رُسُلِ الْمَسِيحِ. وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ! فَلَيْسَ عَظِيمًا إِنْ كَانَ خُدَّامُهُ أَيْضًا يُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ كَخُدَّامٍ لِلْبِرِّ. الَّذِينَ نِهَايَتُهُمْ تَكُونُ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ».
هل يوجد رسل كذبة؟ 
نعم. ألم يكن يهوذا الأسخريوطي الذي أسلم الرب يسوع لليهود، ضمن رسل المسيح الاثني عشر؟
مَنْ هؤلاء المدعوين رسل كذبة؟  هل هم من خارج دائرة المسيحية؟
لا. إنهم عاملون في كرم الرب، وسط قطيع المسيح، ولكن ليس لحساب الرب بل لحساب الشيطان، يتظاهرون بالتقوى، والبر، لابسين قناع القداسة، يخدعون الناس بكلامهم المعسول، واتضاعهم الزائف، ولكنهم فعلة ماكرون، يتشبهون برسل المسيح، وجُلّ غايتهم التسلط على قطيع الرب، لكن سرعان ما تسقط الأقنعة، ويظهرون على حقيقتهم، وهذا يتضح من قول الرسول بولس للمؤمنين: «لأَنَّكُمْ تَحْتَمِلُونَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْتَعْبِدُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْكُلُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْخُذُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَرْتَفِعُ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَضْرِبُكُمْ عَلَى وُجُوهِكُمْ!» (2كورنثوس 11: 20). هذا ما كان يفعله الرسل الكذبة بالمؤمنين، وهذا أيضًا ما نراه يحدث في المسيحية الإسمية، إذ نقرأ على صفحات الجرائد بعض المدعوين كهنة يضربون الفقراء من الأقباط ويمنعون الصدقة عنهم.
2- أنبياء كذبة:
لقد ابتليت المسيحية منذ نشأتها برسل كذبة كما رأينا، ولكن هذا لم يروِ غليل إبليس، فأقام وسط المسيحيين أنبياء كذبة، مكتوب:
« أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟
لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ» (1يوحنا 4: 1).
هل يوجد أنبياء كذبة داخل دائرة المسيحية؟
 نعم. أين كانوا قبل خروجهم؟
لقد كانوا وسط المؤمنين، وهؤلاء يقول عنهم الرسول يوحنا: «مِنَّا خَرَجُوا، ..» (1يوحنا 2: 19).
لكن في وقت كثر فيه الضلال وسط المسيحية الاسمية، وتحولت إلى ديانة طقسية.. كان على المؤمنين الحقيقيين أن يخرجوا إلى المسيح بعيدًا عن الضلال، طاعة لقول الكتاب:
«فَلْنَخْرُجْ إِذًا إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ» (عبرانيين 13: 13).
فبدلاً أن تكون الكنيسة هي عمود الحق وقاعدته (1تيموثاوس 3: 15)، أمست بيتًا كبيرًا اختلطت فيه أواني الهوان بأواني الكرامة (2تيموثاوس 2: 20)، لذلك كانت نصيحة الرسول بولس هي:
«فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هذِهِ، يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ،
مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ» (2تيموثاوس 2: 21).
3- معلمون كذبة في وسط شعب الله:
يقول الرسول بطرس في رسالته الثانية 2: 1
«وَلكِنْ، كَانَ أَيْضًا فِي الشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ،
الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ. وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ،
يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلاَكًا سَرِيعًا».
ألا يوجد وسط المسيحية الإسمية، معلمون أنكروا كمال وكفاية ذبيحة المسيح على الصليب للخلاص من الدينونة الأبدية، وغفران الخطايا، ونوال الحياة الأبدية بالإيمان، وجعلوا الحصول على كل هذه البركات بالأكل فيما أسموه بذبيحة القداس، إذ يظنون أنهم يقدمون المسيح ذبيحة في كل مرة يقيمون فيه القداس.
 فبدلاً من نوال الخلاص وغفران الخطايا والحياة الأبدية بالإيمان بذبيحة المسيح التي قدمت مرة واحدة، كما قال الكتاب:
«فَبِهذِهِ الْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً»
(عبرانيين 10: 4).
نجدهم يقدمون المسيح ذبيحة (كما يعتقدون) في كل مرة يتلون فيها صلوات القداس، ناسين، أو متجاهلين قول الكتاب:
«وَأَمَّا هذَا فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ»
(عبرانيين 10: 12).
وبناء على تقديم جسد يسوع المسيح ذبيحة مرة واحدة، يضع الكتاب أمامنا النتيجة النهائية بقوله:
«لأَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِينَ» (عبرانيين 10: 14).
لقد داس التقليديون على قول الرب:
«اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ» (يوحنا 6: 47).
أي أن نوال الحياة الأبدية  ليس بالأكل والشرب ولكن بالإيمان.
وقال أيضًا وهو الصادق الأمين:
«وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ»
(يوحنا 3: 14-16).
ألا ينطبق عليهم قول الكتاب:
«فَكَمْ عِقَابًا أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقًّا مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ،
وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِسًا، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ؟»
(عبرانيين 10: 29).
ألم يوبخ الرب أمثال هؤلاء، قائلاً:
«لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ.. رَفَضْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ لِتَحْفَظُوا تَقْلِيدَكُمْ!.. مُبْطِلِينَ كَلاَمَ اللهِ بِتَقْلِيدِكُمُ الَّذِي سَلَّمْتُمُوهُ»
(مرقس 7: 8- 13).
4- إخوة كذبة:
رأينا رسل كذبة وأنبياء كذبة ومعلمين كذبة داخل دائرة المسيحية منذ بدايتها، والآن يحدثنا الكتاب عن إخوة كذبة، فمكتوب:
« ... بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ» (2كورنثوس 11: 26).
ومكتوب أيضًا:
«وَلكِنْ بِسَبَبِ الإِخْوَةِ الْكَذَبَةِ الْمُدْخَلِينَ خُفْيَةً، الَّذِينَ دَخَلُوا اخْتِلاَسًا لِيَتَجَسَّسُوا حُرِّيَّتَنَا الَّتِي لَنَا فِي الْمَسِيحِ كَيْ يَسْتَعْبِدُونَا» (غلاطية 2: 4).
لاحظ كلمة «يستعبدونا»، أي أنهم أقاموا من أنفسهم أسيادًا على قطيع المسيح، ليستعبدوه، رغم إدعائهم بأنهم إخوة، ولكنهم إخوة كذبة. أليس هذا ما يحدث في المسيحية الإسمية منذ البداية إلى الآن؟

5- أساقفة يتكلمون بأمور ملتوية ومن بينهم ذئاب خاطفة:
في حديثه الوداعي حذر الرسول بولس شيوخ كنيسة أفسس قائلاً:
«اِحْتَرِزُوا اِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ. لأَنِّي أَعْلَمُ هذَا: أَنَّهُ بَعْدَ ذِهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لاَ تُشْفِقُ عَلَى الرَّعِيَّةِ. وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلاَمِيذَ وَرَاءَهُمْ» (أعمال 20: 28-30).
أساقفة وسط رعية المسيح يتكلمون بأمور ملتوية؟! يا للعجب.
لكن لماذا؟
لكي يجتذبوا المؤمنين وراءهم، بدلاً من أن يجتذبوهم للمسيح، فالمسيح غاب عن أعينهم الكليلة. يا للحسرة.
آخرون سيدخلون بينهم أي أساقفة مثلهم، ولكنهم ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعية.. هؤلاء ينطبق عليهم قول الرب على لسان إرميا النبي:
«لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ عَنِ الرُّعَاةِ الَّذِينَ يَرْعَوْنَ شَعْبِي: أَنْتُمْ بَدَّدْتُمْ غَنَمِي وَطَرَدْتُمُوهَا وَلَمْ تَتَعَهَّدُوهَا. هأَنَذَا أُعَاقِبُكُمْ عَلَى شَرِّ أَعْمَالِكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ» (إرميا ٢٣:‏ 2).
 وقول الرب على لسان حزقيال النبي:
«هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَى الرُّعَاةِ وَأَطْلُبُ غَنَمِي مِنْ يَدِهِمْ،
وَأَكُفُّهُمْ عَنْ رَعْيِ الْغَنَمِ، وَلاَ يَرْعَى الرُّعَاةُ أَنْفُسَهُمْ بَعْدُ، فَأُخَلِّصُ غَنَمِي مِنْ أَفْوَاهِهِمْ فَلاَ تَكُونُ لَهُمْ مَأْكَلاً» (حزقيال ٣٤:‏ 10).
كلمات تقشعر لها الأبدان ويشيب من هولها الولدان..
الشكل الظاهر أمام الجماعات المسيحية أنهم أساقفة، يشعّون نورًا وتقوى واتضاعًا، ولكنهم في حقيقة الأمر هم ذئاب خاطفة.. الظلمة تلتحفهم، وأعمالهم المخزية تفضحهم، ذئاب في ثياب الحملان، تُفتح لهم البيوت على أنهم حملان، وتأتمنهم النفوس على المال والعرض، وتتعامل معهم النساء والشابات على أنهم حملان، فهم أبعد ما يكونوا عن دائرة الشك في سلوكهم، إنهم أصحاب القداسة والتقوى والورع، ولكن طبيعة الافتراس تجري في عروقهم مهما تخفّوا في ثياب الحملان، ألم يقل الرب:
«فَأُخَلِّصُ غَنَمِي مِنْ أَفْوَاهِهِمْ فَلاَ تَكُونُ لَهُمْ مَأْكَلاً». 
يحذرنا الرسول بولس منذ العصر الرسولي إلى الآن.. من بداية المسيحية إلى آخر الزمان.. من نوعين من الأساقفة، أولهما الأساقفة الذئاب الخاطفة، وثانيهما الأساقفة الذين يجمعون الناس من حولهم بكلمات ملتوية ليكوّنوا لهم شعبية. فالذي يُسرّ قلوبهم هو إلتفاف الجماهير من حولهم واجتذابها إلى أشخاصهم وليس إلى الرب.
6- أناس فجار:
لم يكتف إبليس بدس الفئات السابقة لتخريب وتقويض أركان المسيحية من الداخل بعد أن فشل في إبادة المسيحيين كما رأينا سابقًا، فقام بدس فئة أكثر خطرًا على المسيحية،  يقول عنهم يهوذا في رسالته:
«لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهذِهِ الدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ، يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ، وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ: اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ» (يهوذا 4).
هؤلاء الفجّار دخلوا خلسة وسط المؤمنين دون أن ينتبه أحد لحالتهم الحقيقية، ربما  كانوا ملتحفين بالتقوى، وربما دخلوا زاحفين كالحيّات دون أن يدري بهم أحد، وربما كان المؤمنون يغطون في نوم عميق، وقد أوضح الرب ذلك في مثل الرجل الذي زرع زرعًا جيدًا، قال:
«إِنْسَانًا زَرَعَ زَرْعًا جَيِّدًا فِي حَقْلِهِ. وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْحِنْطَةِ وَمَضَى» (متى 13: 24، 25).
 لقد حولت هذه الفئة نعمة إلهنا إلى الدعارة، يقول الكتاب:
«.. يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ..» (يهوذا 4).
ألم نسمع في أيامنا هذه عن كنائس تبيح زواج المثليين (زواج الرجل برجل مثله والمرأة بامرأة مثلها)، وأن المثليين تجرى لهم مراسم الزواج داخل هذه الكنائس! هل هناك دعارة أسوأ من ذلك.
ألم يقرر المحفل العام للكنائس المشيخية الأمريكية بإباحة زواج المثليين، أي الشواذ جنسيًا، بدعوى احترام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ورسامة هؤلاء المثليين قساوسة على منابر الكنيسة في أمريكا؟ 
 «اِبْهَتِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ مِنْ هذَا، وَاقْشَعِرِّي وَتَحَيَّرِي جِدًّا، يَقُولُ الرَّبُّ»
(إرميا ٢: ‏١٢).
عار على قادة دينيين يدّعون تبعية الإنجيل في اتخاذ مثل هذا القرار الفاجر، والذي يبيح الفجور بترخيص من كنيستهم المشيخية. يا للعار والحسرة.
ثم، لم يتوقف هذا القرار الفاجر عند إباحة زواج المثليين، بل أعطى ترخيصًا برسامة هؤلاء المثليين قساوسة بحجة احترام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.  
ألم يقرأ أصحاب هذا المحفل المشئوم قول الكتاب:
«يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ» (أعمال 5: 29).
ألم يقرأ أصحاب هذا المحفل المشئوم وصية الرب:
«لاَ تَكُنْ زَانِيَةٌ مِنْ بَنَاتِ إِسْرَائِيلَ، وَلاَ يَكُنْ مَأْبُونٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ»
(تثنية 23: 17).
حيث كلمة «مأبون» تعني الشاذ جنسيًا، وقد وردت في كثير من ترجمات الكتاب المقدس بالإنجليزية Sodomite نسبة إلى أهل سدوم الذين قال عنهم الكتاب: «وَكَانَ أَهْلُ سَدُومَ أَشْرَارًا وَخُطَاةً لَدَى الرَّبِّ جِدًّا» (تكوين 13: 13). وكان شرّ أهل سدوم هو الشذوذ الجنسي ونستدل على ذلك من تكوين 19: 5. لذلك كان عقابهم أن الرب أمطر عليهم كبريتًا ونارًا من السماء (تكوين 19: 24).
إن المحفل العام للكنائس المشيخية الأمريكية يدوس على وصية الله احترامًا للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان؟ يا للعار.  
إن الكتاب سبق وحذرنا من البداية من أمثال هؤلاء الفجّار الذين يحوّلون نعمة إلهنا إلى الدعارة.




أسئلة عن الفصل الخامس عشر


1- متى بدأت الانشقاقات داخل المسيحية؟
2-  ما هي خطة إبليس في القضاء على المسيحيين؟
3- ما هي خطة إبليس في تدمير المسيحية من الداخل؟
4- هل نجح إبليس في مسعاه؟
5- ممن حذّر الرب تلاميذه؟ وهل هذا التحذير يختص بنا أيضًا؟
6- ما هو المبدأ الأساسي الذي يحكم ضمائر المؤمنين؟
7- ممَنْ يحذرنا الرسول بطرس؟
8- ما هي الفئات التي دسها إبليس وسط المؤمنين، وما هي مهمة كل فئة من هذه الفئات؟
9- ما هو الشكل الذي يظهر به الرسل الكذبة؟
10- هل الشيطان يمكنه أن يظهر في شبه ملاك نور؟
11- ما هو الشكل الذي يظهر به خدامه؟
12- هل هناك ارتباط بين الشيطان الذي يظهر في شبه ملاك نور وبين الظهورات النورانية على قباب ومنارات بعض الكنائس التقليدية؟
13- هل هذه الظهورات تعود بالمجد للرب وحده أم لأشخاص آخرين غير الرب؟
14- ما رأيك في عدد الترنيمة الأرثوذكسية التي تقول:
مجد مريم يتعظم ... في المشارق والغروب
عظمـــوها مجدوها... ملّكــوها في القلـوب؟
15- هل عدد الترنيمة يتوافق مع قول الرب: «أَنَا الرَّبُّ هذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ..» (إشعياء 42: 8)؟




الفصل السادس عشر

تحريضات رسولية

لقد عاصر الرسل معظم الفئات الضالة التي تم الحديث عنها في الفصل السابق، وتصدوا لها وردوا على هرطقاتها  في رسائلهم، وأخبرونا بروح النبوة عن فئات أخرى سوف تدخل دائرة المسيحية بعد رحيلهم، ومن ثمّ قاموا بتحذيرنا حتى نحترس ولا نقع في فخاخها ولاسيما أنها ارتدت ثياب التقوى والدين «وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ» (2 كورنثوس 11: 14). 
إن التحذير والاحتراس من تلك الفئات الضالة والمُضلِّلة أمر واجب على كل مؤمن حقيقي يخدم الرب بإخلاص. وقد وضع الرسول بولس قاعدة كتابية ينبغي النهج بها لتجنب الانحراف بعيدًا عن كلمة الله، وهي:
1- امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ
 تلك النصيحة الغالية التي نصح بها الرسول بولس المؤمنين في تسالونيكي إذ قال لهم:
«امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ» (تسالونيكي الأولى 5: 21).
«امتحنوا كل شيء» أي اختبروا كل شيء للتأكد من صحته وسلامته، وهو مبدأ كتابي يصح على مجالات الحياة كافة، فليس هناك شيء مستثنى من الامتحان، وإن كان الأمر كذلك، فبالأحرى كل ما يختص بكتب التراث، والتعاليم، والتقاليد الموروثة.. نختبر صحتها وسلامتها بالرجوع إلى كلمة الله.
ولقد طبق هذا المبدأ أهل بيرية، إذ شهد الكتاب عن أمانتهم للمكتوب إذ قال:
«وَكَانَ هؤُلاَءِ (أهل بيرية) أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ
فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا؟» (أعمال 17: 11).
نتعلّم من أهل بيرية أننا لا نُسلّم بصحة ما نسمعه من تعاليم لكون المتحدث بها شخص يشغل منصبًا دينيًا كبيرًا، فعلى الرغم من أن المتحدث إليهم كان الرسول بولس، إلا إنهم رجعوا إلى جهة الاختصاص التي بيدها إصدار القرار بصحة أو عدم صحة التعليم المقدم لهم، وليس من جهة مختصة سوى الكتاب المقدس، عملاً بقول الكتاب:
«إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ!»
(إشعياء 8: 20).
إن الكثيرين ممن وقعوا في البدع والهرطقات كانوا يشغلون مراكز دينية عليا، فضلاً عن تميّزهم بمظاهر القداسة، فآريوس ونسطور وأوطاخي وغيرهم كانوا قادة كبار في كنائسهم، فعندما أخطأوا في التعليم أضلوا الكثيرين من أتباعهم، والمطيعين لتعاليمهم طاعة عمياء.

2- التمسك بالإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ
كان يهوذا يود أن يكتب للمؤمنين الموجّهة لهم الرسالة عن الخلاص المشترك، لكنه رأى - بإرشاد من الروح القدس - أن يكتب لهم عن الإيمان المسلّم مرة للقديسين لكي يتمسكوا به وسط الأضاليل والهرطقات التي انتشرت وسطهم، وإذا علمنا أن الرسالة كُتبت قبل خراب أورشليم عام 70م لأدركنا أن التعاليم التي تسيء إلى الإيمان المسيحي بدأت مبكرة جدًا. يكتب يهوذا للمؤمنين:
«أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ الْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنِ الْخَلاَصِ الْمُشْتَرَكِ، اضْطُرِرْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ وَاعِظًا أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ، لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهذِهِ الدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ، يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ، وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ: اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ» (يهوذا 3، 4).
حيث أن كلمة «تجتهدوا» في الأصل اليوناني ἐπαγωνίζεσθαι  (إيباجونيزيسثاي) تعني:
    يكافح من أجل، يجتهد، يناضل من أجل
   Struggle for, earnestly, contend for, 
كان يهوذا يريد جاهدًا أن يكتب لهم عن الخلاص المشترك، لكنه رأى بالروح القدس المخاطر المعاصرة له، والمستقبلية، التي تتعرض لها حقائق الإيمان المسيحي، فوجد من الأهمية بمكان أن يُحرّض المؤمنين المعاصرين له، والمؤمنين في كل عصر، على الكفاح والنضال من أجل الحفاظ والتمسك بالإيمان المُسلَّم مرة للقديسين، دون إضافة تعاليم أو مبادئ جديدة، الأمر الذي حذّر منه الرسول بولس المؤمنين في غلاطية إذ قال لهم:
«وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا»
(غلاطية 1: 8).
وكذلك التحذير الذي ورد في سفر الرؤيا:
«لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ،
وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ» (رؤيا 22: 18، 19).
 لذلك قال الرسول يوحنا:
«أَمَّا أَنْتُمْ فَمَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ فَلْيَثْبُتْ إِذًا فِيكُمْ. إِنْ ثَبَتَ فِيكُمْ مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ، فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَثْبُتُونَ فِي الابْنِ وَفِي الآبِ» (يوحنا الأولى 2: 24).
3-  حْفَظِ الْوَدِيعَةَ، والتَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ:
«يَا تِيمُوثَاوُسُ، احْفَظِ الْوَدِيعَةَ، مُعْرِضًا عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ،
وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاسْمِ» (1تيموثاوس 6: 20).
«تَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي، فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا»
(2تيموثاوس 1: 13، 14).
كانت مشغولية قلب الرسول بولس أن يحرض تيموثاوس على حفظ الوديعة أي أقوال الله الصادقة التي سمعها منه، وهو تحريض يصدق على كل المؤمنين في كل زمان ومكان.
فهل حفظ المؤمنون، عبر الأجيال، أقوال الله الصادقة.. الإيمان المُسلَّم مرة للقديسين، دون إضافة أو حذف؟
نشكر الرب من أجل البقية الأمينة التي حافظت على الوديعة.. الإيمان المسلّم مرّة للقديسين.. أقوال الله المقدسة.. الكتاب المقدس، ورفضت كل تقاليد من وضع البشر.
هذه البقية الأمينة القليلة العدد، وُجدت في كل جيل وعصر، لتكون شاهدة أيضًا على الضلال الذي انتاب المسيحية الإسمية.

أسئلة عن الفصل السادس عشر


1- ماذا يقصد الكتاب بعبارة «امتحنوا كل شيء»؟
2- لماذا كان أهل بيرية أشرف من الذين في تسالونيكي؟
3- هل علو مركز الواعظ يعصمه من الوقوع في الهرطقة؟
4- هات أمثلة من التاريخ عن أشخاص شغلوا مناصب دينية عليا، وقعوا في الهرطقة؟
5- ما هو الاضطرار الذي دفع يهوذا أن يُغيّر الموضوع الذي كان يود أن يخاطب به المؤمنين؟
6- ماذا يقصد بالإيمان المُسلّم مرّة للقديسين؟
7- ماذا يعني الرسول بولس بقوله: «وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا»؟
8-  ماذا تعني كلمة «َنَاثِيمَا»؟



الفصل السابع عشر


حجج الكنائس التقليدية، والرد عليها

تثير الكنائس التقليدية بعض الحجج لإثبات أهمية التقليد، وقد تم الرد على بعضها ضمن فصول هذا البحث، ولكن بقيت بعض الحجج، رأيت من الضروري الرد عليها، حتى تبطُل تلك الحجج، وينفض مَنْ دُعي عليهم اسم المسيح من حول المتاجرين بالدين، ليلتفتوا إلى الرب وحده وكلمته المقدسة (الكتاب المقدس). 

الحجة الأولى:
يقول التقليديون: إن ليس كل ما علَّم المسيح به مدون في الأناجيل، استنادًا على ما جاء في يوحنا 21: 25: «وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ. آمِينَ».
وأيضًا ما جاء في يوحنا 20: 30: «وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ».

الرد:
لنلاحظ القول: «وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُــــوعُ»، لم يقل «تعاليم علَّـــم بها يسوع»، ولكنه قال: « أشياء صَنَعَهَا»، وحقيقة الأمر، أن ما صنعه الرب يسوع بصفته الكلمة الأزلي، الذي «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا 1: 3)، والمكتوب عنه أيضًا: « فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ» (كولوسي 1: 16).. لو تم تسجيل كل ما صنعه الرب يسوع، لكان قول الرسول يوحنا: « فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةََ» هو قول حق وصدق، ولا مبالغة فيه. ويكفي ما تخبرنا به التلسكوبات الفضائية من «وجود أكثر من مائتي وخمسين مليار مجرة، وكل مجرة بها أكثر من ثلاثمائة مليار نجم» فأين الكتب التي تساع  الحديث عن هذه المليارات من المجرات ومليارات المليارات من النجوم؟
«.. بل لو قمنا بتسجيل المعلومات الموجودة في جزيئات الـ DNA وكتابتها على الورق، لاحتجنا إلى مليون صفحة تقريبًا من صفحات دوائر المعارف. وهذا يعادل أربعين ضعفًا من دائرة المعارف البريطانية التي هي من أكبر دوائر المعارف للإنسان. وقد قدر أن جزيئات الـ DNA التي تملأ ملعقة شاي تستطيع أن تتسع لجميع المعلومات التي تحتويها جميع الكتب المطبوعة في العالم حتى الآن».
وأما القول: «وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ» (يوحنا 20: 30). فالحديث هنا عن آيات صنعها الرب يسوع لم يدونها الرسول يوحنا لأنها تفوق الحصر، فمكتوب عن الرب: «الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ» (أعمال 10: 38). فكل يوم من أيام خدمته على الأرض، كان الرب يجول يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، فمن يستطيع أن يُحصي ويُسجل كل أعمال الخير التي صنعها الرب أيام خدمته؟ لذلك كتب الرسول يوحنا على الفور: «وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ» (يوحنا 20: 31)، أي أن ما دونه الرسول يوحنا من آيات صنعها الرب يسوع كانت كافية لإيماننا بأن يسوع هو المسيح ابن الله، وأن هذا الإيمان كاف لمنحنا حياة باسمه. 

الحجة الثانية:
يقول التقليديون إن الرب كان يظهر لتلاميذه مدة أربعين يومًا وسلمهم تعاليم وتقاليد لم تدون استنادًا على ما جاء في سفر الأعمال 1: 3 «اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ».
الرد:
مما لا شك فيه، بل ومن المؤكد، أن كل الأمور المختصة بملكوت الله، والتي سمعها الرسل من الرب، قد وردت في تعاليمهم، ورسائلهم، وكتاباتهم المدونة بوحي من الله، بعد أن حلَّ عليهم الروح القدس في يوم الخمسين.
وهذا التأكيد مبني على قول الرسول يوحنا: «الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ ...» (1يوحنا 1: 3)، وكذلك استنادًا على قول الرسول بطرس: «وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ» (2بطرس 1: 19). ومكتوب: «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ» (2تيموثاوس 3: 16).
أمام هذه الإعلانات الإلهية، الواضحة وضوح الشمس في كبد السماء، التي تتحدث عن كمال وكفاية المكتوب لنا.. أمام هذه الإعلانات «يستد كل فم» (رومية 3: 19). 
أما الذين يتخذون من أعمال 1: 3 تكأة لقبول تعاليم تخالف بل وتسيء إلى كلمة الله، وإضافتها إلى الإيمان الأقدس، إنما لهم دينونة عظيمة، لأنهم لم يتحذروا لقول كاتب الرؤيا: «لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ» (رؤيا 22: 18، 19). كما داسو على تحذير الرسول بولس لأهل غلاطية: «وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا! .. إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا» (غلاطية 1: 8، 9). وتحذير آخر في 1كورنثوس 3: 11: «فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ».
فمن المؤكد أن ما تحدث به الرب لتلاميذه مدة الأربعين يومًا بعد قيامته، قام التلاميذ بتسجيله في كتاباتهم تحت قيادة الروح القدس: «لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (2بطرس 1: 21).
إن القول بأن هناك تعاليم لم تدون في الكتاب المقدس بحجة ما جاء في أعمال 1: 3، فضلاً عن أنه ينسب النقص إلى أقوال الله، وكتاب الله، أيضًا يفتح المجال أمام مَن يدسون بدع الهلاك، وينسبونها إلى التقليد. وهذا ما حدث على مدار التاريخ بإضافة تعليم وتقاليد وطقوس.. إلخ. لم ترد في كلمة الله، ولم يأمر بها الرب، كان من شأنها إبعاد الناس عن مصدر الحياة الأبدية.. الرب وكلمته، والتصاقهم بالأشخاص من ذي الألقاب الرنانة (صاحب القداسة..، صاحب النيافة..، قُدس أبونا... مُعلّم الأجيال.. إلخ.)، وابتعادهم عن الكتاب المقدس.

الحجة الثالثة:
يستند التقليديون على قول الرسول بولس الوارد في رسالة كورنثوس الأولى 11: 34 «.. وَأَمَّا الأُمُورُ الْبَاقِيَةُ فَعِنْدَمَا أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا» بأن هناك أمورًا سوف يرتبها الرسول لأهل كورنثوس لم  تُذكرفي الرسالة.
والسؤال المطروح، لماذا لم يذكر الرسول بولس هذه الأمور التي سوف يرتبها لأهل كورنثوس؟ هل كان الرسول مُقصّرا في عدم ذكر هذه الأمور؟ أم أنه خالف الوحي الإلهي في عدم ذكرها؟ أم أنها كانت أمورًا تختص بكنيسة كورنثوس بصفة خاصة، ولظروف خاصة بالمؤمنين في تلك الكنيسة، وليس للكنيسة العامة في كل زمان ومكان؟
لاشك أن الرسول بولس كان مطيعًا للوحي الإلهي في عدم ذكر تلك الأمور التي تختص بكنيسة كورنثوس وحدها وليس للكنائس كافة.
أليس كلمة الله المكتوبة بالروح القدس فيها كل الكفاية؟ ألم يقل الروح القدس على لسان الرسول بولس في رسالته الثانية لتيموثاوس ٣: ‏١٦ «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ ‍مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ».
 إن استناد التقليديون على ما جاء في رسالة كورنثوس الأولى 11: 34 ليضيفوا ما عنّ لهم من طقوس وتعاليم وتقاليد.. إلخ. هو استناد باطل، يُسيء إلى كمال وكفاية كلمة الله الموحي بها بالروح القدس.

الحجة الرابعة:
يستند التقليديون على ما جاء في رومية ٦:‏١٧ «فَشُكْراً ِللهِ، أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا لِلْخَطِيَّةِ، وَلكِنَّكُمْ أَطَعْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ صُورَةَ التَّعْلِيمِ الَّتِي ‍تَسَلَّمْتُمُوهَا» بأن هناك تعاليم يتسلمها المؤمنون لم تكتب في الكتاب المقدس. وهذا تفسير خاطئ ينسب عدم  كمال وكفاية ما دونه الرسل بالروح القدس في الكتاب المقدس، كما سبق القول. فالرسل كانت كرازتهم لليهود والأمم شفاهة في البداية، وبعد ذلك دونّوا ما علّموا به شفاهة في رسائلهم بإرشاد الروح القدس لكي تكون المرجع والمستند الوحيد للمؤمنين في كل زمان ومكان الذي يبنوا على أساسه حياتهم الروحية وشركتهم مع الآب ومع ابنه ربنا يسوع المسيح له المجد، أيضًا لتكون نورًا وهداية للبعيدين والضالين حتى يهتدوا إلى الطريق والحق والحياة، ربنا يسوع المسيح، فيخلصوا من دينونة الله، وتكون لهم الحياة الأبدية في ربنا يسوع المسيح، فمكتوب:
«وَهذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهذِهِ ‍الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ» (يوحنا الأولى ٥:‏١١).
إن لسان حال المؤمن الحقيقي: «لِيَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا» (رومية 3: 4).
أيضًا: «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ ‍مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ» (2 تيموثاوس 3: 16).

إن تحريض وتحذير الروح القدس للتقليديين الذين لم يجعلوا الكتاب المقدس مرجعهم الوحيد:
«إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ ‍فَجْرٌ!»
(إشعياء ٨:‏٢٠).

أما قصة الخلق التي تسلمها موسى بالتقليد الشفاهي، فقد سجلها بوحي من الروح القدس في الكتاب المقدس.
إن كمال وكفاية الكتاب المقدس تُبطل كل ادعاء بوجود تقليد شفاهي، بعد أن تم تسجيل أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد بالروح القدس.




أسئلة عن الفصل السابع عشر

1- هل قول الرسول يوحنا: «وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ» فيه مبالغة؟ ولماذا؟
2- كيف ترد على الحجة القائلة بأن المسيح بعد القيامة  كان يظهر لتلاميذه ويحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله؟
3-  كيف يهين التقليديون أقوال الله الموحى بها بالروح القدس؟
4- ما هو لسان حال المؤمن الحقيقي؟
5- ما هو تحذير الروح القدس للتقليديين؟




خاتمة البحث


رأينا، في هذا البحث، أنه في غفلة من الزمن، وفي سبات عميق من المؤمنين الحقيقيين، أطلّ النظام البابوي على العالم بوجهه القبيح ليعلن عن مسيحية فاشلة، ممسوخة ومشوهة، عثرة للذين هم من خارجها، وعثرة أيضًا لمَنْ هم من داخلها، بل وطاردة للكثيرين منهم..
رأينا كيف أعلن هذا النظام عن مسيحية غريبة عن المسيح وعن رسله الكرام.. مسيحية أبعد ما تكون عن المسيحية  الحقيقية..
مسيحية اغتصب فيها الإنسان مركز الرئاسة، والسلطة، والسيادة، والكهنوت، وغفران الخطايا من الرب يسوع المسيح..
مسيحية ادعى فيها الإنسان أنه المُعظّم، وصاحب القداسة، أي أنه مصدر القداسة ومنبعها، الأمر الذي يعتبر تجديفًا على الله، فالله وحده هو صاحب القداسة، لأنه مصدرالقداسة ومنبعها..
مسيحية صرفت مسامعها عن الحق، وانحرفت إلى الخرافات (2تيموثاوس 4: 4)..     
مسيحية طردت الرب خارجها، وأوصدت الباب في وجهه الكريم حتى أنه قال: «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ..» (رؤيا 3 : 20).
فبدلاً أن يأخذ الرب مكانه الطبيعي وسط المؤمنين حسب ما هو مكتوب: «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ» (متى 18: 20)، وكما هو مكتوب أيضًا: «وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهذَا وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي وَسْطِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ:«سَلاَمٌ لَكُمْ!» (لوقا 24 : 36).. اغتصب الإنسان مركز الوسط، وطرد المسيح خارجًا..
مسيحية أدعى فيها الإنسان رئاسته للكنيسة.. ورئاسته للكهنوت.. ورئاسته على المسيحيين التابعين له.. وقَبِل فيها الإنسان أن يدعوه الناس سيدي ..سيدي.. الأمر الذي حذّر الرب تلاميذه من قبوله (متى 23: 7).
رأينا في هذا البحث كيف تحولت الكنيسة من جماعة مؤمنين يلتفون حول سيدهم الوحيد ربنا يسوع المسيح، إلى جماعة من الأسياد والعبيد..
أسياد هم أصحاب الأمر والنهي.. وعبيد خانعين لهم.. مُساقين ومنساقين.. مُذلين..
أسياد يُذيقون المُرّ لكل مَنْ يخالفهم الرأي.. والويل كل الويل لمن ينادي بالمسيح مخلصًا بالانفصال عن وساطتهم.. فشلحه وعزله وفضحه يكون على صفحات الجرائد.
لقد نجح الشيطان في غرس النظام البابوي داخل دائرة المسيحية حتى يدّمر صورتها الجميلة التي تمثلت في المسيح الوديع والمتواضع الذي قال بفمه الكريم: «لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِ‍يُخْدَمَ بَلْ لِ‍يَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متى 20: 28)، بعد أن فشل في هيجانه لإبادة المؤمنين فيما سمي في التاريخ بعصر الاستشهاد، والذي كان أزهى عصور المسيحية على وجه الإطلاق.
لقد أطلّ النظام البابوي أمام العالم بالتيجان المرصعة بالأحجار الكريمة، والصلبان المصنوعة من الذهب الخالص، والثياب غالية الثمن والمطرزة بخيوط الذهب، والمزركشة، ذات الألوان الصادمة للعين.. منظر يستفز مشاعر المؤمنين الحقيقيين، وكذلك مشاعر الذين هم من خارج دائرة المسيحية، والذين يتطلعون لرؤية المسيح المتواضع، معاشًا في مَنْ يحملون اسمه، ويدّعون تبعيته وخدمته. حتى أن أحد الأدباء عقد مقارنة على لسان أحد شخصيات روايته «عزازيل» بين مظهر أسقف الإسكندرية (كيرلس المدعو بعمود الدين) وهو يرتدي ثيابه الفاخرة، وبين المسيح المصلوب، قال:

«نظرتُ إلى الثوب الممزّقَ في تمثال يسوع، ثم إلى الرداء الموشى للأسقف! ملابسُ يسوع أسمالٌ باليةٌ ممزقةٌ عن صدره ومعظم أعضائه، وملابسُ الأسقف محلاةٌ بخيوط ذهبية تغطيه كله، وبالكاد تُظهر وجهه. يَدُ يسوع فارغة من حطام دُنيانا، وفي يد الأسقف صولجان أظنه، من شدة بريقه، مصنوعًا من الذهب الخالص. فوق رأس يسوع أشواكُ تاج الآلام، وعلى رأس الأسقف تاج الأسقفيةِ الذهبي البرَّاق.. بدا لي يسوع مستسلمًا وهو يقبل تضحيته بنفسه على صليب الفداء، وبدا لي كِيرُلُّس مقبلاً على الإمساك بأطراف السماوات والأرض».   
لم يكن الأديب معاصرًا لكيرلس أسقف الإسكندرية حتى يصفه بكل هذه الصفات، ولكنه ربما عبّر عما يشاهده في عصرنا الحاضر، من مظاهر البذخ والترف التي يحياها خلفاء كيرلس وغيره..
وربما هذا الأديب كان يعبر أيضًا عن مشاعر الملايين ممن سيقرأون روايته، والذين تستفزهم مظاهر الغنى الفاحش، والثراء الفادح، والتمثل بعظماء وملوك هذا العالم، وذلك في ممن يُفترض أنهم خدام المسيح.. المسيح المتواضع
إنه بحق مشهد يستفز مشاعر المؤمنين الحقيقيين أيضًا، الذين لم يعهدوا مثل هذه المسيحية في تعاليم المسيح، ولا في تعاليم رسله الكرام..
عار على النظام البابوي أن يحيا في هذا الترف، وهناك خمسة من أصحاب المليارات في العالم يعتزلون الكماليات ويعيشون حياة متواضعة ويقودون سياراتهم القديمة بأنفسهم ويسكنون منازل بسيطة. سوف يقوم هؤلاء الخمسة في يوم الدينونة العظيم ويدينون هذا النظام الذي يعمل ضد منهاج المسيح.. المسيح المتواضع.
وزاد عار النظام البابوي بالاحتماء بالحرّاس  Bodyguards، ولكن الاحتماء ممن؟ هل الأب يأتي بالحراس ليحمى نفسه من أولاده؟ وهل إذا اقترب الأولاد من أبيهم ليأخذوا بركة كما يظنون يدفعهم الحرّاس، ثم تحدث اشتباكات بين الطرفين؟ ثم ينشر هذا على صفحات الجرائد. ياللعار والحسرة.
ولم يكتف النظام بذلك، بل أقتنى كلاب للحراسة، والتي اطلقت على مَنْ لهم مطالب - مما سميَّ في الإعلام «بموقعة الكلب» - وأيًا كانت مطالبهم، فهم من المفترض أبناء وبنات الكنيسة. وفي هذا الصدد يعلن أحد رجال النظام البابوي بأن: «الكلاب» كانت الوسيلة الوحيدة للحفاظ علي هيبة الكنيسة. ياللعار، والحسرة.
لقد بات حفظ هيبة الكنيسة منوطًا بكلاب الحراسة.
أي عار يلحق بالنظام البابوي، الذي لم يضع ثقته في حماية الرب وملائكته، ووثق في الاحتماء بالبشر Bodyguards والكلاب. أليس من العار، وضع البشر والكلاب في مقابلة مع الرب وملائكته؟! ألم يقرأوا في المزامير: «مَلاَكُ الرَّبِّ حَالٌّ حَوْلَ خَائِفِيهِ، وَيُنَجِّيهِمْ» (مزمور 34 : 7).
هل سمعتم عن مكان عبادة في العالم، أيً كان هذا المكان، وأيً كانت العبادة المقامة فيه، يأتي أصحابه بالكلاب لحفظ هيبته؟
سجل يا تاريخ في صفحة سوداء، لعصر حالك الظلمة تمرّ به الكنيسة المنسوبة للمدينة العظمى الإسكندرية أن: «الكلاب» كانت الوسيلة الوحيدة للحفاظ علي هيبة الكنيسة.
أي عار يلحق بالنظام البابوي عندما ترفع ضده الدعاوي القضائية، أمام محاكم الدولة. ومنها أب يقاضي الكنيسة لأنها ضمت ابنته للرهبنة دون إذنه!
أي عار يلحق بالنظام البابوي عندما يفكر بعض الكهنة في  تأسيس نقابة لهم، لتخفيف قبضة الأساقفة عليهم. ياللحسرة.
أي عار يلحق بالنظام البابوي الذي يقوم على رهبان خانوا العهد الذي قطعوه على أنفسهم أمام الله أنهم ماتوا عن العالم وما عادوا يرجعون إليه. فكيف لمن خانوا العهد أن يحملوا الأمانة؟
ألم يقل أحدهم:
«نشأت الرهبنة كحياة وحدة وصلاة، بعيدة بُعدا كاملاً عن العالم وعن الخدمة وعن الكهنوت، لأشخاص ماتوا عن العالم، وما عادوا يرجعون إليه...». وللعلم، أن قائل هذه العبارة هو أول من رجع إلى العالم، وإلى الخدمة، وإلى الكهنوت، بل، وإلى رئاسة الكهنوت (كما يعتقد التقليديون).
لماذا رجعتم أيها الرهبان إلى العالم وإلى الخدمة وإلى الكهنوت (سواء كان ذلك بإرادتكم، أو بإرادة الآخرين) ونقضتم عهودكم؟
هل ظننتم في أنفسكم أنكم أفضل من الخدام العلمانيين (كما تسمونهم) سواء من المتبتلين أو من المتزوجين، في خدمة الشعب الذي دُعيّ عليه اسم المسيح؟
ألم تتعلموا في الرهبنة الهروب من المجد الباطل؟ أم أن الشيطان أصابكم بالكبرياء الذي ملأ قلوبكم، وسيطر على أفكاركم؟
متى تستفيقوا وتعودوا إلى أديرتكم؟ أم أن للمناصب بريقها الذي يُنسي الإنسان عهوده، ويدوس على كل تعهادته  التي قطعها على نفسه؟
أليس الكبرياء أخذ من بعضكم كل مأخذ، حتى وصل الأمر إلى التكالب على المناصب الدينية؟
ألم نقرأ في الجرائد عن أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية أنه يحلم بتنصيب نفسه بطريركًا على أمريكا؟ وأعلن انشقاقه عن الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، وإنشاء كنيسة مستقلة باسم «الكنيسة الأرثوذكسية الأمريكية الإسكندرية»، واختصارها «AOCA»، وقال فى بيان رسمى «الكنيسة الجديدة شقيقة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية لكن لا تندرج تحت رئاستها». وأكد أن كنيسته الجديدة ستبدأ بثمانى كنائس، كخطوة أولى ثم تضم بقية الكنائس الأرثوذكسية فى الولايات المتحدة، على أن تلغى كلمة قبطية من كنائسه وإيبراشياته، مؤكدًا ذلك بقوله: «كلمة قبطى تعنى مصرى ولا تناسب الكنيسة الجديدة». يا للعار والحسرة.
بل إن التكالب على المناصب وصل إلى حد التآمر، والسعي نحو الإطاحة بالبابا الحالي من 5 شخصيات، ويكون عنوان المقال في إحدى الصحف: «خطة لإدارة الكرسى المرقسى عبر لجنة أسقفية «الصباح» تكشف مؤامرة الأساقفة لعزل البابا..»... المصادر تؤكد أن عددًا من الأساقفة الموجودين داخل الكنيسة، والمعروفين بـ«مجموعة الحرس القديم»، يثيرون هذه الأزمات حول البابا، حتى يثبتوا للشعب القبطى أن ... ليس اختيارًا إلهيًا، وأنه تم تمريره عن طريق قرعة مشكوك فى مصداقيتها. 
أليس هذا التكالب على احتلال المناصب الدينية، يؤكد مرة أخرى أن النظام البابوي، هو نظام كهنوتي، سيادي،  سلطوي،  رئاسي (رئاسة دويلة داخل دولة)، على العكس تمامًا مما عَلّم به الرب، وما حذّر منه تلاميذه؟
لماذا أيها الرهبان، أيًا كانت مراكزكم الدينية، تُدخلون أنفسكم في تجربة؟
لماذا لا ترجعون إلى أديرتكم، وقلاليكم، ومغائركم، وخلوتكم، ودموعكم، وصلواتكم؟
أليس شعب المسيح في حاجة إلى صلواتكم ودموعكم المنسكبة أمام الرب إن كنتم حقًا مؤمنين حقيقيين، أكثر من خدماتكم الطقسية، الجامدة، الفاشلة.
أليس لسان حال الراهب: «أنا في البيداء وحدي   ليس لي شأن بغيري». 
فكيف لمن لا شأن له بغيره أن يترك وحدته وخلوته وقلايته أو مغارته، وينزل إلى العالم الذي هرب منه، ليدير أحوال الملايين من المسيحيين؟
وكيف لمن اعتاد هدوء الصحراء، أن يتحمل ضوضاء وضجيج العالم؟
وكيف لمن هرب من المجد الباطل أن يعود إليه مرة أخرى، ويقبل أن تُقبّل يده، ويُسجد له، وأن يدعوه الناس، سيدنا سيدنا؟ الأمور التي هي ضد إنجيل المسيح وتعاليمه.
لن أتحدث عن الإرهاب البابوي في العصور الوسطى في أوربا، ومحاكم التفتيش The Inquisition، وحرق البيوت التي يجدون فيها نسخة من الكتاب المقدس، بمن فيها من أطفال، ونساء، وشيوخ.. أليست محاكم التفتيش التي هي حاضرة على الدوام في ذاكرة التاريخ، تمثل وصمة عار في جبين النظام البابوي؟
أليس الإرهاب البابوي، موجود في كل العصور حتى لو أخذ أشكالاً مختلفة، وأساليبًا متعددة؟
أليس الحرمان والشلح، والعزل، والتحريض على عدم قراءة مؤلفات بعينها، وإشاعة الشائعات المُغرضة.. واتهام الطوائف غير التقليدية، والمنتسبة إلى الإنجيل، أن مصيرها جهنم وبئس المصير، نوعًا من الإرهاب..
إي عار يلحق بالنظام البابوي أن يكون قِبلة لرجال السياسة والإعلام، ويتحول إلى فاتيكان آخر، دويلة داخل دولة.
هل كان المسيح رجل سياسة؟ ألم يقل: مملكتي ليست من هذا العالم؟ (يوحنا 18: 36).
وهل رسله الكرام أقحموا أنفسهم في الأمور السياسية؟ ألم تؤخذ المآخذ على النظام البابوي عندما أقحم نفسه في السياسة؟ ألم يجلب العار على اسم المسيح؟ ألم تُحرق عشرات الكنائس، ويُذبح ويُقتل المسيحيون في أنحاء مختلفة سواء داخل مصر أو خارجها، وتُحرق بيوتهم، ويُسحل بعضهم في الشوارع بسبب ذلك؟ دماء هؤلاء، ممَنْ تُطلب؟
إن أحدًا لا يزايد على محبة المسيحيين لوطنهم، الذي سُفكت على ترابه دماء أجدادهم القديسين في عصور الاستشهاد، وفي كل العصور. والتاريخ خير شاهد على ذلك. ولكن للسياسة رجالاتها وأدواتها. أليس هناك من المستشارين والمحامين، ورجال الأعمال والمثقفين من الأقباط الذين يستطيعون تمثيل المسيحيين خير تمثيل أمام الدولة، بعيدًا عن مَنْ يخدمون الإنجيل، أو مَنْ يدّعون ذلك.
عار على النظام البابوي ألا يكرز بالإنجيل، حتى في المناسبات الدينية. فأين الكرازة بتجسد الكلمة الأزلي، في مناسبة الميلاد؟ وأين الكرازة بالخلاص العظيم الذي صنعه الرب بموته على الصليب وقيامته من بين الأموات منتصرًا على الموت، في مناسبة القيامة؟
أين قول الكتاب: «إِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فَكَأَقْوَالِ اللهِ..» (1بطرس 4: 11).
أين الكرازة بالإنجيل في هاتين المناسبتين؟ أليس في الحضور مَنْ يجهل المسيحية، ويتشوّق إلى معرفتها؟
ماذا صنع النظام البابوي - على مرّ التاريخ - لاسم المسيح؟
إن المسيحيين يتكاثرون بالتوالد الجسدي، وليس بالكرازة بالإنجيل، وكما قال الرب: «اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ..» (يوحنا 3: 6). والكثير من هؤلاء يتركون المسيحية، ويجحدون المسيح، أو على الأقل فهم مسيحيون بالاسم.
إن تاريخ البابوية سواء في الشرق أو في الغرب، مملؤ بالخزي والعار، والتاريخ خير شاهد على ذلك. 
إن هذا البحث مقدم شهادة أمام رب الكنيسة وبانيها ومقتنيها بدمه الكريم، الذي قال بفمه الطاهر ومازالت أصداء قوله تدوي في هذا الكون الفسيح: «على هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (متى 16: 18).
وهذه الشهادة هي استكمال لما بدأه رجال الإصلاح المباركين الذين عانوا على أيدي رجال النظام البابوي من العذابات ما يندى له الجبين، وتقشعر له الأبدان، ويشيب له الولدان.
كما أنه مقدم أمام التاريخ ليسجل أنه في بداية القرن الحادي والعشرين، في مصر أم الدنيا، والتي اختص الرب شعبها دون شعوب العالم أجمع بأن نسبه إلى نفسه قائلاً: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ»، أقام الرب شهادة تكشف حقيقة هذا النظام، غرضها إنارة العقول - التي أظلمت بالتقاليد البشرية التي أبعدت كثرة من المدعوين مسيحيين عن حق الإنجيل، وأيضًا لتحرير النفوس التي استعبدت للبشر وأسلمت رقابها لمن يسوقها.. فمن مصر القديمة خرج نور العلم والمعرفة لإنارة العالم، ومن مصر الحديثة.. خرج قبس من نور الإنجيل، الذي من شأنه أن ينذر ببداية عصر نهضة وتنوير وإصلاح في شرقنا كما حدث في أوربا عندما تحررت شعوبها من قبضة رجال الدين، أو قل من قبضة المتاجرين بالدين، بتعاليمهم المنحرفة عن حق الإنجيل، ومظاهرهم الخدّاعة.

عزيزي القارئ، والدارس، والباحث عن الحق والحقيقة

إذا كانت لديك تساؤلات، لا تتردد في الاتصال بي

محمول : 01227183709

بريد إلكتروني :  saidmih @yahoo.com


الرب معك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق