الأحد، 14 أغسطس 2016

مقـدمة

بسم الإله الواحد في الجوهر.. الجامع في ذاته لكل ما يلزم لممارسة صفاته أزلاً، دون الحاجة إلى خلائقه، أقدم هذا البحث شهادة أمام الله والتاريخ، والذي يتناول نظامًا ضرب بجذوره في أعماق التاريخ، حتى ظن البعض أنه نظام إلهي، فنسجوا من حوله هالة من القداسة، وأضفوا عليه من الرهبة ما جعل الاقتراب منه كمن يقترب من المُحرّمات التي نهى الله عن الاقتراب منها.
وقد تأجل إصدار هذا البحث أكثر من مرّة، ذلك لإيماني بأن «لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ»، والآن، وإيذانًا بعصر تنوير يعُم ليس فقط مصرنا المحروسة، ولكن شرقنا العربي، أقدمه للباحثين عن الحقيقة..المتحدثين بلغة الضاد ليكون وثيقة بين أياديهم، وشهادة تتوارثها الأجيال المُحبّة لمعرفة الحق.
ولا يُفهم من عنوان البحث بأن المحاكمة تعني الإدانة (judgment)، ولكن المراد بالمحاكمة هو امتحان (trial) النظام البابوي، في ضوء الأسفار الإلهية أولاً، ثم في ضوء التاريخ، لبيان مدى صحته أو زيفه.. ذلك لتبصير الملايين الذين هم من داخل دائرة المسيحية.. الذين يُعميهم التعصب عن رؤية الحقيقة، وأيضًا الذين هم من خارج دائرة المسيحية، الذين يرون المسيحية مُمثلة في النظام البابوي.. الكهنوتي.. السلطوي، فكانت البابوية حائط صدّ لهم، وسدًا منيعًا يمنعهم من معرفة المسيحية الحقيقية.
إن هدف هذا البحث هو نزع النقاب عن النظام البابوي، والكشف عن وجهه الحقيقي، ثم مناقشة ما نادى به بعض البابوات من تعاليم أمست معتقدات راسخة عند الكثيرين، دون مناقشة دوافعهم، من حيث حُسن أو سوء نواياهم في إصدار مثل هذه التعاليم، لأن سرائر قلوبهم سوف تنكشف أمام الله الديان العادل الذي له وحده سلطان الدينونة، والحكم، في يوم الدينونة العظيم.. يوم لا ينفع فيه ندم، ولا تُقبل فيه توبة أو شفاعة.
ونظرًا لتفرّد موضوع هذا البحث، فإن المنهاج المتبع فيه، هو منهاج البحث العلمي حيث يسعى الباحث نحو الوصول إلى الحقيقة المجردة حتى لو كانت النتيجة عكس ما يعتقد أو يؤمن به، وهو بخلاف المناظرات التي فيها يحاول كل طرف أن يثبت صحة رأيه ومعتقده سواء كان على خطأ، أو على صواب.
فمهدت للبحث ببيان أهمية استخدام العقل الذي ميّز به الخالق العظيم الإنسان عن سائر المخلوقات التي تدب على الأرض، في فحص وامتحان صحة الموروثات الدينية من كتب تراثية، وتعاليم وعقائد، وطقوس، وتقاليد.. إلخ. التي يرى البعض أنه يجب عدم الاقتراب منها بالنقد والتجريح، بل يجب التسليم بها دون مناقشتها بالعقل، إذ رفعوا من قدرها وساووها بالأسفار (الكتب) المقدسة الموحى بها من الله.
ثم طرحت بعض التساؤلات المنطقية، حيث أن التساؤلات هي الخطوة الأولى في طريق الفهم والمعرفة، ثم الإجابة عنها.
إن المُطّلع على هذا البحث سيجد أن كل تعاليم وردت فيه هي مُثْبتة بالدليل والبرهان من الكتاب المقدس في أصوله العبرية واليونانية أولاً، ثم في ترجماته المتعددة متى كان ذلك ضروريًا، ثم بالرجوع إلى مجموعة كتابات الآباء المعروفة باسم:
Ante-Nicene Fathers, Nicene and Post-Nicene Fathers
 وكذلك الرجوع إلى دوائر المعارف المعروفة عالميًا كمراجع أساسية، مثل:
Encyclopedia Britannica &  Encyclopedia of Religion.
وأيضًا الرجوع إلى كتب التاريخ المعتبرة عند الأقباط التقليديين، مثل كتاب تاريخ البطاركة للأنبا ساويرس ابن المقفع أسقف الأشمونيين (عاش في القرن العاشر للميلاد 915-987م)، وكتاب تاريخ الكنيسة ليوسابيوس أسقف قيصرية (263 - 339؟م)، والمعروف بـ (أبو التاريخ الكنسي) ترجمة القمص مرقس داود، وغيرها من المراجع التي سيتم الإشارة إليها في هوامش البحث، وكذلك سيرد ذكرها في ثبت المراجع.
وإذ أضع هذا الجهد المتواضع بين يدي سيدي الوحيد، ومخلصي يسوع المسيح، كشهادة  أمام الله والتاريخ، أُصلي أن يكون هذا البحث بمثابة شمعة صغيرة، تضيء الطريق أمام الكثيرين من محبي الحق والمعرفة التي بحسب كلمة الله، وصرخة مدوية في ليل المسيحية حالك الظلمة، حتى تستيقظ من سباتها.                                           

                                                                                س. هـ.  
كلمات من نور

المعرفة والجهل قطبان متضادان على خط مستقيم..
المعرفة تلتصق بالإنسان العاقل، أما الجهل فيلازم الإنسان الغبي.
المعرفة تبني الإنسان والأوطان، والجهل يدمرهما.
المعرفة هي أم الإبداع والرقي، والجهل هو أبو التخلف والانحطاط.
المعرفة هي خبز المثقفين والأدباء والمخترعين، والجهل هو طعام المتخلفين والظلاميين والإرهابيين.
المعرفة تشع نورًا، والجهل يلتحف بالظلمة.
المعرفة هي السبيل إلى الحياة، والجهل هو الطريق إلى الموت.
المعرفة تقود إلى الحرية الحقيقية، وهي أن تكون عبدًا مطيعًا للخالق العظيم وحده،
والجهل يؤدي إلى الهوان وهو أن تكون عبدًا ذليلاً للمتاجرين بالدين.
 

                                                                                 سعيد هـرمينا

مُحَاكمة
البــابوية

في ضوء الأسفار الإلهية
والتاريخ
   

The Trial of The Papacy
Through the Light of the Holy Scriptures
and the History

سعيد هرمينـا


الطبعة الأولى
2015


السبت، 13 أغسطس 2016

خاتمة البحث

رأينا، في هذا البحث، أنه في غفلة من الزمن، وفي سبات عميق من المؤمنين الحقيقيين، أطلّ النظام البابوي على العالم بوجهه القبيح ليعلن عن مسيحية فاشلة، ممسوخة ومشوهة، عثرة للذين هم من خارجها، وعثرة أيضًا لمَنْ هم من داخلها، بل وطاردة للكثيرين منهم..
رأينا كيف أعلن هذا النظام عن مسيحية غريبة عن المسيح وعن رسله الكرام.. مسيحية أبعد ما تكون عن المسيحية  الحقيقية..
مسيحية اغتصب فيها الإنسان مركز الرئاسة، والسلطة، والسيادة، والكهنوت، وغفران الخطايا من الرب يسوع المسيح..
مسيحية ادعى فيها الإنسان أنه المُعظّم، وصاحب القداسة، أي أنه مصدر القداسة ومنبعها، الأمر الذي يعتبر تجديفًا على الله، فالله وحده هو صاحب القداسة، لأنه مصدرالقداسة ومنبعها..
مسيحية صرفت مسامعها عن الحق، وانحرفت إلى الخرافات (2تيموثاوس 4: 4)..     
مسيحية طردت الرب خارجها، وأوصدت الباب في وجهه الكريم حتى أنه قال: «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ..» (رؤيا 3 : 20).
فبدلاً أن يأخذ الرب مكانه الطبيعي وسط المؤمنين حسب ما هو مكتوب: «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ» (متى 18: 20)، وكما هو مكتوب أيضًا: «وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهذَا وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي وَسْطِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ:«سَلاَمٌ لَكُمْ!» (لوقا 24 : 36).. اغتصب الإنسان مركز الوسط، وطرد المسيح خارجًا..
مسيحية أدعى فيها الإنسان رئاسته للكنيسة.. ورئاسته للكهنوت.. ورئاسته على المسيحيين التابعين له.. وقَبِل فيها الإنسان أن يدعوه الناس سيدي ..سيدي.. الأمر الذي حذّر الرب تلاميذه من قبوله (متى 23: 7).
رأينا في هذا البحث كيف تحولت الكنيسة من جماعة مؤمنين يلتفون حول سيدهم الوحيد ربنا يسوع المسيح، إلى جماعة من الأسياد والعبيد..
أسياد هم أصحاب الأمر والنهي.. وعبيد خانعين لهم.. مُساقين ومنساقين.. مُذلين..
أسياد يُذيقون المُرّ لكل مَنْ يخالفهم الرأي.. والويل كل الويل لمن ينادي بالمسيح مخلصًا بالانفصال عن وساطتهم.. فشلحه وعزله وفضحه يكون على صفحات الجرائد.
لقد نجح الشيطان في غرس النظام البابوي داخل دائرة المسيحية حتى يدّمر صورتها الجميلة التي تمثلت في المسيح الوديع والمتواضع الذي قال بفمه الكريم: «لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِ‍يُخْدَمَ بَلْ لِ‍يَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متى 20: 28)، بعد أن فشل في هيجانه لإبادة المؤمنين فيما سمي في التاريخ بعصر الاستشهاد، والذي كان أزهى عصور المسيحية على وجه الإطلاق.
لقد أطلّ النظام البابوي أمام العالم بالتيجان المرصعة بالأحجار الكريمة، والصلبان المصنوعة من الذهب الخالص، والثياب غالية الثمن والمطرزة بخيوط الذهب، والمزركشة، ذات الألوان الصادمة للعين.. منظر يستفز مشاعر المؤمنين الحقيقيين، وكذلك مشاعر الذين هم من خارج دائرة المسيحية، والذين يتطلعون لرؤية المسيح المتواضع، معاشًا في مَنْ يحملون اسمه، ويدّعون تبعيته وخدمته. حتى أن أحد الأدباء عقد مقارنة على لسان أحد شخصيات روايته «عزازيل» بين مظهر أسقف الإسكندرية (كيرلس المدعو بعمود الدين) وهو يرتدي ثيابه الفاخرة، وبين المسيح المصلوب، قال:

«نظرتُ إلى الثوب الممزّقَ في تمثال يسوع، ثم إلى الرداء الموشى للأسقف! ملابسُ يسوع أسمالٌ باليةٌ ممزقةٌ عن صدره ومعظم أعضائه، وملابسُ الأسقف محلاةٌ بخيوط ذهبية تغطيه كله، وبالكاد تُظهر وجهه. يَدُ يسوع فارغة من حطام دُنيانا، وفي يد الأسقف صولجان أظنه، من شدة بريقه، مصنوعًا من الذهب الخالص. فوق رأس يسوع أشواكُ تاج الآلام، وعلى رأس الأسقف تاج الأسقفيةِ الذهبي البرَّاق.. بدا لي يسوع مستسلمًا وهو يقبل تضحيته بنفسه على صليب الفداء، وبدا لي كِيرُلُّس مقبلاً على الإمساك بأطراف السماوات والأرض».   
لم يكن الأديب معاصرًا لكيرلس أسقف الإسكندرية حتى يصفه بكل هذه الصفات، ولكنه ربما عبّر عما يشاهده في عصرنا الحاضر، من مظاهر البذخ والترف التي يحياها خلفاء كيرلس وغيره..
وربما هذا الأديب كان يعبر أيضًا عن مشاعر الملايين ممن سيقرأون روايته، والذين تستفزهم مظاهر الغنى الفاحش، والثراء الفادح، والتمثل بعظماء وملوك هذا العالم، وذلك في ممن يُفترض أنهم خدام المسيح.. المسيح المتواضع
إنه بحق مشهد يستفز مشاعر المؤمنين الحقيقيين أيضًا، الذين لم يعهدوا مثل هذه المسيحية في تعاليم المسيح، ولا في تعاليم رسله الكرام..
عار على النظام البابوي أن يحيا في هذا الترف، وهناك خمسة من أصحاب المليارات في العالم يعتزلون الكماليات ويعيشون حياة متواضعة ويقودون سياراتهم القديمة بأنفسهم ويسكنون منازل بسيطة. سوف يقوم هؤلاء الخمسة في يوم الدينونة العظيم ويدينون هذا النظام الذي يعمل ضد منهاج المسيح.. المسيح المتواضع.
وزاد عار النظام البابوي بالاحتماء بالحرّاس  Bodyguards، ولكن الاحتماء ممن؟ هل الأب يأتي بالحراس ليحمى نفسه من أولاده؟ وهل إذا اقترب الأولاد من أبيهم ليأخذوا بركة كما يظنون يدفعهم الحرّاس، ثم تحدث اشتباكات بين الطرفين؟ ثم ينشر هذا على صفحات الجرائد. ياللعار والحسرة.
ولم يكتف النظام بذلك، بل أقتنى كلاب للحراسة، والتي اطلقت على مَنْ لهم مطالب - مما سميَّ في الإعلام «بموقعة الكلب» - وأيًا كانت مطالبهم، فهم من المفترض أبناء وبنات الكنيسة. وفي هذا الصدد يعلن أحد رجال النظام البابوي بأن: «الكلاب» كانت الوسيلة الوحيدة للحفاظ علي هيبة الكنيسة. ياللعار، والحسرة.
لقد بات حفظ هيبة الكنيسة منوطًا بكلاب الحراسة.
أي عار يلحق بالنظام البابوي، الذي لم يضع ثقته في حماية الرب وملائكته، ووثق في الاحتماء بالبشر Bodyguards والكلاب. أليس من العار، وضع البشر والكلاب في مقابلة مع الرب وملائكته؟! ألم يقرأوا في المزامير: «مَلاَكُ الرَّبِّ حَالٌّ حَوْلَ خَائِفِيهِ، وَيُنَجِّيهِمْ» (مزمور 34 : 7).
هل سمعتم عن مكان عبادة في العالم، أيً كان هذا المكان، وأيً كانت العبادة المقامة فيه، يأتي أصحابه بالكلاب لحفظ هيبته؟
سجل يا تاريخ في صفحة سوداء، لعصر حالك الظلمة تمرّ به الكنيسة المنسوبة للمدينة العظمى الإسكندرية أن: «الكلاب» كانت الوسيلة الوحيدة للحفاظ علي هيبة الكنيسة.
أي عار يلحق بالنظام البابوي عندما ترفع ضده الدعاوي القضائية، أمام محاكم الدولة. ومنها أب يقاضي الكنيسة لأنها ضمت ابنته للرهبنة دون إذنه!
أي عار يلحق بالنظام البابوي عندما يفكر بعض الكهنة في  تأسيس نقابة لهم، لتخفيف قبضة الأساقفة عليهم. ياللحسرة.
أي عار يلحق بالنظام البابوي الذي يقوم على رهبان خانوا العهد الذي قطعوه على أنفسهم أمام الله أنهم ماتوا عن العالم وما عادوا يرجعون إليه. فكيف لمن خانوا العهد أن يحملوا الأمانة؟
ألم يقل أحدهم:
«نشأت الرهبنة كحياة وحدة وصلاة، بعيدة بُعدا كاملاً عن العالم وعن الخدمة وعن الكهنوت، لأشخاص ماتوا عن العالم، وما عادوا يرجعون إليه...». وللعلم، أن قائل هذه العبارة هو أول من رجع إلى العالم، وإلى الخدمة، وإلى الكهنوت، بل، وإلى رئاسة الكهنوت (كما يعتقد التقليديون).
لماذا رجعتم أيها الرهبان إلى العالم وإلى الخدمة وإلى الكهنوت (سواء كان ذلك بإرادتكم، أو بإرادة الآخرين) ونقضتم عهودكم؟
هل ظننتم في أنفسكم أنكم أفضل من الخدام العلمانيين (كما تسمونهم) سواء من المتبتلين أو من المتزوجين، في خدمة الشعب الذي دُعيّ عليه اسم المسيح؟
ألم تتعلموا في الرهبنة الهروب من المجد الباطل؟ أم أن الشيطان أصابكم بالكبرياء الذي ملأ قلوبكم، وسيطر على أفكاركم؟
متى تستفيقوا وتعودوا إلى أديرتكم؟ أم أن للمناصب بريقها الذي يُنسي الإنسان عهوده، ويدوس على كل تعهادته  التي قطعها على نفسه؟
أليس الكبرياء أخذ من بعضكم كل مأخذ، حتى وصل الأمر إلى التكالب على المناصب الدينية؟
ألم نقرأ في الجرائد عن أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية أنه يحلم بتنصيب نفسه بطريركًا على أمريكا؟ وأعلن انشقاقه عن الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، وإنشاء كنيسة مستقلة باسم «الكنيسة الأرثوذكسية الأمريكية الإسكندرية»، واختصارها «AOCA»، وقال فى بيان رسمى «الكنيسة الجديدة شقيقة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية لكن لا تندرج تحت رئاستها». وأكد أن كنيسته الجديدة ستبدأ بثمانى كنائس، كخطوة أولى ثم تضم بقية الكنائس الأرثوذكسية فى الولايات المتحدة، على أن تلغى كلمة قبطية من كنائسه وإيبراشياته، مؤكدًا ذلك بقوله: «كلمة قبطى تعنى مصرى ولا تناسب الكنيسة الجديدة». يا للعار والحسرة.
بل إن التكالب على المناصب وصل إلى حد التآمر، والسعي نحو الإطاحة بالبابا الحالي من 5 شخصيات، ويكون عنوان المقال في إحدى الصحف: «خطة لإدارة الكرسى المرقسى عبر لجنة أسقفية «الصباح» تكشف مؤامرة الأساقفة لعزل البابا..»... المصادر تؤكد أن عددًا من الأساقفة الموجودين داخل الكنيسة، والمعروفين بـ«مجموعة الحرس القديم»، يثيرون هذه الأزمات حول البابا، حتى يثبتوا للشعب القبطى أن ... ليس اختيارًا إلهيًا، وأنه تم تمريره عن طريق قرعة مشكوك فى مصداقيتها. 
أليس هذا التكالب على احتلال المناصب الدينية، يؤكد مرة أخرى أن النظام البابوي، هو نظام كهنوتي، سيادي،  سلطوي،  رئاسي (رئاسة دويلة داخل دولة)، على العكس تمامًا مما عَلّم به الرب، وما حذّر منه تلاميذه؟
لماذا أيها الرهبان، أيًا كانت مراكزكم الدينية، تُدخلون أنفسكم في تجربة؟
لماذا لا ترجعون إلى أديرتكم، وقلاليكم، ومغائركم، وخلوتكم، ودموعكم، وصلواتكم؟
أليس شعب المسيح في حاجة إلى صلواتكم ودموعكم المنسكبة أمام الرب إن كنتم حقًا مؤمنين حقيقيين، أكثر من خدماتكم الطقسية، الجامدة، الفاشلة.
أليس لسان حال الراهب: «أنا في البيداء وحدي   ليس لي شأن بغيري». 
فكيف لمن لا شأن له بغيره أن يترك وحدته وخلوته وقلايته أو مغارته، وينزل إلى العالم الذي هرب منه، ليدير أحوال الملايين من المسيحيين؟
وكيف لمن اعتاد هدوء الصحراء، أن يتحمل ضوضاء وضجيج العالم؟
وكيف لمن هرب من المجد الباطل أن يعود إليه مرة أخرى، ويقبل أن تُقبّل يده، ويُسجد له، وأن يدعوه الناس، سيدنا سيدنا؟ الأمور التي هي ضد إنجيل المسيح وتعاليمه.
لن أتحدث عن الإرهاب البابوي في العصور الوسطى في أوربا، ومحاكم التفتيش The Inquisition، وحرق البيوت التي يجدون فيها نسخة من الكتاب المقدس، بمن فيها من أطفال، ونساء، وشيوخ.. أليست محاكم التفتيش التي هي حاضرة على الدوام في ذاكرة التاريخ، تمثل وصمة عار في جبين النظام البابوي؟
أليس الإرهاب البابوي، موجود في كل العصور حتى لو أخذ أشكالاً مختلفة، وأساليبًا متعددة؟
أليس الحرمان والشلح، والعزل، والتحريض على عدم قراءة مؤلفات بعينها، وإشاعة الشائعات المُغرضة.. واتهام الطوائف غير التقليدية، والمنتسبة إلى الإنجيل، أن مصيرها جهنم وبئس المصير، نوعًا من الإرهاب..
إي عار يلحق بالنظام البابوي أن يكون قِبلة لرجال السياسة والإعلام، ويتحول إلى فاتيكان آخر، دويلة داخل دولة.
هل كان المسيح رجل سياسة؟ ألم يقل: مملكتي ليست من هذا العالم؟ (يوحنا 18: 36).
وهل رسله الكرام أقحموا أنفسهم في الأمور السياسية؟ ألم تؤخذ المآخذ على النظام البابوي عندما أقحم نفسه في السياسة؟ ألم يجلب العار على اسم المسيح؟ ألم تُحرق عشرات الكنائس، ويُذبح ويُقتل المسيحيون في أنحاء مختلفة سواء داخل مصر أو خارجها، وتُحرق بيوتهم، ويُسحل بعضهم في الشوارع بسبب ذلك؟ دماء هؤلاء، ممَنْ تُطلب؟
إن أحدًا لا يزايد على محبة المسيحيين لوطنهم، الذي سُفكت على ترابه دماء أجدادهم القديسين في عصور الاستشهاد، وفي كل العصور. والتاريخ خير شاهد على ذلك. ولكن للسياسة رجالاتها وأدواتها. أليس هناك من المستشارين والمحامين، ورجال الأعمال والمثقفين من الأقباط الذين يستطيعون تمثيل المسيحيين خير تمثيل أمام الدولة، بعيدًا عن مَنْ يخدمون الإنجيل، أو مَنْ يدّعون ذلك.
عار على النظام البابوي ألا يكرز بالإنجيل، حتى في المناسبات الدينية. فأين الكرازة بتجسد الكلمة الأزلي، في مناسبة الميلاد؟ وأين الكرازة بالخلاص العظيم الذي صنعه الرب بموته على الصليب وقيامته من بين الأموات منتصرًا على الموت، في مناسبة القيامة؟
أين قول الكتاب: «إِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فَكَأَقْوَالِ اللهِ..» (1بطرس 4: 11).
أين الكرازة بالإنجيل في هاتين المناسبتين؟ أليس في الحضور مَنْ يجهل المسيحية، ويتشوّق إلى معرفتها؟
ماذا صنع النظام البابوي - على مرّ التاريخ - لاسم المسيح؟
إن المسيحيين يتكاثرون بالتوالد الجسدي، وليس بالكرازة بالإنجيل، وكما قال الرب: «اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ..» (يوحنا 3: 6). والكثير من هؤلاء يتركون المسيحية، ويجحدون المسيح، أو على الأقل فهم مسيحيون بالاسم.
إن تاريخ البابوية سواء في الشرق أو في الغرب، مملؤ بالخزي والعار، والتاريخ خير شاهد على ذلك. 
إن هذا البحث مقدم شهادة أمام رب الكنيسة وبانيها ومقتنيها بدمه الكريم، الذي قال بفمه الطاهر ومازالت أصداء قوله تدوي في هذا الكون الفسيح: «على هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (متى 16: 18).
وهذه الشهادة هي استكمال لما بدأه رجال الإصلاح المباركين الذين عانوا على أيدي رجال النظام البابوي من العذابات ما يندى له الجبين، وتقشعر له الأبدان، ويشيب له الولدان.
كما أنه مقدم أمام التاريخ ليسجل أنه في بداية القرن الحادي والعشرين، في مصر أم الدنيا، والتي اختص الرب شعبها دون شعوب العالم أجمع بأن نسبه إلى نفسه قائلاً: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ»، أقام الرب شهادة تكشف حقيقة هذا النظام، غرضها إنارة العقول - التي أظلمت بالتقاليد البشرية التي أبعدت كثرة من المدعوين مسيحيين عن حق الإنجيل، وأيضًا لتحرير النفوس التي استعبدت للبشر وأسلمت رقابها لمن يسوقها.. فمن مصر القديمة خرج نور العلم والمعرفة لإنارة العالم، ومن مصر الحديثة.. خرج قبس من نور الإنجيل، الذي من شأنه أن ينذر ببداية عصر نهضة وتنوير وإصلاح في شرقنا كما حدث في أوربا عندما تحررت شعوبها من قبضة رجال الدين، أو قل من قبضة المتاجرين بالدين، بتعاليمهم المنحرفة عن حق الإنجيل، ومظاهرهم الخدّاعة.

عزيزي القارئ، والدارس، والباحث عن الحق والحقيقة

إذا كانت لديك تساؤلات، لا تتردد في الاتصال بي

محمول : 01227183709

بريد إلكتروني :  saidmih @yahoo.com


الرب معك.

الفصل السابع عشر

حجج الكنائس التقليدية، والرد عليها

تثير الكنائس التقليدية بعض الحجج لإثبات أهمية التقليد، وقد تم الرد على بعضها ضمن فصول هذا البحث، ولكن بقيت بعض الحجج، رأيت من الضروري الرد عليها، حتى تبطُل تلك الحجج، وينفض مَنْ دُعي عليهم اسم المسيح من حول المتاجرين بالدين، ليلتفتوا إلى الرب وحده وكلمته المقدسة (الكتاب المقدس). 

الحجة الأولى:
يقول التقليديون: إن ليس كل ما علَّم المسيح به مدون في الأناجيل، استنادًا على ما جاء في يوحنا 21: 25: «وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ. آمِينَ».
وأيضًا ما جاء في يوحنا 20: 30: «وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ».

الرد:
لنلاحظ القول: «وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُــــوعُ»، لم يقل «تعاليم علَّـــم بها يسوع»، ولكنه قال: « أشياء صَنَعَهَا»، وحقيقة الأمر، أن ما صنعه الرب يسوع بصفته الكلمة الأزلي، الذي «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا 1: 3)، والمكتوب عنه أيضًا: « فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ» (كولوسي 1: 16).. لو تم تسجيل كل ما صنعه الرب يسوع، لكان قول الرسول يوحنا: « فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةََ» هو قول حق وصدق، ولا مبالغة فيه. ويكفي ما تخبرنا به التلسكوبات الفضائية من «وجود أكثر من مائتي وخمسين مليار مجرة، وكل مجرة بها أكثر من ثلاثمائة مليار نجم» فأين الكتب التي تساع  الحديث عن هذه المليارات من المجرات ومليارات المليارات من النجوم؟
«.. بل لو قمنا بتسجيل المعلومات الموجودة في جزيئات الـ DNA وكتابتها على الورق، لاحتجنا إلى مليون صفحة تقريبًا من صفحات دوائر المعارف. وهذا يعادل أربعين ضعفًا من دائرة المعارف البريطانية التي هي من أكبر دوائر المعارف للإنسان. وقد قدر أن جزيئات الـ DNA التي تملأ ملعقة شاي تستطيع أن تتسع لجميع المعلومات التي تحتويها جميع الكتب المطبوعة في العالم حتى الآن».
وأما القول: «وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ» (يوحنا 20: 30). فالحديث هنا عن آيات صنعها الرب يسوع لم يدونها الرسول يوحنا لأنها تفوق الحصر، فمكتوب عن الرب: «الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ» (أعمال 10: 38). فكل يوم من أيام خدمته على الأرض، كان الرب يجول يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، فمن يستطيع أن يُحصي ويُسجل كل أعمال الخير التي صنعها الرب أيام خدمته؟ لذلك كتب الرسول يوحنا على الفور: «وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ» (يوحنا 20: 31)، أي أن ما دونه الرسول يوحنا من آيات صنعها الرب يسوع كانت كافية لإيماننا بأن يسوع هو المسيح ابن الله، وأن هذا الإيمان كاف لمنحنا حياة باسمه. 

الحجة الثانية:
يقول التقليديون إن الرب كان يظهر لتلاميذه مدة أربعين يومًا وسلمهم تعاليم وتقاليد لم تدون استنادًا على ما جاء في سفر الأعمال 1: 3 «اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ».
الرد:
مما لا شك فيه، بل ومن المؤكد، أن كل الأمور المختصة بملكوت الله، والتي سمعها الرسل من الرب، قد وردت في تعاليمهم، ورسائلهم، وكتاباتهم المدونة بوحي من الله، بعد أن حلَّ عليهم الروح القدس في يوم الخمسين.
وهذا التأكيد مبني على قول الرسول يوحنا: «الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ ...» (1يوحنا 1: 3)، وكذلك استنادًا على قول الرسول بطرس: «وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ» (2بطرس 1: 19). ومكتوب: «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ» (2تيموثاوس 3: 16).
أمام هذه الإعلانات الإلهية، الواضحة وضوح الشمس في كبد السماء، التي تتحدث عن كمال وكفاية المكتوب لنا.. أمام هذه الإعلانات «يستد كل فم» (رومية 3: 19). 
أما الذين يتخذون من أعمال 1: 3 تكأة لقبول تعاليم تخالف بل وتسيء إلى كلمة الله، وإضافتها إلى الإيمان الأقدس، إنما لهم دينونة عظيمة، لأنهم لم يتحذروا لقول كاتب الرؤيا: «لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ» (رؤيا 22: 18، 19). كما داسو على تحذير الرسول بولس لأهل غلاطية: «وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا! .. إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا» (غلاطية 1: 8، 9). وتحذير آخر في 1كورنثوس 3: 11: «فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ».
فمن المؤكد أن ما تحدث به الرب لتلاميذه مدة الأربعين يومًا بعد قيامته، قام التلاميذ بتسجيله في كتاباتهم تحت قيادة الروح القدس: «لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (2بطرس 1: 21).
إن القول بأن هناك تعاليم لم تدون في الكتاب المقدس بحجة ما جاء في أعمال 1: 3، فضلاً عن أنه ينسب النقص إلى أقوال الله، وكتاب الله، أيضًا يفتح المجال أمام مَن يدسون بدع الهلاك، وينسبونها إلى التقليد. وهذا ما حدث على مدار التاريخ بإضافة تعليم وتقاليد وطقوس.. إلخ. لم ترد في كلمة الله، ولم يأمر بها الرب، كان من شأنها إبعاد الناس عن مصدر الحياة الأبدية.. الرب وكلمته، والتصاقهم بالأشخاص من ذي الألقاب الرنانة (صاحب القداسة..، صاحب النيافة..، قُدس أبونا... مُعلّم الأجيال.. إلخ.)، وابتعادهم عن الكتاب المقدس.

الحجة الثالثة:
يستند التقليديون على قول الرسول بولس الوارد في رسالة كورنثوس الأولى 11: 34 «.. وَأَمَّا الأُمُورُ الْبَاقِيَةُ فَعِنْدَمَا أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا» بأن هناك أمورًا سوف يرتبها الرسول لأهل كورنثوس لم  تُذكرفي الرسالة.
والسؤال المطروح، لماذا لم يذكر الرسول بولس هذه الأمور التي سوف يرتبها لأهل كورنثوس؟ هل كان الرسول مُقصّرا في عدم ذكر هذه الأمور؟ أم أنه خالف الوحي الإلهي في عدم ذكرها؟ أم أنها كانت أمورًا تختص بكنيسة كورنثوس بصفة خاصة، ولظروف خاصة بالمؤمنين في تلك الكنيسة، وليس للكنيسة العامة في كل زمان ومكان؟
لاشك أن الرسول بولس كان مطيعًا للوحي الإلهي في عدم ذكر تلك الأمور التي تختص بكنيسة كورنثوس وحدها وليس للكنائس كافة.
أليس كلمة الله المكتوبة بالروح القدس فيها كل الكفاية؟ ألم يقل الروح القدس على لسان الرسول بولس في رسالته الثانية لتيموثاوس ٣: ‏١٦ «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ ‍مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ».
 إن استناد التقليديون على ما جاء في رسالة كورنثوس الأولى 11: 34 ليضيفوا ما عنّ لهم من طقوس وتعاليم وتقاليد.. إلخ. هو استناد باطل، يُسيء إلى كمال وكفاية كلمة الله الموحي بها بالروح القدس.

الحجة الرابعة:
يستند التقليديون على ما جاء في رومية ٦:‏١٧ «فَشُكْراً ِللهِ، أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا لِلْخَطِيَّةِ، وَلكِنَّكُمْ أَطَعْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ صُورَةَ التَّعْلِيمِ الَّتِي ‍تَسَلَّمْتُمُوهَا» بأن هناك تعاليم يتسلمها المؤمنون لم تكتب في الكتاب المقدس. وهذا تفسير خاطئ ينسب عدم  كمال وكفاية ما دونه الرسل بالروح القدس في الكتاب المقدس، كما سبق القول. فالرسل كانت كرازتهم لليهود والأمم شفاهة في البداية، وبعد ذلك دونّوا ما علّموا به شفاهة في رسائلهم بإرشاد الروح القدس لكي تكون المرجع والمستند الوحيد للمؤمنين في كل زمان ومكان الذي يبنوا على أساسه حياتهم الروحية وشركتهم مع الآب ومع ابنه ربنا يسوع المسيح له المجد، أيضًا لتكون نورًا وهداية للبعيدين والضالين حتى يهتدوا إلى الطريق والحق والحياة، ربنا يسوع المسيح، فيخلصوا من دينونة الله، وتكون لهم الحياة الأبدية في ربنا يسوع المسيح، فمكتوب:
«وَهذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهذِهِ ‍الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ» (يوحنا الأولى ٥:‏١١).
إن لسان حال المؤمن الحقيقي: «لِيَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا» (رومية 3: 4).
أيضًا: «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ ‍مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ» (2 تيموثاوس 3: 16).

إن تحريض وتحذير الروح القدس للتقليديين الذين لم يجعلوا الكتاب المقدس مرجعهم الوحيد:
«إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ ‍فَجْرٌ!»
(إشعياء ٨:‏٢٠).

أما قصة الخلق التي تسلمها موسى بالتقليد الشفاهي، فقد سجلها بوحي من الروح القدس في الكتاب المقدس.
إن كمال وكفاية الكتاب المقدس تُبطل كل ادعاء بوجود تقليد شفاهي، بعد أن تم تسجيل أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد بالروح القدس.




أسئلة عن الفصل السابع عشر

1- هل قول الرسول يوحنا: «وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ» فيه مبالغة؟ ولماذا؟
2- كيف ترد على الحجة القائلة بأن المسيح بعد القيامة  كان يظهر لتلاميذه ويحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله؟
3-  كيف يهين التقليديون أقوال الله الموحى بها بالروح القدس؟
4- ما هو لسان حال المؤمن الحقيقي؟
5- ما هو تحذير الروح القدس للتقليديين؟

الفصل السادس عشر

تحريضات رسولية

لقد عاصر الرسل معظم الفئات الضالة التي تم الحديث عنها في الفصل السابق، وتصدوا لها وردوا على هرطقاتها  في رسائلهم، وأخبرونا بروح النبوة عن فئات أخرى سوف تدخل دائرة المسيحية بعد رحيلهم، ومن ثمّ قاموا بتحذيرنا حتى نحترس ولا نقع في فخاخها ولاسيما أنها ارتدت ثياب التقوى والدين «وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ» (2 كورنثوس 11: 14). 
إن التحذير والاحتراس من تلك الفئات الضالة والمُضلِّلة أمر واجب على كل مؤمن حقيقي يخدم الرب بإخلاص. وقد وضع الرسول بولس قاعدة كتابية ينبغي النهج بها لتجنب الانحراف بعيدًا عن كلمة الله، وهي:
1- امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ
 تلك النصيحة الغالية التي نصح بها الرسول بولس المؤمنين في تسالونيكي إذ قال لهم:
«امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ» (تسالونيكي الأولى 5: 21).
«امتحنوا كل شيء» أي اختبروا كل شيء للتأكد من صحته وسلامته، وهو مبدأ كتابي يصح على مجالات الحياة كافة، فليس هناك شيء مستثنى من الامتحان، وإن كان الأمر كذلك، فبالأحرى كل ما يختص بكتب التراث، والتعاليم، والتقاليد الموروثة.. نختبر صحتها وسلامتها بالرجوع إلى كلمة الله.
ولقد طبق هذا المبدأ أهل بيرية، إذ شهد الكتاب عن أمانتهم للمكتوب إذ قال:
«وَكَانَ هؤُلاَءِ (أهل بيرية) أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ
فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا؟» (أعمال 17: 11).
نتعلّم من أهل بيرية أننا لا نُسلّم بصحة ما نسمعه من تعاليم لكون المتحدث بها شخص يشغل منصبًا دينيًا كبيرًا، فعلى الرغم من أن المتحدث إليهم كان الرسول بولس، إلا إنهم رجعوا إلى جهة الاختصاص التي بيدها إصدار القرار بصحة أو عدم صحة التعليم المقدم لهم، وليس من جهة مختصة سوى الكتاب المقدس، عملاً بقول الكتاب:
«إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ!»
(إشعياء 8: 20).
إن الكثيرين ممن وقعوا في البدع والهرطقات كانوا يشغلون مراكز دينية عليا، فضلاً عن تميّزهم بمظاهر القداسة، فآريوس ونسطور وأوطاخي وغيرهم كانوا قادة كبار في كنائسهم، فعندما أخطأوا في التعليم أضلوا الكثيرين من أتباعهم، والمطيعين لتعاليمهم طاعة عمياء.

2- التمسك بالإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ
كان يهوذا يود أن يكتب للمؤمنين الموجّهة لهم الرسالة عن الخلاص المشترك، لكنه رأى - بإرشاد من الروح القدس - أن يكتب لهم عن الإيمان المسلّم مرة للقديسين لكي يتمسكوا به وسط الأضاليل والهرطقات التي انتشرت وسطهم، وإذا علمنا أن الرسالة كُتبت قبل خراب أورشليم عام 70م لأدركنا أن التعاليم التي تسيء إلى الإيمان المسيحي بدأت مبكرة جدًا. يكتب يهوذا للمؤمنين:
«أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ الْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنِ الْخَلاَصِ الْمُشْتَرَكِ، اضْطُرِرْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ وَاعِظًا أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ، لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهذِهِ الدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ، يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ، وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ: اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ» (يهوذا 3، 4).
حيث أن كلمة «تجتهدوا» في الأصل اليوناني ἐπαγωνίζεσθαι  (إيباجونيزيسثاي) تعني:
    يكافح من أجل، يجتهد، يناضل من أجل
   Struggle for, earnestly, contend for, 
كان يهوذا يريد جاهدًا أن يكتب لهم عن الخلاص المشترك، لكنه رأى بالروح القدس المخاطر المعاصرة له، والمستقبلية، التي تتعرض لها حقائق الإيمان المسيحي، فوجد من الأهمية بمكان أن يُحرّض المؤمنين المعاصرين له، والمؤمنين في كل عصر، على الكفاح والنضال من أجل الحفاظ والتمسك بالإيمان المُسلَّم مرة للقديسين، دون إضافة تعاليم أو مبادئ جديدة، الأمر الذي حذّر منه الرسول بولس المؤمنين في غلاطية إذ قال لهم:
«وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا»
(غلاطية 1: 8).
وكذلك التحذير الذي ورد في سفر الرؤيا:
«لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ،
وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ» (رؤيا 22: 18، 19).
 لذلك قال الرسول يوحنا:
«أَمَّا أَنْتُمْ فَمَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ فَلْيَثْبُتْ إِذًا فِيكُمْ. إِنْ ثَبَتَ فِيكُمْ مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ، فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَثْبُتُونَ فِي الابْنِ وَفِي الآبِ» (يوحنا الأولى 2: 24).
3-  حْفَظِ الْوَدِيعَةَ، والتَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ:
«يَا تِيمُوثَاوُسُ، احْفَظِ الْوَدِيعَةَ، مُعْرِضًا عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ،
وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاسْمِ» (1تيموثاوس 6: 20).
«تَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي، فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا»
(2تيموثاوس 1: 13، 14).
كانت مشغولية قلب الرسول بولس أن يحرض تيموثاوس على حفظ الوديعة أي أقوال الله الصادقة التي سمعها منه، وهو تحريض يصدق على كل المؤمنين في كل زمان ومكان.
فهل حفظ المؤمنون، عبر الأجيال، أقوال الله الصادقة.. الإيمان المُسلَّم مرة للقديسين، دون إضافة أو حذف؟
نشكر الرب من أجل البقية الأمينة التي حافظت على الوديعة.. الإيمان المسلّم مرّة للقديسين.. أقوال الله المقدسة.. الكتاب المقدس، ورفضت كل تقاليد من وضع البشر.
هذه البقية الأمينة القليلة العدد، وُجدت في كل جيل وعصر، لتكون شاهدة أيضًا على الضلال الذي انتاب المسيحية الإسمية.

أسئلة عن الفصل السادس عشر


1- ماذا يقصد الكتاب بعبارة «امتحنوا كل شيء»؟
2- لماذا كان أهل بيرية أشرف من الذين في تسالونيكي؟
3- هل علو مركز الواعظ يعصمه من الوقوع في الهرطقة؟
4- هات أمثلة من التاريخ عن أشخاص شغلوا مناصب دينية عليا، وقعوا في الهرطقة؟
5- ما هو الاضطرار الذي دفع يهوذا أن يُغيّر الموضوع الذي كان يود أن يخاطب به المؤمنين؟
6- ماذا يقصد بالإيمان المُسلّم مرّة للقديسين؟
7- ماذا يعني الرسول بولس بقوله: «وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا»؟
8-  ماذا تعني كلمة «َنَاثِيمَا»؟

الفصل الخامس عشر

تحذيرات كتابية

الحقيقة التي لا مفر منها أن المسيحية  أُبتليت منذ عصرها الباكر، بالانقسامات،  فالرسول بولس يكتب إلى أهل كورنثوس قائلاً: «لاَ يَكُونَ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٌ.. لأَنِّي أُخْبِرْتُ عَنْكُمْ يَا إِخْوَتِي مِنْ أَهْلِ خُلُوِي أَنَّ بَيْنَكُمْ خُصُومَاتٍ، فَأَنَا أَعْنِي هَذَا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَقُولُ: أَنَا لِبُولُسَ وَأَنَا لأَبُلُّوسَ وَأَنَا لِصَفَا وَأَنَا لِلْمَسِيحِ، هَلِ انْقَسَمَ الْمَسِيحُ؟» (1كورنثوس 1: 11-13). 
كما ابتليت بتضافر جحافل الظلمة للنيل من نقاء تعاليمها الإلهية، وتشويهها، بل وإبعادها عن مسارها الإلهي، الذي رسمه الرب لها، ورسله الكرام من بعده. وهذا ليس بغريب، أو عجيب، لأن المسيحية في نقاء تعاليمها تمثل خطورة على مملكة الظلمة، وكذلك تمثل تهديدًا لقوى الشر. لذلك اتبع عدو الخير.. إبليس، استراتيچية جهنمية من وجهتين في صراعه ضد المسيحية:
الوجهة الأولى اضطهاد المسيحيين من الذين هم من خارج دائرة المسيحية لإبادتهم، فهيج ضدهم عشرة أباطرة رومان لمحوهم من الوجود، وهو ما عُرف في التاريخ بـ «عصور الاستشهاد في المسيحية»، وهذا ما سبق وأخبر به الرب ملاك كنيسة سميرنا: «لاَ تَخَفِ الْبَتَّةَ مِمَّا أَنْتَ عَتِيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ. هُوَذَا إِبْلِيسُ مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضًا مِنْكُمْ فِي السِّجْنِ لِكَيْ تُجَرَّبُوا، وَيَكُونَ لَكُمْ ضِيْقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ..» (رؤيا 2: 10)، حيث تشير العشرة أيام إلى عشرة عصور حكم فيها الأباطرة الرومان  والتي بدأت بعصر نيرون (حكم من 54م - 68م) وأنتهت بعصر دقلديانوس (حكم من 284م - 305م)، لذلك بدأ الأقباط تقويمهم للشهداء من بداية حكم الإمبراطور دقلديانوس، الإمبراطور العاشر، وأيقنوا أن نهاية حكمه هي نهاية عصور إبادة المسيحيين على أيدي الأباطرة الرومان.
إن الاضطهاد لم يكن شيئًا عارضًا في حياة المسيحيين، لقد سبق وأخبرنا الرب في متى 24: 9 «حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ‍ضِيق وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي». وكذلك في لوقا 10: 3 «ِاِذْهَبُوا! هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ مِثْلَ حُمْلاَنٍ بَيْنَ ذِئَابٍ».

أما الوجهة الثانية لإبليس في تدمير المسيحية، فهي دس رسل كذبة، وأنبياء كذبة، ومعلمين كذبة، وإخوة كذبة، داخل دائرة المسيحية لتخريبها وتقويض أركانها من الداخل، وهذا ما أشار إليه الرب في متى 13: 24، 25 «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا زَرَعَ زَرْعًا جَيِّدًا فِي حَقْلِهِ. وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْحِنْطَةِ وَمَضَى».
والرسول بولس أخبرنا بأن المسيحية تحولت إلى بيت كبير به أواني للكرامة وأخرى للهوان، فمكتوب: «وَلكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضًا، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهذِهِ لِلْهَوَانِ» (2 تيموثاوس 2: 20).

فهل نجح الشيطان في مسعاه؟

لا شك، أن الشيطان فشل في إبادة المسيحيين، وهناك قول مشهور للعلامة ترتليانوس (160-220م): “The blood of Christians is the seed of the Church” «إن دماء المسيحيين (الشهداء) هي بذار الكنيسة»، ولكن إبليس نجح إلى حد بعيد في تشويه صورة المسيحية الحقيقية، وإدخال تعاليم غريبة عن حق الإنجيل، فالرسول بولس حذر أهل كورنثوس قائلاً: «لأَنَّهُ لاَ بُدَّ (δει «ديي» = ضرورة حتمية) أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ بِدَعٌ (αιρεσεις «هيرسيس» = هرطقات)..» (1كورنثوس 11: 19).
إن دخول الهراطقة وسط المسيحيين، ونشر هرطقاتهم أمر كان حتمي، وعلل الرسول ذلك بقوله: «لِيَكُونَ الْمُزَكَّوْنَ ظَاهِرِينَ بَيْنَكُمْ» (1كورنثوس 11: 19).

كذلك جاءتنا تحذيرات من الرب نفسه إذ قال: «انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ» (متى 24: 4).
إن كلمة «انظروا»   βλέπετε (بليبيتي) تعني أيضًا: احذروا، احترسوا 
  beware,  take heed,
«لاَ يُضِلَّكُمْ»   πλανήσῃ (بلانيسي) وتعني أيضًا: الانحراف عن الطريق
 be out of the way
«أَحَدٌ». كان الرب يعلم بأن هناك مَنْ سيأتي ليُضل المسيحيين، لذلك منذ البداية سبق وحذرنا من المُضلّين، حتى لا يعتذر إنسان بالجهل، وعدم المعرفة.
ولا شك أن تحذير الرب لتلاميذه: «انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ»، هو تحذير لازم وضروري لكل المؤمنين في كل زمان ومكان أن يحترسوا على الدوام من أضاليل الشيطان وتقليده ومحاكاته لأمور الله، وذلك بفحص كل كتب التراث، وكل التعاليم، والعظات، والشروحات، والتفاسير بالرجوع إلى أقوال الله.
إن لسان حل المؤمن الحقيقي هو: ماذا يقول الرب، وماذا يقول الكتاب؟ أيضًا المبدأ الأساسي الذي يحكم ضمير المؤمن الحقيقي هو:
«لِيَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا» (رومية 3: 4).
بكل أسف وحزن شديد نجد أشخاصًا، وهم  كُثر، من داخل دائرة المسيحية الإسمية يكذبون الله، ويصدقون الإنسان، ولسان حالهم  هو: أبونا قال.. أو سيدنا قال.. فإذا أتيت له بالنص الكتابي الواضح وضوح الشمس في كبد السماء والذي لا يحتاج إلى تأويل أو تفسير، يرفض عن إصرار وعمد الالتفات إلى النص الكتابي. ولماذا يلتفت إلى النص الكتابي، والمدعو أبونا أو ا لمدعو سيدنا قدم له تعليمًا بحسب التقليد، وليس بحسب الكتاب، بل وأكثر من ذلك يُقدم  له المسيح مذبوحًا على المذبح، لنوال الغفران والحياة الأبدية؟ فهل هذا المسيحي بالاسم في حاجة إلى كلمة الله، بعد ذلك؟ يا للحسرة.  

وإذا كان لنا تحذير من الرب، فلنا تحذير آخر من الرسول بطرس:
«فَأَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ قَدْ سَبَقْتُمْ فَعَرَفْتُمُ، احْتَرِسُوا مِنْ أَنْ تَنْقَادُوا بِضَلاَلِ الأَرْدِيَاءِ،
فَتَسْقُطُوا مِنْ ثَبَاتِكُمْ» (2بطرس 3 : 17).
يكتب الرسول بطرس في القرن الأول الميلادي مُحذرًا من المُضلّين الأردياء الذين يبثون ضلالهم، وينفثون سموم تعاليمهم وسط المؤمنين ليسقطوهم من ثباتهم.
وتحذير ثالث من الرسول بولس:
«اُنْظُرُوا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِل، حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ،
حَسَبَ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ» (كولوسي 2 : 8).
لقد نسجت الكنائس التقليدية من الفلسفة الباطلة، التي هي نتاج عقل الإنسان الفاسد، قصص خرافية حول كل التعاليم النقية التي بحسب فكر الله ومقاصده، بحيث سُبي الناس بعيدًا عن كلمة الله، وانقادوا لتقاليد الناس التي تتمشى مع أنظمة العالم وليس حسب المسيح.
وهناك تحذيرات أخرى كثيرة، لا مجال لحصرها، في كلمة الله.

لقد فشل إبليس في إبادة المؤمنين، كما سبقت الإشارة، ولكنه نجح في استخدم أواني بشرية من داخل دائرة المسيحية، شغلت وظائف هامة داخل الكنيسة، أمكنها غرس بذور الضلال وسط المؤمنين منذ فجر المسيحية، تلك البذور التي انتجت على مر الأزمان مسيحية مشوهة، ممسوخة، كانت عثرة للذين هم من خارج، لأنها أبعد ما تكون عن المسيحية الحقيقية، ولقد أوضح الكتاب المقدس بعض هذه الفئات التي لها ألقاب دينية رنانة مثل رسل، أنبياء، معلمين، أساقفة...إلخ. ممن كانوا، ولا يزالوا أدوات في يد الشيطان لتخريب المسيحية من الداخل. وهم كالتالي:
1- رسل كذبة في شكل خدام للبر:
هؤلاء أشار إليهم الرسول بولس في 2كورنثوس 11: 13- 15 «لأَنَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ هُمْ رُسُلٌ كَذَبَةٌ، فَعَلَةٌ مَاكِرُونَ، مُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ إِلَى شِبْهِ رُسُلِ الْمَسِيحِ. وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ! فَلَيْسَ عَظِيمًا إِنْ كَانَ خُدَّامُهُ أَيْضًا يُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ كَخُدَّامٍ لِلْبِرِّ. الَّذِينَ نِهَايَتُهُمْ تَكُونُ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ».
هل يوجد رسل كذبة؟ 
نعم. ألم يكن يهوذا الأسخريوطي الذي أسلم الرب يسوع لليهود، ضمن رسل المسيح الاثني عشر؟
مَنْ هؤلاء المدعوين رسل كذبة؟  هل هم من خارج دائرة المسيحية؟
لا. إنهم عاملون في كرم الرب، وسط قطيع المسيح، ولكن ليس لحساب الرب بل لحساب الشيطان، يتظاهرون بالتقوى، والبر، لابسين قناع القداسة، يخدعون الناس بكلامهم المعسول، واتضاعهم الزائف، ولكنهم فعلة ماكرون، يتشبهون برسل المسيح، وجُلّ غايتهم التسلط على قطيع الرب، لكن سرعان ما تسقط الأقنعة، ويظهرون على حقيقتهم، وهذا يتضح من قول الرسول بولس للمؤمنين: «لأَنَّكُمْ تَحْتَمِلُونَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْتَعْبِدُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْكُلُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْخُذُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَرْتَفِعُ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَضْرِبُكُمْ عَلَى وُجُوهِكُمْ!» (2كورنثوس 11: 20). هذا ما كان يفعله الرسل الكذبة بالمؤمنين، وهذا أيضًا ما نراه يحدث في المسيحية الإسمية، إذ نقرأ على صفحات الجرائد بعض المدعوين كهنة يضربون الفقراء من الأقباط ويمنعون الصدقة عنهم.
2- أنبياء كذبة:
لقد ابتليت المسيحية منذ نشأتها برسل كذبة كما رأينا، ولكن هذا لم يروِ غليل إبليس، فأقام وسط المسيحيين أنبياء كذبة، مكتوب:
« أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟
لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ» (1يوحنا 4: 1).
هل يوجد أنبياء كذبة داخل دائرة المسيحية؟
 نعم. أين كانوا قبل خروجهم؟
لقد كانوا وسط المؤمنين، وهؤلاء يقول عنهم الرسول يوحنا: «مِنَّا خَرَجُوا، ..» (1يوحنا 2: 19).
لكن في وقت كثر فيه الضلال وسط المسيحية الاسمية، وتحولت إلى ديانة طقسية.. كان على المؤمنين الحقيقيين أن يخرجوا إلى المسيح بعيدًا عن الضلال، طاعة لقول الكتاب:
«فَلْنَخْرُجْ إِذًا إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ» (عبرانيين 13: 13).
فبدلاً أن تكون الكنيسة هي عمود الحق وقاعدته (1تيموثاوس 3: 15)، أمست بيتًا كبيرًا اختلطت فيه أواني الهوان بأواني الكرامة (2تيموثاوس 2: 20)، لذلك كانت نصيحة الرسول بولس هي:
«فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هذِهِ، يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ،
مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ» (2تيموثاوس 2: 21).
3- معلمون كذبة في وسط شعب الله:
يقول الرسول بطرس في رسالته الثانية 2: 1
«وَلكِنْ، كَانَ أَيْضًا فِي الشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ،
الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ. وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ،
يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلاَكًا سَرِيعًا».
ألا يوجد وسط المسيحية الإسمية، معلمون أنكروا كمال وكفاية ذبيحة المسيح على الصليب للخلاص من الدينونة الأبدية، وغفران الخطايا، ونوال الحياة الأبدية بالإيمان، وجعلوا الحصول على كل هذه البركات بالأكل فيما أسموه بذبيحة القداس، إذ يظنون أنهم يقدمون المسيح ذبيحة في كل مرة يقيمون فيه القداس.
 فبدلاً من نوال الخلاص وغفران الخطايا والحياة الأبدية بالإيمان بذبيحة المسيح التي قدمت مرة واحدة، كما قال الكتاب:
«فَبِهذِهِ الْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً»
(عبرانيين 10: 4).
نجدهم يقدمون المسيح ذبيحة (كما يعتقدون) في كل مرة يتلون فيها صلوات القداس، ناسين، أو متجاهلين قول الكتاب:
«وَأَمَّا هذَا فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ»
(عبرانيين 10: 12).
وبناء على تقديم جسد يسوع المسيح ذبيحة مرة واحدة، يضع الكتاب أمامنا النتيجة النهائية بقوله:
«لأَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِينَ» (عبرانيين 10: 14).
لقد داس التقليديون على قول الرب:
«اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ» (يوحنا 6: 47).
أي أن نوال الحياة الأبدية  ليس بالأكل والشرب ولكن بالإيمان.
وقال أيضًا وهو الصادق الأمين:
«وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ»
(يوحنا 3: 14-16).
ألا ينطبق عليهم قول الكتاب:
«فَكَمْ عِقَابًا أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقًّا مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ،
وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِسًا، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ؟»
(عبرانيين 10: 29).
ألم يوبخ الرب أمثال هؤلاء، قائلاً:
«لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ.. رَفَضْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ لِتَحْفَظُوا تَقْلِيدَكُمْ!.. مُبْطِلِينَ كَلاَمَ اللهِ بِتَقْلِيدِكُمُ الَّذِي سَلَّمْتُمُوهُ»
(مرقس 7: 8- 13).
4- إخوة كذبة:
رأينا رسل كذبة وأنبياء كذبة ومعلمين كذبة داخل دائرة المسيحية منذ بدايتها، والآن يحدثنا الكتاب عن إخوة كذبة، فمكتوب:
« ... بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ» (2كورنثوس 11: 26).
ومكتوب أيضًا:
«وَلكِنْ بِسَبَبِ الإِخْوَةِ الْكَذَبَةِ الْمُدْخَلِينَ خُفْيَةً، الَّذِينَ دَخَلُوا اخْتِلاَسًا لِيَتَجَسَّسُوا حُرِّيَّتَنَا الَّتِي لَنَا فِي الْمَسِيحِ كَيْ يَسْتَعْبِدُونَا» (غلاطية 2: 4).
لاحظ كلمة «يستعبدونا»، أي أنهم أقاموا من أنفسهم أسيادًا على قطيع المسيح، ليستعبدوه، رغم إدعائهم بأنهم إخوة، ولكنهم إخوة كذبة. أليس هذا ما يحدث في المسيحية الإسمية منذ البداية إلى الآن؟

5- أساقفة يتكلمون بأمور ملتوية ومن بينهم ذئاب خاطفة:
في حديثه الوداعي حذر الرسول بولس شيوخ كنيسة أفسس قائلاً:
«اِحْتَرِزُوا اِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ. لأَنِّي أَعْلَمُ هذَا: أَنَّهُ بَعْدَ ذِهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لاَ تُشْفِقُ عَلَى الرَّعِيَّةِ. وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلاَمِيذَ وَرَاءَهُمْ» (أعمال 20: 28-30).
أساقفة وسط رعية المسيح يتكلمون بأمور ملتوية؟! يا للعجب.
لكن لماذا؟
لكي يجتذبوا المؤمنين وراءهم، بدلاً من أن يجتذبوهم للمسيح، فالمسيح غاب عن أعينهم الكليلة. يا للحسرة.
آخرون سيدخلون بينهم أي أساقفة مثلهم، ولكنهم ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعية.. هؤلاء ينطبق عليهم قول الرب على لسان إرميا النبي:
«لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ عَنِ الرُّعَاةِ الَّذِينَ يَرْعَوْنَ شَعْبِي: أَنْتُمْ بَدَّدْتُمْ غَنَمِي وَطَرَدْتُمُوهَا وَلَمْ تَتَعَهَّدُوهَا. هأَنَذَا أُعَاقِبُكُمْ عَلَى شَرِّ أَعْمَالِكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ» (إرميا ٢٣:‏ 2).
 وقول الرب على لسان حزقيال النبي:
«هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَى الرُّعَاةِ وَأَطْلُبُ غَنَمِي مِنْ يَدِهِمْ،
وَأَكُفُّهُمْ عَنْ رَعْيِ الْغَنَمِ، وَلاَ يَرْعَى الرُّعَاةُ أَنْفُسَهُمْ بَعْدُ، فَأُخَلِّصُ غَنَمِي مِنْ أَفْوَاهِهِمْ فَلاَ تَكُونُ لَهُمْ مَأْكَلاً» (حزقيال ٣٤:‏ 10).
كلمات تقشعر لها الأبدان ويشيب من هولها الولدان..
الشكل الظاهر أمام الجماعات المسيحية أنهم أساقفة، يشعّون نورًا وتقوى واتضاعًا، ولكنهم في حقيقة الأمر هم ذئاب خاطفة.. الظلمة تلتحفهم، وأعمالهم المخزية تفضحهم، ذئاب في ثياب الحملان، تُفتح لهم البيوت على أنهم حملان، وتأتمنهم النفوس على المال والعرض، وتتعامل معهم النساء والشابات على أنهم حملان، فهم أبعد ما يكونوا عن دائرة الشك في سلوكهم، إنهم أصحاب القداسة والتقوى والورع، ولكن طبيعة الافتراس تجري في عروقهم مهما تخفّوا في ثياب الحملان، ألم يقل الرب:
«فَأُخَلِّصُ غَنَمِي مِنْ أَفْوَاهِهِمْ فَلاَ تَكُونُ لَهُمْ مَأْكَلاً». 
يحذرنا الرسول بولس منذ العصر الرسولي إلى الآن.. من بداية المسيحية إلى آخر الزمان.. من نوعين من الأساقفة، أولهما الأساقفة الذئاب الخاطفة، وثانيهما الأساقفة الذين يجمعون الناس من حولهم بكلمات ملتوية ليكوّنوا لهم شعبية. فالذي يُسرّ قلوبهم هو إلتفاف الجماهير من حولهم واجتذابها إلى أشخاصهم وليس إلى الرب.
6- أناس فجار:
لم يكتف إبليس بدس الفئات السابقة لتخريب وتقويض أركان المسيحية من الداخل بعد أن فشل في إبادة المسيحيين كما رأينا سابقًا، فقام بدس فئة أكثر خطرًا على المسيحية،  يقول عنهم يهوذا في رسالته:
«لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهذِهِ الدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ، يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ، وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ: اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ» (يهوذا 4).
هؤلاء الفجّار دخلوا خلسة وسط المؤمنين دون أن ينتبه أحد لحالتهم الحقيقية، ربما  كانوا ملتحفين بالتقوى، وربما دخلوا زاحفين كالحيّات دون أن يدري بهم أحد، وربما كان المؤمنون يغطون في نوم عميق، وقد أوضح الرب ذلك في مثل الرجل الذي زرع زرعًا جيدًا، قال:
«إِنْسَانًا زَرَعَ زَرْعًا جَيِّدًا فِي حَقْلِهِ. وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْحِنْطَةِ وَمَضَى» (متى 13: 24، 25).
 لقد حولت هذه الفئة نعمة إلهنا إلى الدعارة، يقول الكتاب:
«.. يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ..» (يهوذا 4).
ألم نسمع في أيامنا هذه عن كنائس تبيح زواج المثليين (زواج الرجل برجل مثله والمرأة بامرأة مثلها)، وأن المثليين تجرى لهم مراسم الزواج داخل هذه الكنائس! هل هناك دعارة أسوأ من ذلك.
ألم يقرر المحفل العام للكنائس المشيخية الأمريكية بإباحة زواج المثليين، أي الشواذ جنسيًا، بدعوى احترام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ورسامة هؤلاء المثليين قساوسة على منابر الكنيسة في أمريكا؟ 
 «اِبْهَتِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ مِنْ هذَا، وَاقْشَعِرِّي وَتَحَيَّرِي جِدًّا، يَقُولُ الرَّبُّ»
(إرميا ٢: ‏١٢).
عار على قادة دينيين يدّعون تبعية الإنجيل في اتخاذ مثل هذا القرار الفاجر، والذي يبيح الفجور بترخيص من كنيستهم المشيخية. يا للعار والحسرة.
ثم، لم يتوقف هذا القرار الفاجر عند إباحة زواج المثليين، بل أعطى ترخيصًا برسامة هؤلاء المثليين قساوسة بحجة احترام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.  
ألم يقرأ أصحاب هذا المحفل المشئوم قول الكتاب:
«يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ» (أعمال 5: 29).
ألم يقرأ أصحاب هذا المحفل المشئوم وصية الرب:
«لاَ تَكُنْ زَانِيَةٌ مِنْ بَنَاتِ إِسْرَائِيلَ، وَلاَ يَكُنْ مَأْبُونٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ»
(تثنية 23: 17).
حيث كلمة «مأبون» تعني الشاذ جنسيًا، وقد وردت في كثير من ترجمات الكتاب المقدس بالإنجليزية Sodomite نسبة إلى أهل سدوم الذين قال عنهم الكتاب: «وَكَانَ أَهْلُ سَدُومَ أَشْرَارًا وَخُطَاةً لَدَى الرَّبِّ جِدًّا» (تكوين 13: 13). وكان شرّ أهل سدوم هو الشذوذ الجنسي ونستدل على ذلك من تكوين 19: 5. لذلك كان عقابهم أن الرب أمطر عليهم كبريتًا ونارًا من السماء (تكوين 19: 24).
إن المحفل العام للكنائس المشيخية الأمريكية يدوس على وصية الله احترامًا للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان؟ يا للعار.  
إن الكتاب سبق وحذرنا من البداية من أمثال هؤلاء الفجّار الذين يحوّلون نعمة إلهنا إلى الدعارة.




أسئلة عن الفصل الخامس عشر


1- متى بدأت الانشقاقات داخل المسيحية؟
2-  ما هي خطة إبليس في القضاء على المسيحيين؟
3- ما هي خطة إبليس في تدمير المسيحية من الداخل؟
4- هل نجح إبليس في مسعاه؟
5- ممن حذّر الرب تلاميذه؟ وهل هذا التحذير يختص بنا أيضًا؟
6- ما هو المبدأ الأساسي الذي يحكم ضمائر المؤمنين؟
7- ممَنْ يحذرنا الرسول بطرس؟
8- ما هي الفئات التي دسها إبليس وسط المؤمنين، وما هي مهمة كل فئة من هذه الفئات؟
9- ما هو الشكل الذي يظهر به الرسل الكذبة؟
10- هل الشيطان يمكنه أن يظهر في شبه ملاك نور؟
11- ما هو الشكل الذي يظهر به خدامه؟
12- هل هناك ارتباط بين الشيطان الذي يظهر في شبه ملاك نور وبين الظهورات النورانية على قباب ومنارات بعض الكنائس التقليدية؟
13- هل هذه الظهورات تعود بالمجد للرب وحده أم لأشخاص آخرين غير الرب؟
14- ما رأيك في عدد الترنيمة الأرثوذكسية التي تقول:
مجد مريم يتعظم ... في المشارق والغروب
عظمـــوها مجدوها... ملّكــوها في القلـوب؟
15- هل عدد الترنيمة يتوافق مع قول الرب: «أَنَا الرَّبُّ هذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ..» (إشعياء 42: 8)؟
  الفصل الرابع عشر

النظام الإلهي لكنيسة الله الحيّ

بعد أن تبين لنا زيف النظام البابوي الرئاسي.. السلطوي.. السيادي من الناحيتين الكتابية والتاريخية، تأتي التساؤلات المنطقية التالية:
ما هو إذن النظام الإلهي لكنيسة الله الحيّ؟
هل ترك  الرب كنيسته بلا نظام؟
هل ترك الرب للبشر اختيار النظام الذي تدار به كنيسته؟
بداية، لابد أن نبحث عن معنى كلمة كنيسة، لأن البعض يعتقد بأن الكنيسة هي المبنى المُشيّد من الحجارة الصماء البكماء، وكلما كان البناء شاهقًا وجاذبًا للأنظار، كلما كان دليلاً على عظمة الكنيسة، وكم من الأموال أُنفقت على تشييد هذه المباني والكاتدرائيات التي مصيرها الفناء، مكتوب: «وَلَكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا» (2بطرس 3: 10).
وكما سيتضح من الشواهد التالية لم يرد نص في الكتاب المقدس يشير إلى أن الكنيسة هي بناء من حجارة صماء بكماء، ولكنه بناء من حجارة حية أي شعب الله المفدي بالدم الكريم، مكتوب: «كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ ­كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ­ بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1بطرس 2: 5)، كما لم يشر أي نص في العهد الجديد إلى بناء مُشيّد من حجارة صماء بكماء أنه بيت الله، لأنه مكتوب: «.. وَبَيْتُهُ نَحْنُ» (عبرانيين 3: 6).
إن كلمة كنيسة في النص اليوناني هي ἐκκλησία (إككليسيا) وقد وردت 114 مرة في العهد الجديد في متى 16: 18؛ 18: 17؛ أعمال 2: 47؛ 5: 11؛ 7: 38؛ 8: 1، 3؛ 9: 31؛ 11: 22، 26؛ 12: 1، 5؛ 13: 1؛ 14: 23، 27؛ 15: 3، 4، 22، 41؛ 16: 5؛ 18: 22؛ 19: 32، 39، 41؛ 20: 17، 28؛ رومية 16: 1، 4، 5، 16، 23؛ 1كورنثوس 1: 2؛ 4: 17؛ 6: 4؛ 7: 17؛ 10: 32؛ 11: 16، 18، 22؛ 12: 28؛ 14: 4، 5، 12، 19، 23، 28، 33، 34، 35؛ 15: 9؛ 16: 1، 19 (مرتان)؛ 2كورنثوس 1: 1؛ 8: 1، 18، 19، 23، 24؛ 11: 8، 28، 12: 13؛ غلاطية 1: 2، 13، 22؛ أفسس 1: 22؛ 3: 10، 21؛ 5: 23، 24، 25، 27، 29، 32؛ فيلبي 3: 6؛ 4: 15؛ كولوسي 1: 18، 24؛ 4: 15، 16؛ 1تسالونيكي 1: 1؛ 2: 14؛ 2تسالونيكي 1: 1، 4؛ 1تيموثاوس 3: 5، 15؛ 5: 16؛ فليمون 2؛ عبرانيين 2: 12؛ 12: 23؛ يعقوب 5: 14؛ 3يوحنا 6، 9، 10؛ رؤيا 1: 4، 11، 20 (مرتان)؛ 2: 1، 7، 8، 11، 12، 17، 18، 23، 29؛ 3: 1، 6، 7، 13، 14، 22؛ 22: 16.
وكلمة ἐκκλησία تشير عمومًا إلى:
أ- جماعة من المواطنين دُعو للخروج مِنْ بيوتِهم إلى بَعْض الأماكن العامِّة،  جماعة مجتمعة. مثلما جاء في أعمال 19 : 32 «..لأَنَّ الْمَحْفَلَ ἐκκλησία كَانَ مُضْطَرِباً وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَدْرُونَ لأَيِّ شَيْءٍ كَانُوا قَدِ اجْتَمَعُوا!». وبهذا المفهوم - أن الكنيسة جماعة مدعوة للخروج - قيل عن إسرائيل بعد خروجهم من أرض مصر، وترحالهم في البرية (برية سيناء) «الْكَنِيسَةِ فِي الْبَرِّيَّةِ» (أعمال 7: 38). 
ب- جماعة مدعوة للاجتماع في مكان عام بغرض التشاور.
مثلما جاء في أعمال 19: 39 «وَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَ شَيْئاً مِنْ جِهَةِ أُمُورٍ أُخَرَ فَإِنَّهُ يُقْضَى فِي مَحْفِلٍ ἐκκλησία شَرْعِيٍّ».
أما المفهوم المسيحي لكلمة ἐκκλησία في العهد الجديد فيشير إلى:
جماعة من المسيحيين (المؤمنين الحقيقيين) تجتمع معًا للعبادة. مثلما جاء في 1كورنثوس 14: 26 «.. مَتَى اجْتَمَعْتُمْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَهُ مَزْمُورٌ لَهُ تَعْلِيمٌ لَهُ لِسَانٌ لَهُ إِعْلاَنٌ لَهُ تَرْجَمَةٌ: فَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ لِلْبُنْيَانِ».
وفي إطار المعاني السابقة لكلمة ἐκκλησία نلاحظ التالي:
1-  أن الكنيسة هي جماعة المؤمنين الحقيقيين، وليس مكانًا مُشيّد من الحجارة الصماء البكماء.
2- أن هذه الجماعة مدعوة للخروج. والمؤمنون الحقيقيون مدعوون للخروج من الأنظمة الدينية الفاسدة التي نشأوا وتربوا فيها، لتبعية الرب وحده، مكتوب: «فَلْنَخْرُجْ إِذاً إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ» (عبرانيين 13: 13).
قد يحتج البعض بما ورد في أعمال 11: 26 «فَحَدَثَ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي الْكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً وَعَلَّمَا جَمْعاً غَفِيراً»، بأن الكنيسة مكان، فيقولون مكتوب: «اجْتَمَعَا فِي الْكَنِيسَةِ». وهنا نجد خطأً آخر وقع فيه مترجمو الترجمة البيروتية (الڤـاندايك) إذ كان ينبغي ترجمة العبارة السابقة كالتالي: «اجْتَمَعَا مع الْكَنِيسَةِ»، 
«they assembled themselves with the church»
وهذا يتوافق مع ما جاء في الترجمات التالية (على سبيل المثال لا الحصر):
 (KJV). (NAB), (ASV), (RV), (ESV), (ALT), (CEV), (MSG), (RSVA).
 وكذلك يتوافق مع معنى الكنيسة ἐκκλησία أنها جماعة المؤمنين المجتمعين معًا.
ونقول للمحتجين، من غير المعقول ولا المقبول أن تصاغ العبارة بالشكل التالي: «يجتمعا في الجماعة المجتمعة معًا»، لأن الأصح هو «يجتمعا مع الجماعة المجتمعة معًا (الكنيسة)».
هناك نص آخر قد يثيره التقليديون في 1كورنثوس 11: 18 «.. حِينَ تَجْتَمِعُونَ فِي الْكَنِيسَةِ،..»، بأن الكنيسة مكان يجتمع فيه المسيحيون. ونرد على هؤلاء بما جاء في ترجمة (NAB):
«when you meet as a church».
فالترجمة الدقيقة للنص السابق: «حِينَ تَجْتَمِعُونَ بصفتكم الْكَنِيسَةِ،..»، وهذه الترجمة تتوافق مع معنى كلمة «كنيسة»، أنها جماعة المؤمنين الحقيقيين.
يوجد نص آخر قد يستند عليه التقليديون في أن الكنيسة هي مبنى من حجارة صماء بكماء، ورد في 1تيموثاوس 3: 15 «وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أُبْطِئُ، فَلِكَيْ تَعْلَمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِ اللهِ، الَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ». فيقولون مكتوب: «فِي بَيْتِ اللهِ»، أي أن الكنيسة بناء مُشيد من حجارة صماء بكماء.
ونقول لهؤلاء: ما معنى بيت الله في العهد الجديد؟
هناك نص صريح لا يقبل التأويل أو التفسير في عبرانيين 3: 6 «وَأَمَّا الْمَسِيحُ فَكَابْنٍ عَلَى بَيْتِهِ. وَبَيْتُهُ نَحْنُ..»، لاحظ عبارة «وَبَيْتُهُ نَحْنُ»، والسؤال هنا: هل للمسيح بيتان، بيت من حجارة حية بيتًا روحيًّا (1بطرس 2: 5)، وبيت آخر من حجارة صماء بكماء؟
إن عبارة «فِي بَيْتِ اللهِ» في النص اليوناني هي: ἐν οἴκῳ Θεοῦ (إن إيكو ثيو) كلمة «ἐν» تترجم in, at, by about, after, against  ثم كلمة «οἴκῳ» تتضمن معنى العائلة وتترجم home, house, household, temple أما كلمة «Θεου» تترجم God.
من خلال المفردات السابقة يمكن للمترجم المُغرض أن يختار المفردات التي تطوّع النص لصالح طائفته أو مذهبه، أو معتقده، أو الكنيسة التي يدين لها بالولاء، أو إذا كان حسن النيّة، ربما يكون جاهلاً بالسياق العام للعهد الجديد فيختار مفردات تؤدي في النهاية إلى تعارض بل وتضاد نصوص العهد الجديد بعضها البعض.
إن العهد الجديد يتحدث عن الكنيسة جماعة المؤمنين الحقيقيين المجتمعين معًا للعبادة، وهي بناء من حجارة حية روحية، وأن بيت الله هو «نحن» المؤمنون الحقيقيون. لذلك عند ترجمة العبارة اليونانية ἐν οἴκῳ Θεοῦ يجب اختيار المفردات التي تتمشى مع السياق العام للعهد الجديد، لذلك كان يجب أن يترجم النص السابق هكذا:
«وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أُبْطِئُ، فَلِكَيْ تَعْلَمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَتَصَرَّفَ من نحو عائلة اللهِ، التي هي كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ».
إذن، الكنيسة هي جماعة المؤمنين الحقيقيين الذين خرجوا من الأنظمة الدينية الفاسدة ليتبعوا الرب وحده، وأن العهد الجديد كله لم يتحدث عن الكنيسة كمكان مُشيد من حجارة صماء بكماء، وإلا لكان الوحي ذكر لنا أوصاف هذا المكان وأبعاده والمواد التي يصنع منها.. إلخ. كما كان الحال في بناء خيمة الاجتماع في العهد القديم.
ولنا في حديث الرب مع تلاميذه ما يقطع كل شك، وأمامه يستد كل فم، يقول الرب: «وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ فَخُذْ مَعَكَ أَيْضاً وَاحِداً أَوِ اثْنَيْنِ لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ» (متى 18: 15 - 17). 
لاحظ قول الرب: «فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ» و«إِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ»، هل كان الرب يقصد بالكنيسة هنا المبنى المُشيد بالحجارة الصماء البكماء، أم جماعة المؤمنين الحقيقيين؟
هل هناك عاقل يتحدث إلى حجارة صماء بكماء أو يسمع من حجارة صماء بكماء، إلا إذا كانت هذه الحجارة أصنامًا يتعبد لها؟
أليس مكتوب: «أَصْنَامُهُمْ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ عَمَلُ أَيْدِي النَّاسِ. لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ. لَهَا آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُ. لَهَا مَنَاخِرُ وَلاَ تَشُمُّ. لَهَا أَيْدٍ وَلاَ تَلْمِسُ. لَهَا أَرْجُلٌ وَلاَ تَمْشِي وَلاَ تَنْطِقُ بِحَنَاجِرِهَا» (مزمور 115: 4 - 7).
إذن، الرب يقصد بقوله: «فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ» و«إِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ»، أن الكنيسة هنا هي جماعة ا لمؤمنين الحقيقيين المجتمعين معًا للعبادة.
لذلك نقرأ في أعمال 2: 47 «وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ». وفي أعمال 5: 11 نقرأ «فَصَارَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى جَمِيعِ الْكَنِيسَةِ..».
وفي أعمال 11: 22 نقرأ أيضًا «فَسُمِعَ الْخَبَرُ عَنْهُمْ فِي آذَانِ الْكَنِيسَةِ..».
والسؤال المطروح على التقليديين، هل الكنيسة المصنوعة من حجارة صماء بكماء لها آذان تسمع بها؟ أم أن المقصود هنا جماعة المؤمنين الحقيقيين؟
إن عبارة «آذَانِ الْكَنِيسَةِ» تنفي نفيًا قاطعًا أيضًا، أن تكون الكنيسة بناء من حجارة صماء بكماء. (انظر على سبيل المثال لا الحصر أعمال 12: 5؛ 14: 27؛ 15: 3، 4، 22؛ 18: 22؛ 1كورنثوس 14: 3، 4، 5، 12؛ أفسس 5: 23، 24، 25، 32؛ فيلبي 3: 6؛ كولوسي 1: 18، 24؛ 1تيموثاوس 5: 16). كل هذه الشواهد وغيرها تؤكد أن الكنيسة ليست بناءً من حجارة صماء بكماء، ولكنها جماعة المؤمنين الحقيقيين.
ويجب ملاحظة أن تدبير الكنيسة في العهد الجديد كان سرًّا مكتوما في الأزمنة الأزلية، مكتوب: «وَلِلْقَادِرِ أَنْ يُثَبِّتَكُمْ، حَسَبَ إِنْجِيلِي وَالْكِرَازَةِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، حَسَبَ إِعْلاَنِ السِّرِّ الَّذِي كَانَ مَكْتُومًا فِي الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ» (رومية 16: 15)، وقد أعلن هذا السرّ للرسول بولس بصفة خاصة، مكتوب: «أَنَّهُ بِإِعْلاَنٍ عَرَّفَنِي بِالسِّرِّ» (أفسس 3: 3). لذلك لم يعد تدبير كنيسة العهد الجديد سرّا بالنسبة للمؤمنين الحقيقيين، مكتوب: «السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ وَمُنْذُ الأَجْيَالِ، لكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ لِقِدِّيسِيهِ» (كولوسي 1: 26).
لذلك من الخطأ التعليم بأن الكنيسة في العهد الجديد هي امتداد لإسرائيل في العهد القديم،  ومن الخطأ تطبيق النبوات التي قيلت عن إسرائيل في العهد القديم على كنيسة العهد الجديد، فيجب التمييز بين المفهوم العام لكلمة ἐκκλησία والذي قيل عن إسرائيل «الْكَنِيسَةِ فِي الْبَرِّيَّةِ» (أعمال 7: 38). وبين تدبير كنيسة العهد الجديد. ومن الخطأ تطبيق ما جاء في غلاطية 6: 16 «إِسْرَائِيلِ اللهِ» على مؤمني العهد الجديد، لأن «إِسْرَائِيلِ اللهِ» المراد بهم هنا المؤمنون الحقيقيون من اليهود الذين يسلكون بموجب قانون الخليقة الجديدة.
بعد استعراض مفهوم الكنيسة، وأنها ليست بناءًا من حجارة صماء بكماء، ولكنها جماعة المؤمنين الحقيقيين في العهد الجديد، يمكن أن تثار عدة تساؤلات منطقية من الواجب الإجابة عنها، وهي:  
* أين تجتمع الكنيسة (جماعة المؤمنين الحقيقيين)؟
* متى تجتمع الكنيسة (جماعة المؤمنين الحقيقيين) للعبادة؟
* كيفية العبادة المقدمة من الكنيسة (جماعة المؤمنين الحقيقيين)؟
* مَنْ الذي يترأس المجتمعين للعبادة؟
* مَنْ الذي يقود المجتمعين في عبادتهم؟
* ما هي أنواع الخدمات والمواهب الموجودة بين جماعة المؤمنين الحقيقيين؟
* مًنْ الذي يقوم بـ: المعمودية، الزواج، عشاء الرب (التناول)، الصلاة على الموتى..إلخ؟
1-  أين تجتمع الكنيسة (جماعة المؤمنين الحقيقيين)؟
إذا بحثنا في كل العهد الجديد لا نجد مكانًا حدّده الرب لاجتماع المؤمنين، بخلاف العهد القديم، إذ كانت خيمة الاجتماع، هي المكان الذي حدّده الرب للعبادة، وتقديم الذبائح التي أمر بها...إلخ. (ارجع إلى سفر الخروج الإصحاحات من 35 إلى 40)، ثم الهيكل الذي بناه سليمان والذي حلّ محل الخيمة (ارجع إلى 1ملوك الإصحاحات من 7 إلى 9).
ولنا في حديث الرب مع المرأة السامرية ما ينفى نفيًا قاطعًا وجود مكان محدد للعبادة في العهد الجديد.
قالت المرأة للرب: «آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هَذَا الْجَبَلِ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ فِي أُورُشَلِيمَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ فِيهِ» (يوحنا 4: 20).
قال لها الرب: «يَا امْرَأَةُ صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ لاَ فِي هَذَا الْجَبَلِ وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ... وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هَؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. اَللَّهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يوحنا 4: 21 - 24).
أيضًا قول الرب: «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ» (متى 18: 20) يؤكد عدم تحديد للمكان.
فكلمة «حَيْثُمَا where» لا تعنى مكانًا محددًا.
فأينما اجتمع المؤمنون، في أي مكان، حتى لو وصل عددهم «اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ» فَهُنَاكَ يكون الرب فِي وَسْطِهِمْ.
لذلك يذكر لنا العهد الجديد أن المؤمنين الأولين كانوا يعقدون اجتماعاتهم في أي مكان، دون أن يحدد لنا الشروط الواجب توافرها في هذا المكان، مكتوب: «فَإِنِ اجْتَمَعَتِ الْكَنِيسَةُ كُلُّهَا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ..» (1كورنثوس 14: 23). فضلاً عن أن هذا النص يتحدث عن شيئين مختلفين، الكنيسة كجماعة المؤمنين الحقيقيين، والمكان الذي تجتمع فيه، فهو أيضًا لم يحدد لنا شكل هذا المكان.
لذلك نجد أن المؤمنين الأوائل كانوا يجتمعون في البيوت لكسر الخبز، مكتوب: «وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الْخُبْزَ فِي الْ‍بُيُوتِ، كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ» (أعمال 2: 46).
ثم كان الرسل يدخولون البيوت للتعليم والتبشير، مكتوب: «وَكَانُوا لاَ يَزَالُونَ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْهَيْكَلِ وَفِي الْبُيُوتِ مُعَلِّمِينَ وَمُبَشِّرِينَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (أعمال 5: 42).
لذلك نجد أن الرسول بولس يخاطب شيوخ كنيسة أفسس قائلاً: «كَيْفَ لَمْ أُؤَخِّرْ شَيْئًا مِنَ الْفَوَائِدِ إِلاَّ وَأَخْبَرْتُكُمْ وَعَلَّمْتُكُمْ بِهِ جَهْرًا وَفِي كُلِّ بَيْتٍ، شَاهِدًا لِلْيَهُودِ وَالْيُونَانِيِّينَ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللهِ وَالإِيمَانِ الَّذِي بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (أعمال 20: 20، 21).
ويرسل سلامه إلى الكنيسة التي في بيت فليمون: «بُولُسُ،... إِلَى فِلِيمُونَ الْمَحْبُوبِ وَالْعَامِلِ مَعَنَا،... وَإِلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِكَ» (فليمون 1، 2).
ويسلم على بِرِيسْكِلاَّ وَأَكِيلاَ وعلى الكنيسة التي في بيتهما «سَلِّمُوا عَلَى بِرِيسْكِلاَّ وَأَكِيلاَ الْعَامِلَيْنِ مَعِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ ... وَعَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِهِمَا» (رومية 16: 4، 5).
ويرسل سلامة إلى الإخوة في لاودكية، وإلى الكنيسة التي في بيت نمفاس: «سَلِّمُوا عَلَى الإِخْوَةِ الَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ، وَعَلَى نِمْفَاسَ وَعَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِهِ» (كولوسي 4: 15).
إذن ليس هناك مكان محدد  بأوصاف وأبعاد وشكل معين لاجتماعات المؤمنين في العهد الجديد، ويظل قول الرب للمرأة السامرية هو المبدأ الأساسي للعبادة المسيحية: «لاَ فِي هَذَا الْجَبَلِ وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ... وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هَؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ».
2- متى تجتمع الكنيسة (جماعة المؤمنين الحقيقيين) للعبادة؟
لم يحدد العهد الجديد مواقيتًا لاجتماع الكنيسة للعبادة، مكتوب: «.. مَتَى اجْتَمَعْتُمْ ..» (1كورنثوس 14: 26).
إن كلمة «متى» لا تعطينا وقتًا محددًا، فيمكن للمؤمنين أن يجتمعوا في الصباح أو في المساء أو في أي وقت آخر من اليوم، كما لا تعطينا يومًا محددًا، فيمكن للمؤمنين أن يجتمعوا في أي يوم من أيام الأسبوع، أو في كل أيام الأسبوع،  ولكن من سفر أعمال الرسل نستطيع أن نتبين أن اجتماع «كسر الخبز (عشاء الرب)» على وجه الخصوص، كان يتم في أول الأسبوع، مكتوب: «وَفِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ إِذْ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِيَكْسِرُوا خُبْزًا،..» (أعمال 20: 7). ومن 1كورنثوس 11: 20 - 25 نجد أن اجتماع المؤمنين لكسر الخبز كان يتم وقت العشاء. كما أن الرب صنع الفصح مع تلاميذه وقت المساء (متى 26: 20 - 29).
إذن، ليس هناك أوقات أو أيام محددة لاجتماعات المؤمنين، باستثناء اجتماع كسر الخبز الذي يتم أول كل أسبوع في وقت المساء.
3- كيفية العبادة المقدمة من الكنيسة (جماعة المؤمنين الحقيقيين)؟
مكتوب: «فَمَا هُوَ إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ؟ مَتَى اجْتَمَعْتُمْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَهُ مَزْمُورٌ، لَهُ تَعْلِيمٌ، لَهُ لِسَانٌ، لَهُ إِعْلاَنٌ، لَهُ تَرْجَمَةٌ. فَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ لِلْبُنْيَانِ» (1كورنثوس 14: 26).
أولاً، يخاطب الرسول المؤمنين كافة المجتمعين معًا للعبادة بصفتهم إخوة «فَمَا هُوَ إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ؟»  أي ليس فيهم أساقفة بالمعنى التقليدي أو بابوات (أسياد)، وكهنة أو قسوس وشمامسة وشعب (عبيد)، وكذلك ليس فيهم فئة تسمى الأكليروس، وفئة تسمى الشعب، وكذلك ليس فيهم قسيس يقود الاجتماع كما في الطوائف البروتستانتية، إذ يستحيل أن يُقام عشاء الرب بدون قسيس.
ثانيًا، عبارة: «فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ»، تنفي نفيًا قاطعًا أن يكون من بينهم مَنْ يترأس الاجتماع، أو مَنْ يقود الاجتماع، كما تبين المشاركة التامة للمجتمعين للعبادة. أما في الكنائس التقليدية فيستحيل أن تقام العبادة (القداس) بدون المدعو كاهن أو أسقف أو بابا حتى ولو حضر الآلاف من المسيحيين، وكأن المسيح ليس له وجود وسط شعبه، أو إذا كان موجودًا فوجوده بلا فاعلية بدون المدعوين «رجال الكهنوت». 
يلاحظ القارئ والباحث أن ما يجرى في العالم المسيحي عكس ما هو مرسوم بالروح القدس في كلمة الله.
4- مَنْ الذي يترأس المجتمعين للعبادة؟
الرب هو رأس ورئيس المجتمعين إلى اسمه للعبادة:
مكتوب: «وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، ..» (إشعياء 9: 6).
ومكتوب أيضًا: «وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ،..» (أفسس 1: 22، 23).
ويقول الرب وهو الصادق الأمين: «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ» (متى 18: 20). فإذا كان رأس الكنيسة ورئيسها في الوسط، فمن الذي يجرؤ أن يزيحه من الوسط؟ لكن المسيحية الإسمية كذّبت الصادق الأمين، وداست على أقواله، وأقامت من البشر من يحل محل الرب في الوسط، وأزاحت الرب من المشهد. فالمسيحيون بالاسم لا يرون سوى شخص البابا أو الأسقف أو الكاهن أو القس.
ونسأل الصادق الأمين، أين أنت يارب من المسيحية الإسمية؟
والرب يجيب: «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ..» (رؤيا 3: 20).
ألا يرتعب هؤلاء الذين اغتصبوا مكان الرب وسط شعبه، وأزاحوه عن المشهد، وطرودوه خارج الباب؟
5- مَنْ الذي يقود المجتمعين في عبادتهم؟
إن الرب الذي في وسط المؤمنين المجتمعين باسمه (أو إلى اسمه)، والذي هو رأس الجسد (الكنيسة)، هو الذي يقود المؤمنين في عبادتهم بالروح القدس الساكن فيهم، مكتوب: «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟» (1كورنثوس 3: 16).  لذلك قال للمرأة السامرية: «.. السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يوحنا 4: 23، 24).
أما الكنائس التقليدية فهي تصلي من كتابات مدونة تُسمى «قداسات»، يتلونها في كل مرة، وكأنهم يُسمّعون محفوظات أمام الله، وكأنهم يتلونها على الله لأول مرة، أو كأن الله أمرهم بأن يتلونها أمامه، أو قل أنها مسرحية ما يقال اليوم يقال غدًا، وما يقال اليوم، سبق وقيل من مئات السنين، فأين السجود بالروح والحق؟ وأين قول الكتاب: «الَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا». أليست إحدى الكنائس السبع المذكورة في سفر الرؤيا كانت في «ثياتيرا θυατειρα» (رؤيا 1: 11؛ 2: 18)، ومن منطوق الاسم نستدل على أن ثياتيرا من  Theater (ثييتر، مسرح) وفي زمن ليس ببعيد كان المسرح يُسمى «تياترو» فـ (ثياتيرا وثييتر Theater، وتياترو كلها واحد). إذن، العبادة في هذه الكنيسة عبادة مسرحية، الأدوار فيها موزعة بعضها يؤديه الكاهن أو الأسقف أو البابا، والبعض الآخر يؤديه المدعون شمامسة، أما الشعب فهو جمهور المتفرجين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في تلك المسرحية التي يشاهدونها ربما للمرة الألف، وبعد أن تنتهي المسرحية يخرجون وأنفسهم هانئة مستريحة لأنهم كانوا في رحاب بيت من بيوت الله، أو بالحري كانوا في رحاب القديس أو الشهيد المُسمى باسمه الكنيسة. 
أين قول الكتاب: «مَتَى اجْتَمَعْتُمْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَهُ مَزْمُورٌ، لَهُ تَعْلِيمٌ، لَهُ لِسَانٌ، لَهُ إِعْلاَنٌ، لَهُ تَرْجَمَةٌ. فَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ لِلْبُنْيَانِ» (1كورنثوس 14: 26)؟
حسنًا قال الرب عن المتمسكين بالتقاليد: «.. رَفَضْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ لِتَحْفَظُوا تَقْلِيدَكُمْ» (مرقس 7: 9).
6- ما هي أنواع الخدمات والمواهب الموجودة بين جماعة المؤمنين الحقيقيين؟
بداية، قد يتسأل البعض، إذا لم يكن هناك نظام بابوي، أو أي نظام رئاسي آخر - كما هو مُتّبع في آلاف الطوائف المنتشرة في العالم المسيحي - فكيف تدار الكنيسة؟
ونقول لهؤلاء، ألم تقرأوا في الكتاب المقدس عن حشرة «الجراد»؟
أليس مكتوب: «الْجَرَادُ لَيْسَ لَهُ مَلِكٌ، وَلكِنَّهُ يَخْرُجُ كُلُّهُ فِرَقًا فِرَقًا» (أمثال 30: 27).
مَنْ الذي يُخرج الجراد، ويقسمه فرقًا فرقًا؟ أليس الخالق العظيم، مُنظم هذا الكون، والذي له السيادة والسلطان المُطلق على مخلوقاته، والمكتوب عنه: «حَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ» (عبرانيين 1:  3).
إن الذين يتمسكون برئاسة البشر على شعب الرب إنما ينكرون ليس فقط سيادة وسلطان الخالق العظيم على مخلوقاته، بل ينكرون وجود رب الكنيسة وبانيها ومقتنيها بدمه الكريم وسط شعبه، والذي وعد المؤمنين في كل زمان ومكان قائلاً: «.. هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ» (متى 28: 20). و«حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ» (متى 18: 20).
إن رب الكنيسة هو الذي يديرها بالروح القدس، بواسطة أواني بشرية أقامها للخدمة وليس للرئاسة والسيادة والتسلط على شعبه، مكتوب عنه:
«إِذْ صَعِدَ إِلَى الْعَلاَءِ سَبَى سَبْيًا وَأَعْطَى النَّاسَ عَطَايَا.. وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ،..» (أفسس 4: 8، 11، 12).
من المعلوم - من كلمة الله - أن الرسل والأنبياء هم الذين الذين استخدمهم الرب في تأسيس الكنيسة، مكتوب: «مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ،..» (أفسس 2: 20). ودورالرسل والأنبياء قد انتهى بنشر المسيحية في أرجاء المسكونة، أيضًا بكتابة الأسفار المقدسة تحت قيادة وإرشاد الروح القدس.
ورأينا فيما سبق بطلان الادعاء بوجود خلافاء للرسل، ورأينا أيضًا أن التعليم بوجود خلافة رسولية هو تعليم فاسد غير مبني على أساس كتابي.
أما عمل المبشرين والرعاة والمعلمين فهو «لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ»، وبنيان جسد المسيح (الكنيسة جماعة المؤمنين الحقيقيين) يتم على الأساس الذي وضعه الرسل والأنبياء، وليس من حق أي إنسان أيّ مَنْ كان، أن يضع أساسًا آخر، فالرسول بولس يقول: «.. فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ» (1كورنثوس 3: 10، 11).
لا شك أن النُظم المنتشرة في العالم المسيحي ومنها النظام البابوي، هي أساس آخر، لم يضعه الرب له المجد، ولم يضعه رسله الكرام كما رأينا فيما سبق.
إن رب الكنيسة (جماعة المؤمنين الحقيقيين) لم يترك شعبه لحال سبيلهم، لينطبق عليهم القول: «كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ» (قضاة 17: 6)، بل أعطى الكنيسة «مُبَشِّرِينَ» ليكرزوا بالإنجيل في عالم تسوده الوثنية والإلحاد لِيُضِيءَ نور الإنجيل عَلَى الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ،.. ولكي يهدوا الضالين في طريق السلام، ومن ثمّ يعرفوا المسيح المخلص والفادي العظيم فينعموا بغفران الخطايا والحياة الأبدية.
أيضًا أعطى الكنيسة «رُعَاةً»، تحقيقًا لقوله في القديم: «وَأُعْطِيكُمْ رُعَاةً حَسَبَ قَلْبِي فَيَرْعُونَكُمْ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْفَهْمِ» (إرميا 3: 15).
«رُعَاةً» يقودون القطيع إلى المراعي الخضراء، مثلما قيل عن راعي الخراف العظيم: «فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي» (مزمور 23: 2).
«رُعَاةً» غير طامعين في الربح القبيح، مكتوب: «ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّارًا، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ، وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى الأَنْصِبَةِ، بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ» (1بطرس 5: 2).
«رُعَاةً» لا يضربون الفقراء من الرعية، ويمنعون عنهم الصدقات. بكل أسف وأسى وحزن شديد، هكذا يفعل الرعاة المُقامين من الناس وليس من الله، وتنشر تلك الفضائح على صفحات الجرائد.
ألا يوجد رعاة داخل دائرة المسيحية ينطبق عليهم قول الرب: «الْمَرِيضُ لَمْ تُقَوُّوهُ، وَالْمَجْرُوحُ لَمْ تَعْصِبُوهُ، وَالْمَكْسُورُ لَمْ تَجْبُرُوهُ، وَالْمَطْرُودُ لَمْ تَسْتَرِدُّوهُ، وَالضَّالُّ لَمْ تَطْلُبُوهُ، بَلْ بِشِدَّةٍ وَبِعُنْفٍ تَسَلَّطْتُمْ عَلَيْهِمْ» (حزقيال 34: 4)؟ لقد كان نتيجة إهمال هؤلاء الرعاة في رعاية شعب المسيح تشتيت الرعية: «فَتَشَتَّتَتْ بِلاَ رَاعٍ وَصَارَتْ مَأْكَلاً لِجَمِيعِ وُحُوشِ الْحَقْلِ، وَتَشَتَّتَتْ» (حزقيال 34: 5). أليس الرعاة مسئولون عن الشباب  الذي  يهجر قريته ووطنه ليسافر إلى بلاد بعيدة سعيًا في الحصول على لقمة العيش، ويذبح هناك. ألا ينطبق على هؤلاء الشباب: «صَارَتْ مَأْكَلاً لِجَمِيعِ وُحُوشِ الْحَقْلِ»؟ دم هؤلاء الشباب ممَنْ يُطلب؟
كيف يهنأ المدعوون رعاة بالكراسي الرئاسية التي يجلسون عليها، والتمتع بما لذ وطاب من أفخر المأكولات والمشروبات، وأغلى الملابس والسيارات، وتغمض أعينهم وضمائرهم مستريحة، ويوجد في رعيتهم مَنْ لا يجد قوت يومه؟ 
وليس ذلك فقط، بل أين هؤلاء الرعاة من الذين يتركون المسيح، ويجحدونه، ويُلحدون؟
سوف يأتي الوقت وهو قريب حين يتحقق قول الرب:
«وَأُقِيمُ عَلَيْهَا رُعَاةً يَرْعَوْنَهَا فَلاَ تَخَافُ بَعْدُ وَلاَ تَرْتَعِدُ وَلاَ تُفْقَدُ، يَقُولُ الرَّبُّ» 
(إرميا 23: 4).
أيضًا أعطى الكنيسة (جماعة المؤمنين الحقيقيين) «مُعَلِّمِينَ» أمناء، يقولون مع الرسول بولس: «لأَنَّنَا لَسْنَا كَالْكَثِيرِينَ غَاشِّينَ كَلِمَةَ اللهِ، لَكِنْ كَمَا مِنْ إِخْلاَصٍ، بَلْ كَمَا مِنَ اللهِ نَتَكَلَّمُ أَمَامَ اللهِ فِي الْمَسِيحِ» (2كورنثوس 2: 17)، وأيضًا: «بَلْ قَدْ رَفَضْنَا خَفَايَا الْخِزْيِ، غَيْرَ سَالِكِينَ فِي مَكْرٍ، وَلاَ غَاشِّينَ كَلِمَةَ اللهِ، بَلْ بِإِظْهَارِ الْحَقِّ، مَادِحِينَ أَنْفُسَنَا لَدَى ضَمِيرِ كُلِّ إِنْسَانٍ قُدَّامَ اللهِ» (2كورنثوس 4: 2).
 يوجد كثيرون من المُعلّمين الكذبة الذين يسلكون بمكر، ويغشون كلمة  الله، ويأولونها بما يتمشى مع عقيدتهم وطائفتهم، وإشباع نهمهم من محبة المال، والأمور الخفية الحادثة منهم سرًا ذكرها أيضاً قبيح (أفسس 5: 12)..
ولكن هناك مَنْ يفصلون كلمة الحق بالاستقامة، وها هي نصيحة الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس: «اجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ ِللهِ مُزَكُى، عَامِلاً لاَ يُخْزَى، مُفَصِّلاً كَلِمَةَ الْحَقِّ بِالاسْتِقَامَةِ» (2تيموثاوس 2: 15).
بالإضافة إلى عطايا الرب لبنيان جسده (جماعة المؤمنين الحقيقيين) المذكورة في أفسس 4: 8، 11، 12، كما رأينا، أعطى الرب أيضًا مواهب روحية لأعضاء جسده، (ارجع إلى رومية 12: 6 - 8؛ 1كورنثوس 12: 8 - 11؛ 14: 1 - 5؛ أفسس 4: 10 12)، وكذلك أعطى للبعض أن يقوموا بالخدمات التدبيرية مثل النظّار (الأساقفة) والخدام (الشمامسة)، وهناك موهبة خاصة بالتدبير، مكتوب: «.. الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ..» (رومية 12: 8). والرسول بولس يوصي تيموثاوس بخصوص إكرام «الشُّيُوخُ الْمُدَبِّرُونَ حَسَنًا»، يقول له: «أَمَّا الشُّيُوخُ الْمُدَبِّرُونَ حَسَنًا فَلْيُحْسَبُوا أَهْلاً لِكَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ، وَلاَ سِيَّمَا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ فِي الْكَلِمَةِ وَالتَّعْلِيمِ» (1تيموثاوس 5: 17).
فماذا بقى لكنيسة الله الحي لبنائها روحيًا وإدارتها تدبيريًا والرب لم يفعله؟
«مَاذَا يُصْنَعُ أَيْضًا لِكَرْمِي وَأَنَا لَمْ أَصْنَعْهُ لَهُ؟» (إشعياء 5: 4).
إن الذين أدخلوا نُظمًا لإدارة «كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ» (1تيموثاوس 3: 15) يكونوا بفعلتهم هذه قد «َقَرَّبَا أَمَامَ الرَّبِّ نَارًا غَرِيبَةً لَمْ يَأْمُرْهُمَا بِهَا» (لاويين 10: 1). مثلما فعلا ابنا هارون، وماذا كانت النتيجة؟
يقول الكتاب: «فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ وَأَكَلَتْهُمَا، فَمَاتَا أَمَامَ الرَّبِّ» (لاويين 10: 2). كان ذلك في عصر الناموس، حيث كان قضاء الله ينصب فورًا على المخطئ، أما في زمان النعمة فأناة الله تنتظر عودة الذين ضلوا بعيدًا عن كلمته، وتوبتهم ورجوعهم إلى الرب وإلى كلمته المقدسة. أما المستهينون بإمهال الله، مكتوب عنهم:
«أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ  غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ وَلَكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَباً فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ» (رومية 2: 4، 5).
7- أخيرًا، قد يحتج البعض بأنه إن لم يكن بالكنيسة كهنة بالمفهوم التقليدي، وقسوس بالمفهوم البروتستانتي، فمًنْ الذي يقوم (على سبيل المثال) بـ :
1- المعمودية
2- الزواج
3- عشاء الرب
4- الصلاة على الموتى.. إلخ.
لم يذكر العهد الجديد أشخاصًا بعينهم يقومون بهذه الأعمال، ولكن لكي يحكم رجال الكهنوت والأكليروس، بمختلف رتبهم المزعومة، قبضتهم على الرعية وإخضاعهم لسلطانهم الوهمي غير المؤسس على كلمة الله، وأن بيدهم سلطان الحل والربط، وسلطان غفران الخطايا، وأنهم  خلفاء الرسل، استلموا تابعيهم من المهد إلى اللحد.
إن كلمة الله موجودة بين أيدينا، وعلى المحتجين أن يأتوا منها بما يدل على أن هناك شخصًا محددًا ذو رتبة كهنوتية، أو كنسية، عليه القيام بتعميد الآخرين، وتزويجهم، ومناولتهم من عشاء الرب (الأفخارستيا).. إلخ.
إن المعمودية قام بها فيلبس خادم الموائد (أعمال 6: 1- 6)، والذي كانت لديه موهبة التبشير، يذكر الكتاب أنه كرز في السامرة وآمن أهل السامرة بكرازته واعتمدوا (أعمال 8: 5 - 12)، وكذلك عمّد الخصي الحبشي وزير كنداكة ملكة الحبشة ( أعمال 8: 26 - 39). 
فالذي يقوم بعماد الذين قبلوا الإيمان هو الشخص الذي بشرهم بالمسيح وآمنوا بكرازته، مثل فيلبس الخادم والمُبشّر، أو أي شيخ مُعلّم أو مُبشّر نظير فيلبس مشهودًا له بالتقوى وسط جماعة المؤمنين. والإيمان يسبق العماد طبقًا لقول الرب: «مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ» (مرقس 16: 16).
أما بخصوص الزواج، فلنا أن نسأل:
مَنْ الذي قام بمراسم زواج موسى النبي من صفورة؟ (خروج 2: 21).
ومَنْ الذي قام بمراسم زواج يوسف ابن يعقوب من أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون؟ (تكوين 41: 45).
ربما يحتج البعض بأن هذه الأمثلة هي من العهد  القديم، ونقول لهؤلاء، إذن، من الذي قام بمراسم زواج إخوة الرب وصفا وباقي الرسل؟ (1كورنثوس 9: 5).
ربما يستند التقليديون على أن  الزواج سرّ، ويستدلون على ذلك من حضور الرب في عرس قانا الجليل (يوحنا 2). ونقول لهؤلاء إن الرب حاضر في كل زمان ومكان، ولكن مَنْ الذي قام بمراسم الزواج في عرس قانا الجليل؟ بالقطع، لم يقم الرب بمراسم الزواج في عرس قانا الجليل، ولم يقم أحد من تلاميذ الرب بتلك المراسم في ذلك العرس، وإلا لذكر لنا الكتاب، وإنما عُقد العُرس بحسب التشريعات والقوانين اليهودية المعروفة في ذلك الوقت.
فالزواج ليس سرًّا فيه الروح القدس يحل على العروسين باستدعاء المدعو كاهن، ليُتحدهم ببعض، لأن العلاقة الجسدية هي التي تُتحد الاثنين معًا كجسد واحد، وليس شرطًا أن تكون هذه العلاقة شرعية، بدليل قول الكتاب عن الزاني:
«أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنِ الْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ؟ لأَنَّهُ يَقُولُ:
يَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا» (1كورنثوس 6: 16).
فالزواج، بصفة عامة، هو عقد اجتماعي يربط رجل بامرأة (حسب الشريعة التي ينتميان إليها)، وثمرة هذا الزواج هو نسل شرعي، وفي المسيحية، َقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (تكوين 2: 18). «مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ» (متى 19: 5، 6؛ انظر أيضًا مرقس 10: 7- 9). فالله هو الذي يُجمّع الرجل والمرأة معًا، مثلما أحضر حواء إلى آدم (تكوين 2: 22)، وإذا كان الله هو الذي يقوم بهذا، فمَنْ الذي يجرؤ ويغتصب عمل الله،  ويدّعي أن له سلطة القيام بمراسم الزواج؟
الكتاب يُعلمنا أنه لا دخل لما يسمون أنفسهم برجال الدين أيّ كانت مراكزهم الدينية، وأيّ كانت كنائسهم أو طوائفهم التي ينتسبون إليها في القيام بمراسم الزواج، طالما كان الله هو الذي يجمع الاثنين معًا. 
ومن المتعارف عليه بين البشر أن يتم الزواج في محفل عام، كما في عرس قانا الجليل حيث دُعي الرب وتلاميذه لحضور هذا الحفل (يوحنا 2: 2)، حتى يكون الحضور شهودًا على اتمام الزواج، وحتى إذا كان أحد الحاضرين له اعتراض شرعي على أحد العروسين يمنع إتمام العقد، يبدي اعتراضه.
وبحسب التشريعات المعاصرة يتم تسجيل عقد الزواج في الجهات الحكومية المختصة، ليكون سندًا شرعيًا يُقدم لمن يهمه الأمر. فعقد الزواج لا يكون سندًا شرعيًا أيًّ كانت الكنيسة أو الطائفة التي عُقد فيها، وأيًّ كان الشخص الذي قام بمراسمه، إلا بتسجيله أمام الجهات الحكومية ذات الشأن.
 أما «عشاء الرب» أو «كسر الخبز» أو «التناول» أو «الأفخارستيا».. إلخ.
فيمارسه المؤمنون دون حاجة إلى وجود ما يُسمى بالكاهن، أو ما يُسمى بالقس البروتستانتي، مكتوب: «لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا..» (1كورنثوس 11: 23). فالرسول هنا يخاطب المؤمنين، ولا يخاطب فئة معينة منهم، لأنه في بداية الرسالة يوجه خطابه إلى المؤمنين كافة، في كل زمان ومكان، مكتوب: «إِلَى كَنِيسَةِ اللهِ الَّتِي فِي كُورِنْثُوسَ، الْمُقَدَّسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الْمَدْعُوِّينَ قِدِّيسِين مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي كُلِّ مَكَانٍ» (1كورنثوس 1: 2).
لاحظ عبارة «مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي كُلِّ مَكَانٍ».
فالرسول لم يحدد فئة معينة من المؤمنين عندما قال: «لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا..».
إن عشاء الرب أو التناول.. إلخ. يقوم به المؤمنون الحقيقيون ولا يقتصر على مَنْ يمارسون مواهب معينة، أو يقومون بخدمات معينة وسط كنيسة الله.
أما الصلاة على الموتى، فهي بدعة شيطانية، فيها يدّعي رجال الدين أنهم يصلّون على الميت ليخففوا عنه عذاب المطهر (بحسب تعاليم الكنيسة الكاثوليكية) أو يطلبون له نياحًا (راحة) «نيحهم في فردوس النعيم».. في أحضان إبراهيم وإسحق ويعقوب.. إلخ. (بحسب الكنيسة الأرثوذكسية)، ويطلبون أن يفتح له الرب أبواب الفردوس، وكأن الرب سوف يلبي طلبهم على الفور حتى ولو كان الميت شريرًا، أما إذا كان الميت مؤمنًأ حقيقيًا فالرب ليس في انتظار أن يطلب منه أحد لأجل راحة روح هذا المؤمن.
لم يأمر الرب بالصلاة على الموتى، بل هي ضد كلمة الله. فالكتاب يُعلمنا أنه عندما يغمض الإنسان عينيه على الأرض يفتحهما في إحدى مكانين، إما في الجحيم (مكان انتظار أرواح الأشرار)، وإما في الفردوس (مكان انتظار أرواح الأبرار). قال الرب على الصليب للصّ الذي آمن به: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ».
وفي قصة الغني ولعازر قال الرب: «فَمَاتَ الْمِسْكِينُ (لعازر) وَحَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَمَاتَ الْغَنِيُّ أَيْضًا وَدُفِنَ، فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي الجَحِيمِ وَهُوَ فِي الْعَذَابِ..» (لوقا 16: 22، 23).
وهذه القصة تظهر ضلال تعليم الكنائس التقليدية والطوائف البروتستانتية التي تُعلّم بأن المسيح نزل إلى الجحيم (مكان عذاب الأشرار)، وأن أبانا إبراهيم وكل قديسي العهد القديم كان مقبوضًا عليهم من إبليس في السجن في الجحيم، ونزل المسيح إليهم إلى الجحيم ليحررهم من السجن. فهل قديسي العهد القديم كانوا في مكان عذاب الأشرار؟ وهل يترك الرب قديسيه ليقبض عليهم إبليس ويسجنهم في الجحيم؟
هل بعد ما أظهروه من إيمان وأمانه يُلقي بهم الرب في يد إبليس ليسجنهم في الجحيم؟ أي تعليم شرير هذا؟

أسئلة عن الفصل الرابع عشر

1- ما معنى كلمة كنيسة في العهد الجديد؟
2-  ما المقصود بـ «بيت الله» في العهد الجديد؟
3- ما هي حجج التقليديين بأن الكنيسة بناء من حجارة صماء بكماء، وما هو الرد على هذه الحجج؟
4- هل ترك الرب كنيسته دون نظام يديرها؟
5- هل ترك الرب إدارة كنيسته حسب استحسان كل إنسان؟
6- هل وضع الرب نظامًا لإدارة كنيسته؟
7- في مقابلة الرب مع المرأة السامرية، هل حدد مكانًا للعبادة؟
8- أين كان يجتمع المؤمنون الأوائل، وأين كانوا يكسرون الخبز؟
9- هل حدد العهد الجديد أوقاتًا معينة لاجتماعات الكنيسة بخلاف اجتماع كسر الخبز؟
10- ماذا قال الكتاب عن كيفية عبادة المؤمنين؟
11- مَنْ الذي يترأس اجتماع المؤمنين؟
12-  مَنْ الذي يقود المؤمنين في عبادتهم؟
13- ما هي المواهب والخدمات التي منحها الرب لكنيسته (جماعة المؤمنين الحقيقيين)؟
14- هل من حق أيًّ مَنْ كان أن يضع أساسًا آخر لكنيسة المسيح؟
15- ما هي صفات الرعاة الكذبة؟ اذكر ثلاث صفات لهؤلاء الرعاة.
16- ما هي  صفات الراعي الذي بحسب فكر الرب؟ اذكر ثلاث صفات لهذا الراعي.
17- هل ذكر الكتاب  شخصًا محددًا يقوم بتعميد الآخرين، وتزويجهم، ومناولتهم عشاء الرب (الأفخارستيا)، والصلاة على موتاهم.. إلخ؟
18- هل الزواج سرّ؟
19- هل سرّ الزواج هو الذي يتحد العروسين معًا كجسد واحد؟
20- كيف ترد من كلمة الله أن الزواج ليس سرًّا؟
19- مَنْ الذي يجمع العروسين معًا؟
20- هل قام الرب بمراسم الزواج في عرس قانا الجليل؟
21- هل قام أحد تلاميذ الرب بمراسم الزواج في عرس قانا الجليل؟
22- ما الحكمة في عُرف الناس بإقامة الزواج في حفل عام؟
23- ما الذي يعطي الزواج شرعيته في وقتنا الحاضر؟
24- ما رأيك في المتاجرين بالدين، الذين يستلمون الناس من المهد إلى اللحد؟
25- كيف ترد على إدعاءات هؤلاء الكذبة؟
26- هل ورد في الكتاب المقدس، ما يُسمى بالصلاة على الموتى؟
27- أين تذهب أرواح الموتى، بحسب تعاليم الكتاب؟
28- هل حقًا قبض إبليس على أرواح قديسي العهد القديم وسجنها في الجحيم؟
29- ما هو الشر المُنطوي  على هذا التعليم؟
30- ما الشرّ والتجديف المُنطوي على التعليم القائل بأن المسيح نزل إلى  الجحيم؟
الفصل الثالث عشر

البطريرك، مَنْ هو؟

إطلاق الألقاب على رؤساء الكنائس التقليدية وغيرها من الطوائف التي تنتسب إلى المسيحية، لا حد له، من المنافقين الكذّابين، ولا عجب في ذلك فإذا كان النظام من وحي الشيطان، فلابد أن يكثر به الكذب والخداع، فالرب قال عن إبليس: «.. لَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ» (يوحنا 8: 44).
فالتقليديون اعتادوا أن يُطلقوا لقب «بطريرك» على رؤساء كنائسهم في مختلف أقطار العالم، فهل ورد ذِكر البطريرك في الكتاب المقدس، ومَنْ هو البطريرك بحسب كلمة الله؟
أولاً، كلمة بطريرك πατριαρχης (بطريرشيس)، هي كلمة يونانية تتألف من مقطعين πατήρ (باتير) وتعني «أب» و ἄρχων   (أرخُن) وتعني: رئيس، قائد، حاكم، ملك، ... إلخ. أي تعني رئيس آباء ...إلخ.
ثانيًا، وردت كلمة بطريرك 4 مرات في النص اليوناني للعهد الجديد في أعمال 2: 29؛ 7: 8، 9؛ عبرانيين 7: 4.
وإذا رجعنا إلى الشواهد السابقة نجد كلمة «بطريرك = رئيس الآباء» في أعمال 2: 29 قيلت عن داود، مكتوب: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ لَكُمْ جِهَاراً عَنْ رَئِيسِ الآبَاءِ (البطريرك) دَاوُدَ إِنَّهُ مَاتَ وَدُفِنَ وَقَبْرُهُ عِنْدَنَا حَتَّى هَذَا الْيَوْمِ».
والسؤال المنطقي هل كان داود بطريركًا بمفهوم الكنائس التقليدية؟ وهل كان يرأس عددًا من الأساقفة والقسوس والشمامسة؟ وهل كانت له كاتدرائيات وله كرسي في كل كاتدرائية يليق بمقامه الرفيع؟ وهل كان يستقبله الشمامسة بلحن Pouro  (أبؤورو) الذي كلماته  تقول: «ياملك السلام أعطنا سلامك قرر لنا سلامك واغفر لنا خطايانا»، أو ولحن K`cmarwut (إكإزمارؤت) الذي كلماته تقول: «مبارك أنت بالحقيقة، مع أبيك الصالح، والروح القدس، لأنك أتيت وخلصتنا».
كلمات هذه الألحان لا تليق إلا بالرب وحده، ملك السلام الذين منحنا السلام بتقديم ذاته ذبيحة لأجلنا على الصليب، وهو المُبارك الذين أتى وخلصنا.
من التجديف أن تطلق كلمات مثل هذه الألحان على شخص من البشر أيً مَنْ كان.
وكلمة بطريرك قيلت أيضًا عن أبينا إبراهيم في عبرانيين 7: 4 مكتوب: «ثُمَّ انْظُرُوا مَا أَعْظَمَ هذَا الَّذِي أَعْطَاهُ إِبْرَاهِيمُ رَئِيسُ الآبَاءِ (البطريرك)، عُشْرًا أَيْضًا مِنْ رَأْسِ الْغَنَائِمِ».
فهل كان أبونا إبراهيم بطريركًا بمفهوم الكنائس التقليدية؟
ثم في أعمال 7: 8 مكتوب: «.. وَإِسْحَاقُ وَلَدَ يَعْقُوبَ وَيَعْقُوبُ وَلَدَ رُؤَسَاءَ الآبَاءِ (البطاركة) الاِثْنَيْ عَشَرَ».
والسؤال للتقليديين، هل يعقوب أنجب اثنى عشر بطريركًا بحسب مفهومكم التقليدي؟
هل كان «رَأُوبَيْنَ» بطريركًا؟ وعلى أي كنيسة أو طائفة أو مذهب كان بطريركًا؟
وأين كرسي «رَأُوبَيْنَ» هل في روما أم في الإسكندرية، أم في القسطنطينية، أم في أروشليم، أم في أنطاكية؟
وهل كان «شِمْعُونَ»، و«لاَوِيَ»، و«يَهُوذَا»، و«دَان»، و«نَفْتَالِي»، و«جَاد»، و«أَشِيرَ»، و«يَسَّاكَرَ»، و«زَبُولُونَ»، و«يُوسُفَ»، و«بِنْيَامِينَ» بطاركة بمفهموكم التقليدي؟ أين كاتدرائياتهم وكراسيهم؟ وهل قال الكتاب عنهم أنهم أصحاب القداسة والغبطة؟
ماذا فعل شِمْعُونَ وَلاَوِيَ البطاركة انتقامًا لأختهم دِينَةَ؟ (ارجع إلى تكوين 34).
ماذا فعل البطريرك يهوذا بامرأة لا يعلم أنها كنته (تكوين 38: 15 - 18).
وماذا فعل رَئِيسِ الآبَاءِ (البطريرك) دَاوُدَ بامرأة أوريا الحثي (2صموئيل 11)؟ وماذا فعل بزوجها؟ 
حقيقة إننا نسعى إلى حياة القداسة، ولكن ليس من البشر من هو صاحب القداسة غير الرب وحده، فهو القدوس وهو مصدر ونبع كل قداسة.
وفي أعمال 7: 9 مكتوب: «وَرُؤَسَاءُ الآبَاءِ (البطاركة) حَسَدُوا يُوسُفَ وَبَاعُوهُ إِلَى مِصْرَ وَكَانَ اللهُ مَعَهُ».
والسؤال: هل يليق بالآباء البطاركة أن يحسدوا أخاهم ويبيعوه؟
ليس بمستغرب أن يحسد الآباء البطاركة أخاهم ويبيعوه، إذا كانت هناك اشتباكات بالأسلحة البيضاء و«الشوم» بين الرهبان، ويُكتب هذا الخبر تحت عنوان: [دماء بـ «أسلحة صديقة» على أسوار «دير وادى الريان»]. والسؤال، ماذا لو - بعد مرور مدة من الزمن -  أُنتخب أحد هؤلاء الرهبان الذين استخدموا الأسلحة البيضاء والشوم في إسالة دماء زملائهم، بطريركًا؟
ليت الضمائر تستيقظ، والعقول المغيبة تنهض وتفكر، وترجع إلى الرب وكلمته.
من كلمة الله نرى أن من أُطلق عليهم بطاركة هم الآباء: إبراهيم وإسحق ويعقوب، وأبناء يعقوب (أسباط إسرائيل الاثنى عشر)، وداود.
قد يقول بعض التقليديين، أن البطريرك، هو أيضًا رئيس آباء. أليس هو رئيس الأساقفة، ورئيس كافة الرتب الكهنوتية الأخرى، ورئيس الشعب؟
ونقول للتقليديين، إذا كان البطريرك رئيس كل هؤلاء، فماذا بقيّ للمسيح؟
ألا يكون البطريرك قد حلّ محل المسيح في كل شيء يختص بالكنيسة؟
ليس ذلك بمستغرب أيضًا، فعند رسامة بطريرك (بابا) في الكنيسة التقليدية المصرية يقولون في الصلاة:
«عندما تيتمنا وترملت كنيسة الرب المقدسة التى يرعاها بتعاليمه ، تضرعنا إلى العلى أن يرشدنا إلى من هو جدير برياسة الكهنوت العظمى ليرعاها في طريق الرب ويهدينا ميناء الخلاص.. ولم يشأ أن يتركنا طويلاً يتامى ، بعد أنتقال أبينا الحبيب المثلث الطوبى والرحمات ، جزيل الوقار والكرامة البابا ..».
أليست هذه الصلاة تحوي تجاديف على شخص الرب باني الكنيسة ومقتنيها بدمه والحي إلى أبد الآبدين؟ ألم يعلن الرب له المجد عن نفسه أنه «.. حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ» (رؤيا 1: 18؛ انظر أيضًا رؤيا 4: 9، 10؛ 5: 14؛ 10: 6).
هل شعب المسيح يتيتّم وكنيسته تترمل بوفاة شخص أيًّ من كان هذا الشخص، وأيّ كانت رتبته الدينية غير الكتابية، والألقاب التي منحها له المنافقون؟
إن شعب المسيح يتيتّم وكنيسته تترمل حقًا في حالة أن المسيح الذي صلب ومات لفداء كنيسته، لم يقم من بين الأموات؟
فهل أمسك الموت والقبر الرب يسوع المسيح؟ أم أنه صعد إلى العلاء (أفسس 4: 8، 9) منتصرًا على الموت؟
أليس مكتوب عنه:
«الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي»
(عبرانيين 1: 3).
أليست هذه الصلاة التجديفية تقرّ بأن المسيح غائب  عن أبصار وأعين التقليديين،  الذين لا يرون سوى شخص أقامه الناس رئيسًا بالمخالفة لكل تعاليم الرب ورسله الكرام، فإذا مات هذا الشخص يتيتم الشعب وتترمل  الكنيسة، ويدهس الناس بعضهم بعضًا وتُزهق الأرواح في وداعه الأخير؟ يا للحسرة.
يقول التقليديون إن الأسقف أو البطريرك أو البابا هو مقترن بالكنيسة فإذا مات تترمل الكنيسة، فهل الكنيسة هي كنيسة المسيح الحي، أم كنيسة البابا أو الأسقف الميت؟
هل الكنيسة هي عروس المسيح أم عروس البابا؟
أليس مكتوب: «مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ» (يوحنا 3: 29).
هل يجرؤ إنسان أيّ مَنْ كان أن يغتصب مكان المسيح ومكانته بالنسبة لعلاقته بالكنيسة؟
وهل تجرؤ كنيسة ما أيّ كانت شهرتها وسطوتها، أن تدعي اقترانها بشخص غير الرب يسوع المسيح؟
إن كنيسة تقترن بشخص غير الرب يسوع المسيح، هي كنيسة زانية، وشخص يدّعي أنه مقترن بالكنيسة هو شخص مغتصب لعروس المسيح.
إن الكنيسة الحقيقية الآن مشبهة بعذراء مخطوبة لم يحن وقت زفافها إلى العريس الحقيقي الرب يسوع المسيح، مكتوب: «فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ» (2كورنثوس 11: 2).
وقريبًا جدًا سوف يحين وقت زفافها إلى عريسها الرب يسوع المسيح له المجد، مكتوب: «وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا» (رؤيا 21: 2).
كيف تتيتّم الكنيسة ورب الكنيسة وعدها: «وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ» (متى 28: 20).
كيف تتيتّم الكنيسة والرب وعد بأن يكون حاضرًا وسط اثنين أو ثلاثة يجتمعون باسمه (إلى اسمه)؟ ألم يقل الرب: «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ» (متى 18: 20).
مَنْ من البشر يجرؤ على أخذ مكان الرب وسط شعبه؟ أو أن يكون مع شعب الرب مدى الأيام إلى انقضاء الدهر؟
إن البطاركة الحقيقيين هم رؤساء الآباء الذين تحدث عنهم الكتاب والذين تمت الإشارة إليهم فيما سبق، أما مَنْ أُطلق عليهم بطاركة سواهم فهم بطاركة مزيفون.


أسئلة عن الفصل الثالث عشر

1- ما معنى كلمة بطريرك، وما هو أصل الكلمة ؟
2- مَنْ هو البطريرك بحسب كلمة الله؟
3- مَنْ هم البطاركة الذين تحدث عنهم الكتاب المقدس؟
4- هل البطاركة الذين ذكرهم الكتاب المقدس كانوا معصومين من الخطأ؟
5-  ما الحكمة أن يذكر الكتاب أخطاء هؤلاء رغم مكانتهم الرفيعة؟
6- ما هو التجديف المنطوي على لقب «صاحب القداسة»؟
7- مَنْ هو صاحب القداسة الحقيقي؟
8- ما مدى انحراف الكنائس التقليدية بعيدًا عن كلمة الله في توصيف عمل البطاركة التقليديين؟
9- هل تتيتم الكنيسة بموت المدعو بطريرك أو بابا؟
10- وضّح مدى التجديف في قول التقليديين بأن الأسقف أو البطريرك أو البابا هو مُقترن بالكنيسة، فإذا مات تترمل الكنيسة؟
11- بأي معنى تعتبر الكنيسة التقليدية زانية؟
الفصل الثاني عشر


الشماس، مَنْ هو؟

هذه هي الكلمة الثالثة - بعد كلمة أسأقفة وقسوس - التي أصرّ مترجمو الترجمة البيروتية والمعروفة بترجمة الـ (ڤاندايك) على عدم ترجمتها إلى العربية في فيلبي 1: 1 و 1تيموثاوس 3: 8، 12 واشتقاقها «شماس» من الترجمة السريانية (البشيطا)، وكذلك كلمتي «يتشمس، تشمسوا» الواردتين في 1تيموثاوس3: 10، 13؟
مرة أخرى نضع علامة استفهام كبيرة لماذا هذا الإصرار على عدم ترجمة هذه الكلمات إلى العربية؟
إن كلمة شماس في اليونانية هي διακόνος (دياكونوس) وقد وردت 96مرة في العهد الجديد مع تصريفاتها الأخرى، وجاءت بمعنى يخدم، خادم، خدمة وهذا ما أوردته الترجمة البيروتية (ماعدا الشواهد المذكورة سابقًا) في متى 4: 11؛ 8: 15؛ 20: 26، 28؛ 22: 13؛ 23: 11؛ 25: 44؛ 27: 55؛ مرقس 1: 13، 31؛ 9: 35؛ 10: 43، 45؛ 15: 41؛ لوقا 4: 39؛ 8: 3؛ 10: 40 (مرتين)؛ 12: 37؛ 17: 8؛ 22: 26، 27 (مرتين)؛ يوحنا 2: 5، 9؛ 12: 2، 26 (3 مرات)؛ أعمال 1: 17، 25؛ 6: 1، 2، 4؛ 11: 29؛ 12: 25؛ 19: 22 ؛ 20: 24؛ 21: 19؛ رومية 11: 13؛ 12: 7؛ 13: 4 (مرتين)؛ 15: 8، 25، 31؛ 16: 1؛ 1كورنثوس 3: 5؛ 12: 5؛ 16: 15؛ 2كورنثوس 3: 3، 6، 7، 8، 9 (مرتين)؛ 4: 1؛ 5: 18؛ 6: 3، 4؛ 8: 4، 19، 20؛ 9: 1، 12، 13؛ 11: 8، 15، 23؛ غلاطية 2: 17؛ أفسس 3: 7؛ 4: 12؛ 6: 21؛ فيلبي 1: 1؛ كولوسي 1: 7، 23، 25؛ 4: 7، 17؛ 1تسالونيكي 3: 2؛ 1تيموثاوس 1: 12؛ 3: 8، 10، 12، 13؛ 4: 6؛ 2تيموثاوس 1: 18؛ 4: 5، 11؛ فليمون 13؛ عبرانيين 1: 14؛ 6: 10؛ 1بطرس 1: 12؛ 4: 10، 11؛ رؤيا 2: 19.
نقرأ في متى 4: 11 «ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ وَإِذَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ).
فهل كانت الملائكة تقوم بخدمة الشموسية بمفهوم الكنائس التقليدية أي تقوم بمردات القداس؟
وقد يُصدَم التقليديون عندما يكتشفون أن كلمة διακόνος وردت في الترجمة السبعينية 3 مرات في أستير 2: 2؛ 6: 3، 5. 
فمثلاً، في أستير 2: 2 مكتوب: «فَقَالَ غِلْمَانُ الْمَلِكِ الَّذِينَ يَخْدِمُونَهُ διάκονοι..»، وكلمة «يخدمونه» تكررت في إصحاح 6: 3، 5.
والسؤال هنا: هل كان الْمَلِك أَحْشَوِيرُوشَ قسيسًا (كاهنًا) يتلو القداس، وهؤلاء الغِلْمَان شمامسة يقومون بالمردات؟
وقد يحتج البعض بأن العهد القديم كُتب بالعبرية، فلماذا الاقتباس من الترجمة السبعينية اليونانية، ونقول لهؤلاء أن الكلمة المرادفة لـ  διακόνος هي שׁרת (شاراث) في العبرية، وقد وردت 8 مرات في 1ملوك 10: 5؛ 2أخبار 9: 4؛ 24: 14؛ أستير 2: 2؛ 6: 3؛ مزمور 103: 21؛ 104: 4؛ أمثال 29: 12.
نقرأ في مزمور 104: 4 «الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحاً وَخُدَّامَهُ نَاراً مُلْتَهِبَةً».
والسؤال المطروح هو: هل ملائكة الرب شمامسة يتلون مردات القداس؟
هذه الأسئلة هي لإثارة العقل الراكد .. المتيبس، وتحفيزه على التفكير، ليتحرر من تلك الموروثات التي أبطلت كلمة الله وانحرفت بعيدًا عن الإعلان الإلهي.
في كل الشواهد السابقة لا نجد ما يشير إلى كاهن يتلو القداس ولا إلى شمامسة يتلون المردات.
ومن ثمّ فإن تعريف الكنيسة التقليدية للشماس بأنه «هو خادم الكنيسة وهو مَنْ يقوم بمعاونة الكاهن في أداء الخدمات الدينية والصلوات الكنسية» هو تعريف باطل لا أساس له في كلمة الله.
وفي أعمال 6: 1- 4 نستطيع أن نفهم جانبًا من عمل الخدام (الشمامسة حسب الترجمة البيروتية) διακόνος، مكتوب: «وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ تَكَاثَرَ التَّلاَمِيذُ، حَدَثَ تَذَمُّرٌ مِنَ الْيُونَانِيِّينَ عَلَى الْعِبْرَانِيِّينَ أَنَّ أَرَامِلَهُمْ كُنَّ يُغْفَلُ عَنْهُنَّ فِي الْخِدْمَةِ الْيَوْمِيَّةِ. فَدَعَا الاثْنَا عَشَرَ جُمْهُورَ التَّلاَمِيذِ وَقَالُوا: لاَ يُرْضِي أَنْ نَتْرُكَ نَحْنُ كَلِمَةَ اللهِ وَنَخْدِمَ مَوَائِدَ. فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَال مِنْكُمْ، مَشْهُودًا لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ، فَنُقِيمَهُمْ عَلَى هذِهِ الْحَاجَةِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنُواظِبُ عَلَى الصَّلاَةِ وَخِدْمَةِ الْكَلِمَةِ».
من النص السابق نجد نوعين من الخدام، خدام يقومون بأعمال تدبيرية وسط الجماعة المسيحية، مشار إليها بـ «خدمة موائد»، وهناك خدام يقومون بخدمة الوعظ والتعليم والتبشير مشار إليها بـ «خدمة الكلمة».

ومن الشواهد السابقة في العهد القديم والعهد الجديد نجد أن كلمة خادم διακόνος وفي العبرية שׁרת هي كلمة عامة تنطبق على أي شخص يقوم بعمل الخدمة أيًا كان نوع هذه الخدمة.
وفي دائرة المسيحية تنطبق على مَنْ يقومون بالخدمات التدبيرية، وأيضًا على مَنْ يقومون بخدمة الكلمة، ولا تنطبق من قريب أو بعيد على عمل الشماس في الكنائس التقليدية وذلك من خلال الشواهد السابقة كافة.

 وحسنًا ما فعلته ترجمة «كتاب الحياة» في ترجمة النصوص التي جاءت فيها الكلمات «شمامسة، يتشمسوا، تشمسوا»:
صفات الذين يقومون بخدمة التدبير (الشمامسة) بحسب كلمة  الله:
في 1تيموثاوس 3 تأتي صفات الشمامسة بعد صفات الأساقفة مباشرة، ولا ذكر للقسوس، حيث سبق التوضيح بأن القسوس (الشيوخ) هم ذاتهم الأساقفة (النُظّار).
يقول الكتاب: «يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الشَّمَامِسَةُ ذَوِي وَقَارٍ، لاَ ذَوِي لِسَانَيْنِ، غَيْرَ مُولَعِينَ بِالْخَمْرِ الْكَثِيرِ، وَلاَ طَامِعِينَ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ، وَلَهُمْ سِرُّ الإِيمَانِ بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ وَإِنَّمَا هؤُلاَءِ أَيْضًا لِيُخْتَبَرُوا أَوَّلاً، ثُمَّ يَتَشَمَّسُوا إِنْ كَانُوا بِلاَ لَوْمٍ» (1تيموثاوس 3: 8 - 10).
يبدو أن هناك صفات مشتركة تجمع بين النُّظّار (الأساقفة) والخدام (الشمامسة) «غَيْرَ مُولَعِينَ بِالْخَمْرِ الْكَثِيرِ، وَلاَ طَامِعِينَ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ»، ولكن الفرق بينهما هو أن النُّظّار (الأساقفة) يُقيمهم الروح القدس لرعاية المؤمنين، كما سبق توضيح ذلك، أما الخدام (الشمامسة) فينتخبهم الشعب، مكتوب: «فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَال مِنْكُمْ، مَشْهُودًا لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ..» (أعمال 6: 3).

أسئلة عن الفصل الثاني عشر

1- ما معنى كلمة شماس؟
2- ما هي الترجمة العربية لكلمة شماس؟
3- هل كان هناك شمامسة في العهد القديم؟
4- كم مرة أُطلقت كلمة شماس في العهد القديم، وفي أي سفر؟
5- بأي مفهوم اعتبار الملائكة شمامسة؟
6- ما مدى انحراف الكنائس التقليدية بعيدًا عن كلمة الله في توصيف عمل الشماس؟
7- في أي مناسبة أقام الرسل شمامسة؟ وفي أي سفر ذُكر ذلك؟
8- اذكر اثنين من الشمامسة كانت لهم خدمة الوعظ والتبشير؟
9- مَنْ هو الشماس الذي عمّد الخصي  الحبشي؟ وهل يحق للشماس أن يُعمّد أحدًا؟
10- ما هي الشروط  الكتابية الواجب توافرها في الشماس؟